الارشاد الروحي

الخلق والسقوط والفداء من جهة الخبرة في حياتنا العامة والشخصية

الخلق والسقوط والفداء من جهة الخبرة في حياتنا العامة والشخصية

الخلق والسقوط والفداء من جهة الخبرة في حياتنا العامة والشخصية
الخلق والسقوط والفداء من جهة الخبرة في حياتنا العامة والشخصية

+ يلزمنا أن نعي جيداً أن الكتاب المقدس لا يدور أو يقف فقط عند حل مشكلة خطايا إنسانيتنا الساقطة المُعقدة، وكيف ننجو من يوم الدينونة، لأن الله منذ بداية الخلق حسب إعلانه الخاص في الكتاب المقدس لم نسمع أو نقرأ أو نجد أنه صنع أو خلق أي نوع من أنواع محاكم القضاء ليضع الإنسان أمام الدينونة، بل ولم يُعِدّ مكان اسمه الجحيم ليلقي فيه الإنسان المخالف لوصيته وكلمته ومن ثمَّ يشعل فيه النيران ويظل يعذبه للأبد، لأن هذا الفكر المشوش المقتطع من الآيات الموجودة عن الدينونة هو نتاج السقوط من محبة الله؛ لكننا نلاحظ أن الله بدأ بالخلق في أبدع الصور وأجملها وفي ختام كل مرحله من مراحل الخلق نجد أنه رأى أنه حسنٌ جداً، ثم ظل يعمل على مدى التاريخ ولم يترك خليقته نتاج عمله الصالح الخاص، بل كما بدأ بالخلق وارتاح في عمله هذا انتهى أيضاً – حسب إعلان الكتاب المقدس – بالخلق الجديد، أي بدأ بالخليقة حسب الجسد وترتيب العالم ونظامه وانتهى بالخليقة الجديدة في المسيح يسوع ربنا، وصار هذا مصدراً حقيقياً واقعياً لراحة الله والإنسان، أي أن الله ارتاح في خليقته الجديدة والإنسان ارتاح في الله بالإيمان الحي العامل بالمحبة نتيجة قبوله إعلان الخلاص في الإنجيل. وهذا هو السرور الخاص المتبادل بين الله والإنسان.

(1) فهذا العالم المخلوق، هو حسب مسرة مشيئة الله، لأن في مجمله بكل ما فيه هوَّ خليقة صالحة لإله واحد حي قد ختم كل شيء ببصمته واضعاً ملامحه الخاصة فيه، حتى صار كل شيء فيه يشهد عن صلاحه وغنى محبته الفائقة، وأيضاً عن سيادته وسلطانه العظيم الفائق، لأنه هو السيد الذي يسود على الأحياء والأموات، وكل شيء تحت سلطانه وسيادته الخاصة، لأنه ليس لأحد ان يسود او يتسلط على الخليقة كلها غيره وحده فقط، حتى وأن بدى أمام الناس غير ذلك من جهة نظرتهم الضيقة المحدودة التي لا ترى غير الأمور الزمنية، والتاريخ نفسه يشهد أنه لم تبقى مملكة أو إمبراطورية سيدة على العالم إلا فترات محدودة وأن بدت طويلة لكنها لم تدوم كثيراً، بل وكل حلم يراود الممالك العظيمة لكي تسود على العالم في النهاية لابد من أن تستيقظ على كارثة انهيارها وسحق طموحها لأنه حاولت ان تغتصب ما ليس لها.

(2) أما من جهة خلقنا نحن البشر، فقد خُلقنا على الصورة الملكية، صورة الله الخالق، وبذلك وُجِدنا لعلاقة الشركة مع الله مصدر الخليقة ورأسها الحي، ومع بعضنا البعض في جو المحبة التي يشعها الله ويبثها فينا، لأننا منه نستمد القوة للاستمرار في حياة الشركة المقدسة بيننا وبينه وبين بعضنا البعض لكي نكون إنسان بكل ما في الكلمة من معنى، محققين قصد الله في الخليقة.

(3) والخطأ الذي وقع بعد الخلق الأول، أننا نحن البشر قد رفضنا وضعنا الطبيعي ولم نرضى بالارتباط الوثيق بيننا وبين الله كرأس لنا، فتمردنا عليه في عدم الطاعة السلوكية والروحية، وأراد كل واحد فينا أن يستقل منفصلاً عن الله وبالتالي عن كل آخر، فعشنا في عزلة وتفرد، وذلك جلب علينا نحن البشر تداعيات الشرّ على كل جوانب الحياة سواء على المستوى الشخصي الفردي أو الجماعي من جهة علاقة كل واحد بالآخر وبالبيئة الطبيعية وبالله نفسه، وهذا بالطبع جعلنا ندخل في حالة من التشويش حتى فقدنا العقل والتعقل، وأصبحنا نستخدم قوانا العقيلة المُذهلة لكي نُفسر ونُبرر شرنا وسقوطنا الشخصي وجعلناه شيئاً طبيعياً نفسياً واجتماعياً، حتى جعلنا الناس تشعر بالراحة في خطاياها وآثامها، وبالطبع لعدم قدرة الإنسان على الشفاء من أوجاع الخطية الداخلية فقد قَبِلَ المشورة التي زادته غماً وهماً وخدرته تماماً، هذه المشورة المفجعة التي تقول أنه من الطبيعي أن يفعل ويصنع أعمال الشرّ، لأنها ليست شراً لكنها مزروعة فيه طبيعياً، وهنا ظهر فساد الإنسان أكثر وأظهر شدة الكارثة التي وقع فيها كحفرة عميقة ليس لها قاع، وأصبح من الصعب للغاية أن يخرج منها أبداً إلا لو انفتحت عينيه على جماله الأول المخلوق عليه، وذلك بتدخل الخالق نفسه لكي ينتشله من متاهة الضياع التي دخل فيها باختياره الشخصي وضلال الفكر الباطل الذي زرعة الفاسد عدو كل خير الحية القديمة التي خدعت الإنسان بمكرها.

(4) ومع كل هذا التيه والضياع ظهر عدل محبة الله الفائق، لأنه لم يُدمر خليقته أو يهجرها تماماً، بل أظهر إحسان غنى لطفه من نحوها، إذ بعد السقوط الأول أعطى الوعد بسحق رأس الحية مصدر كل شرّ وفساد، وبدأ يظهر محبته عبر التاريخ من خلال أشخاص وأحداث بدأت بأكثر جلاء في دعوة إبراهيم وإظهار برّ الإيمان استعداداً وتمهيداً لتتميم سرّ الخلاص في العهد الجديد في ملء الزمان بظهور الابن الوحيد لتتميم أزمنة الخلاص بختم برّ الإيمان في المسيح يسوع ربنا، الذي صار هو بشخصه سرّ قوة شفاء الإنسان وتبريره التام، لأن الخلاص = شفاء، والشفاء هنا لغرض وهدف أظهره الرب يسوع في كل أعماله ومواقفه وكلماته، بأننا صرنا من لحمه وعِظامه ولنا سلام مع الله وبذلك دخلنا في يمين الشركة كأبناء في الابن الوحيد، ولم تعد للخطية سلطاناً علينا، إذ دخلنا في زمان التجديد، زمن الخليقة الجديدة التي لا دينونة عليها الآن لأنها تبررت في البار وحده شخص ربنا يسوع مخلصنا الصالح، وتعيش الآن بعربون الروح الذي يشهد على حالة التبني التي صرنا فيها، متمماً فينا حياة القداسة، لأنه يقودنا بشخصه ويعطينا كل ما لشخص ربنا يسوع حتى نصير إنسان الله الكامل في كل شيء معاً كأعضاء لبعضنا ا لبعض في جسد واحد، جسد المسيح الرب مُخلصنا.

+ رجاء الرجوع لرسالة القديس بولس الرسول لأهل رومية الإصحاح 1، 2، 6، 7، 8)

https://www.facebook.com/biblholy/posts/752790808222189