أبحاث

الجنود الدمى العنيدون – سي إس لويس

الجنود الدمى العنيدون – سي إس لويس

الجنود الدمى العنيدون – سي إس لويس

الجنود الدمى العنيدون – سي إس لويس
الجنود الدمى العنيدون – سي إس لويس

الجنود الدمى العنيدون

 

لقد صار ابن الله إنساناً كي يُمكّن الناس من أن يصيروا أبناء الله. ولسنا نعلم (على كل حال، أنا لا أعلم) كيف كانت الأمور ستسير لو أن الجنس البشري لم يعص الله قط وينضم إلى العدو. فربما كان من شأن كل إنسان أن يكون “في المسيح”، أي أن يشترك في حياة ابن الله. منذ ولادته. وربما كان من شأن الحياة الطبيعية (بيُوس) أن تنجذب إلى داخل الحياة غير المخلوقة (زُويي) فوراً وبطبيعة الحال. غير أن هذا حزرٌ وتخمين. فأنت وأنا مُعنيّان بالأمور كما هي سائرة الآن.

وإليك وصفاً لحالة الأمور الحاضرة. إن نوعي الحياة ليسا فقط مختلفين (فمن شأنهما أن يكونا كذلك دائماً) بل هما متعارضان فعلاً. فالحياة الطبيعية في كل واحد منا أمر مركزه الذات: أمر يريد أن يُدلل ويحظى بالإعجاب، ويستغل الحيوات الأخرى. ويُسخر الكون كله لمصلحته. وهي تُريد على الخصوص أن تُترك لذاتها: أن تظل بعيدة تماماً عن أي أمر أفضل منها أو أقوى أو أسمى… أي أمر قد يُشعرها بأنها صغيرة. فهي تخشى نور العالم الروحي وهواءه، تماماً كما يخشى الاستحمام من تربّوا في القذارة.

وهي، بمعنى ما، على حق تماماً. إذ إنها تعلم أنه إذا استولت عليها الحياة الروحية فسوف تقضي على أنانيتها وإرادتها الذاتية، أو عنادها، وهي متأهبة للقتال بك ضراوة للحيلولة دون ذلك.

هل فكرت مرةً، لما كنت ولداً، أي مرح يكون لك لو أُتيح للدمى التي تلعب بها أن تدب فيها الحياة؟ حسناً، هبها قد صارت حية بالفعل. وتصور أن جندياً من قصدير تحول إلى رجل صغير حقيقي. فلا بد أن يشتمل ذلك على تحويل القصدير إلى جسد بشري. وافترض أن جندي القصدير لم يعجبه ذلك. فالجسد البشري لا يثير اهتمامه، إذ كل ما يراه هو أن القصدير قد فسد. فهو يحسب أنك تقتله، وسيبذل كل ما في وسعه ليحول دون ذلك. إنه يرفض أن يصير إنساناً إذا أمكنه ذلك.

لست أدري ما كان ممكناً أن تفعله بجندي القصدير ذلك. ولكن ما فعله الله لأجلنا هو هذا: إن ثاني أقنوم في اللاهوت، أي الابن، صار هو نفسه كائناً بشرياً. فقد وُلد في العالم إنساناً حقيقياً: ذا قامة معينة، وشعر من لون محدد، متكلماً لغة مخصوصة، ووزنه مقدار معني من الكيلوغرامات. إن الكائن الأزلي، العليم بكل شيء وخالق الكون كله، صار إنساناً بعد أن كان طفلاً، ومن قبلُ جنيناً في رحم امرأة. وإن شئت أن تدرك مغزى الأمر، ففكر كما يعجبك أن تصير نملة أو أرنباً!

وقد كانت نتيجة ذلك أن صار لدينا الآن إنساناً واحد هو بالحقيقة كل ما قُصد للبشر جميعاً أن يكونوه: إنسان واحد فيه استطاعت الحياة المخلوقة، المستمدة من أمه، أن تستحيل بالكمال والتمام إلى الحياة المولودة. فالكائن البشري الطبيعي فيه اتحد كلياً بالابن السماوي. وهكذا، ففي حالة واحدة بلغت البشرية غايتها، إن صح التعبير، إذ انتقلت إلى قلب حياة المسيح.

ولأن الصعوبة كلها بالنسبة إلينا هي أن الحياة الطبيعية، بمعنى ما، ينبغي أن “تُقتل”، فقد اختار سيرة أرضية تنطوي على قتل الرغائب البشرية عند كل منعطف: من فقر، وسوء فهم من قبل أسرته الخاصة، وخيانة أحد أصدقائه المقربين له، واستهزاء العسكر به ومعاملته بخشونة، وتعذيب وإعدام.

وبعد ذلك، فأن الكائن البشري فيه، بعد قتله هكذا وقتله كل يوم بمعنى ما، عاد حياً من جديد: لأنه كان متحداً بالابن الأزلي. فالإنسان في المسيح قام من بين الأموات، وليس الله فقط. تلك هي القضية كلها. فهذه أول مرة رأينا إنساناً حقيقياً تماماً. إن جندي قصدير واحداً، من قصدير حقيقي مثله مثل الباقين، قد دبت فيه الحياة بملئها وبهائها الكاملين.

إنما هنا بالطبع نصل إلى النقطة التي فيها ينهار إيضاحي المستعار من جندي القصدير. ففي حالة الجنود الدمى أو التماثيل الحقيقين، إذا انبعث واحدٌ منهم حياُ، فمن البديهي ألا يحدث ذلك أي فرق بالنسبة إلى الآخرين. إنهم جميعاً منفصلون بعضهم عن بعض. ولكن الخلائق البشريين ليسوا كذلك. فهم يبدون منفصلين لأنك تراهم يتنقلون منفردين. إلا أننا أيضاً مصنوعون بحيث لا يمكننا أن نرى سوى اللحظة الحاضرة. ولو تسنّى لنا أن نرى الماضي، لبدا الأمر عندئذ مختلفاً بالطبع.

فقد كان زمنٌ فيه كان كل إنسان جزءاً من أُمه، وكذلك أيضاً جزءاً من أبيه (في زمن أبكر بعد)؛ وزمن كان أبواه فيه جزءاً من أجداده. ولو قُدّر لك أن ترى البشر المنتشرين عبر الزمان، كما يراهم الله، لما بدا المنظر شبيهاً بعدد غفير من الكائنات المنفصلة منتشرة هنا وهناك. وإنما كان سيبدو شبيهاً بكائن واحد نام، بل بالحري أشبه بشجرة معقدة جداً.

وسيظهر كل فرد مرتبطاً بكل فرد آخر. وليس ذلك فقط، بل إن الأفراد ليسوا منفصلين بالحقيقة عن الله، كما أنهم ليسوا منفصلين أحدهم عن الآخر، فكل رجل وامرأة وطفل في جميع أنحاء العالم يحس ويتنفس هذه اللحظة، فقط لأن الله، إن جاز التعبير، “يبقيه حياً”.

وعليه، فعندما يصير المسيح إنساناً، لا يكون ذلك بالحقيقة كما لو أُتيح لك أن تصير أنت جندي قصدير معيّناً، بل إن ذلك يكون كما لو أن شيئاً مؤثراً دائماً قد حل في الكتلة البشرية بطريقة جديدة. ومن تلك النقطة ينتشر التأثير في كل البشرية كلها. يبدأ عند نقطة محددة بالتأثير في مُجمل الكتلة البشرية كلها. وسيحدث الأمر فرقاً بالنسبة إلى الناس الذين عاشوا قبل المسيح، وكذلك أيضاً بالنسبة إلى الناس الذين عاشوا بعده. كما أنه سيُحدث فرقاً بالنسبة إلى أولئك الذين لم يسمعوا بالمسيح قط.

فذلك أشبه بأن تُسقِط في كأنس ماء قطرة واحدة من مادة تُعطي مذاقاً جديداً أو تضفي لوناً جديداً على المحتوى كله. ولكن بالطبع يبقى كل تشبيه من هذا القبيل ناقصاً من بعض الأوجه. ففي نهاية المطاف، ليس الله أحداً سوى ذاته، وما يفعله لا يُشبه أي شيء آخر. وأنت لا تكاد تتوقع أن تكون الحال على غير هذا المنوال.

فما هو إذا الفرق الذي أحدثه المسيح بالنسبة إلى الكتلة البشرية بكاملها؟ هو هذا تماماً: أن مشروع صيرورة الإنسان ابناً لله، بتحوله من كيان مخلوق إلى كيان مولود، وانتقاله من الحياة البيولوجية الوقتية إلى الحياة “الروحية” الأبدية، قد أُنجز لنا. فالبشرية “مخلّصة” فعلاً من حيث المبدأ، وعلينا نحن الأفراد أن نستفيد شخصياً من هذا الخلاص. ولكن العمل الشاق حقاً، ذاك الذي لم يكن في وسعنا أن نعمله نحن أنفسنا، قد أُكمل لنا.

فليس علينا أن نحاول الارتقاء إلى الحياة الروحية بمجهوداتنا الشخصية، إذ إن تلك الحياة قد نزلت فعلاً إلى وسط الجنس البشري، وإن نحن فقط فتحنا باب أنفسنا لذلك الإنسان الفرد الذي فيه كانت تلك الحياة حاضرة حضوراً كليّاً، والذي هو، رغم كونه الله، إنسانٌ حقيقي أيضاًن فإن يفعل ذلك فينا ولنا. أتذكر ما قلته عن “العدوى الصالحة”؟ إن واحداً من بني جنسنا له هذه الحياة الجديدة، فإن التصقنا به نلتقطها منه.

طبعاً، يمكنك التعبير عن هذه الحقيقة بطرق شتى. فلك أن تقول إن المسيح مات من أجل خطايانا. لك أن تقول إن الآب قد غفر لنا لأن المسيح فعل لأجلنا ما كان ينبغي أن نفعله نحن وعجزنا عنه. ولك أن تقول إننا مغسولون بدم الحمل. ولك أن تقول إن المسيح قد قهر الموت. فهذه التعابير كلها صحيحة. وإن كان أي منها لا يروقك، فدعه وامض بالصيغة التي تروقك. إنما مهما فعلت، فلا تبدأ تجادل الآخرين لأنهم يستخدمون صيغة تختلف عن صيغتك.

الجنود الدمى العنيدون – سي إس لويس

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !