روحيات

متى نعرف يسوع ! – أيمن فايق

في الواقع الاختباري، أي في واقعية الحياة الروحية أن معرفة الله لا تبدأ بالبحث عن العلم والأفكار العُاليا السامية والأبحاث المتخصصة، ولا بالدخول في الفلسفات وكثرة معارف الكتب الضخمة والعظيمة، ولا دراسة الجامعات اللاهوتية المتخصصة، بل تبدأ من حيث المزود، من جهة الإخلاء وفي أبسط صورة للدعوة الإلهية:
[ توبوا وآمنوا بالإنجيل – تعالى وأنظر وجدنا مسيا ]
+ فهل يوجد أبسط من هذا للدخول في سرّ لقاء المسيح الحياة !!!

فالله افتقر لكي يغنينا بفقره، واختار رعاة فقراء وبسطاء ليكونوا أول الزائرين، فالفريسيين وعلماء اليهود لم تأتيهم الدعوة، ولا الأغنياء المعتمدين على أموالهم، ولا حتى أصحاب العقائد الصحيحة، ولا الفلاسفة، ولا أصحاب الشهرة والمجد وأصحاب الفخامة أو السيادة، ولا أصحاب الطقوس العظيمة.. الخ

فالرعاة الفقراء البسطاء فازوا بلقاء طفل المزود وأتوا إليه وهم لا يملكون ثمن أبسط هدية، والمجوس الذين لا يعرفون من هو الله الحقيقي أتوا بأثمن ما عندهم ليستقبلوا طفل صغير ولم يتعالوا على الأسرة الفقيرة التي قمطت الطفل بقليل من الخرق…

فهكذا اختار الله فقراء العالم والمزدري وغير الموجود والفجار والأثمة والزناة والزواني، لأن حينما نأتي لله بعلمنا وفكرنا ومعارفنا الكثيرة وفلسفتنا وبرنا وقداستنا وأعمالنا الصالحة، نتوه عنه حتماً بكل تأكيد بل وبالضرورة، أو نحاول أن نأخذ كراسي العلماء ونحاول أن نكون مدافعين عن الحق، فالحق يهرب منا، لأننا لم نحمل روح التواضع ونأتي لمسيح الحياة عن حاجة نطلبه حياة لأنفسنا ونور لذهننا…

لذلك يضل الكثيرين ويتوهوا عن الطريق لأنهم لم يسيروا في طريق المزود طريق الإخلاء، لأن الرب يسوع أخلى ذاته وأخذ شكل العبد، فكل من لا يستطيع أن يخلي ذاته ويبحث عن مسيح البساطة الوديع المتواضع القلب فأنه حتماً يضل عنه ويتوه تماماً، لذلك أنشدت العذراء القديسة مريم أنشودتها الحلوة:
“تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي.. أنزل الأعزاء من على الكراسي رفع المتضعين… صرف الأغنياء فارغين أما الجياع أشبعهم خيرات”؛ والرب نفسه قال: “طوبى للجياع إلى البرّ لأنهم يُشبعون”.

آن الأوان يا إخوتي نغلق كل شيء، ونتخلى عن كل معرفة فكر حتى لو كان صحيح تماماً، ولا نعتمد على ذكاءنا ولا فطنتنا ولا حكمتنا بل ولا على برنا وأعمالنا ولا على قداستنا وأفعالنا الحسنة، بل نأتي كفقراء معوزين إلى الرب الوديع المتواضع القلب، لنأخذ منه ونغتني…

ولكن احذروا تمام الحذر من أن تأتوا لتطلبوا شيء يجعل الرب يترككم ويمضي، ويخرج كل واحد فيكم في حالة فلس ولم ينال شيئاً قط، بل تركه الرب ومضى، لأنه طلب مثل التلاميذ واحد عن يمينك وآخر عن يسارك، لأن هُناك من يطمعون ومن يريدوا مراكز وجلوس شرفي بل وأشياء أخرى كثيرة ومتنوعة تختلف من واحد آخر، غير مسيح القيامة والحياة بشخصه، لأن الرب لم يأتي ليعطينا مجرد عطايا، بل ليعطينا ذاته، ولا بد من أن يكون الطلب على مستوى العطية: [ أطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه فهو قريب ]

فهذه هي الطلبة التي يستجيب لها: [ أطلبوني فتجدوني إذ تطلبوني بكل قلوبكم ]…

أطلبوا الله في حياتكم، خذوه في قلوبكم، في أفكاركم، ضعوه في عيونكم، واكرموه فوق رؤسكم، بيعوا أنفسكم له، استودعوا كل حياتكم أمامه، عند قدميه، قولوا يا رب أبيع لك نفسي، مش عايز حاجة في العالم كله ولا الدهر الآتي غيرك انت تكون بشخصك وذاتك ونفسك حياتي: لي حياة هي المسيح والموت ربح؛ حسبت كل الأشياء خسارة ونفاية من أجل فضل معرفة المسيح يسوع؛ كل الأشياء في عيني صارت رخيصة وبلا قيمة، وتخليت عن كل شيء من قلبي بل وفكري لكي أربح المسيح وأوجد فيه، وهذه هي الحياة المسيحية باختصار: “أربح المسيح وأوجد فيه”

الطريق سهل جداً والعطية مجانية، والمسيح الرب منتظر في كل مخدع، منتظر أن تُعطيه قلبك، تسلم له حياتك كلها، ليس مجرد كلام ولا ألفاظ، بل تعطيه نفسك من كل قلبك وفكرك واحساسك فعلاً، بمعنى أن كيانك كله يصرخ:

+ أنا بايع نفسي ليك، لا أُريد شيءٌ قط،
+ لا في الأرض ولا السماء غيرك انت ياربي وإلهي وملكي وسيدي وحياتي ومخلصي الوحيد…
+ أنت فقط وليس غيرك
+ وحدك فقط أطلبك وأُريد أن أحيا بك
+ ولن أتنازل عن أن تكون معي كل حين
+ فبدونك أنا ميت وليس لي وجود
+ سأظل متمسكاً بكلمتك: اطلبوني فتجدوني
+ فاظهر لي ذاتك بقوة ووضح
+ أنا أُريد أن تكون أنت حياتي
+ فحضورك رغبتي وغايتي
+ أنا لك فامتلكني تماماً وقودني بروحك آمين