الردود على الشبهات

أسئلة صعبة عن اليوغا والتقمص والبوذية | إل. تي. جياكاندران L. T. Jeyachandran

أسئلة صعبة عن اليوغا والتقمص والبوذية | إل. تي. جياكاندران L. T. Jeyachandran

أسئلة صعبة عن اليوغا والتقمص والبوذية | إل. تي. جياكاندران L. T. Jeyachandran
أسئلة صعبة عن اليوغا والتقمص والبوذية | إل. تي. جياكاندران L. T. Jeyachandran

كما سبق لنا أن ذكرنا في الفصل الثامن، يواجه المسيحيون في الغرب ثقافة تزداد تأثراً أكثر فأكثر بحركة العصر الجديد، وبفلسفات وممارسات دينية شرقية أخرى. إلى ذلك لاحظنا أيضاً كيف أن المسيحيين ينبغي لهم ألا ينظروا إلى الأجوبة اللاهوتية والفلسفية التي تقدمها هذه الديانات البديلة فحسب، بل أن يمتحنوا أيضاً الجذور الأساسية التي تنبع منها هذه التعاليم.

مثلاً، تعلم المسيحية من دون أي شك أن الزمن متعاقب وأننا نحن البشر مسؤولون عن الأعمال التي عملناها في هذه الحياة، بما أن الله سوف يحاسبنا في نهايتها (عبرانيين 9: 27) وبالتالي فإن الإيمان بالتقمص أو بأي وجود وسطي بين الحاضر وما سيأتي من أبدية ترفضه تعاليم الإيمان المسيحي. مع ذلك فإن الاهتمام بعقيدة التقمص في الغرب ضمن إطار ما بعد المسيحية قد ينشأ لسببين:

أولاً، يتوق الكثير من الناس إلى التواصل مع الأموات. فرغبة المطران جيمس بايك Bishop James Pike في التكلم مع ابنه الراحل منذ سنوات عدة، شكلت عناوين الجرائد، ثم تلاها وابل من القصص عن أولئك المدعين بأنهم تواصلوا بنجاح مع الأموات. ثانياً، يبدو التقمص أنه بديل مفضل على مواجهة دينونة إله كلي القداسة. يقدم التقمص، بطريقة شبه آلية تستند إلى الفعل ورد الفعل، تفسيراً للحياة بعد الموت من دون تحميل الفرد أية مسؤولية أخلاقية محددة.

تعرض بعض هذه الديانات والممارسات حلاً مريحاً وسريعاً لنمط الحياة المليء بالتوتر خلال القرن الواحد والعشرين. فاليوغا والتأمل من المفترض أن يكونا فعالين في إلغاء الأعراض الناجمة عن سرعة وتيرة الحياة في المجتمع الغربي. دعونا إذن نتفحص بعض هذه التعاليم بالتفصيل.

  • ماذا تعني اليوغا وما هو التعليم الكامن وراءها؟

إن التعبير (يوغا) بحسب اللغة الهندية القديمة، يعني في الحقيقة الإتحاد. وكما ذكرنا في الفصل الثامن (انظر ما هو “التأمل التجاوزي” صفحة 218)، يجمع المأزق الإنساني إلى جهلنا لحقيقة أننا امتداد للواقع الأزلي واللاشخصي، أي “براهمان”. إن الصفة “لا شخصي” تنطبق على براهمان، لأن الواقع المطلق يعتبر أنه يتخطى حدود الميزات – يتخطى الخير ويتخطى الشر – ويقال عنه أيضاً إنه يتخطى الكينونة وعدم الكينونة. السبب وراء التنكر لوجود أية ميزات للواقع المطلق هو من قبيل الحرص الشرعي على صونه، بما أن ميزات كهذه سوف تقيد البراهمان. والمقصود هنا أن الكلمات والصفات مثل “الصلاح” و “الوجود” سوف تنفي صفتي عدم الصلاح وعدم الوجود. إذا براهمان يعتبر أنه “نرغونا” Nirguna، أي من دون صفات (لقد صرحت أن هذا الاهتمام يجعل براهمان فوق حدود الصفات ” أو حتى يخلو منها بالتمام” هو شرعي فقط على قدر ما تبدو الصفات مترابطة وبالتالي نسبية. سوف نتناول الإجابة عن هذا السؤال الفلسفي والعميق في القسم اللاحق من هذا البند.) ينبغي أن يكون هدف الشخص الذي يسعى وراء الحقيقة بلوغ الاتحاد مع هذا الواقع اللامتناهي وسط انشغالات الحياة، والتي تبدو أنها تحجز الباحث بين جدران الاهتمامات المادية والأخلاقية.

تستخدم العبارة “يوغا” بطريقة شاملة ومتبادلة مع ألفاظ أخرى لوصف بعض التقنيات والممارسات الذهنية والجسدية، والتي تسهل عملية اتحاد المحدود مع اللامحدود. يرجى ملاحظة أن الاتحاد لا يتحقق، وحتى لا تدعو الحاجة إلى ذلك بما أنه حقيقة ولكن مخفية عنا بسبب قوة الوهم المسماة “مايا” Maya. المطلوب إذاً إدراك الاتحاد الكائن أصلاً بدلا من التوصل إلى اتحاد لم يكن موجوداً منذ البداية.

للتوصل إلى تحقيق الذات هذا، هناك سلسل من التقنيات الجسدية والتأملية المقترحة، هذه الاساليب ليست واحدة أو متشابهة بأي شكل من الأشكال بل هي في الواقع مختلفة تماماً حسب مدرسة اليوغا المعينة التي تعود لها. تبدأ التقنيات ببعض التمارين الرياضية، مع أنها في بعض الحالات تتضمن عبادة الشمس أو شكل زهرة اللوتس والتي تعد مسكناً لإلهة الثروة “لاكشمي” Lakshmi. أشكال العبادة هذه تتوقف على التفضيلات اللاهوتية للمدرسة الهندوسية التي تعود إليها اليوغ. وكي لا تؤذي المشاعر الحساسة عند الغربيين، اليوغا في هذه الأيام قائمة كسلسلة من التمارين البدنية التي لا تحمل أي صبغة دينية، وفي معظم الحالات يمكن أن يكون لهذه التمارين فوائد جسدية.

يشجع معلمو اليوغا في كثير من الأحيان الطلاب على التأمل من دون أن يخبروهم بالضرورة عن مضمون تأملهم هذا، ولا كيفية القيام بذلك. يطلبون من الطلاب المسيحيين أن يتأملوا حتى بيسوع المسيح. الفكرة من ذلك هي بالطبع أن يفكر المرء ويتأمل في موضوع تأمله. هذا الأمر تحديداً لا يدعو إلى القلق الشديد. لكن مع تقدم المرء في دراسة اليوغا فإنه يدعى إلى المشاركة بشكل متزايد في التأمل الذي يترتب عليه تفريغ العقل. في 16 تموز 2001 قام الغورو الهندوسي بهارت ثاكور Bharat Thakur في عدد من مجلة تايم Time (آسيا) يسخر من ممارسة اليوغا في الغرب بهدف اكتساب اللياقة البدنية فقط. إنه يقسم الممارسة إلى قسمين: الخارجي والداخلي. الخارجي يضم الناحية الجسدية ووجهة نظره هي أن الغرب لا يهتم إلا في هذا الجانب دون الرغبة في الدخول إلى القسم الداخلي. حجته أن اليوغا صفقة متكاملة وأن لا خيار للمرء أن يفصل بين الجانبين. إنه يقترح ما يلي للولوج إلى الجانب الداخلي:

أنت في حاجة إلى متمرس خبير لينقلك إلى اليوغا الروحية. شخص قد مشى داخل نفسه. خبير كهذا سوف يسأل: الآن يا صديقي وقد عرفت الجسم وعرفت أنفاسك وعقلك فماذا بعد؟ بعد ذلك تبدأ رحلة إلى المجهول حيث يجعل الخبير الطالب يدرك بشكل تدريجي في كل مرحلة، أنك لست الجسد ولا العقل ولا حتى الروح. عندها تذوق للمرة الأولى روعة “الموكشا” Mokcha (أي الخلاص) أو الاستنارة. إنه الشعور بافتتاح الصمت حيث تفقد نفسك وتسعد بذلك، حين تندمج المرة الأولى الأنا مع ما هو فائق. ستشعر بأنك لم تعد موجوداً لأنك عبرت وادي الموت. وإذا بدأت بالسير أكثر فأكثر في هذا الوادي تصبح أكثر حرية. إنها رحلة تنقلك من كيانك إلى عدمه رحلة من المعروف إلى المجهول. من وادي المعرفة الكلية والأشياء والانا إلى الاستسلام المطلق حيث لا يبقى شيء منك سوى الوعي الصافي. تنتقل إلى مرحلة خالية تماماً من الخوف أو الموت أو العيش. هذا هو المفهوم في بلاد الهند عن الشخص الذي يمارس اليوغا. إنه الذي انتقل من الجسم إلى العقل، فإلى الروح، فإلى الوعي، فإلى الاستسلام المتقن لما هو فائق. لذا لدى توجهك في المرة التالية للالتحاق بدرس اليوغا، إسأل نفسك إن كنت مستعداً أن تكون باحثاً عن هذا الدرب.

يوضح هذا الاقتباس الصادر عن غورو التابع لحركة العصر الجديد نقاطاً عدة:

  • الجانب الجسدي لا معنى له، ويجب تجاوزه إن كنا ننوي بلوغ مرحل التفوق. يجب عدم خلط هذا مع كلمات بولس في 1 كورنثوس 9: 27 وهنا يدعو بولس إلى السيطرة على الجسم المادي الحقيقي. إنه يعتبر أن الجسد هو شرير بحد ذاته أو غير حقيقي، ولا بد من تجاوزه من أجل بلوغ “الموكشا”.
  • على المنطقية والعقلانية أن تتلاشيا لصالح غير المنطقية أو الفوق – منطقية، فما دمنا نستخدم عقولنا سوف تبقى في حالة أدنى. نظرية المعرفة في فلسفة “الكل هو الله” Pantheism (والتي هي أساس اليوغا) تبقى إذا مجهولة وبالتالي غير قابلة للتأكيد أو التثبيت.
  • إن ألفاظاً من صنف الاستسلام لا معنى لها وذلك لغياب أي كيان أو شخصية للاستسلام لها. غالباً ما تستخدم هذه الكلمة للدلالة على اللاشيء المطلق، الذي يبدو أنه فحوى الواقع المطلق.
  • كذلك فإن الاستنارة هنا لا تعني المعرفة الموضوعية لشيء أو شخص ما، إنما يتم استخدامها هنا في معرض الإشارة إلى تحقيق الذات، وإلى اتحاد الفرد مع البراهمان المطلق.

الرد المسيحي على هذا الهجوم العنيف على الحق ينبغي أن يكون نابعاً من علم الوجود (الكينونة)، ومن الاخلاق ونظرية المعرفة (العلم) الخاص بالثالوث. ذلك لأن عبر الله المثلث الأقانيم وحده، يمكن أن نحصل على مغزى لوجودنا في علاقة ما. إن تركيز الإنسان الغربي (وفي بعض الأحيان المسيحي) على الفردية، يجعله يسقط فريسة لهذه الفلسفة عينها. كما نحن في حاجة حتى أيضاً إلى إعادة تعريف الشخصية ليس على أساس بعض العوامل المبهمة الخاصة بالفرد وحده كالمنطق والعاطفة والإرادة، بل بالحري من خلال تحقيق هذه الصفات في العلاقة بالله والبشر وباقي الخلق. كذلك فالأخلاق المجسدة بالمحبة تمثل بالنسبة إلى المسيحي طبيعة العلاقة داخل الثالوث (يوحنا 17: 24 ورومية 5: 5 حيث الأب يحب الابن من خلال الروح القدس). مرةً أخرى الأخلاقية الفردية الموصوفة في عبارات مثل “القداسة الشخصية” لا يمكنها أن تصمد في وجه الأخلاق النسبية التي تقدمها هذه الفلسفة.

يجب على القداسة أن تفهم على أنها علاقة شخصية بالله، وبنا أيضاً نحن المخلوقين على صورته، كما أن المعرفة متجذرة في المعرفة الأبدية المتبادلة داخل الثالوث (متى 11: 27) وليس في تحقيق الذات الذي تدعو إليه حركة العصر الجديد. إن تركيز المسيحي على المعرفة الموضوعية يجب أن يشمل المعرفة الشخصية ذات العلاقة بالله وخليقته.

ولذلك فإن الرد المسيحي على اليوغا يكون من خلال تكوين علاقة بالله مبنية على المعرفة، وتظهر بعلاقة محبة تربطنا بالآخرين وبالعالم، هذه هي الحياة الأبدية (يوحنا 17: 3)، كما أن تكميل الناموس والأنبياء يتم من خلال حفظ الوصايا (متى 22: 34 – 40).

  • ما هو التقمص؟

التقمص هو الاعتقاد أن الكائن (البشري أو الحيواني أو النباتي أو المعدني) وبعد توقفه عن الوجود على هذه الأرض، سوف يشهد ولادة جديدة ويدخل الوجود ثانيةً تحت شكل كائن آخر. يستند هذا المعتقد إلى فرضيتين: أولاً، إن الوقت يعيد نفسه بشكل دوري، وفي بعض الأحيان تكون صيغته “الخلود” وأن كل ما يحدث سيحدث من جديد. ثانياً، يعتمد مستوى درج الولادة التالية على الأعمال التي قام بها الكائن في حياته السابقة.

الإيمان بالتقمص هو أمر شائع في الهندوسية والبوذية، على الرغم من اختلاف الآليات المعتمدة عندهما. فكل من هندوسية تعدد الآلهة وهندوسية الكل هو الله ينظر إلى التقمص من زاوية مختلفة بعض الشيء. ففي اعتقاد الهندوسي أن الروح الفردية “الجيفاتمان”Jivatman  هي امتداد للروح الأزلية “بارماتمان” Paramatman أو ببساطة “اتمان” Atman إن هوية الفرد في أي من أنواع الحياة هي “الجيفاتمان” في شكل اكتسبه من الأعمال “الكارما” Karma التي قام بها في حياته السابقة. عندما يهجر الجيفاتمان شكله المعين عند انتهاء حياة ما، فإنه قد يبدأ بالوجود في شكل جديد كلياً تقرره الكارما أيضاً، وهكذا تستمر الدورة.

في الهندوسية المتعددة الآلهة فإن الآلهة أو الآلهات أنفسهم ينظر إليهم من زاوية خضوعهم لعمليات تجسد أو تقمص وبالتالي فإن تاريخهم البشري ليس من الضروري أن يكون مطلقاً. هذا يبين أيضاً سبب عدم انزعاج الهندوسي المؤمن بتعدد الآلهة، حيال ظاهرة غياب الصفات الأخلاقية المثالية داخل مجمع الآلهة. مع ذلك حصل في الآونة الأخيرة تطور لأحد الآلهة “كريشنا” Krishna الذي يعتبر في الهندوسية الكلاسيكية بمثابة تجسد، بل هو في الحقيقة واحد من تسع تجسدات، مع تطلع بعض المتعبدين إلى حدوث التجسد العاشر الكامل لإله الحفظ “فيشنو” Vishnu. كريشنا هذا ارتقى المستوى الفردي اللامحدود. هذه المرتب اللاهوتية عينها المعطاة لله في الإسلام واليهودية والمسيحية. والمتعبدون لهذا المفهوم عن كريشنا ينتمون إلى الجمعية الدولية لوعي كريشنا – Consciousness International Society Of Krishna (ISKCON). سوف أقول المزيد عن هذه الجماعة فيما يلي (انظر الصفحتين 231 – 232).

فكرة الخلاص عند المؤمنين بتعدد الآلهة هي التوصل إلى أعلى واسمي درجة من درجات الولادات الممكنة، والتي يعتبرها الكثيرون أنها الولادة كبراهمان Brahman بعد ادعاء الشعائر الدينية والواجبات كزيارة الأماكن المقدسة والاستحمام في الأنهار المقدسة وتقديم القرابين والعبادة “بوجاس” Pujas في المعابد المختلفة، يبلغ المتعبد “الموكشا” (الخلاص). تفهم الأعمال الصالحة، ليس على أنها السلوك الأخلاقي الذي سيقاس مقابل المستلزمات العادلة لإله، ولكنه كتتميم لواجبات دينية تمارس بدقة وفقاً للقواعد المنصوص عليها في “الفيداس” Vedas (الكتب المقدسة القديمة لدى الهندوس). اجتماعياً، إن ممارسة البراهمانية كنمط حياة أصبحت مذمومة بسبب التمييز الطبقي الذي يمارسه البراهمن ضد اولئك المنتمين إلى ولادات أدنى. وبذلك فإن الحج إلى الأماكن المقدسة مشروع لجميع شرائح المجتمع الهندوسي، مع أنه توجد مناطق في المعابد والأنهار حيث لا يسمح للطبقات الدنيا بالدخول إليها حتى في الزمن الحالي. إن اداء الفرائض الدينية في المعابد لا يزال إلى حد كبير محصوراً بكهنة البراهمان.

مفهوم الخلاص بين أوساط عبدة الآلهة المتعددة غامض بعض الشيء. مع أنه يتضمن بلا شك الفرار من دائرة الولادات، يبقى أنه لا يحدد بوضوح ما إذا كان الأمر يتعلق بعملية دمج لما هو دون باللامحدود، أم إن كان تواصلاً مع إله شخصي. المتعبدون من جماعة ISKCON سيقفون بلا شك في الصف الأخير وسيتحدثون عن الخلاص على أنه التواصل مع كريشنا، في حين نرى أتباع العصر الجديد من دعاة “الكل هو الله” Pantheism، وبعضاً من أشكال الهندوسية التي تعبد آلهة متعددة سيقفون في صف الاحتمال الأول، أي الانصهار داخل البراهمان اللامحدود.

نظرية “الكل هو الله” الهندوسية تعامل الشخصية بإعتبارها مظهراً أقل شأناً مما هو غير شخصي (كما سبق ذكره أعلاه) وبذلك فإن الإيمان بآلهة شخصيين يعتبر شكلاً بدائياً لفهم البرهمان المطلق، ذلك لأن هذه الآلهة عينها هي مظهر أقل شأناً للواقع المطلق Ultimate Reality. ومع ذلك يشجع المؤمنون بأن الكل هو الله أولئك الذين يدينون بتعدد الآلهة أن يستروا أوفياء لهذه الآلهة و الإلاهات، إلى حين بلوغهم مرحلة الاستنارة حين سينعتقون من دوامة الولادات المتكررة و المسماة “كارما سمسارا” Karma Samsara وبذلك بحسب المؤمنين بأن الكل هو واحد، فإن التقيد بالدورات الكارمية الخاصة بعمليات التقمص يعني أنه لم يتم التوصل بعد إلى مرحلة “البراهمافيديا” Brahmavidya، و بعبار أخرى، إن وعيي الذاتي كإنسان هو الدليل على أنني ما زلت جزءاً من هذه الدورة و أنني مازلت في حاجة إلى أن أتحرر من خلال اتحادي الحقيقي (اليوغا) مع البراهمان اللامحدود.

يقوم بعض الهندوسيين المعاصرين بمعارضة فكرة التقمص هذه، وذلك بناء على الأسباب التالية: أولا، هناك مشكل في تقييم الكارما الجيدة (الأعمال). إذا كان بإمكان كائن ما أن ينتمي إلى جميع فئات الحياة واللاحياة، كيف يبقى بإمكان أحدهم أن يعزو سلوكاً صالحاً ما لمخلوقات غير شخصية؟

ثانياً، هناك مشكلتان تواجها المؤمن بأن “الكل هو الله” Pantheist إحداهما هو أن الواقع بأكمله يشكل وحدة، وبالتالي لا يمكن التفرقة بين كارما مخلوق ما عن كارما غيره. أيضاً يصر المؤمن بأن “الكل هو الله” على المطلق اللاشخصي، وبالتالي لا يمكنه العثور على أي أساس لمعيار يصلح لقياس السلوك الكارمي.

ثالثاً، وبنسبة أقل من الجدية لقد رأى بعضهم أنه نظراً لنمط الحياة الأخلاقية المتدهور في جيلنا الحالي، فإن عدداً قليلاً فقط من البشر سيولدون مجدداً ولادة بشرية. الحيوانات وألواح الغرانيت لا يمكنها في كل الأحوال أن تعيش حياة أخلاقية، وبذلك لا يسعها أن تطمح لتصبح بشراً. فلماذا إذاً نشهد كل هذا الانفجار السكاني الهائل؟

المؤمن بأن الكل هو الله يلجأ عادةً إلى الفعل وردة الفعل في معرض مناقشته للكارما. بحسب زعمه بما أن لكل فعل ردة فعل، فإن كارما حياتنا المستقبلية هي ردة فعل على ما فعلناه في حياتنا السابقة ونحن لسنا بمؤهلين لأن نعطي مدلولاً أخلاقياً لهذه الظاهرة. لقد سمعت بعض المؤمنين بأن “الكل هو الله” يرجعون إلى غلاطية 6: 7 “ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً” غير أنهم يختارون بالطبع أن يتجاهلوا السياق الأخلاقي الذي يكتب فيه بولس هذا التصريح.

يمكن للمسيحي الاستفادة من تعاليم الكارما أحياناً، وفي سياق كرازتنا بإنجيل النعمة لم نتطرق على نحو ملائم إلى موضوع الأعمال الصالحة، فأمام العرش الأبيض العظيم المصور في سفر الرؤيا 20: 11 – 15، نجد كيف أن البشر سوف يدانون على أساس ما فعلوه. ولئن كان من الصحيح القول إن الجحيم هو نصيب أولئك الذين رفضوا المسيح لا ينبغي لنا أن نتغاضى عن حقيقة أن “الأسفار” في هذا المقطع هي سجلات بأفعال البشر، التي من خلالها سوف يدانون. الخلاص المسيحي هو بالتالي تدخل الله المتجسد يسوع المسيح لكسر دورة الكارما الخاص بنا، لم يكن بإمكاننا إرضاء الله الكلي القداسة. فشخصيته الخاصة به تشكل المعيار الذي من خلاله يحكم على البشر. أولئك الذين ينجون من الحكم يفعلون ذلك ليس من خلال خفض المعيار، ولا من خلال بلوغه والعيش على مستواه، (لأن هذا مستحيل)، ولكن من خلال استيفاء الشروط في شخص يسوع المسيح الذي أخذ مكاننا.

يمكننا أيضاً استخدام النتائج التي توصل إليها العلم للتصدي لفكرة طبيعة التاريخ الدورية. فمن جملة الأبعاد المألوفة لدينا، عندنا الأبعاد الثلاثية للطول والعرض والارتفاع والمختصة بالمكان، بالإضافة إلى بعد آخر وهو الوقت أو الزمن. الوقت وحده له اتجاه واحد. فبالنسبة إلى الأبعاد الأخرى يمكن السفر في اتجاهين متعاكسين: اليمين أو اليسار، إلى الأمام أو إلى الخلف، إلى أعلى أو إلى أسفل. ولكن فيما يخص الوقت يتبع خطاً مستقيماً وليس دائرياً. صفة الوقت هذه أدهشت علماء الفيزياء الذين صاغوا عبارة “سهم الوقت” لوصف ذلك. لذا فإن ما نقرأه في عبرانيين 9: 27 ” وضع للناس أن يموتوا مرةً ثم بعد ذلك الدينونة” يتفق بشكل أكبر مع المفهوم العلمي للوقت، منه مع الاقتراح القائل إن هناك سلسة لا تنتهي من الولادات والبعث الجديد.

هناك كلمة يجب أن تقال في الجمعية الدولية لوعي كريشنا ISKCON، ففي حين لا يمكنني القول إن الإيمان بكريشنا كإله لا محدود وشخصي هو الخطوة المنطقية التالية في تطور الهندوسية، وذلك بسبب الصراعات والتناقضات التي ناقشناها أعلاه، إلا أن من الإنصاف القول إن قلب الإنسان يتوق إلى تكوين علاقة شخصية ومشبعة، هذه الحاجة التي تعجز عن سدها فكرة التقمص. إن حركة “بهاكتي” Bhakti في الهندوسية والموجودة منذ قرون، هي مظهر من مظاهر الإخلاص لله، وقد وجدت تعبيراً لها في الآونة الأخيرة في ISKCON. يمكن التعرف بأتباع هذه المجموعة من خلال رؤوسهم المحلوقة. إنهم لا يخجلون من السير في الشوارع وهم يهتفون ” هاري راما هاري كريشنا” Hare Rama، Hare Krishna وهي عبارات تعبدية تنسب العز والشرف إلى الإلهين راما وكريشنا. هذه المجموعة لا تؤمن بالتقمص أو بالانصهار مع البراهمان غير الشخصي، بل يعلمون أنه من خلال التكريس لكريشنا في الحياة الحاضرة، سيتمكن البشر من التمتع بالتواصل الأبدي معه في الآخرة.

إن لقائي الذي جمعني في عام 1997 مع بعض المتعبدين من جمعية ISKCON قد يهدينا إلى الطريقة التي تبنى الجسور، لمشاركة الإنجيل مع الذين عندهم وجهات نظر تختلف كثيراً عن تعليم الإنجيل. إن هذه المجموعة الصغيرة من حملة شهادة الدكتوراه والذين يدرسون ويجرون أبحاثاً في إحدى كليات الهندسة العريقة في الهند، طلبت مني أن أتكلم عن موضوع “الله والعلم”، ولكن تحول الحوار بطريقة ما لإجراء المقارنة بين يسوع المسيح وكريشنا. بالنسبة إلى كل جانب من الجوانب التي شاركتهم إياها عن المسيح كان بإمكانهم العثور على ما يماثلها في كريشنا. وسألوني في نهاية المطاف أن أقول شيئاً عن وجهة النظر المسيحية في السماء لأنهم زعموا أن بعض الكتابات الهندوسية القديمة تتحدث عن جلوس كريشنا في كل كماله في البهاء السماوي. أنا وافقتهم الرأي أن رؤيا 21 يتضمن وصفاً مذهلاً للسماء ولكن يبدو أن هناك اختلافاً جوهرياً بيننا، فبالمقارنة مع كريشنا “الكامل” بدا المسيح الذي اعبده غير كامل، فهو لا يزال يحمل الجروح التي تلقاها على الصليب. ولأول مرة أثناء الحوار ساد المكان صمت عجيب عندما شرعت في مشاركتهم في رسالة الإنجيل. أعلمتهم أنه خارج المسيح المصلوب لا يوجد أمل للجنس البشري في التواصل أبدياً مع الله بسبب طبيعتهم الخاطئة. حركة ISKCON تعد بالنعيم السماوي دون المرور بالدورات اللامتناهية من الولادات والبعث الجديد، ولا تحسب حساباً لعدم أهلية الطبيعة البشرية الخاطئة للسكنى في حضرة الجمال الأخلاقي لله، والمعلن عنه في روعة السماء.

إن الأفكار الحالية حول التقمص هي أكثر انسجاماً مع شغفنا في السلطة والمعرفة بقصد السيطرة على الناس والأحداث. هذه الأفكار تتفق تماماً مع بعض الافتراضات الهندوسية العريقة. لعله من المناسب الآن أن نصدر تحذيراً مفاده أن بعض الحالات المبلغ عنها عن أولاد صغار يسردون تفاصيل دقيقة لحياة سابقة، هي على الأرجح نتيجة عمل شيطاني أكثر من كونها إثباتاً لنظرية التقمص. إن شهوة التسلط مرفقة بالانجذاب إلى كل ما يتعلق بالأرواح في هذه الأيام قد يسفر عنها حصول لقاءات مباشرة مع قوى الظلام، أكثر مما نفتكر أو نظن.

  • ما هي عقائد البوذية؟

بوذا Buddha (الكائن المستنير) هو سيدهارتا غوتاما Siddhartha Gautama الذي ولد في لومبيني Lumbini (في بلاد النيبال اليوم) داخل عائلة أمراء من عشيرة ساكيا Sakya، جعل تاريخ ولادته بين 624 ق.م. و448 ق.م. ولكن التاريخ المتعارف عليه عموماً هو 560 ق.م. عاش حياة محمية، حيث لم يرد والده أن يتعرض ابنه الحساس لواقع البشرية القاسي. تقول الأسطورة إنه خلال الزيارات التي أجراها خلسة إلى العالم الخارجي تقابل، في أيام متتالية مع رجل مريض ورجل بالغ في السن، ورجل ميت محمول إلى محرقة الجثث.

سيدهارثا، وبعد استنتاجه أن الحياة ليست سوى معاناة نتيجتها المرض والشيخوخة والموت، أقدم على التخلي عن حياته (كرب أسرة مع زوجة شابة وطفل) في سن التاسعة والعشرين، وبدأ يتجول في السهول الشرقية للهند بحثاً عن الحقيقة. ويقال إنه حصل على الاستنارة في سن السادسة والثلاثين في ليلة اكتمال القمر في شهر أيار / مايو.

حدث في غايا Gaya ما يعرف الآن بولاية بيهار Bihar في الهند. وخلال ليلة مماثلة لاكتمال القمر في شهر تموز / يوليو الذي تلاه ألقى أول خطاب له قرب مدينة فاراناسي Varanasi المقدسة لدى الهندوس، حيث قام بتعريف العالم بالحقائق النبيلة الأربع. أما وفاته في سن الثمانين فيشير إليها أتباعه بعبارة “بارينبانا” Parinibbana (Pali, Sanskrit, Parinirvana) أو الانعتاق الأخير.

بعد مائة سنة على وفاة بوذا اجتمع المجلس الثاني من الرهبان البوذيين في فايشالي Vaishali، حيث حدث الانشقاق الأول في البوذية القديمة. أولئك الذين لم يقبلوا كتابات البوذيين الأولين على أنها ذات سلطة، انشقوا ليشكلوا “ماهايانا” Mahayana (المركبة الأعظم). هذه المدرسة البوذية أصبحت الديانة السائدة في الصين والتيبت واليابان وكوريا. أما الذين خضعوا للكتابات البوذية المقدسة فشكلوا مدرسة “نيرافادا” Theravada (مدرسة الشيوخ) والمدعوة أيضاً إلى حد ما بازدراء “هينايانا” Hinayana أي (المركبة الأدنى) وقد ازدهرت هذه المدرسة في سريلانكا وميانمار وتايلاند. ويمكن القول إن البوذية نشأت من ردة فعل على الهندوسية في تلك الأيام، ربما بسبب نظامها الطبقي. لقد جرى اضطهاد البوذيين الأولين وطردهم من الهند وهو سبب عدم ازدهار البوذية كدين في الهند، لكنه لقي إقبالاً شديداً في بلدان آسيوية أخرى.

حقائق بوذا النبيلة الأربع هي كما يلي:

1 – الحقيقة النبيلة “دوكها” Dukkha (المعاناة وعدم الرضى والتوتر) الحياة هي في الأساس محفوفة بخيبة الأمل في كل طياتها.

2 –  الحقيقة النبيلة المختصة بمسبب Dukkha سبب هذا الأستياء هو “تانها” Tanha أي الرغبات في جميع أشكالها.

3 – الحقيقة النبيلة لكف يد Dukkha وضع حد لجميع خيبات الأمل، يكون من خلال التخلي عن الرغبات.

4 – الحقيقة النبيلة للطري المؤدي إلى ايصال Dukkha: هناك وسيلة للتخلص من كل أشكال عدم الرضى أي الطريق النبيلة ذات الثماني شعب.

لكل واحدة من هذه الحقائق النبيلة، قام بوذا بتعيين مهمة محددة للراغب في ممارستها: الحقيقة النبيلة الولى يجب فهمها والثانية يجب التخلي عنها والثالثة يجب تحقيقها والرابعة يجب تنميتها. إن التحقيق الكامل للحقيقة النبيلة الثالثة يمهد الطريق لتغلغل “النرفانا” Nibbana (Pali, Sanskriti, Parinirvana) أي الحرية المتعالية وذلك من طريق محق الذات وإبادتها بالكامل والزهد (حرفياً العري) الأمر الذي يعد الهدف النهائي من جميع تعاليم بوذا.

آخر الحقائق النبيلة والتي تتعلق بالطريق النبيلة ذات الثماني شعب، تحتوي على وصفة للتخفيف من عدم رضانا وإعتاقنا في نهاية المطاف مرة وإلى الأبد من الدورة المؤلمة والشاقة للولادة والموت “سمسارة” Samsara الناتجة من جهلنا (Pali, Avija, Sanskrit, Avidya) للحقائق النبيلة الأربع والتي أسرتنا على مدى أجيال لا حصر لها.

تقدم الطريق النبيلة ذات الثماني شعب دليلاً شاملاً لعملية تطوير هذه الصفات والمهارات النافعة في قلب الإنسان، والتي يجب أن تصقل لتساعد العابد على الوصول إلى هدفه النهائي ألا وهو حرية وسعادة Nibbana المطلقة. الصفات الثماني التي ينبغي تطويرها هي النظرة الصحيحة والقرار الصحيح والكلام الصحيح والعمل الصحيح والعيش الصحيح والجهد الصحيح والذهن الصحيح والتركيز الصحيح.

عملياً قام بوذا بتدريس الطريق النبيلة ذات الثماني شعب لأتباعه وفقاً لنظام تدريب تدريجي بدءاً من تطوير “سيلا” Sila أو الفضيلة (الكلام الصحيح و العمل الصحيح و سبل العيش الصحيح و الملخصة بشكل عملي بواسطة تعاليم مناسبة) يليها تطوير “صمادهي” Samadhi أو التركيز و الصقل العقلاني (الجهد الصحيح، الذهن الصحيح، التركيز الصحيح) و تبلغ ذروتها في تطوير “بانا” Panna أو الحكمة (النظرة الصحيحة و القرار الصحيح) إن ممارسة “دانا” Dana أو الكرم هو بمثابة دعم لكل خطوة من خطوات الطريق، إذ تساعد على خلق قلب حنون و التصدي لميل القلب الطبيعي إلى الاشتهاء.

التقدم الذي يتم إحرازه على طول الطريق لا يتبع خطاً مستقيماً بسيطاً، لكن تطوير كل جانب من جوانب الطريق النبيلة يشجع على صقل الجوانب الأخرى تعزيزها، الأمر الذي يرتقي بالممارس قدماً ضمن لولب تصاعدي من النضج الروحي الذي يبلغ أوجه في توصله إلى الصحوة.

من وجهة نظر أخرى، غن الرحلة الطويلة على طريق الصحوة تبدأ بشكل جدي مع الأحاسيس الأولية التي تولدها النظرة الصحيحة، وأولى  ومضات الحكمة التي تمكن الفرد من أدراك مدى صحة الحقيقة النبيلة الأولى مع حتمية قانون “الكما” Kamma (Pali, Sanskrit, Karma) أي القانون العالمي للفعل و ردة الفعل. فما إن يرى المرء أن الأفعال المؤذية تجلب عواقب مؤذية والأفعال الصحيحة تجلب نتائج مفيدة، تزداد طبيعياً الرغبة في العيش حياة مستقيمة وأخلاقية وأخذ ممارسة “سيلا” Sila على محمل الجد. إن الثقة التي تتولد من هذا الإدراك الأولي تشجع أتباعه على وضع ثقتهم بشكل أعمق في التعاليم. ويصبح التابع بوذياً إبان التعبير عن عزم داخلي على اللجوء داخل الجوهرة الثلاثية:

1 – “البوذا” – كل من بوذا التاريخي والقدرة الكامنة عند المرء لبلوغ الصحوة.

2 – “الدهاما” Dhamma (“التعليم” = Pali, Sanskrit, Dharma) – كل من تعاليم بوذا التاريخية والحقيقة المطلقة التي تشير إليها هذه التعاليم.

3 – “السانغا” Sangha – المجتمع الرهباني الذي حافظ على التعاليم ومارسها منذ يوم بوذا مع جميع الذين حققوا درجة ما من اليقظة والصحوة.

مع ثبات خطوات المرء عبر اتخاذه من “الجوهرة الثلاثية” ملجأً و بصحبة صديق مخلص (Pali, Kalyanamitta, Sanskrit, Kalyanamitra  = الصديق المهتم بخير غيره) للمساعدة على إظهار معالم الطريق، يمكن للمرء أن ينطلق في الطريق، واثقاً من أنه يقتفي الخطى التي تركها بوذا بنفسه.

البوذية كما علمها في الأصل كل من بوذا ومدرسة الشيوخ لا تشير على الإطلاق إلى أي إله شخصي أو آلهة شخصيين، لذا يمكن اعتبارها ملحدة (إنكار وجود الإله). مدرسة “الثيرافادا” Theravada هي مشابهة للهندوسية التي تؤمن أن “الكل هو الله” من عدة أوجه. كلتهما متحفظتان في الاعتراف بإله شخصي ويبدو عليهما أنهما تتعاملان مع قوى غير شخصية. الكلمة الأساسية عندها هي “الحكمة” لا بمعنى التمسك بشيء موضوعي ولكن في سباق تحقيق الذات.

المدرسة الحديثة للبوذية زن Zen Buddhism هي غير مرتبطة تاريخياً بفرع “ثيرافادا” إلا أنها تركز كثيراً على موضوع التأمل، الأمر الذي توصي به مدرسة “ثيرافادا”، إن الكلمة “زن” هي في الواقع صيغة مشوهة للكلمة السنسكريتية “دهيان” Dhyan والتي تعني التأمل. الكلمة المقابلة بالصينية “شان” Shan تحمل المعنى عينه على صعيد “زن” كما هي الحال في التأمل التجاوزي المقصود هو التأمل الخالي من الفحوى والتنوع الفارغ الذي يمكن أن يؤدي إلى “الحكمة”. يقبع الفرد في عالمه الخاص والتحرر يكون من خلال بذل الجهد الذاتي فقط.

أما نمط “الماهايانا” Mahayana من ناحية أخرى فلديه بعض الخصائص المشتركة مع الهندوسية الشعبية التي تدين بتعدد الآلهة. كلاهما يرى الحاجة إلى مخلصين، ففي “الماهايانا” يعتبر بوذا نفسه أنه هو المخلص، والخلاص يحصل بالنعمة. الصلاة التشفعية شائعة في كليهما، وفي بعض المعابد البوذية توجد بعض الأماكن لتقديم البخور للآلهة الهندوس. غير مسموح لهذه الآلهة الهندوسية بالدخول إلى Sanctum Sanctorum (قدس الأقداس أو المذبح الداخلي) إلا أن الصلاة التشفعية التي ترفع لهم تعتبر فعالة.

بعض أساليب علم الدفاعيات المسيحية المقترحة في الفصل الثامن (انظر ما هي العقائد الأساسية للهندوسية؟ صفحة 211) تنطبق أيضاً بعد اجراء التعديلات اللازمة على “ماهايانا” و “ثيرافادا” كشكلين للبوذية. إلى ذلك يمكننا أن نشير إلى أن أي تحليل للحياة باستخدام معايير سلبية بحتة، سيؤدي حتماً إلى خلق مشاكل. على سبيل المثال من يقول إن كل شيء هو معاناة، لا بد أن يكون قد عرف بعض لحظات الفرح والسرور. فنحن نرى المعاناة أنها معاناة فقط من خلال مقارنتها مع شيء يمكن التمتع به. ونحن لم نكن لنعرف المعاناة كمعاناة لو كانت كل الأشياء حقاً معاناة. هذا شبيه بالأفكار التي راودت ذهن سي إس لويس C. S. Lweis قبل تجديده:

كانت حجتي ضد الله أن الكون بدا قاسياً للغاية وغير عادل، ولكن كيف حصلت على فكرة العدالة وعدم العدالة هذه؟

فالمرء لا يصف خطاً على أنه ملتو إن لم تكن لديه فكرة عن الخط المستقيم. بما كنت أقارن هذا الكون عندما أطلقت عليه صفة غير العادل؟ إن كان العرض كله سيء من الألف إلى الياء إذا جاز التعبير، فلماذا أنا الذي كان يفترض في أن أكون جزءاً من العرض، أجد نفسي أتصرف حياله بردة فعل عنيفة كهذه؟ يشعر الإنسان بالتبلل عندما يقع في الماء، ذلك لأن الإنسان ليس حيواناً مائياً، فالسمكة لن تشعر بالتبلل. بالطبع كان بإمكاني أن اتخلى عن فكرة العدالة بالقول إنها ليست سوى فكرة خاصة بي. ولكن إن فعلت ذلك فحجتي ضد الله ستنهار أيضاً، ذلك لأن الحجة تتوقف على قولي: إن العالم غير عادل فعلاً، وليس لمجرد أنه لم يتمكن من إرضاء تخيلاتي. لذلك في الفعل ذاته لمحاولة إثبات عدم وجود الله – وبعبارة أخرى أن الواقع بأكمله لا معنى له – وجدت أنني مجبر على افتراض أن جزءاً واحداً من الواقع – أي فكرتي عن العدالة -كان مملوءاً بالمعنى.

بناءً على ذلك يبدو الإلحاد أنه بسيط أكثر من اللزوم، إن كان الكون كله بلا معنى كان ينبغي لنا ألا ندرك أبداً أنه بلا معنى، تماماً كما لو لم يكن هناك ضوء في الكون، بالتالي لا وجود لمخلوقات تملك عيوناً ولم يكن بإمكاننا أن ندرك أنه ظلام. الظلام سيكون كلمة خالية من أي معنى.

بينما نفكر في مضمون هذا الاقتباس، ينبغي ألا نخطئ في الاعتقاد أن البوذية كانت قد استنتجت منطقياً أن الله غير موجود انطلاقاً من الحقيقة النبيلة الأولى، أي إن المعاناة هي كل شيء. الله ببساطة غير ظاهر في كتابات بوذا. بوسعنا من ناحية أخرى الإشارة من وجهة نظر فلسفية، إلى ان الألم يمكن فهمه فقط بالمقارنة مع المتعة. وكلاهما واقع في وجودنا. علينا أن نشجع البوذي على البحث عن أسباب المعاناة في أماكن أخرى. إلى ذلك ينبغي أن نكون قادرين على إظهار كيف أن هناك حتى على المستوى العملي الكثير من الأمور الجيدة في الحياة. كذلك ثمة أناس صالحون يحاولون التخفيف من معاناة الآخرين. وحتى التعاليم البوذية الداعية إلى ممارسة “دانا” (الكرم) فيها اعتراف ضمني بأن المعاناة يمكن تخفيفها، وهذا ما يجري في عالم المعاناة هذا.

هناك حقيقة رائعة في الحقيقة النبيلة الثانية التي ترى أن السبب وراء المعاناة يكمن في “التانها” Tanha (الرغبة أو الشهوة)، يوحنا الرسول يحذر من ” شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة ” 1 يوحنا 2: 16. غير ان الحقيقة النبيلة الثالثة تنطوي على تناقض فإن فعل التخلي عن الرغبات هو بحد ذاته رغبة. إن الوجود من دون رغبة هو تناقض منطقي ووجودي في آن. بدلاً من ذلك علينا ان نركز رغباتنا على أمر يستحق أن نرغب في الحصول عليه (المزمور 27: 4) وبالمثل فإن الحقيقة النبيلة الرابعة ترسي الأساس لنمط حياة رائع، لكنها تقدم شيئاً لا يذكر عما ينبغي فعله لتنفيذه. نعود إلى نقطة الضعف الخطيرة التي تتعلق بمعرفة ما هو صحيح وعدم القدرة على القيام به.

نحن في حاجة إلى مساعدة أصدقائنا البوذيين على تحديد المشكلة الحقيقية وراء المعاناة مع تبيان العلاقة ما بين المعاناة ووجود الشر الأخلاقي الذي هو بمثابة حالة تمرد على الله القدوس أدبياً. ويمكننا مواجهة مشكل المعاناة بالإشارة إلى الله الذي يشعر معنا في معاناتنا وإلى المعاناة الرهيبة التي اختبرها هو نفسه على الصليب. والاستنارة الحقة بالنسبة إلينا تحصل لدى التقائنا وجهاً لوجه مع يسوع المسيح المخلص المحب، بعد انتهاء رحلتنا على الأرض.

كلمة أخيرة حول التقمص البوذي هي الآن في محلها. فبينما يحافظ الهندوسي على هوية روحه الفردية في عملية التقمص، يؤمن البوذي أن الروح عند الوفاة تتشتت إلى خمس ذوات لكي تعود وتجتمع لاحقاً في دورة جديدة للحياة. لكن لا يوجد أي ضمان لصون هوية الشخص كما هي الحال في الهندوسية. وبذلك فإن هذا المعتقد البوذي بالتحديد يمكن أن يولد لدى العابد شعوراً عميقاً بانعدام الأمان حيال هويته.

المسيحي لديه إجابة محددة عن هذه المسألة: نحن لم يعرفنا خالقنا ونحن لا نزال في أرحام أمهاتنا فحسب، بل حرص أيضاً على تأمين مكان خاص، مكان مناسب لنا وحدنا. وهكذا تكون هويتنا محفوظة في علاقتنا بالله من خلال الرب يسوع المسيح.

  • الخلاصة

لقد سلم العديد من الهندوس والبوذيين حياتهم للمسيح، ليس من خلال الحجج الفلسفية، ولكن من طريق الحب الصادق وصداقة المسيحيين لهم. وبدلاً من التركيز الذي تقترحه اليوغا على حصول اندماج مع واقع مجهول، يمكننا أن نقدم علاقة حقيقية بالله اللامتناهي من خلال يسوع المسيح مع تجسيدنا لذلك، عبر تمتعنا الشخصي بذلك الرابط المقدس. البوذيون يكررون فكرة كون ديانتهم ليست بديانة فيها تنكر للحياة ولا تقدم شيئاً سوى العدم الكلي. ولكن من الصعب الهروب من الاستنتاج أن هذا بالذات ما علمه بوذا.

للأسف نحن نظهر المسيحية أحياناً على أنها مجرد زهد مع طبعة مسيحية، وبالتالي حصر معاني وأبعاد إتباع المسيح في مجرد عبادة شخصية. إن الحجة الأقوى ضد جاذبية الأديان الشرقية لا تكمن فقط في السعي الفردي وراء بلوغ القداسة المسيحية، بل بالحري في ممارسة مرئية وواضحة للشركة المسيحية.

أسئلة للتأمل والمناقشة:

1 – هل هناك تحفظ على ممارسة اليوغا التي تركز على الفوائد العلاجية الجسدية؟

2 – ما هي أبسط وسيلة للإثبات عملياً أن هذه الحياة هي هامة فعلاً، وأن علينا ألا نتوقع فرصة ثانية لفعل ما هو أفضل؟

3 – في عالم يغلب عليه طابع السعي المادي، كيف يمكن للمسيحي أن يتبنى ويعيش الحالة الإيجابية التي يركز عليها الإيمان المسيحي من دون أن يصبح موجهاً نحو بلوغ الازدهار المادي؟

  1. Bharat Thakur, “A Master Responds,” Time magazine, Asia, 16 July 2001.
  2. S. Lewis, Mere Christianity (San Francisco: Harper San Francisco, Reprint edition, 2001), 38-39.

أسئلة صعبة عن اليوغا والتقمص والبوذية | إل. تي. جياكاندران L. T. Jeyachandran

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)