الردود على الشبهات

كيف يعقل أن يرسل إله محب أناساً إلى جهنم؟ | تيموثي كلر

كيف يعقل أن يرسل إله محب أناساً إلى جهنم؟ | تيموثي كلر

كيف يعقل أن يرسل إله محب أناساً إلى جهنم؟ | تيموثي كلر

كيف يعقل أن يرسل إله محب أناساً إلى جهنم؟ | تيموثي كلر
كيف يعقل أن يرسل إله محب أناساً إلى جهنم؟ | تيموثي كلر

قال هارتمت (Hartmut) عابساً، وهو طالب متخرج من ألمانيا: “أشك في وجود إله ديان يطلب دماُ ليسكن غضبه. فقد وجب أن يموت شخص قبل أن يرضى إله المسيحية بأن يصفح عنا. ولكن لماذا لا يسامحنا فحسب؟ ثم هناك جميع تلك المواضع في كتاب العهد القديم حيث يأمر الله بتقتيل الناس”.

وردت جوزي (Josie) التي كانت تشتغل في معرض فني بحي سوهو في منهاتن: “أنا أوافق على أن هذا كله مقلق. ولكن لدي مشكلة أكبر بعد بشأن عقيدة جهنم. فالإله الوحيد الذي يمكن الإيمان به عندي هو إله محبة. إن إله الكتاب المقدس لا يعدو كونه إلهاً بدائياً يجب أن يسترضى بالألم والمعاناة”.

في ذهنك التناقض المتمثل بأن وندي [وهي صحافية بين الحضور لا تؤمن بالمسيح] هي مواطنة كاملة تستحق كل حماية يستحقها أكبر الأعضاء في كنيستك. ولكنها عندما تتوفى ستذهب إلى جهنم لأنها ليست مخلصة. فالسؤال هو: أتعتقد أن أتباعك -أو الأشخاص الذين يرتادون الكنيسة والذين يقرأون كتبك والذين تتكلم إليهم حول العالم- محنكون كفاية بحيث يبقون هذا التناقض في أذهانهم؟ …

فقال وارن إن كنيسته لا ترى تناقضاً بين هذين الأمرين، عام 2005، حاضر رك وارن (Rick Warren) راعي إحدى الكنائس الكبرى ومؤلف الكتاب الرائج جداً “الحياة المنطلقة نحو الهدف” (The Purpose Driven Life)، في ندوة نقاشية حضرها صحافيون بارزون تحت رعاية “مؤسسة بيو” (Pew Foundation). وقد إرتبك بعض الحضور حيال المضامين اللادينية لمعتقد مسيحي مخصوص، ألا وهو أن الله يرسل بعض الناس إلى موضع العقاب الأبدي. وخاطب أحد المتكلمين وارن قائلاً:

ربما يسعك أن تبقي ولكن كثيرين من الصحافيين لم يقتنعوا. إذ إرتأوا أن أي مسيحي يعتقد أن هنالك أناساً مصيرهم جهنم لا بد أن ينظر إلى أولئك الناس بإعتبارهم غير مساوين له في الكرامة والقيمة. وفي ذلك عكسوا الهواجس العميقة اليوم لدى الكثيرين بشأن المفهوم المسيحي عن إله يدين الناس ويرسلهم إلى جهنم. وقد حاجوا بأن هذا المعتقد يؤدي إلى الحصرية والتعسف والشقاق بل إلى العنف أيضاً.

إن الدينونة الإلهية، من منظور حضارة الغرب، تمثل واحدة من عقائد المسيحية الأكثر إثارة للإستياء والسخط. وبصفتي خادماً وواعظاً، فكثيراً ما أجد نفسي متكلماً بشأن نصوص في الكتاب المقدس تعلم غضب الله والدينونة الأخيرة وعقيدة جهنم. وعلى مدى سنين، أقيم دائماً حلقة للأسئلة والأجوبة بعد الخدمة مباشرةً. في تلك الحلقات أتعرض للإستجواب القاسي بإنتظام من قبل النيويوركيين بأن هذه التعاليم.

وقد تبين لي أن تضايقهم الشديد إزاء هذه الناحية من الإيمان المسيحي التاريخي يمكن تفهمه تماماً. ورغم أن الإعتراض على فكرة جهنم والدينونة قد يبدو أقرب إلى الشعور بالإشمئزاز البغيض منه إلى الشك، فما زال في وسعنا أن نجد عدداً من المعتقدات المحددة جداً مخبوءاً في داخله. فلننظر في كل منها على التوالي.

إله الدينونة لا يمكن أن يوجد حقاً

يتحدث روبرت بلاه (Robert Bellah)، في مؤلفه المؤثر “عادات القلب” (Gabigs of the Heart)، عن “الفردانية المعبرة” التي تهيمن على الثقافة الأميركية. وهو في كتابه هذا يلاحظ أن 80% من الأميركيين يسلمون بالمقولة التالية: “ينبغي للفرد أن يتوصل إلى معتقداته الدينية الشخصية بالإستقلال عن أي مجمع أو كنيسة”. ثم يخلص بلاه إلى أن المعتقد الأكثر أساسية في الثقافة الأميركية هو أن الحق الخلقي نسبي تبعاً للوعي الفردي. ولذلك لا تواجه تلك الثقافة مشكلة بشأن إله محبة يساندنا بصرف النظر عن الكيفية التي نعيش بحسبها. غير أنها تعترض بشدة على فكرة إله يعاقب الناس على معتقداتهم التي يعتنقونها بإخلاص، حتى لو كانوا على خطاً. ولكن وراء هذا الإعتراض تاريخاً ثقافياً طويلاً.

في كتاب سي. إس. لويس الكلاسيكي “أبطال الإنسان” (The Abolition of Man)، يرسم الكاتب الخطوط العريضة لما يحسبه فرقاً رئيسياً بين النظرة القديمة إلى الحقيقة والنظرة الحديثة إليها. ويهاجم لويس إعتقادنا الإعتدادي أن الأقدمين آمنوا بالسحر ثم أقبل العلم وحل محله. فإذ كان خبيراً بحضارة القرون الوسطى وكيف خلفتها العصرية، علم أن السحر في تلك الأزمنة كان قليلاً جداً، وأنه قد بلغ أوجه في القرنين السادس عشر والسابع عشر، في الزمن الذي فيه كان العلم الحديث آخذاً في التطور. وقد حاج لويس بأن السبب نفسه أدى إلى بروز كليهما.

إن المسعى السحري الجدي والمسعى العلمي الجدي توأمان: أحدهما كان عليل الصحة فمات. والآخر كان قوياً فعاش. غير أنهما توأمان، وقد ولدا من النزعة نفسها.

ويصف لويس تلك النزعة المتبدية في مقاربة جديدة إلى الحقيقة الخلقية والروحية.

ثمة شيء يوحد السحر والعلم التطبيقي فيما يفصلهما كليهما عن “حكمة” القرون الأولى. فبالنسبة إلى حكماء القدم كانت المسألة الرئيسية كيف تتكيف النفس مع الحقيقة، وكان الحل هو المعرفة وضبط النفس والفضيلة. أما بالنسبة إلى السحر والعلم التطبيقي على السواء فالمسألة هي كيف تخضع الحقيقة لرغبات البشر. والحل هو تقنية ما. وهذان كلاهما، في ممارسة هذه التقنية، مستعدان لأن يفعلا أموراً كانت تعد حتى اليوم مثيرة للإشمئزاز ومنافية للتقوى…

كان مفهوماً في الأزمنة القديمة أن هنالك نظاماً أدبياً سامياً خارج الذات متداخلاً في نسيج الكون. فإن إنتهكت ذلك النظام الفوطبيعي تتعرض لعواقب صارمة كما لو إنتهكت الحقيقة الطبيعية بإقحام يدك في النار. وكان سبيل الحكمة أن تتعلم العيش وفقاً لهذه الحقيقة الصلبة. وقد إعتمدت تلك الحكمة إلى مدى بعيد على إكتساب الفضائل الخلقية، من قبيل التواضع والرحمة والشجاعة والتعقل والوفاء.

أما العصرية فقد عكست ذلك. إذ لم تر الحقيقة المطلقة كنظام فوطبيعي بل على أنها العالم الطبيعي، وكان ذلك المفهوم طيعاً. فبدل أن نحاول تشكيل رغباتنا لتوافق الحقيقة، نسعى الآن إلى إخضاع الحقيقة وتشكيلها بحيث توافق رغباتنا. فإذا نظر الأقدمون إلى شخص قلق البال، كانوا يصفون له بغيير الخلق روحياً. أما العصرية فتتحدث بدلاً من ذلك بشأن تقنيات تصريف الضغط.

لقد علم لويس أن القراء قد يظنونه ضد المنهج العلمي في حد ذاته، غير أن حاج بأنه ليس كذلك. فهو إنما أراد لنا أن ندرك أن العصرية ولدت في “أحلام السلطة”. وإذ كتب لويس في أثناء الحرب العالمية الثانية، كان واقفاً وسط بعض من أمر الثمار التي أنتجها الروح العصرية. وقد كتب صديق لويس، جاي. آر. آر. تولكين (J.R.R.Tolkien)، “سيد الخواتم” (The Lord of the Rings) عن عواقب نُشدان السلطة و السيطرة بدلاً من الحكمة والتمتع البهيج “بما هي عليه” خليقة الله.

فروح العصرية إذاً أعطتنا مسؤولية تحديد الصواب والخطأ. وثقتنا الجديدة بأننا نستطيع السيطرة على البيئة الطبيعية قد طفحت، حتى بتنا الآن نعتقد أننا نستطيع أيضاً أن نعيد تشكيل العالم الميتافيزيقي. لذلك يبدو لعقولنا أمرً يفتقر إلى الإنصاف أن نقرر أنه لا بأس في ممارسة الجنس خارج الزواج، ثم يتبين لنا في ما بعد أن هنالك إلهاً سوف يعاقبنا على ذلك. فنحن نعتقد إعتقاداً راسخاً بحقوقنا الشخصية في هذا المجال بحيث تبدو فكرة وجود يوم دينونة إلهي غير معقولة. ولكن هذا المعتقد، كما يبين لنا لويس، مرتبط بسعي إلى السيطرة والسلطة كانت له عواقب رهيبة في تاريخ العالم الحديث. ولم يقبل الجنس البشري كله رؤية العصرية إلى الأمور اليوم. فلماذا ينبغي أن نتصرف كما لو أن هذه الرؤية كانت أمراً لا مفر منه؟

في واحدة من المناقشات التي أجريها بعد خدمات الأحد، قالت لي إمرأة إن مجرد فكرة إله ديان كانت تثير إستياءها. فقلت لها: ” لماذا لا تثير إستياءك فكرة إله غفور؟” فبدا عليها الإرتباك. وتابعت: “إني أحثك بإحترام على أن تأخذي في الحسبان موقعك الحضاري حين تجدين التعليم المسيحي المعلق بجهنم باعثاً على الإستياء”. ثم مضيت كي ألاحظ أن الغربيين اللادينين يمتعضون من التعاليم المسيحية الخاصة بجهنم، ولكنهم يجدون تعليم الكتاب المقدس عن تحويل الخد الآخر والغفران للأعداء تعليماً فاتناً. ومن ثم طلبت إليها أن تأخذ في الحسبان كيف ينظر إلى المسيحية شخص ينتمي إلى حضارة أخرى. ففي المجتمعات التقليدية، لا يعني التعليم عن “تحويل الخد الآخر” شيئاً على الإطلاق، إذ يغيظ أعمق غرائز القوم بشأن ما هو صواب. ولكن عقيدة وجود إله ديان لا تشكل لديهم أية مشكلة إطلاقاً. فذلك المجتمع تنفره نواحي المسيحية التي يستمتع بها الغربيون، وتجذبه النواحي التي لا يستطيع الغربيون اللادينيون أن يحتملوها.

ثم خلصت إلى السؤال: لماذا ينبغي أن تكون المدركات الثقافية الغربية هي المحكمة النهائية التي فيها نبت في صحة المسيحية؟ وسألت السيدة بلطف إن كانت تعتقد أن حضارتها متفوقة على الحضارات غير الغربية. فأجابت على الفور: “لا”. فسألتها: “إذاً، لماذا ينبغي لاعتراضات حضارتك على المسيحية أن تتغلب على إعتراضاتهم؟”.

وفي سبيل المجادلة، فلنتصور أن المسيحية ليست حصيلة أية حضارة بعينها، بل هي بالفعل حق الله الذي يتخطى الحضارات. فإذا كان ذلك هو واقع الحال، فمن شأننا أن نتوقع أن المسيحية لا بد أن تناقض وتعثر كل حضارة بشرية في نقطة ما، لأن الحضارات البشرية دائمة التغير وغير كاملة. إذاً، إن كانت المسيحة هي الحق فلا بد أن تكون مغيظة لك ومصححة لتفكيرك في مكان ما. وربما كان هذا هو المكان: العقيدة المسيحية بشأن الدينونة الإلهية.

إله الدينونة لا يمكن أن يكون إله محبة

في المسيحية الله هو إله محبة وإله عدل معاً. وكثيرون يخوضون صراعاً مع هذه الحقيقة. فهم يعتقدون أن إلهاُ محباً لا يمكن أن يكون إلهاً دياناً. وحالي حال معظم الخدام المسيحين الآخرين في المجتمع الغربي، سئلت حرفياً آلاف المرات: “كيف يعقل أن يكون إله محبة هو أيضاً إلهاً ممتلئاً بالسخط والغضب؟ إن كان محباً وكاملاً، فينبغي أن يسامح كل إنسان ويقبله، ولا ينبغي أن يغضب”.

دائماً أباشر إجابتي بالإشارة إلى أن جميع الأشخاص الحبين يمتلئون أحياناً بالغضب، ليس على الرغم من محبتهم فحسب، بل بسببها. فإن كنت تحب شخصاً ورأيت أحداً يفسده -حتى لو كان الشخص هو من يفسد ذاته- فإنك تغضب. وعلى حد تعبير بكي بيرت (Becky Pippert) في كتابها “للرجاء أسبابه” (Hope Has Its Riasons):

فكر كيف يكون شعورنا عندما نرى شخصاً نحبه يتعرض للفساد من جراء أفعال أو علاقات طائشة. هل نرد بالتساهل اللطيف كما قد نفعل تجاه الغرباء؟ كلا! ليس الغضب نقيض المحبة. بل البغض هو نقيضها. وآخر شكل من البغض هو اللامبالاة… إن غضب الله ليس إنفجاراً مزاجياً، بل هو معارضته الثابتة للأفة المهلكة، تلك التي تلتهم أحشاء الجنس البشري الذي يحبه تعالى بكل كيانه.

يقول الكتاب المقدس إن غضب الله ينبع من محبته ومسرته بخليقته. فهو غاضب على الشر والظلم لأنهما يبددان سلامها وكمالها.

الرب بار في كل طرقه ورحيم في كل أعماله (أو محب تجاه جميع مخلوقاته)…. يحفظ الرب كل محبيه، ويهلك جميع الأشرار (المزمور145: 17-20)

في هذا المجال يتشكى كثيرون أن أولئك الذين يؤمنون بإله دينونة لن يقاربوا أعداءهم برغبة في التصالح معهم. فإن كنت تؤمن بإله يضرب فعلة الشر، فقد تحسبه أمراً مبرراً تماماً أن تقوم أنت نفسك بشيء من الضرب. إن لاهوتي جامعة يال، ميرسلاف فولف (Miroslav Volf)، وهو كرواتي شهد العنف في بلاد البلقان، لا يرى العقيدة بشأن إله دينونة بهذا المنظار. فقد كتب:

لو كان الله غير غاضب على الظلم والخداع، وإن كان لا يضع حداً نهائياً للعنف، لما كان ذلك الإله يستحق أن يعبد…. فالوسيلة الوحيدة للحيلولة دون أي لجوء إلى العنف من قبلنا هي الإصرار على أن العنف يكون مشروعاً فقط حين يأتي من عند الله. مقولتي إن ممارسة اللاعنف تقضي إيماناً بالإنتقام الإلهي لن تلقى شعبية كبيرة في الغرب. ولكن ولادة الفرضية القائلة إن اللاعنف البشري ينتج من الإيمان برفض الله الديان تقتضي سكينة بيت في ضاحية مدينة (أي حياة راقية ساكنة بعيداً عن العنف وأعباء الحياة). ففي بلد تسفعه الشمس، مغموس بدماء الأبرياء، لابد أن تموت تلك الفرضية على نحو ثابت، ومعها أمور أخرى سارة لطالما أسرت العقل الليبرالي.

في هذا القطع الرائع يضع فولف الحجة بأن عدم الإيمان بإله إنتقام هو الذي “يغذي العنف في الخفاء”. فالنزعة البشرية إلى جعل مرتكبي العنف بدفعون ثمن جرائمهم تكاد تكون نزعة طاغية. إذ لا يمكن قهرها بملاحظة تافهة من قبيل “والآن، أما ترى أن العنف لن يحل أي شيء؟” فإن كنت قد شاهدت بيتك محروقاً ومهدوماً، وأقرباءك قد تعرضوا للقتل والإغتصاب، يكون كلام كهذا مدعاة للضحك. إلا أن ضحايا العنف يحملون على تخطي العدالة إلى الثأر الذي يقول: “أنت فقأت إحدى عيني، فأنا سأفقأ لك الإثنتين”. إنهم يجرون بلا هوادة إلى دورة لا تنتهي من الإنتقام، من الضربات والضربات المضادة، تغذيها وتسوغها ذكرى المظالم والإساءات الرهيبة.

أيمكن لتوقنا إلى العدالة أن يلبى بطريقة شريفة لا تغذي تلهفنا إلى الإنتقام الدامي؟ يقول فولف إن أفضل مورد لذلك هو الإيمان يمفهوم عدالة الله السماوية. فإن كنت لا أومن بوجود إله سيضع الأمور في نصابها الصحيح أخيراً، فإني سأحمل السيف وأغوص في دوامة الإنتقام التي لا نهاية لها. أما إذا كنت على يقين بأن ثمة إلهاً سيقوم جميع المظالم ويسوي جميع الحسابات تماماً، فعندئذ فقط تكون لي القدرة على الإحجام عن الأخذ بالثأر.

إن الشاعر البولندي الحائز جائزة نوبل، تشسلاف ميلوتش (Czeslaw Milosz)، كتب مقالة رائعة عنوانها “مفاتن العدمية الحذرة” (The Discreet Charms of Nihilism). وفيها يتذكر كيف دعا ماركس الدين “أفيون الشعوب” لأن الوعد بحياة بعد الموت (على حد قول ماركس) حمل الفقراء والطبقة العاملة على تحمل الظروف الإجتماعية الجائرة ولكن ميلوتش يتابع:

وها نحن الآن نشهد تحولاً. فأفيون الشعب الحقيقي هو إعتقاد بالعدم بعد الموت -ذلك العزاء الضخم في التفكير بأن خياناتنا وجشعنا وجتننا وجرائم القتل التي إرتكبناها كلها لن تدان… غير أن جميع الأديان تسلم بأن أعمالنا لا تفنى.

يتشكى كثيرون أن الإيمان بإله دينوية سفضي إلى مجتمع أكثر وحشية. وقد رأي ميلوتش شخصياً، في النازية والشيوعية كلتيهما، أن عدم الإيمان بإله يمكن أن يفضي إلى الوحشية. فإن كنا أحراراً في أن نشكل الحياة والأخلاق بأية طرقة نختارها بغير محاسبية نهائية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى العنف. وقد حاج فولف وميلوتش بأن عقيدة دينونة الله الأخيرة هي أساس ضروري لممارسات المحبة وصنع السلام وسط الناس.

الإله المحب لن يسمح بوجود جهنم

لعلك تقول: “آه، إن مكافحة الشر والظلم في العالم شئ، أما إرسال الناس إلى جهنم فشيء آخر. إن الكتاب المقدس يتحدث بشأن العقاب الأبدي. فكيف يتوافق هذا مع محبة الله؟ لا يمكنني أن أوفق مجرد فكرة جهنم مع إله محب”. فكيف نتولى أمر هذا التوفيق المنطقي؟

يفكر أهل عصرنا حتماً في مسألة جهنم إجرائياً على النحو التالي: الله يعطينا وقتاً، ولكن إن كنا لم نقم بالإختيارات الصحيحة في آخر حياتنا، يطرح نفوسنا في جهنم طوال الأبدية. وإذ تهوي النفوس المسكينة عبر الفضاء، تصرخ طالبةً الرحمة، ولكن الله يقول: “فات الأوان! لقد أتيحت لك فرصتك! والآن سوف تتعذبين!” غير أن هذه الصورة الممسوخة تسيء فهم طبيعة الشر بحد ذاتها. فالصورة التي يبرزها الكتاب المقدس هي أن الخطية تفصلنا عن حضرة الله التي هي مصدر كل فرح، وكل محبة وحكمة حقاً، وكل أمر صالح من أي نوع كان. ولما كنا قد خلقنا أصلاً للتمتع بحضرة الله المباشرة، فأمام وجهه فقط ننمو ونزهر ونحقق أقصى إمكانياتنا. فإن حرمنا حضرته كلياً، كان ذلك هو جهنم: أي فقدان قدرتنا على بذل المحبة والفرح أو تلقيهما.

من الصور الشائعة في الكتاب المقدس لجهنم صورة النار. فالنار تفسخ وتدمر. حتى إننا في هذه الحياة نستطيع أن نرى نوع تدمير النفس ذاك الذي يحدثه التمحور حول الذات. ونحن نعلم كيف تؤدي الأنانية والإنهماك في الشؤون الذاتية إلى المرارة الحادة، والحسد المقزز، والقلق المشل، وهواجس الإرتياب، وما يصحب ذلك كله من إنكارات وتشويهات ذهنية، فاطرح هذا السؤال الآن: “ماذا يكون لو أننا عندما نموت لا ننتهي، بل تستمر حياتنا روحياً طوال الأبدية؟” وهكذا، فإن جهنم هي المسار المستمر لنفس تعيش حياة متمحورة حول الذات ومنهمكة في الشؤون الذاتية، ذاك المسار الذي يدوم ويدوم إلى الأبد.

إن قصة لعازر والغني التي حكاها السيد المسيح في إنجيل لوقا 16 تؤيد النظرة التي نعرضها هنا بشأن جهنم. ولعازر إنسان فقير يستعطي عند باب غني قاسي القلب. ثم يموتان كلاهما، فيذهب لعازر إلى السماء، وأما الغني فيذهب إلى الجحيم. وهناك ينظر إلى فوق فيرى لعازر في السماء “في حضن إبراهيم”.

فنادى وقال يا أبي إبراهيم إرحمني وأرسل لعازر ليبل طرف إصبعه بماء لساني لأني معذب في هذا اللهيب. فقال إبراهيم يا إبني إذكر أنك إستوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزى وأنت تتعذب. وفوق هذا كله بيننا وبينكم هوة عظيمة قد أثبتت حتى أن الذين يريدون العبور من هنا إليكم لا يقدرون، ولا الذين من هناك يجتازون إلينا. فقال أسألك إذاً يا أبت أن ترسله إلى بيت أبي، لأن لي خمسة إخوة حتى يشهد لهم لكيلا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا. فقال له إبراهيم عندهم موسى والأنبياء. ليسمعوا منهم. فقال له إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء ولا إن قام واحد من الأموات يصدقون (لوقا 16: 24-31).

ما يذهل هو أنه على الرغم من كون حالتي الرجلين قد إنعكستا الآن، يبدو أن الغني أعمى بالنسبة إلى ما قد حصل. فهو ما يزال يتوقع من لعازر أن يكون خادمه، وهو يعامله كما لو كان ساقيه. إنه لا يطلب أن يطلق من الجحيم، إلا أنه يلمح بقوى إلى أن الله لم يزوده هو وعائلته قط بمعلومات كافية عن الحياة بعد الموت. وقد أشار المفسرون إلى المقدار المذهل من الإنكار وإلقاء اللوم والعمى الروحي، ذاك الذي كان لدى النفس التي تكابد عذاب حهنم. وقد لاحظوا أيضاً أن الغني، على خلاف لعازر، لم يسم قط بأي إسم شخصي. فهو إنما يعرف بأنه “إنسان غني”، مما يلفت النظر بقوة إلى أنه لما كان قد بنى هويته على غناه، لا على الله، فإنه ما إن فقد غناه حتى فقد كل وعي كليان ذاتي جلي.

وبالإختصار، فإن جهنم هي حقاً هوية المرء التي يختارها حراً بمعزل عن الله، في مسار مستمر إلى اللانهاية. ونحن نرى هذه العملية “مكتوبة بصورة مصغرة” في إدمانات المخدرات والكحول والقمار والبورنوغرافيا (الصور الخلاعية). فأولاً، يحصل تفسخ، لأنه بمرور الوقت يحتاج المرء إلى مقدار متزايد من مادة الإدمان للحصول على المتعة المألوفة، الأمر الذي يؤدي إلى إشباع متناقص. وثانياً، يحصل الإنعزال، إذ يلقي المرء باللوم بصورة متزايدة على الآخرين والظروف لكي يسوغ سلوكه. “لا أحد يفهم! الكل ضدي!” دمدمة تطلق بمقدار متزايد من رثاء الذات والإنهماك في شؤون الذات. وعندما نبني حياتنا على أي شيء سوى الله، فإن ذلك الشيء، رغم كونه جيداً، يصبح إدماناً مستعبداً – شيئاً يجب أن نحوزه لكي نشعر بالسرور. ثم يحصل التفسخ الشخصي على نطاق أوسع. وفي الأبدية، يستمر هذا التفسخ إلى الأبد. فهنالك يتزايد الإنعزال والإنكار والإنخداع والإنهماك في بلية الذات. وحين يفقد المرء كل إتضاع، يفقد إذ ذاك الصلة بالواقع. فلا أحد يطلب مغادرة جهنم أبداً حتى فكرة السماء ذاتها تبدو لأهل الجحيم وهماً.

في الرواية الخيالية التي ألفها سي. إس. لويس بعنوان “الطلاق الكبير” (The Great Divorce)، يصف الكاتب ملء حافلة من أهل الجحيم يذهبون إلى ضواحي السماء. ونالك يطلب إليهم أن يقلعوا عن الخطايا التي أوقعتهم في شرك جهنم… إلا أنهم يرفضون ذلك. وأوصاف لويس لهؤلاء القوم مؤثرة جداً، لأننا نلاحظ فيها خداع الذات والإنهماك الذاتي اللذين هما “مكتوبان بصورة مصغرة” في إدماناتنا.

تبدأ جهنم بمزاج متذمر، دائم التشكي ودائم الإلقاء باللوم على الآخرين… ولكنك مانزال متميزاً عنه. حتى إنك قد تنتقده في نفسك وتود لو يتسنى لك أن تكف عنه. ولكن قد يأتي يوم لا تعود فيه قادراً على ذلك. وعندئذ لن يتبقى “أنت” لانتقاد ذلك المزاج، أن حتى للتمتع به. بل يتبفى التذمر ذاته، مستمراً إلى الأبد كأنه آلة. فليست المسألة مسألة “إرسال الله إيانا” إلى جهنم إذ إن في كل منا شيئاً ينمو، وهو سوف يصير جهنم إلا إذا قضينا عليه في مهده.

إن أهل الجحيم بائسون، ولكن لويس يبين لنا السبب. فنحن نرى في إضطرام، كألسنة لهيب جامحة، كبرياءهم وإرتيابهم، ورثاءهم لذواتهم ويقينهم بأن كل إنسان سواهم على خطاً، بأن كل إمرىء عداهم أحمق! فإن كل تواضعهم قد تبدد، وكذلك سامة عقولهم أيضاً. إنهم محبوسون كلياً ونهائياً في سجن من أنانيتهم، وكبرياؤهم تنتشر بالتدريج لتصير غمامة على شكل فطر المشروم تتعاظم وتتفاقم. وهم يظلون يتصدعون وينقسمون إلى شظايا إلى الأبد، ملقين باللوم على الجميع ما عدا أنفسهم. بلك هي جهنم، بصورتها الكبرى.

ولذلك هي صورة زائفة تلك التي تصور الله طارحاً أناساً في هوة سحيقة وهم يصرخون: “أنا أعتذر! أخرجني من هنا!” فركاب الحافلة الخارجة من الجحيم في رواية لويس الرمزية، يفضلون الحصول على “حريتهم”، كما يعرفونها، لا على الخلاص. وهم يتوهمون أنهم إذا مجدوا الله فسيفقدون القدرة والحرية بطريقة ما، ولكن في سخرية فائقة ومأساوية بدد إختيارهم إمكانية إحرازهم للعظمة. وكما في رسالة رومية، فقد “أسلمهم الله في شهوات قلوبهم إلى النجاسة” (رومية 1: 24). فكل ما يفعله الله في النهاية بالناس هو أن يعطيهم ما يريدونه أكثر الكل، ومن ضمنه التحرر من العلاقة به. وأي شيء يمكن أن يكون أكثر إنصافاً من ذلك؟ وقد كتب لويس في هذا الشأن:

ثمة فقط نوعان من الناس: أولئك الذين يقولون لله “لتكن مشيئتك”، وأولئك الذين يقول الله لكل منهم في الأخير “لتكن مشيئتك”. فإن جميع الذين في جهنم يختارونها. ولولا ذلك الإختيار الذاتي ما كانت جهنم على حالها. فما من نفس ترغب في الفرح بجد وثبات سوف تفوته على الأطلاق.

جهنم والمساوة بين الناس

لنرجع إلى الصحافيين الشكاكين في حلقة النقاش التي عقدها رك وارن. فقد أقلقهم أن أي مسيحيين يعتقد أن بعض الناس مصيرهم جهنم لا بد أن يتصور أن أولئك الناس يفتقرون إلى المساواة وأنهم أقل إستحقاقاً للحقوق المدنية. ولكن هذا القلق يسيء فهم ما يعلمه الكتاب المقدس عن طبيعة الخلاص والدينونة.

فكما يشير سي. إس. لويس، الرحلة إلى جهنم هي عملية يمكن أن تبدأ بشيء حميد في ظاهره، مثل المزاد المتذمر. فلا أحد يقدر أن يجيل بصره على جماعة المعبدين في يوم الأحد، أو جمهور المشاهدين في إحدى المباريات، أو المستمعين في حفلة موسيقية كبيرة، ويكون على يقين من جهة من سيذهب في آخر المطاف إلى السماء أو إلى جهنم. إذ إن المجاهر اليوم بأنه مؤمن قد يكون هو المرتد غداً، كما أن المجاهر اليوم بأنه غير مؤمن قد يكون هو المهتدي غداً. فيجب علينا ألا نقرر قرارات ثابتة ونهائية بشأن الحالة الروحية لأي شخص، أو بشأن مصيره الأبدي.

بعدما تحدثت مرة بشأن الإيمان المسيحي إلى حشد مجتمع في بيت مديني في منهاتن، تقدمت إمرأتان سمعتا حديثي. وقالت لي كلتاهما إن الإيمان بالدينونة الأبدية يجعلني شخصاً ضيق الأفق كثيراً. فسألتهما: “أنتما تعتقدان أني مخطئ بشأن هذه الأسئلة الدينية وأنا أعتقد أنكما مخظئتان. فلماذا لا يجعلكما ذلك ضيقتي الأفق على غراري؟” وردت إحداهما: ” هذا الأمر مختلف. فأنت تعتقد أننا هالكتان إلى الابد! ونحن لا نعتقد أنك أنت هالك. وهذا يجعلك أضيق منا أفقاً”. إلا أني لم أوافق، وإليك ما إقترحته عليهما.

إن المسيحي المؤمن والشخص اللاديني كليهما يعتقدان أن للأنانية والقساوة عواقب ضارة جداً. فلأن المسيحيين يؤمنون بأن النفوس لا تموت، فهم أيضاً يؤمنون بأن الأخطاء الخلقية والروحية تؤثر في النفس إلى الأبد. والأشخاص الليبراليون اللادينيون يؤمنون أيضاَ بأن هنالك أخطاء خلقية وروحية رهيبة، مثل الإستغلال والظلم. ولكن لأنهم لا يؤمنون بحياة بعد الموت، فهم لا يعتقدون أن عواقب إرتكاب الأخطاء تستمر مدى الأبدية. فلأن المسيحيين يعتقدون أن للإثم عواقب أطول أمداً مما يعتقد اللادينيون، أفيعني ذلك أنهم أضيق أفقاً بطريقة ما؟

تخيل شخصين يتجادلان بشأن طبيعة كعكة محلاة صغيرة. فسليم يعتقد أن الكعكة سم. وسلمى تعتقد أنها ليست كذلك. وسليم يعتقد أن نظرة سلمى الخاطئة إلى الكعكة ستؤدي بها إلى المشفى أو إلى ما هو أسوأ. وسلمى تعتقد أن نظرة سليم الخاطئة إلى الكعكة ستحرمه تناول كعكة طيبة. فهل سليم أضيق من سلمى أفق تفكير فقط لأنه يعتقد أن عواقب غلطتها أرهب؟ لست أظن أن أحداً يعتقد ذلك. وهكذا، فإن المسيحيين ليسوا أضيق أفقاً لأنهم يعتقدون أن للتفكير والتصرف الخاطئين آثاراً أبدية.

“إني أومن بإله محبة”

في أثناء سنوات دراستي الجامعية وأوائل عشرينياتي، شأني شأن كثيرين غيري، نظرت بعين الشك إلى الإيمان المسيحي الذي تربيت عليه. وكان لشكوكي أسباب ذاتية. فالمسيحية لم تبد حقيقية في نظري على الصعيد الإختباري. ولم أكن قد إكتسبت حياة صلاة، ولا إختبرت الله شخصياً قط. وساورتني أيضاً من جهة المسيحة إشكالات عقلانية سأتطرق إليها كلها في غير هذا الموضع من الكتاب الذي بين أيديكم. إلا أني سأتحدث بشأن إحداها هنا.

لقد تضايقت من أولئك المسحيين الذين شددوا على نار جهنم والدينونة الأبدية. فحالي حال الكثيرين من أبناء جيلي، إعتقدت أنه إن كان ثمة من نقطة جوهرية في جميع الأديان، فإنما هي وجود إله محب. وقد أردت أن أومن بإله محبة يقبل الناس بصرف النظر عن معتقداتهم وممارساتهم. وباشرت دراسة مقررات في ديانات العالم الرئيسية الأخرى – البوذية والهندوسية والإسلام والكونفوشيوسية واليهودية. وقد أفدت من تلك الدراسات حتى اليوم. غير أن تحرياتي في الأديان الأخرى أثبتت أني كنت مخطئاً في هذه النقطة المخصوصة بشأن مركزية الإيمان بإله محب.

لم أجد خارج الكتاب المقدس أي نص ديني آخر يقول إن الله خلق العالم بدافع المحبة والسرور. فمعظم الديانات الوثنية القديمة آمنت بأن العالم خلق عبر نزاعات ومعارك عنيفة بين آلهة متخاصمة وقوى خارقة. ثم تحولت إلى النظر من قرب في البوذية، الديانة التي راقتني آنذاك أكثر الكل. ولكن على الرغم من تشديد البوذية البالغ على الغيرية والخدمات المجردة للآخرين، فهي لا تؤمن بإله شخصي، والمحبة عندها هي من فعل المرء نفسه.

وفي ما بعد، لما صرت خادماً مسيحياً، كنت على مدى بضع سنين متكلماً ومشاركاً في برنامج نقاش شهري بولاية فيلادلفيا بين كنيسة مسيحية وجامع إسلامي. ففي كل شهر كان متكلم من الكنيسة ومتكلم من الجامع يقدمان منظوريهما بشأن موضوع ما وفقاً للكتاب المقدس والقرآن. ولما تناولنا موضوع محبة الله، كان لافتاً للنظر مدى إختلاف مفهومينا. فقد قال لي المتكلمون المسلمون تكراراً إن الله حقاً محب بمعنى كونه رحيماً ولطيفاً تجاهنا. ولكن لما تكلم المسيحيون عن الرب بوصفه عريسنا، وعن معرفتنا لله معرفة وثيقة وشخصية، وعن إنسكاب دفقات من محبته في قلوبنا بالروح القدس، توقف أصدقاؤنا المسلمون عن النقاش. وقد قالوا لنا إنه أمر يفتقر غلى الإحترام، في نظرهم، أن يتحدث أحد بشأن معرفته لله شخصياً.

واليوم يقول كثيرون من الشكوكيين الذين أحادثهم، كما كنت أقول أنا في ما مضى، إنهم لا يستطيعون أن يؤمنوا بإله الكتاب المقدس، ذاك الذي يعقب الناس ويدينهم، وذلك لأنهم “يؤمنون بإله محبة”. والآن أسأل: ما الذي يجعلهم يعتقدون أن الله محبة؟ أيستطيعون أن ينظروا إلى الحياة في العالم اليوم ويقولوا: “هذا يبرهن أن إله هذا العالم هو إله محبة؟” أويستطيعون أن ينظروا إلى التاريخ ويقولوا : “هذا كله يبين أن أله العالم هو إله محبة؟” أيستطيعون أن ينظروا إلى النصوص الدينية في العالم ويستنتجوا أن إله التاريخ هو الله إله محبة؟ ليست هذه على الإطلاق هي سجية الله السائدة المهيمنة حسبما يفهم في أي دين من الأديان الرئيسية. فلا بد من أن أستنتج أن مصدر فكرة كون الله محبة هو الكتاب المقدس نفسه. ثم أن الكتاب المقدس يقول لنا أن إله المحبة هو أيضاً أله دينونة سيصلح أمور العالم ويقومها كلها في آخر المطاف.

إن الإيمان بإله محبة محض -يقبل الجميع ولا يدين أحداً- هو فعل إيمان قوي. ولا يقتصر الأمر على عدم وجود أية بينات تدعمه في النظام الطبيعي، بل أيضاً لا يكاد يوجد له أي سند نصي تاريخي وديني خارج المسيحية. وكلما أنعم المرء النظر في هذا المعتقد، بدا له أقل تسويغاً.