الرد على محمود داود

يوميات إرهابي هارب 33 : إختلافات بين أقنومي الإبن والآب؟! الجزء الثاني

يوميات إرهابي هارب 33 : إختلافات بين أقنومي الإبن والآب؟! الجزء الثاني

يوميات إرهابي هارب 33 : إختلافات بين أقنومي الإبن والآب؟! الجزء الأول

 

 

نستكمل ما بدأناه في الجزء السابق من الإختلافات التي إدعاها محمود داود بين الإبن والآب، حيث كُنّا قد ذكرنا ثلاثة إختلافات يعترض بهم ميمو ورددنا عليهم رد مبسط، يمكن قراءته هنا:  http://www.difa3iat.com/19582.html

  1. الإختلاف الرابع الذي يقدمه ميمو هو الإختلاف في العلم، أي أن علم الآب هو مطلق وعلم الإبن ليس كعلم الآب مطلق، وقد إستشهد ميمو بالنصوص التالية:

Mar 13:32  وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب.

Mat 24:36  وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده.

وهذه النصوص قد أفاض وكفى فيها الأولون والآخرون شروحا! إلا أن ميمو مازال يكررها بدون ان يرجع إلى أي مما قيل، وهذا يدل على أنه ليس باحث عن حق، بل مشغب لا أكثر، وخلاصة ما قدمه الآباء والعلماء هنا هو أن المسيح يقول هذا بحسب طبيعته الإنسانية، أي كإنسان، فهو كإنسان شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية، ومن ضمن هذا الذي شابهنا فيه كإنسان هو عدم معرفته بالساعة، لكن كإله هو المذخر فيه جميع كنوز المعرفة  والعلم، فيقول الكتاب “المذّخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم” (كولوسي 2: 3)، فإن كان هو المذخر فيه جميع كنوز المعرفة والعلم، فكيف –بحسب لاهوته- يقول شخص أنه أقل من الآب علماً؟ النص يقول “جميع” وهذا معناه أن كل ما يمكن أن ندعوه معرفة أو علم فهو معروف لديه بحسب لاهوته، وها هم تلاميذه يخبرونا بأن المسيح عالم بكل شيء (يوحنا 16: 30) [الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج ان يسألك احد. لهذا نؤمن انك من الله خرجت]، وها هو تأكيد القديس بطرس أن الرب يسوع المسيح يعرف كل شيء (يوحنا 21: 17) [قال له ثالثة يا سمعان بن يونا أتحبني. فحزن بطرس لانه قال له ثالثة أتحبني فقال له يا رب انت تعلم كل شيء. انت تعرف اني احبك. قال له يسوع ارع غنمي]، وأما عن معرفة المستقبل، فيخبرنا العهد الجديد خصيصاً أنه كان يعرف ما سيحدث له (يوحنا 13: 1، 3؛ 18: 4؛ متّى 20: 18-19؛ يوحنا 6: 64؛ )، ليس هذا فحسب، بل أني أتعجب كيف ينسب ميمو أي جهل إلى المسيح بحسب لاهوته، وهو (أي المسيح) الذي قال في سفر الرؤيا أنه هو فاحص القلوب والكلى، فمن هو فاحص القلوب والكلى إلا الرب الإله القدير؟ حيث يذكر النص صراحة أن المتكلم هو “إبن الله” حرفياً (رؤ 2: 18)، ليس هذا فحسب بل أن هذه الصفة هي صفة الله في العهد القديم (مز 7: 9؛ إر 20: 12) فمن هنا نعرف أن الرب يسوع المسيح هو إله العهد القديم (وهذا بديهي لأنه ليس لدينا أكثر من إله) وأنه كلي المعرفة إذ هو الله، أم يظن ميمو أن الله ليس بكلي المعرفة؟، وكان الرب يسوع المسيح بنفسه يعرف ما يدور في عقول وقلوب البشر الذين حوله عندما كان يقوم بعمل ما او يقول قول ما، فكيف يقول ميمو أن الرب يسوع المسيح بحسب لاهوته كان أقل من الآب معرفة؟ إذن فعندما قال المسيح أنه لا يعلم اليوم والساعة كان يتكلم بحسب ناسوته، وهذا ما قاله الآباء والعلماء كثيراً، فلماذا لا يقرأ ميمو ويكف عن التعامي عن الأجوبة؟ وكيف يقول عن لاهوت المسيح انه أقل من الآب وهو (أي لاهوت المسيح) الكلمة، اللوجوس، الحكمة؟! وإلى حضراتكم مجموعة بسيطة من الردود على هذه الشبهة قديمة وحديثة:

  1. ثم في الإختلاف الخامس، وهو الإختلاف في العظمة، وللأسف، فإن سبب هذا السؤال هو ذاته سبب السؤال السابق، ولعدم التكرارجاء أن تقرأوا جيداً ما قاله الآباء بخصوص كلام رب المجد بحسب ناسوته في فترة إخلاء المجد وكلامهم عنه بحسب اللاهوت، لانه ومن الواضح أن ميمو لا يريد أن يقرأ، وهنا نضيف سريعاً، الرب يسوع المسيح في فترة تجسده قد أخلى نفسه من المجد والعظمة وصار في الهيئة كإنسان فوضع نفسه وأطاع، فها هو الكتاب يثبت له التنازل:

Php 2:6  الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله.

Php 2:7  لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس.

Php 2:8  وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب.

فالنص يثبت له أنه كان في صورة الله، معادلاً لله، فهذه هي طبيعته اللاهوتية كمساوٍ للآب، ثم أخلى نفسه وأخذ صورة العبد وصار في شبة الناس، ووضع نفسه وأطاع، فعندما يقول المسيح له كل المجد “أبي أعظم مني” فهو يتكلم بحسب الناسوت، في حالة إخلاء نفسه وإتخاذه لصورة العبد وكونه في صورة إنسان واضعاً نفسه، وأنقل لحضراتكم سريعاً ما نقله لنا القمص تادرس يعقوب ملطي من تفاسير الآباء لهذه الآية:

  • واضح أنه صار إنسانًا بينما بقي هو اللَّه، فإن اللَّه انتحل إنسانًا، ولم يُمتص اللَّه في إنسانٍ. لذلك بالكمال، بمنطق مقبول أن يُقال إن المسيح كإنسانٍ هو أقل من الآب، وأن المسيح كإله مساوٍ للآب، مساوٍ للَّه (يو 30:10)[1].
  • أمور كثيرة قيلت في الكتاب المقدس تتحدث عنه في شكل اللَّه، وأمور كثيرة في شكل العبد. اقتبس اثنين من هذه كمثالين، واحد يخص كل منهما. فبحسب شكل اللَّه قال: “أنا والآب واحد” (يو 30:10)، وبحسب شكل العبد: “أبي أعظم مني”[2].
القديس أغسطينوس
  • ما هو غير طبيعي إن كان ذاك الذي هو اللوغوس قد صار جسدًا (يو 1: 14) يعترف بأن أباه أعظم منه، إذ ظهر في المجد أقل من الملائكة، وفي الهيئة كإنسان؟ لأنك “جعلته أقل قليلاً من الملائكة” (مز 8: 5)… وأيضا: “ليس فيه شكل ولا جمال، شكله حقير، وأقل من شكل بني البشر (إش 53: 2، 3). هذا هو السبب لماذا هو أقل من الآب، فإن ذاك الذي أحبك احتمل الموت، وجعلك شريكًا في الحياة السماوية[3].

 القديس باسيليوس الكبير

  • بسبب تواضعه يقول هذه الكلمات، هذه التي يستخدمها خصومنا ضده بطريقة خبيثة[4].
  • يقولون مكتوب: “أبي أعظم مني“. أيضًا مكتوب: “لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً للَّه” (في 6:2). وأيضًا مكتوب أن اليهود أرادوا قتله، لأنه قال إنه ابن اللَّه معادلاً نفسه باللَّه (يو 18:5). مكتوب: “أنا والآب واحد” (يو 30:10). إنهم يقرأون نصًا واحدًا وليس نصوص كثيرة. إذن هل يمكن أن يكون أقل ومساوٍ في نفس الوقت لذات الطبيعة؟ لا، فإن عبارة تشير إلى لاهوته، وأخرى إلى ناسوته[5].

القديس أمبروسيوس

الفكرة الأخرى التي ذكرها ميمو وهي تدل على جهله بجلاء، حيث إستشهد بالآية المعروفة التي يقول فيها المسيح له كل المجد “الحق الحق اقول لكم انه ليس عبد اعظم من سيده ولا رسول اعظم من مرسله” (يوحنا 13: 16)، فيستشهد بهذا النص بإعتبار أن الإبن ليس أعظم من الآب!! والذي لا أعرفه، من الذي أخبر ميمو أن المسيحيون يقولون بأن الإبن أعظم من الآب أو الآب أعظم من الإبن؟ ألم نقل آلاف المرات أن الأقانيم متساوية ولا يوجد أقنوم أعظم من الآخر؟، فهلا عرفتم أنه لا يعرف أصلا عقيدة المسيحيين الذي يحاول إنتقادها؟

  1. الإختلاف الحالي هو الإختلاف في الذات! ولا أعرف بالضبط ما الذي يقصده هنا بكلمة “ذات” العربية؟! فلقد إستشهد بالآية:

Joh 5:26  لأنه كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضا أن تكون له حياة في ذاته

فهل يقصد الإختلاف في الجوهر؟ أم في الأقنوم؟، فإن كان يقصد الجوهر، فالنص لا علاقة له بهذا كما سنبين، وإن كان يقصد الأقنوم فهذا هو التعليم الصحيح، أن الآب والإبن أقنومان متمايزان، جوهر واحد وأقنومين، النص اليوناني بلغته الأصلية يقول:

26 ὥσπερ γὰρ ὁ πατὴρ ἔχει ζωὴν ἐν ἑαυτῷ, οὕτως καὶ τῷ υἱῷ ἔδωκεν ζωὴν ἔχειν ἐν ἑαυτῷ. [6]

حتى أن الترجمة السريانية البسيطة (البشيطا) تقول حرفياً (بقنومه) وهي اللغة التي أتى منها اللفظ الذي تم تعريبه “أقنوم” حيث قالت:

26 ܐܰܝܟ݁ܰܢܳܐ ܓ݁ܶܝܪ ܕ݁ܠܰܐܒ݂ܳܐ ܐܺܝܬ݂ +ܚܰܝܶܐ ܒ݁ܰܩܢܽܘܡܶܗ (بقنومه) ܗܳܟ݂ܰܢܳܐ ܝܰܗ̱ܒ݂ ܐܳܦ݂ ܠܰܒ݂ܪܳܐ ܕ݁ܢܶܗܘܽܘܢ +ܚܰܝܶܐ ܒ݁ܰܩܢܽܘܡܶܗ (بقنومه)

فلا أعرف تحديداً الشيء الذي يريد ميمو هنا نقده؟ هذا أولاً، تكلم ميمو أيضاً في أن النص يقول أن الآب “أعطى” الإبن، وأن هذه اللفظة تبين أن الآب كأقنوم أعظم من الإبن كأقنوم، وفي الحقيقة، لا أعرف من أين إستنتج هذا الإستنتاج؟! فالآب كآب للإبن قد ولده أقنوميا في الجوهر بلا بداية زمنية، ولهذا نقول أن الآب هو الأصل، ليس الأصل بمعنى أن الإبن والروح القدس كان هناك زمن لم يكونا فيه، بل نقول أنه الأصل بمعنى أنه الوالد للإبن والباثق للروح القدس، أي الذي منه يخرج الإبن والروح القدس دائماً وبلا فارق زمني، فلم يكن هناك زمن أو ما خارج الزمن كان الآب موجوداً بلا الإبن والروح القدس، فوجود الإبن والآب والروح القدس كوجود النار وحرارتها ونورها، فطالما وجدت النار وجدت الحرارة ووجد النور، وبالطبع هذا مثال قاصر، ولأني أعلم أن ميمو لن يفهم هذا الكلام، فنعطيه ما يفهمه بنفس أسلوبه، يقول الرب يسوع المسيح للآب:

Joh 17:4  أنا مجدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته.

فهل قول الرب يسوع المسيح للآب “أنا مجدتك” يعني أن الآب لم يكن له مجد إلى أن مجده المسيح، أو أن مصدر مجد الآب هو الإبن بحيث يكون الآب بلا مجد لو أن الرب يسوع المسيح لم يُمجِدَهُ؟

إن إعطاء الآب للإبن يمكن تمثيله بمثال قاصر بالطبع وهو كمثل أن تعطي اليد اليمنى شيء لليد اليسرى، فاليد اليمنى ليست هي اليد اليسرى كما ان الآب ليس هو الإبن، ولكن كلتا اليدين لهما طبيعة واحدة وهي طبيعة اللحم والدم وغير منفصلة حيث انها متصلة عن طريق ما بينهما من الجسد، فهنا إعطاء اليد لليد الأخرى هو في داخل الجسد الواحد كما أن إعطاء الآب للإبن هو في داخل الجوهر الواحد وليس كما يتصور ميمو أن هناك شخص قدير يعطي شخص أقل منه شيء كمنّة وعطيّة تفضُّلية، وبالطبع هذا مثال قاصر لكن للتقريب فقط وليس للمطابقة، وكما أن المخ يعطي أجزاء الجسم إشارات للحركة بشكل معين، فهكذا يعطي الآب الإبن في ذات الجسد الواحد، فالمخ لا يفعل شيء، ولا اليد تتحرك من تلقاء نفسها، بل أن المخ يحرك اليد، فهذه وظيفته وتلك وظيفتها، وبالطبع كل هذه الأمثلة أمثلة قاصرة جداً لتقريب فكرة ما للذهن البشري ولا أقصد المطابقة ولا حتى المشابهة الكبيرة، فإلهنا بعيد عن كل تصور بشري.

  1. الإختلاف السابع هو الإختلاف في العدد! ويقصد بهذا أن الإبن والآب هما إثنان وليسا واحداً، ولا أعرف هل يقصد إثنان في الجوهر أم في الأقنوم، فإن كان في الجوهر، فليُرينا كيف سيثبت هذا، وإن كان يقصد إثنان في الأقنوم فهذه هىي العقيدة القويمة التي نُعلِم بها، فهل يضع ميمو إختلافا بين أقنوم الآب والإبن في شيء هو من صحيح العقيدة؟ فالعقيدة المسيحية تؤمن بوحدانية الجوهر بين الآب والإبن وبأن الآب والإبن هما أقنومان وليسا أقنوم واحد، وهذا واضح بداهة، إذ لا يمكن أن يكون هناك تساوي بين الآب والإبن إن لم يكن الآب هو أقنوم آخر بالنسبة للإبن! فهذه من البديهات سواء العقلية أو العقيدية.
  2. الإختلاف الثامن هو أن من قال كلمة على إبن الإنسان يغفر له، ولكن من قال على الروح القدس لن يغفر له! وهنا أتعجب كثيراً لأسباب كثيرة منها، هنا إنتقل ميمو من مقارنة الآب بالإبن، إلى مقارنة الإبن بالروح القدس، وهو غير شاعر بما يفعل! والسبب الآخر هو أن ميمو لا يعرف ما هو التجديف على الروح القدس، ولا يعرف ما متى يغفر كل المسيح كل الخطايا، فإن الرب يسوع عندما قال هذا الكلام كان قاصدا الإمكانية ولم يقصد تحقيق هذا الغفران بلا شروط، بمعنى أن هناك إمكانية لغفران كل الخطايا متى تاب الإنسان عنها وندم ورجع، فهنا فقط تُغفَر، لكن إن لم يتب الإنسان عن خطية ما مهما كانت صغيره بالنسبة له أو كبيرة، فإنها لن تغفر بالطبع، لكن، التجديف على الروح القدس لن يغفر بأي حال، لماذا؟ لأن التجديف على الروح القدس أي الإستمرار في نكران عمل الروح القدس إلى الموت، ومن أعمال الروح القدس فينا هو التبكيت على الخطية كمثال، فإن أهمل إنسان هذا التبكيت طوال حياته ولم يتب أو كان يائسا للنفَس الأخير، ولم يعرف ان مهما كانت خطاياه عظيمة وعميقة، فإن حب الله وغفرانه أعظم وأعمق وأشمل وقادر ان يطهره منها، فطالما أهمل الإنسان هذا أو أنكره ومات وهو في خطيته فهذه الخطية لن تغفر له.

[1] Letters, 170.

[2] Letters, 238.

[3] Letter 8 to the Caesareans, 5.

[4] On the Holy Spirit, Book 2:8:59.

[5] Of the Holy Spirit Book 5:18:224.

[6]Aland, B., Aland, K., Black, M., Martini, C. M., Metzger, B. M., & Wikgren, A. (1993, c1979). The Greek New Testament (4th ed.) (261). Federal Republic of Germany: United Bible Societies.