شهادة التاريخ والآثار

الموثوقية التاريخية لسفر أسيتر – الدكتور رأفت عمّاري

الموثوقية التاريخية لسفر أسيتر – الدكتور رأفت عماري

الموثوقية التاريخية لسفر أسيتر – الدكتور رأفت عمّاري

الموثوقية التاريخية لسفر أسيتر - الدكتور رأفت عمّاري
الموثوقية التاريخية لسفر أسيتر – الدكتور رأفت عمّاري

 

الأساس التاريخي لسرد الكتاب المقدس عن هامان

يذكر سفر أستير أن أحشويروش الملك الفارسي قد اختار أستير، الفتاة اليهودية، كملكة بدل وشتي. كان مُردخاي عم أستير الذي كان قد اتخذها ابنةً له قد خدم على باب الملك، قد اكتشف مؤامرة كان قد حاكها اثنان من الخصيان الذين كانا من حراس باب الملك. ولقد أبلغ مردخاي أستير بالمؤامرة التي بدورها اطلعت الملك على ذلك باسم مردخاي. وبعد التحقيق قد حُكم على الخصيين بالموت. لقد سُجل بعد ذلك الحادث في أخبار الأيام بحضور الملك.

وسفر أستير يذكر أيضاً كيف أن الملك قد رفع هامان وأعطاه مكانة فوق كل مساعديه. فيذكر السفر هامان كابن هَمَدَاثَا الأَجَاجِيِّ (استير 3: 1).

لقد كان أجاج لقباً لملوك عماليق، التي كانت قبيلة أدومية قوية. والأدوميون هم نسل عيسو الذي كان الأخ المنافس ليعقوب أب الإسرائيليين. لقد ذكر موسى واحداً من هذه الملوك تحت لقب أجاج (سفر عدد 24: 7). وهناك أجاج آخر من ملوك العماليق، قد هُزم من الملك شاول، أول ملك لإسرائيل. تجد سرداً عن تلك المعركة في (سفر صموئيل الأول والأصحاحين 14و 15)

هامان كأجاجي كان ينحدر من العائلة المالكة العماليقية, وكما أن جده الأول عيسو حاول أن يقتل يعقوب، فإن العماليق في تاريخهم كانوا يقاومون الإسرائيلين الذين كانوا عابدين لله وجعلهم الله مستقرين في أرض كنعان، معطياً لهم الشريعة والأنبياء. لقد قاوم عماليق إسرائيل في برية سيناء وحاربوهم محاولين أن يمنعوهم من دخول أرض الموعد. ولقد هزم موسى في برية رفديم.

إذاً نرى بأن عداوة عماليق لإسرائيل ذات جذور تاريخية، وليس أنه شيء مُستحدث من سفر أستير. فمثلاً عندما لاحظ هامان بأن مردخاي لم يسجد له، قد اهتاج وأراد أن يستغل مكانته عند الملك وكرئيس وزراء، من أجل إبادة اليهود في كل الأقاليم التي كانت تشكِّل المملكة الفارسية والتي كانت ممتدة في تلك الآونة من الهند إلى أثيوبيا.

لقد حاك هامان خطة لإبادة اليهود:

فَقَالَ هَامَانُ لِلْمَلِكِ أَحَشْوِيرُوشَ: «إِنَّهُ مَوْجُودٌ شَعْبٌ مَّا مُتَشَتِّتٌ وَمُتَفَرِّقٌ بَيْنَ الشُّعُوبِ فِي كُلِّ بِلاَدِ مَمْلَكَتِكَ، وَسُنَنُهُمْ مُغَايِرَةٌ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ، وَهُمْ لاَ يَعْمَلُونَ سُنَنَ الْمَلِكِ، فَلاَ يَلِيقُ بِالْمَلِكِ تَرْكُهُمْ. فَإِذَا حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ فَلْيُكْتَبْ أَنْ يُبَادُوا، وَأَنَا أَزِنُ عَشَرَةَ آلاَفِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ فِي أَيْدِي الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ لِيُؤْتَى بِهَا إِلَى خَزَائِنِ الْمَلِكِ». استير 3:  8،9

وهذه المؤامرة التي كانت لهامان ضد اليهود لم تكن أمراً مُستغرَباً حدوثها، من حيث أنه كانت هناك مؤامرة مماثلة نمت عن تفريق عنصري قد سُجلت حتى في القرن الماضي في أرض هتلر النازية. حيث هتلر خطط في إبادة اليهود. فكيف إذاً يُشكِّك في مؤامرة قد قادها شخص أجاجي من نسل العمالقة الملوكي الذي كانوا الأعداء التقليدين للإسرائيلين في تاريخهم.

هناك حقائق روحية ودروس عظيمة يقدمها سفر استير

بعكس الآراء الخاطئة للذين يودون في التشكيك في سفر أستير، فإن السفر فريد بين أسفار الكتاب المقدس، من حيث أنه يتمتع في رسالة مركزية تدور حول الحرب الروحية ضد قوى الشر. فترمز استير في السفر إلى الكنيسة المصلية التي تواجه اضطهاداً يقوده الشيطان عدو النفوس، المرموز إليه في السفر بشخصية هامان. فالشيطان يحيك دائماً الخطط من أجل تدمير الكنيسة، ويختلق افتراءات ضد المؤمنين الذين يحبون الرب.

ويقدِّم السفر درساً هاماً من جهة أهمية الصوم في محاربة الشيطان. فعندما أثناء الاضطهاد يذلّل الشعب نفسه أمام الله، فإنه يحرِّك ذراع الرب للعمل. فنقرأ في الأصحاح الرابع والعدد الثالث:

“وَفِي كُلِّ كُورَةٍ حَيْثُمَا وَصَلَ إِلَيْهَا أَمْرُ الْمَلِكِ وَسُنَّتُهُ، كَانَتْ مَنَاحَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ الْيَهُودِ، وَصَوْمٌ وَبُكَاءٌ وَنَحِيبٌ. وَانْفَرَشَ مِسْحٌ وَرَمَادٌ لِكَثِيرِينَ”.

فيُظهر السفر بأن تلك المؤامرة قد وُجهت من خلال الصوم، ليس فقط من استير ولكن من جميع الشعب، فقد اشتركوا في صوم لمدة ثلاث أيام.

وسفر أستير هو تشجيع كبير لكل المسيحيين الذين يتعرضون إلى ضغوط ظالمة واستبداد، ويتألمون إذ يُعاملون بعدم العدل على يد شعوب أو حكومات. فالسفر يرينا أن شخصاً في علاقة وثيقة بالله، كما كانت استير في علاقة وثيقة بالملك كعروسه، فإنه يُعطى سلطاناً لكي يصلي ويتشفع من أجل مصير الآخرين وخلاصهم. والملوك في الكتاب المقدس مراراً يرمزون إلى ملك الكون الحقيقي وهو الرب.

المسيح مرموز إليه بصورة واضحة في سفر أستير ، بأنه المخلص والممثل للجنس البشرين أمام الله، والذي أعاد الشركة الروحية للإنسانية مع الله.

يتمتع سفر أستير في معنى نبوي فريد من جهة دور المسيح في خلاص وعدم هلاك الجنس البشري. فلقد فَقَدَ الإنسان شركته الروحية مع الله وذلك عندما سقط في الخطية. والشيطان يُدعَى في الكتاب المقدس المشتكي، لأنه يذكر باستمرار خطايانا أمام الله. ونسبة لأن الشيطان قد رُفض من الله بسبب ثورته على الله، فإنه يقول بأن الله يستطيع أيضاً أن يقبلنا بسبب خطايانا. لذلك فالشيطان يرانا كجنس يجب أن يهلك تماماً كما كان يرى هامان الإسرائيليين كشعب يجب أن يُباد.

والشركة الروحية مع الله مرموز إليها في سفر أستير بالقضيب الذهبي.  فكُلَّ إِنسانٍ دَخَلَ إِلَى الْمَلِكِ إِلَى الدَّارِ الدَّاخِلِيَّةِ وَلَمْ يُدْعَ، كان يُقْتَلَ إِلاَّ الَّذِي يَمُدُّ لَهُ الْمَلِكُ قَضِيبَ الذَّهَبِ. فمد الملك القضيب لمن يقف بالدار الداخلية لتجنب معناه ان ذلك الإنسان قد وجد نعمة في عيني الملك. فحالاً يلمس الإنسان القضيب لتجنب أن أحد الحراس يقتله. وكان يحدث نادراً أن يضطر إنسان، عندما يكون له قضية هامة تتعلق بمصير أحبائه، في أن يقف في الدار الداخلية حيث الملك جالس. متأملاً أن الملك يمد له القضيب الذهبي، ويسمح له أن يقدم قضيته.

وأستير رغم أنها كانت الملكة وفي علاقة مع الملك كزوجة وملكة، لكنها وقفت كعبدة في ذلك المكان الخطر، متأملة أن الملك يمد إليها القضيب الذهبي. لكي تقدِّم قضية شعبها المُهدَّد بالإبادة من هامان.

وكانت أستير في هذه الحالة ترمز إلى المسيح، الذي رغم كونه في اتحاد أزلي مع الآب في الثالوث الأقدس، لكنه نزل إلى أرضنا مُتجسِّداً بصورة إنسان، طالباً الشركة مع الله الآب، ليس بصفته ابن الله الأزلي، ولكن كإنسان عبد. مُنتظِراً أن يمد الله الآب إليه الشركة الروحية التي فقدتها الإنسانية بسبب سقوطها في الخطية. فالمسيح كان يطلب الشركة الروحية للإنسانية بسبب إننا جميعاً قد فقدناها. وصرنا تحت حكم الموت. وصار الشيطان يطالب في إبادتنا وحرماننا وهلاكنا الأبدي.

وهكذا يسوع كممثلنا أمام الله القدوس، قد استعاد الشركة الروحية المفقودة مع الله، وذلك من خلال حياته الكاملة التي عاشها كإنسان على الأرض. بعكس ما عاشه الآخرون من الجنس البشري، الذين جميعاً ولدوا في الخطية وعاشوا كخطاة. وهكذا كما نالت أستير العلاقة مع الملك في جلوسها في المكان الذي يجلس به العبيد، فإن يسوع قد استعاد الشركة مع الله للإنسانية، وذلك من خلال وقوفه كعبد ممثل للإنسانية، من أجل أن يستعيد الشركة المفقودة مع الله لصالح كل من يؤمن به.

هناك شيء آخر وهو أن أستير قد وقفت في المكان الذي كان ممكن أن يجلب لها الموت. ذلك أنها كانت الملكة ولم تكن بحاجة أن تتعرّض لمثل ذلك الخطر. لكنها وقفت هناك كعبدة. لقد قبلت ذلك لأنه كان عندها قضية هامة: وهو أن تلغي مرسوم هامان الذي كان سوف يبيد شعبها. والمسيح، رغم أنه أصلاً كان في جوهر الله ويتمتع في نفس المجد ومعبوداً من الملائكة في السماء، ولكنه وضع مجده جانباً، وقَبِلَ أن يتجسد، وأن يقف في الساحة البشرية أمام الله كعبد يحمل قضيتنا. إذ قد كنا تحت حكم الموت الأبدي والانفصال عن الله.

لقد كان عدو النفوس يتهمنا بأن الله لا يستطيع أن يقبلنا بسبب أن الله قدوس ونحن متعدون وخطاة. ولكن يسوع قد وقف في الساحة البشرية كإنسان كامل، طالباً من الله الآب أن يرفع الدينونة عن شعبه وجنسه البشري الذي بات يشترك معه في الطبيعة ولكن بدون خطية. ويسوع له الحق أن يرفع هذه اللعنة والدينونة عن شعبه، ذلك بسبب أنه قد مات على الصليب دافعاً بدل التعدي. وهكذا كما أستير نالت نعمة من الملك ومد لها القضيب الذهبي وجلست مع الملك كممثلة لشعبها، ورفعت حكم الموت الذي كان قد فرضه هامان. هكذا يسوع بعد قيامته من الأموات قد رُفِّع كأنسان على عرش الله, وجلس عليه كممثل للإنسانية ووسيط وشفيع لها، رافعاً مرسوم الموت الروحي عن كل من يؤمن به.

كل سفر في العهد القديم يحوي كنوزاً عظيمة تجعل موضوع الفداء الذي قدمه المسيح عن الجنس البشري مُدركة أبعاده من نفوسنا وعقولنا. ذلك من خلال النبوات المباشرة أو الرمزية. وسفر أستير يدل على دول المسيح بطريقة رمزية عميقة مُقدِّماً وجهاً نبوياً لدور المسيح في الفداء وخلاص الجنس البشري ورفع حكم الموت الأبدي واستعادة الشركة مع الله، بشكل يجعل الإنسان النزيه أن يحبه ويقدر عمله الفدائي ويعبده.

هناك في الكتاب المقدس الكثير من النبوات المباشرة التي تنبأت عن مجيء المسيح. من هذه النبوات المباشرة نراها في سفر أشعياء 9: 6

“لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ.”

ويوجد مئات النبوات المباشرة في العهد القديم التي تتكلم عن المسيح والتي لا مجال لذكرها في هذا الكتاب.

إظهار الكتاب المقدس عمل المسيح من خلال نبوات رمزية مثل أستير ويوسف هو جزء من خطة الله في التعليم النبوي

النبوات الرمزية هي أسلوب الوحي في إظهار حقائق روحية عن المسيح وشخصيته وفدائه، إلى جانب النبوات المباشرة. فنجد في العهد القديم أن هناك أشخاصاً كانوا رمزاً أو مثالاً لبعض وظائف كان المسيح سوف يقوم بها بعد تجسده. ومن هذه الشخصيات الرمزية نذكر يوسف ابن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم. يذكر سفر التكوين أن يوسف قد بيع من اخوته بعشرين من قطع الفضة. كما نقرأ:

“تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا». فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ. وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ.” (تكوين 37: 27-28)

وذلك نبوياً يشير إلى ما كان سوف يُسلَّم المسيح يسوع من أحد تلاميذه وهو يهوذا، وذلك يثلاثين من الفضة ونقرأ عن تسليم يسوع في متى 26: 15.

ولقد دُفع يوسف ظلماً إلى السجن رغم أنه كان بريئاً. وهذه نبوة رمزية تشير إلى كيف أن اليهود قد سلّموا يسوع إلى الرومان من أجل أن يُقتل. ولقد صُلب يسوع بين لصين، ذلك رغم أنه كان الإنسان الوحيد البار الذي عاش على الأرض.

ولقد استُدعي يوسف من السجن لكي يمثل أمام فرعون ويفسِّر الحلم الذي حلمه فرعون. ولقد غيّر رجال فرعون ملابس يوسف ووقف يوسف أمام فرعون. وعندما فسّر يوسف حلم فرعون بدقة، قد رُفِّع إلى أعلى مقام في مصر. وبهذا أصبح يوسف رمزاً نبوياً ليسوع. فبعد موت يسوع قد قام من بين الأموات بجسد ممجَّد، وصعد إلى عرش الآب. واليوم يجلس يسوع على العرش السماوي بناسوته، تماماً كما جلس على هذا العرش في لاهوته.

لقد رُفض يوسف من اخوته العبرانيين وبيع كعبد. ولقد تزوج فتاه مصرية وذلك بعد أن رُفِّع في مصر إلى مقام السلطة. وهذا له معناه النبوي: فيسوع كان قد رُفض من خاصته بحسب الجسد أي اليهود. ومع أن اليهود ما زالوا يرفضون يسوع كالمسيا. ولكن يسوع أصبح المخلص لأمم كثيرة في العالم. فكنيسته التي هي أيضاً عروسه، هي أممية بالدرجة الأولى، تماماً كما زوجة يوسف كانت مصرية أي فتاة أممية.

وكان يوسف مدبر الطعام لكل الأمم، حيث كانت هناك مجاعة، فجاء الناس من كل أمة لكي يشتروا قمحاً من يوسف. وذلك يشير نبوياً ليسوع الذي بعد قيامته وجلوسه على عرش الآب صار مُخلِّصاً وشفيعاً لكل إنسان يؤمن به في كل أمة، ومُعطي النعمة لجميع الذين يصلون إليه.

وعندما جاء اخوته إلى مصر لكي يشتروا قمحاً، التقوا بيوسف. ولقد تبكّتوا لأنهم في الماضي قد أساءوا معاملته وباعوه إلى الميديانيين الذين باعوه للمصرين. وبعد أن اعترفوا بخطيتهم، استعلن يوسف نفسه إليهم وغفر خطيتهم. ذات الأمر سوف يحدث في الأيام الأخيرة عندما يعود يسوع ثانية للأرض. فيذكر سفر زكريا 12: 10

“وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ النِّعْمَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، الَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ.”

فالمتكلم هنا هو الله بنفسه. وكما نرى من نبوة زكريا أن الإسرائيليين سوف يرون علامات المسامير في يديه عندما سُمِّر على الصليب. وسوف يكتشفون عندها أنهم قد طعنوا وسمّروا المسيح المتجسد، إله الأنبياء. ويوضح زكريا في الأعداد 10-12 من نفس الإصحاح، مدى حزن الإسرائيليين على صلبهم للمسيح، بهذه الكلمات:

“وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَعْظُمُ النَّوْحُ فِي أُورُشَلِيمَ كَنَوْحِ هَدَدْرِمُّونَ فِي بُقْعَةِ مَجِدُّونَ. وَتَنُوحُ الأَرْضُ عَشَائِرَ عَشَائِرَ عَلَى حِدَتِهَا”

فحياة يوسف دالة في العهد القديم كمثال أو رمز للمسيح المتألم كذلك لانتصاره في القيامة من الأموات. ويتصل يسوع بكنيسة أممية قد انجذبت إليه من كل أمم الأرض. وعند عودته ثانية للأرض سوف يتعرّف اليهود عليه أنه المسيح. وسف ينوحون ذلك بسبب أنهم كانوا قد أنكروه ورفضوه عند مجيئه للمرة الأولى. وسوف يتبعون يسوع بتوبة وإيمان تماماً كما عائلة يوسف تبعت يوسف في مصر وخضعت له.

رأينا سابقاً بأن سفر أستير يتمتع برسالة هامة: مشيراً بالرمز إلى جانب مهم عن تجسُّد المسيح ووقوفه في ساحتنا أمام الله الآب كعبد في طبيعة بشرية ولكن بدون خطية. لقد مثَّل الإنسانية وقضيتها، تماماً كما مثَّلت أستير شعبها الذي كان تحت مرسوم الإبادة. فرغم أن المسيح هو منذ الأزل متحد بالآب السماوي بواسطة الروح القدس، تعبير الله الواحد المثلث الأقانيم، ولكنه قد أعاد الشركة مع الله بصفته إنسان كامل. وكما رأينا أن إعادة يسوع الشركة الروحية المفقودة مع الآب للبشرية هو مرموز إليها بمد الملك القضيب الذهبي لإستير في جلوسها في الدار الداخلية كعبدة. وبنفس الطريقة التي جلس الملك مع أستير بعد أن مدَّ لها القضيب الذهبي وأزال المرسوم الذي كان ضد شعبها، هكذا قد جلس يسوع المسيح في إنسانيته على عرش الله رافعاً حكم اللعنة عنا.

هناك انتقاد شرس ضد سفر أستير

هناك بعض المعترضين الذين يودون أن يلغوا الخطأ التاريخي الجسيم في احد الكتب من جهة هامان، وذلك من خلال الطعن في تاريخية سفر أستير وسلطانه ككتاب إلهي. إن السبب في هذا الهجوم على سفر أستير هو بسبب أنه المرجع الذي ذُكر به هامان للمرة الأولى. فيدّعي المعترضون بأن أستير مشتق من عشتار وهي إلهة الزهرة. يقولون بأن مردخاي هو مردوخ الإله البابلي الرئيسي. ويقولون بأن هامان هو همون، إله من آلهة عيلام. ويدّعون بأن يوم الفوريم – العيد الذي احتفل به اليهود في ذكرى نجاتهم من الهلاك الذي كان هامان قد حاكه ضدهم – بأنه عيد فارسي سابق لتلك الفترة. ويستخدم هؤلاء المسلمين بعض الأفكار التي اخترعها بعض الملحدين من جهة الملك أحشويروش المُحقَّق بأنه أجزركسيس  Xerxes الأول؛ أفكار تود أن تشكك بأن أجزركسيس  Xerxes الأول يتناسب مع ما يقول سفر أستير عن أحشويرش الذي كان له 127 ولاية وزوجة تحت اسم وشتي.

بالنسبة لسفر أستير فإنه كان دائماً يُنظر إليه ككنز نفيس بين الكتب القانونية للكتاب المقدس. فكاتب السفر بالروح القدس قد أظهر اطلاعاُ على العادات الفارسية في زمانه، وأثبت أن قوانين المملكة كانت مألوفة لديه. وقدَّم خصوصيات كثيرة عن تلك الآونة. لذلك فإن كثيرين من الباحثين يعتقدون بأن الكاتب كان يعيش في ذلك العصر. وقد اقترح اكلميندس Clement من الإسكندرية، أحد آباء الكنيسة في القرن االثاني الميلادي، أن مردخاي نفسه هو كاتب سفر أستير.

من هو أحشويروش الملك المذكور في سفر أستير؟؟

من جهة تاريخية سفر أستير، نود أولاً أن نقرِّر هوية أحشويروش الملك المذكور في السفر. هل هو أجزركسيس  Xerxes الأول؟

باحثو الكتاب المقدس في أيامنا ليسوا في اتفاق عمن يكون أحشويروش. معظمهم يظنوا أنه كان أجزركسيس. آخرون يظنون بأن أحشويروش كان لقباً لملوك فارس في تلك الآونة تماماً كما فرعون كان لقباً لملوك مصر. ريتشارد فيكس Richard Fix كتب مقالاً يؤيد هذه الفرضية مُستشهداً ب السير هنري راولنسون Sir Henry Rawlinson و البروفسور سايس Sayce والموسوعة البريطانية The Century Encyclopedia of Names الذين جميعاً أيدوا فكرة أن أحشويروش كان لقباً وليس اسماً. ومقال ريتشارد فيكس ممكن رؤيته على الانترنت (1). بعض الباحثين يدلون بأن أحشويروش الذيي يعني “القدير” هو لقب لأكثر من ملك من ملوك مادي وفارس.(2)

ولكن معظم باحثي الكتاب المقدس إضافة لباحثين آخرين يعتقدون بأن أحشويروس مشتقٌ من الاسم الفارسي Khshayarsha، ففي ورقة البردي المعروفة ب Elephantien Aramaic Papyri يظهر الملك اسم Kys’rs. وهذا الاسم هو قريب جداً للاسم اليوناني للملك هو Xerxes.

ونقرأ في موسوعة الكتاب المقدس: 

“يوجد تأكيد مطلق على أن الاسم الفارسي Khshayarsha والعبري أحشويروش واليوناني Assoueros أو Xerxes واللاتيني Shasuerus هي مترادفة تماماً”

وكتابات بيهستون هي منقوشات بلغات مختلفة موجودة على جبل بيهستون في مقاطعة Kermanshah في إيران بالقرب من مدينة Jeyhounabad ومن ضمنها تحتوي على منقوشات للملك داريوس. (3)

خدمة مردخاي للملوك

الأصحاح الثاني من أستير يعطي ضوءاً على مردخاي. نقرأ في الأعداد 5و6:

“كَانَ فِي شُوشَنَ الْقَصْرِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ مُرْدَخَايُ بْنُ يَائِيرَ بْنِ شَمْعِي بْنِ قَيْسٍ، رَجُلٌ يَمِينِيٌّ، قَدْ سُبِيَ مِنْ أُورُشَلِيمَ مَعَ السَّبْيِ الَّذِي سُبِيَ مَعَ يَكُنْيَا مَلِكِ يَهُوذَا الَّذِي سَبَاهُ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابَلَ.”

عندما سبى نبوخذنصر أشراف يهوذا إلى أرض بابل، كان جد مردخاي بين الذين سُبوا من أورشليم مع الملك يَهُويَاكِين Joconiah وأخرين أيضاً. (انظر ملوك الثاني والأصحاح 24). ذلك السبي قد حدث عام 597 ق.م. ونعلم بأن دانيال قد سُبي ضمن سبي سابق قد حدث عام 605 ق.م.

والأصحاح الأول والأعداد 1-6 تُري كيف أن نبوخذنصر قد درّب في خدمته في القصر أبناء أشراف اليهود. ودانيال كان واحداً من اليهود الذين خدموا في مملكة الكلدانيين واستمر يخدم في مملكة فارس التي تعاقبت بعدها. ذلك يفسِّر كيف أن مردخاي قد كان في القصر خلال مملكة أحشويروش الفارسي. من حيث أن قيْسٍ Kish جد مردخاي كان من بين الأشراف الذين سباهم نبوخذنصر. يبدو أن قيْساً كدانيال كان بين الفتيان أبناء الأشراف الذين قد دُرِّبوا في القصر، وبقوا في خدمة الملوك الذين احتلوا بلاد ما بين النهرين في فترات لاحقة.

والحقيقة أن مردخاي كان له سلطان في الدخول إلى أجزاء مختلفة من القصر، كما نراه كل يوم يدخل ليراقب أمام دار بيت النساء من أجل أن يستعلم عن ابنته التي تبناها أي أستير:

“وَكَانَ مُرْدَخَايُ يَتَمَشَّى يَوْمًا فَيَوْمًا أَمَامَ دَارِ بَيْتِ النِّسَاءِ، لِيَسْتَعْلِمَ عَنْ سَلاَمَةِ أَسْتِيرَ وَعَمَّا يُصْنَعُ بِهَا” (أستير 2: 11)

ومراراً نرى مردخاي يجلس في باب الملك، الأمر الذي يدل على أن مردخاي كان موظفاً هاماً، معيَّناً من الملك لكي يراقب تحركات القصر، ويسهر على سلامة الملك. فلم يكن حارساً عادياً، ذلك لأن الحرس في القصر لم يكن بوسعهم الدخول لأي مكان كما كان مردخاي يفعل وكان عنده السلطة في عمل ذلك. وكانت طبيعة العمل هذا لمردخاي في مراقبة كل الحرس والفعلة في القصر قد مكّنته من أن يكتشف مؤامرةً ضد الملك، قد حاكها اثنان من حرس الملك، كما نرى في الأعداد 21-23 من الأصحاح الثاني. الأمر الذي يؤكِّد طبيعة عمل مردخاي الحساسة في القصر، كضابط مخابرات معيّن من الملك لتلك المهمة. وكان عادة ملوك الشرق الأوسط القدماء، يستأمنون في ذلك النوع من الخدمات رجالاً أمناء مختارين من ضمن الأقليات، بدل الاعتماد كلياً على أشخاص من جنسهم.

لقد كان هذا النوع من الخدمة التي كان يؤديها مردخاي لملوك فارس، كانت أولاً زمن الملك كورش Cyrus الثاني، مؤسس الإمبرطورية الاخمينية.

كاتب سفر أستير يعكس في كتاباته مميزات العصر الأخميني في عصره

بعد أن انتصر الملك كورش Cyrus الثاني على الملك المادي Astages وذلك في معركة Pasargadai التي حدثت حوالي عام 550 ق.م.، قد وحَّد الماديين والفرس لكي يشكِّل الإمبراطورية الأخمينية. تاريخياً قد عُرف في حكمته في إدارة مملكته، مُعترفاً في سلطة أمراء مادي، جاعلاً إياهم أن يشعروا بأنهم لهم دور في شؤون المملكة كالفرس أنفسهم. فوحّد القبيلتين الإيرانيتين لتشكيل إمبراطوريته، مُدخلاً أشراف مادي وفارس في نظام الحكم. وسفر أستير يؤكد هذه الصفة التاريخية كما نرى في عدة أعداد مثل عددي 13و14 من الأصحاح الأول:

“وَقَالَ الْمَلِكُ لِلْحُكَمَاءِ الْعَارِفِينَ بِالأَزْمِنَةِ،( لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ أَمْرُ الْمَلِكِ نَحْوَ جَمِيعِ الْعَارِفِينَ بِالسُّنَّةِ وَالْقَضَاءِ، وَكَانَ الْمُقَرِّبُونَ إِلَيْهِ كَرْشَنَا وَشِيثَارَ وَأَدْمَاثَا وَتَرْشِيشَ وَمَرَسَ وَمَرْسَنَا وَمَمُوكَانَ، سَبْعَةَ رُؤَسَاءِ فَارِسَ وَمَادِي الَّذِينَ يَرَوْنَ وَجْهَ الْمَلِكِ وَيَجْلِسُونَ أَوَّلاً فِي الْمُلْكِ)”.

نرى ذلك أيضاً في العددين 2و3:

“أَنَّهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ حِينَ جَلَسَ الْمَلِكُ أَحَشْوِيرُوشُ عَلَى كُرْسِيِّ مُلْكِهِ الَّذِي فِي شُوشَنَ الْقَصْرِ، فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ مُلْكِهِ، عَمِلَ وَلِيمَةً لِجَمِيعِ رُؤَسَائِهِ وَعَبِيدِهِ جَيْشِ فَارِسَ وَمَادِي، وَأَمَامَهُ شُرَفَاءُ الْبُلْدَانِ وَرُؤَسَاؤُهَا”

هذه الميزة في جعل الإمبراطورية الأخمينية مُمثَّلة في الماديين والفرس، قد استمرت عبر حكم الملوك الذين تعاقبوا بعد كورش Cyrus الثاني. وهذه إحدى الأدلة على أن كاتب سفر أستير قد عاش زمن تلك الحقبة التاريخية التي ابتدأت من عصر كورش Cyrus الثاني واستمرت في الأجيال اللاحقة.

 

في عام 539 ق.م. قد دخل كورش مدينة بابل وقد استُقبل من السكان كمحرِّر. لقد رحّب به السكان اليهود الذين كانوا في السبي، كذلك رحَّب به البابليون الذين لم يكونوا مسرورين بالملك نابونيدس الذي كان حرانياً يعبد إله القمر سن المعبود في حران، وكان غير مكترث بعبادة مردوخ في بابل.

لقد أصدر كورش مرسوماً عام 538 ق.م. سامحاً به لليهود أن يعودوا لكي يبنوا هيكل أورشليم. من ذلك التاريخ حدث أكثر من رجوع لليهود إلى أورشليم: واحد منها كان تحت إمرة زرُبابل، الذي كان من العائلة المالكة ليهوذا، وكان واحداً من السلالة المسيانية التي ولد منها المسيح حسب الجسد. ولقد تعيّن زربابل من الفرس كحاكم ليهوذا. وكتاب عزرا 2:2 (من أسفار العهد القديم) يذكر من بين القادة الذين عادوا زربابل ومردخاي.

ومن الجدير بالملاحظة أن القادة الذين عادوا مع زربابل مثل زربابل نفسه ويشوع الكاهن العظيم قد ذُكروا بالاسم دون ذكر أسماء آبائهم. كون مردخاي قد ذُكر باسمه دون ذكر اسم أبيه أو إعطاء أي تفصيل عنه كما فعل عزرا لآخرين الذي قد ذكر اسماءهم، يدل على أن مردخاي هذا كان معروفاً جيداً لمعاصريه، كما كان زربابل ويشوع الكاهن العظيم.

يبدو أن زربابل كان مُقرَّباً من القصر الفارسي حتى أنه قد اؤتمن على قيادة عدة آلاف من الراجعين إلى أورشليم، وعُيِّن كوالي ليهوذا. والقادة اليهود الذين رجعوا معه إلى أورشليم كانوا لابد مقربين أيضاً للقصر الفارسي، الأمر الذي يؤكد بأن مردخاي هذا الذي عاد مع زربابل كقائد كان أيضاً مُقرَّباً إلى القصر. الأمر الذي يشير إلى حقيقة أن مردخاي هذا هو نفس مردخاي في سفر أستير الذي رأينا أنه كان مُقرَّباً في القصر. وهذه الحقيقة مؤكَّدةٌ من التقليد العبري. فتقرأ في التلمود البابلي:

مردخاي اليهودي كان ثانياُ بعد الملك أحشويروش، وعظيماً بين اليهود ومقبولاً بين معظم اخوته، ولكن ليس من كل اخوته. ذلك يخبرنا بأن بعض أعضاء السنهدريم قد فصلوا أنفسهم عنه. الربي يوسف قال: كان مردخاي في البداءة مُعتبراً التالي بعد أربعة، ولكن لاحقاً صار التالي بعد خمسة. في البداية مكتوب عن الذين جاءوا مع زَرُبَّابِلَ، يَشُوعُ، نَحَمْيَا، سَرَايَا، رَعْلايَا، مُرْدَخَايُ، بِلْشَانُ. وفي وقت لاحق مكتوب من جاء مع زَرُبَّابِلَ، يَشُوعُ، نَحَمْيَا، عَزَرْيَا، رَعَمْيَا، نَحَمَانِي، مُرْدَخَايُ، بِلْشَانُ. (4)

هناك تقليد تلمودي يقول بأن مردخاي قد ذهب مع وفد إلى ملك قارس ليسأل عن اذن لليهود أن يبنوا من جديد الهيكل.(5)

 فالأشخاص الذين أُعطوا مهم قيادية في مرافقة اليهود العائدين إلى فلسطين كانوا دائماً من المقرّين من ملوك فارس. البعض منهم قد سُمح له بالعودة لبناء مدينة أورشليم، على شرط أنهم يعودوا لخدمتهم في قصر الملك الفارسي بعد انتهاء مهمتهم في أورشليم. وهذه لابد كانت حالة مردخاي. فقد سُمح له في قيادة الراجعين جنباً إلى جنب مع زربابل ويشوع الكاهن العظيم، بشرط أن يعود إلى خدمته للملك في وقت لاحق.

ويبدو أنه مثل دانيال الذي عاش في حقبة طويلة حكم بها عدة ملوك، هكذا أيضاً مردخاي قد عاش في فترة تعاقب بها عدة ملوك.

لقد كان رجوع زربابل خلال سنة 520 ق.م. أي أثناء حكم الملك داريوس.  ولابد أن مردخاي حينئذ كان شاباً في تلك الفترة أي بين 25-30 سنة من العمر. لابد أنه قد كان في القصر في مدينة Susa الفارسية، من حيث أن Cambyses ابن كورش الثاني الذي خلف أبيه في المُلك قد نقل العاصمة من Pasaragadae إلى Susa.

في عام 521 ق.م. قد أصبح داريوس ملكاً على مملكة فارس،  وثبت Susa كالعاصمة، وكانت تُدعى Susa في العبرية ب شوشن كما هو مذكور في سفر أستير. وهذه الحقائق تتفق مع سرد كتاب أستير.

ويبدو أن مردخاي قد كان يعيش في Susa – شوشن زمن الملك داريوس، ورافق زربابل كقائد في عودته إلى أورشليم. وهذا الرجوع لزربابل مُرَافَقاً من مردخاي مؤيَّدٌ أيضاً من سفر نحميا 7: 7.

ورجوع مردخاي كان لفترة قصيرة، ذلك لأنه لم يعطِ أيٌ من عزرا أو نحميا تفاصيل عن مردخاي. الأمر الذي يوحي بأنه لم يمكث في أرض الموعد لمدة طويلة، وأنه رجع سريعاً إلى خدمة الملك داريوس في شوشن. ويبدو أن خدمته الهامة والحساسة كضابط حراسة ومراقبة للعاملين في القصر، قد تطلبت منه أن لا يهجر وظيفته لمدة طويلة.

هكذا نجد مردخاي في القصر في شوشن خلال حكم أجزركسيس  Xerxes ابن داريوس، الذي ابتدأ يملك في سنة 486 ق. م. فلقد انقضى 34 عاماً على زيارته إلى أورشليم زمن مُلك داريوس، الأمر الذي جعله يصل الآن لسن ما بين 60-64. وأعتقد أنه لذلك السبب نراه في سفر أستير يجلس على باب الملك ولا يكون واقفاً كما هي عادة الحرس أن تفعل، وذلك بسبب تقدمه في الأيام.

الحقائق التاريخية عن أجزركسيس (Xerxes) تتفق مع ما تضمن عن الملك الفارسي في سفر أستير.

هناك حقائق تاريخية تشير على أن شخصية الملك في سفر أستير كان  Xerxes من بينها أن  Xerxes كان معروفاً في تغير زوجاته بسهولة. لا نستطيع أن نقرر كم عدد الزوجات التي بدّلها. ويبدو أن وشتي كان آخر زوجة له قبل أن يتزوج بأستير. حقيقة أنه قد طلّق وشتي لأنها رفضت أن تأتي كي تُرى بجمالها من ضيوفه، أمرٌ يتفق مع كبريائه وطبعه الغريب كما وصفه المؤرخ اليوناني هيرودوتس.

إن ذكر سفر أستير عن 127 ولاية للإمبراطورية يتفق مع الحقائق التاريخية. ومعروف بأن داريوس كان يقسم الإمبراطورية إلى مقاطعات أو ولايات صغيرة، فقد كان مُنظّماً وإدارياً عظيماً. وقد أخضع متمردين في نواحي كثيرة من إمبراطوريته، ومدّ مُلكه في آسيا خاصة في الهند. ولقد احتل Thracia (تراقيا) أو بلاد التراقيين في جنوب بلغارية الحالية. ولقد أضاف مدناً أخرى لمملكته، خاصة في اليونان ومناطق أخرى، الأمر الذي زاد من عدد الولايات في مملكته.

ولقد وجد ابنه أجزركسيس  Xerxes الإمبراطورية منظمة بولاياتها. فازدياد عدد الولايات نستطيع فهمه على ضوء احتلاله لمناطق جديدة وتوسعاته في أوروبا. لذلك فإن العبارة في سفر أستر “1وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ أَحَشْوِيرُوشَ، (هُوَ أَحَشْوِيرُوشُ الَّذِي مَلَكَ مِنَ الْهِنْدِ إِلَى كُوشٍ عَلَى مِئَةٍ وَسَبْعٍ وَعِشْرِينَ كُورَةً)”، نعتبرها حقيقة تاريخية أخرى تدل على دقة كتاب أستير من ناحية تاريخية.

إن حياة أجزركسيس ( Xerxes) معظمها يحتويها الغموض. فهناك كثير من الوثائق التي وُجدت في بلاد ما بين النهرين عن مُلك داريوس, ولكن هناك القليل عن أجزركسيس. والحقيقة أن أكثر المراجع عنه تأتي من كتابات هيرودوتس. ولكن كانت كتابات هيرودوتس عنه تدور بالدرجة الأولى عن صراعه مع اليونانيي، وبالأخص الحروب مع اليونانيين التي دارت في عام 480 قبل الميلاد، والتي تفاقمت في معركة Salamis التي حدثت في 28 سبتمبر من نفس العام أي 480 ق.م. ، حيث خسر الفرس المعركة. هناك قليل مذكور عن حياة أجزركسيس الخصوصية والعائلية. خاصة بعد عودته من هذه المعركة وإعطاء نفسه للاهتمام بالنساء كما هو مذكور في التاريخ. فلا أحد يعرف بدقة كم مرة استبدل زوجته. وإذا كان اسم وشتي لم يُذكر في المراجع المحدودة التي وصلتنا عن حياته، فذلك لا يعني أنه لم يكن متزوجاً بوشتي قبل زواجه بأستير.

بالنسبة لصحة السفر من جهة تاريخية:

الموسوعة الكاثوليكية تعلق على سفر أستير بهذه الكلمات:

“كثير من الباحثين، إذ يلاحظون في اطلاع الكاتب على التقاليد الفارسية وصفات أحشويروش، فإنهم يعتقدون بأنه، أي كاتب السفر، كان معاصراً لمردخاي، وأنه قد استخدم مُذكراته”

إضافة لذلك فالباحثين في الكتاب المقدس يعتبرون سفر أستير ككتاب تاريخي دقيق، واستشهد في كلمات A.L. Mcmahon:

“سفر أستير هو تاريخي في الجوهر وتفصيلاً. ويستند الباحثون في الكتاب المقدس من جهة أصالة السفر تاريخياً على النقاط التالية:

حيوية الأسلوب في الرد وعدم التعقيد فيه.

دقة التفاصيل وثقة الكاتب في سردها، مثل ذكره بشكل خاص أسماء ذاتيات غير مهمة، وتسجيل التواريخ والحوادث.

التلميح أو التطرق إلى سجل أحداث الفرس.

الخلو من المفارقة التاريخية: أي ذكر شيء يحدث من غير زمانه الصحيح.

توافق الأسماء مع الزمن التي وُضعت بها القصة.

تأكيد التفاصيل مع التاريخ وعلم الآثار.

احتفال اليهود زمن المكابيين في عيد الفوريم في ذكرى الإنقاذ الذي حدث لليهود بواسطة أستير ومردخاي – راجع مكابيين الثاني 15: 37. وأيضاً فى زمن يوسيفوس فلافيوس (Antiq of the Jews,XI,vi,13) وما تلاها من عصور. ولم يستطع أحد أن يعطي تفسير لعيد الفوريم غير الأصل الذي نشأ بواسطته كما هو معلن سفر أستر.(6)

عندما ندرس كتاب هيرودوتس، خاصة السابع والأعداد 8 و24 و35 و37-39 وأيضاً الكتاب التاسع والأعداد 108، نتأكد من توافق كتاب أستير في سرده مع التاريخ الرسمي. مثلاً في الكتاب السابع والعدد 8 هناك ذكر لاحترام أجزركسيس لتنظيم مملكته من العنصرين المادي والفارسي.

قدم سفر أستير

سفر أستير يوجد ضمن النسخة السبعينية للكتاب المقدس، التي ترجمها بطليموس الثاني ادلفوس الذي حكم مصر عام 287 ق.م. فلقد أسس بطليموس الثاني مكتبة في الإسكندرية، وأراد أن يغنيها من خلال إضافة العهد القديم إلى كتبها. فنرى سفر أستير كان أيضاً مُعتبَراً ككتاب قانوني من العهد القديم، وذلك في بداية القرن الثالث ق.م. هذا يدل على أن سفر أستير كان منتشراً بين اليهود قبل القرن الرابع ق.م.، الأمر الذي يكشف بأن كاتب سفر أستير كان يعيش قريباً من زمن أحشويروش أو في زمانه. كما رأينا بأن أحشويروش قد حُقق ب أجزركسيس الذي ملك بين 485- 465 ق.م.

الفوريم كاحتفال يهودي

ما سبق يبرهن على أن عيد الفوريم كان عيداً يهودياً قديماً. والحقيقة بأن فوريم لم يظهر قد قبل سفر أستير، ولم يُعرف أبداً بأنه عيد فارسي أو بابلي. إذ لا يوجد أي نقش أو كتابة فارسية و بابلية قد تطرقت إلى هذا العيد. وعندما نقرأ الكتب المقدسة الفارسية الزرادشتية، مثل زندا افستا، أو النصوص الفهلوية التي هي كتب التفسير القانونية والتقليد لكتابهم الأصلي أي الأفستا، نجد هناك ذكراً لكل الأعياد الدينية المُعتبَرة عند الفرس. ولكننا لا نجد هناك ذكراً للفوريم. كل هذه المُعطيات تثبت بأن عيد الفوريم كان عيداُ يهودياً بحتاً، قد ولد في عصر الملكة أستير. ومن حيث أن جميع اليهود قد احتفلوا من عصر أستير في عيد الفوريم، وفي معرفتنا بأن الشعب العبراني لم يضف أبداً عبر التاريخ القديم أي عيد ديني للأعياد المذكورة في أسفار العهد القديم المأمورة من الله، هو في الحقيقة برهان واضح لاتصال الفوريم مع الحادثة التاريخية الهمة التي حدثت، أي إنقاذ اليهود من الإبادة، وأن الفوريم كان عيداً مأموراً في سفر أستير الذي هو مُوحى من الله.

كذلك هناك ذكر لسفر أستير في كتاب المكابيين الثاني الأصحاح 15 وعدد 13، وحيث نجد الكاتب يؤكِّد على أهمية الاحتفال في عيد الفوريم الذي قد شُرِّع من زمن مردخاي، ويحثّ كتاب المكابيين في الاحتفال به في توقيته، أي 13 آذار المعروف بأنه نفس التوقيت الذي يحتفل اليهود به اليوم. وتاريخ كتابة المكابيين هو ما بين 135- 125 ق.م.

الأسماء في سفر أستير تدعم أصالة السفر

من جهة الأسماء المذكورة في سفر أستير وأن البعض منها ممكن أنه مشتق من أسماء وثنية، لا يلغي لكون السفر مُتفِقاً مع التاريخ. بالعكس هو سند إضافي لكونه تاريخياً. فاسم أستير ليس هو اسمها الأصلي العبراني. ففي الأصحاح الثاني من أستير نجد اسمها الحقيقي:

” وَكَانَ مُرَبِّيًا لِهَدَسَّةَ (أَيْ أَسْتِيرَ) بِنْتِ عَمِّهِ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلاَ أُمٌّ. وَكَانَتِ الْفَتَاةُ جَمِيلَةَ الصُّورَةِ وَحَسَنَةَ الْمَنْظَرِ، وَعِنْدَ مَوْتِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا اتَّخَذَهَا مُرْدَخَايُ لِنَفْسِهِ ابْنَةً.”

إذاً اسمها الحقيقي هو هَدَسَّةَ. والأرجح أنها قد أُعطيت اسم أستير من الجهات المختصة في القصر. فقد كانت هناك عادة عند المسؤولين في قصور البابليين والفرس، في تغيير أسماء الأجانب الذين كانوا يريدون أن يستخدمونهم في خدمة الملوك، مُعطين إياهم أسماء بابلية أو فارسية. لا عجب إذا مراراً قد كانوا يختارون أسماء وثنية.

فلنا مثال في حالة دانيال وأصدقائه، الذين كانوا قد اختيروا لكي يُدرَّبوا من أجل الوقوف في خدمة الملك نبوخذنصر. فنقرأ في سفر دانيال 1: 7

“فَجَعَلَ لَهُمْ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ أَسْمَاءً، فَسَمَّى دَانِيآلَ [بَلْطَشَاصَّرَ]، وَحَنَنْيَا [شَدْرَخَ]، وَمِيشَائِيلَ [مِيشَخَ]، وَعَزَرْيَا [عَبْدَنَغُوَ]”.

وفي سفر دانيال 4: 8 نعلم بأن بلطشاصر الاسم الذي سُمي به دانيال كان اسماً وثنياً. فلقد سُمي دانيال على اسم إله محلي كان نبوخذنصر يتعبد له، كما نفهم من كلمات نبوخذنصر:

“أَخِيرًا دَخَلَ قُدَّامِي دَانِيآلُ الَّذِي اسْمُهُ بَلْطَشَاصَّرُ كَاسْمِ إِلهِي”.

لاعجب إذا كان اسم مردخاي مرتبطاً بمردوخ، إذ لابد أنه اسم بابلي قد أعطي له من الجهات المختصة في القصر، من حيث أن أبيه قد خدم في القصر البابلي كما رأينا سابقاً. نقول ذلك مع أنه هناك آراء مختلفة حول هذا الاسم. ان بعض الباحثيين يعتقدون أن اسمه له علاقة بمردوخ، ولكن التقليد الحبري (أي المستخدم من الأحبار اليهود)Rabbinic tradition  يفسرون اسم مردخاي بأنه مركب من الصيغة الآرامية التي تعني المر النقي puri myrrh.(7)

نرى في سفر عزرا 2: 2 ونحميا 7: 7 أن اسم مردخاي يتبعه اسم بلشان. والتقليد العبري يعتبر أن الإسمين (مردخاي وبلشان) هما اسمين لذات الشخصية (8) . الأمر الذي يوحي بأن بلشان هو الاسم العبري الأصلي لمردخاي.

بالنسبة لهامان، فهو ليس الإله العيلامي المعروف تحت اسم همون Hammun. فكم رأينا سابقاً هامان هو من أصل عماليقي. واسمه الذي من أصل فارسي Hamayun يعني magnificent أي بديع. (9)

يبدو أن عائلته قد عاشت لأجيال في بلاد فارس قبل حدوث الواقع المذكور في سفر أستير. وهناك احتمال آخر وهو أن ملوك فارس قد سمّوه بهذا الاسم. فمعروف بأن ملوك الشرق قد استأمنوا للوظائف الحساة في قصورهم أشخاصاً من قوميات أخرى.

في نهاية بحثنا في سفر أستير، نرى أن السفر مُبرهنٌ تاريخياً في قدمه، وأن اسم هامان في التاريخ قد عُرف بسبب سفر أستير. فالهجوم على هذا السفر لن يساعد في إلغاء خطأ محمد في نقل اسم مستشار الملك الفارسي أحشويروش وجعله مستشاراً لفرعون في عصر سبق سفر أستير بقرابة ألف سنة.

……………………………………………………

 

  1. Can be accessed at :
  2. The International Standard Bible Encyclopaedia., ISBE, I, p. 80-81
  3. The International Standard Bible Encyclopaedia., ISBE, I, p. 80
  4. Babylonian Talmud – Mas. Megilah 16b
  5. Babylonian Talmud, Mas. Megilah 15b, footnote 1 a
  6. L. MCMAHON For Esther Woodall From the Catholic Encyclopaedia
  7. Babylonian Talmud, Mas. Megilah 10b, Footnote 42
  8. Babylonian Talmud – Mas. Megilah 16b
  9. Encyclopedia Judaica CD-ROM Edition 1.0 1997, under Haman