الردود على الشبهات

إله العهد القديم، هل هو إله غيور؟ شبهة والرد عليها

إله العهد القديم، هل هو إله غيور؟

إله العهد القديم، هل هو إله غيور؟
إله العهد القديم، هل هو إله غيور؟

“ثُمَّ تَكَلَّمَ ٱللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ: لأنّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ إِلَهٌ غَيُورٌ” (الخروج 20: 1 – 5)

“لَا تَسْجُدُ لِإِلَهٍ آخَرَ، لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱسْمُهُ غَيُورٌ. إِلَهٌ غَيُورٌ هُوَ” (الخروج 34: 14).

“اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَنْسَوْا عَهْدَ ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمُ ٱلَّذِي قَطَعَهُ مَعَكُمْ، وَتَصْنَعُوا لِأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، صُورَةَ كُلِّ مَا نَهَاكَ عَنْهُ ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ. لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ هُوَ نَارٌ آكِلَةٌ، إِلَهٌ غَيُورٌ” (اَلتَّثْنِيَة 4: 24،23 ).

“لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ، لِئَلَّا يَحْمَى غَضَبُ ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمْ عَلَيْكُمْ فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ ٱلْأَرْضِ” ( اَلتَّثْنِيَة 6:15  ).

عدد كبير يسأل:

نحن نعلم أن الغيرة صفه إنسانية بغيضة لا نحب أن نتصف بها، فكيف نقبل أن يوصف بها الله تعالى؟

ولماذا يُطلق الله على نفسه أنه غيور؟ وماذا يقصد بذلك؟

للإجابة على هذه الأسئلة أقول:

اولاً : هناك نوعين من الغيرة:

أن كلمة (الغَيْرَةٌ) (קַנָּ֛א) “قانا” في اللغة العبرية تحمل معنيين: تعني الحماس الشديد للدفاع عن شخص أو شئ أو قضية ما. وكذلك تأتي بمعنى سيئ وهو الحسد(1).

ولذلك نجد أن كلمة (الغَيْرَةٌ) (קַנָּ֛א) “قانا” تُتَرجم في بعض الآيات (الحسد) مثل:

“فَكَانَ لَهُ مَوَاشٍ مِنَ ٱلْغَنَمِ وَمَوَاشٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ وَعَبِيدٌ كَثِيرُونَ. فَحَسَدَهُ (וַיְקַנְא֥וּ) ٱلْفِلِسْطِينِيُّونَ” (اَلتَّكْوِينُ 26:14  ).

“فَحَسَدَهُ (וַיְקַנְא֥וּ) إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ ٱلْأَمْرَ” ( اَلتَّكْوِينُ 37: 11 ).

“حَيَاةُ ٱلْجَسَدِ هُدُوءُ ٱلْقَلْبِ، وَنَخْرُ ٱلْعِظَامِ ٱلْحَسَدُ (קִנְאָֽה) ” ( أَمْثَالٌ 14: 30 ).

ونجد المعنى الرائع للغيرة في بعض الآيات كالتالي:

“لِأَنَّ غَيْرَةَ (קִנְאַ֣ת) بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي، وَتَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ” ( اَلْمَزَامِيرُ 69: 9 )

“فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ ٱلْكَاهِنِ قَدْ رَدَّ سَخَطِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَوْنِهِ غَارَ (בְּקַנְא֥וֹ) غَيْرَتِي (קִנְאָתִ֖י) فِي وَسَطِهِمْ حَتَّى لَمْ أُفْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِغَيْرَتِي (בְּקִנְאָתִֽי) ” (اَلْعَدَد 52:11  ).

“أَهْلَكَتْنِي غَيْرَتِي (קִנְאָתִ֖י)، لِأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلَامَكَ” ( اَلْمَزَامِيرُ 119: 139 ).

وكذلك نجد ان اللغة اليونانية لا تختلف عن العبرية، فكلمة (الغَيْرَةٌ) في اللغة اليونانية هي (ζῆλος) “زيلو” مشتقه من أصل يعني “حار”، وهو يعبًّر تعبيراً صادقاً عن نفس كلمة “قيناه” العبرية، فتشير الى الإحمرار المتصاعد على وجه إنسان منفعل، وهذا الانفعال قد يصدر عن مشاعر مختلفة تتراوح من الحب النزيه الى الحسد الدانئ. فالأمر كله متعلق بالدافع أو المحرك الذي يحرك هذا الحماس(2).

فنجد كلمة (الغَيْرَةٌ) (ζῆλος) “زيلو” تُتَرجم في بعض الآيات بالمعنى السلبي (الحسد الدنئ):

“لِأَنَّهُ حَيْثُ ٱلْغَيْرَةُ (ζῆλος) وَٱلتَّحَزُّبُ، هُنَاكَ ٱلتَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ” ( يَعْقُوبَ 3: 16 ).

“لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي ٱلنَّهَارِ: لَا بِٱلْبَطَرِ وَٱلسُّكْرِ، لَا بِٱلْمَضَاجِعِ وَٱلْعَهَرِ، لَا بِٱلْخِصَامِ وَٱلْحَسَدِ (ζήλῳ) ” ( رُومِيَةَ 13: 13 ).

“فَإِنَّهُ إِذْ فِيكُمْ حَسَدٌ (ζῆλος) وَخِصَامٌ وَٱنْشِقَاقٌ، أَلَسْتُمْ جَسَدِيِّينَ وَتَسْلُكُونَ بِحَسَبِ ٱلْبَشَرِ؟” (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى3: 3 ).

“ٱلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. ٱلْمَحَبَّةُ لَا تَحْسِدُ (ζηλοῖ) ” (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى 13: 4).

ونجد المعنى الجميل الرائع للغيرة في بعض الآيات كالتالي:

“وَلَكِنْ جِدُّوا (ζηλοῦτε) لِلْمَوَاهِبِ ٱلْحُسْنَى. وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ” (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى 12: 31).

“هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، إِذْ إِنَّكُمْ غَيُورُونَ (ζηλωταὶ) لِلْمَوَاهِبِ ٱلرُّوحِيَّةِ، ٱطْلُبُوا لِأَجْلِ بُنْيَانِ ٱلْكَنِيسَةِ أَنْ تَزْدَادُوا” ( كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى 41:12  ).

“فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً (ζῆλον) كَثِيرَةً لِأَجْلِكُمْ، وَلِأَجْلِ ٱلَّذِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، وَٱلَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ” ( كُولُوسِّي 4: 13 ).

“فَإِنِّي أَغَارُ (ζηλῶ) عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ (ζηλῶ) ٱللهِ، لِأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لِأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ” (كُورِنْثُوسَ ٱلثَّانِيةُ 11: 2 ).

“لِأَنِّي أَعْلَمُ نَشَاطَكُمُ ٱلَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَدَى ٱلْمَكِدُونِيِّينَ، أَنَّ أَخَائِيَةَ مُسْتَعِدَّةٌ مُنْذُ ٱلْعَامِ ٱلْمَاضِي. وَغَيْرَتُكُمْ (ζῆλος) قَدْ حَرَّضَتِ ٱلْأَكْثَرِينَ” (كُورِنْثُوسَ ٱلثَّانِيةُ 9 : 2 ).

فكل قواميس اللغة أكًّدت أن كلمة (الغَيْرَةٌ) سواء العبرية (קַנָּ֛א) “قانا”، أو اليونانية (ζηλὸω) تحمل معنيين: معنى رائع جميل يعبر عن مشاعر دافئة نابعة من محبة حقيقية تدفع الشخص لأن يبذل كل ما في وسعه لأجل من يحب سواء كان شخصاً أو موضوعاً او شيئاً أو قضية، وهذه هي الغيرة السليمة الصحيًّة. وايضاً تحمل معنى سلبياً شريراً اقرب الى الحسد؛ أي أن الشخص الغيور يريد زوال ما بين يدي الآخر، ويكره كل من هو أفضل منه، ويحمل له مزيجاً من مشاعر الحسد والحقد والغضب.

ودافع هذه الغيرة المريضة هو البغضة والشعور بالنقص، وهو اتجاه طفولي يظهر في تصرفات كلها حقد، وأنانية، وحب امتلاك، فهي من أعمال الجسد كما يقول الرسول بولس: ” وَأَعْمَالُ ٱلْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، ٱلَّتِي هِيَ: زِنًى، عَهَارَةٌ، نَجَاسَةٌ، دَعَارَةٌ، عِبَادَةُ ٱلْأَوْثَانِ، سِحْرٌ، عَدَاوَةٌ، خِصَامٌ، غَيْرَةٌ (ζῆλος)، سَخَطٌ… وَأَمْثَالُ هَذِهِ ٱلَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ لَا يَرِثُونَ مَلَكُوتَ ٱللهِ” (غَلَاطِيَّةَ 5:20 – 19  ). وأنا أطلق عليها الغيرة المرضية المدمرة.

وبكل يقين أقول: إن كل الآيات التي تتحدث عن غيرة الله لا تعني الحسد أو الأنانية أو الغيرة المريضة, ولكنها تعني الغيرة المقدسة الصحية بهدف حماية شئ مقدس. ويقول د. القس فهيم عزيز: “الله ليس غيوراً في طبيعته بل في عمله. غيوراً لا لنفسه بل لخير الإنسانية”(2)

ثانياً : تعبير بشري يوضح حقاً إلهياً:

     ذكرت سابقاً ان الكتاب المقدًّس هو رسالة الله للبشرية. ولذلك عندما يريد الله ان يعلن عن ذاته لابد أن يستخدم تعبيرات بشرية وإلا لن نفهم شيئاً, ولذلك من نعمة الله علينا انه لا يخاطبنا بلغته، ولا بلغة الملائكة بل بلغتنا واصطلاحاتنا لنفهم ما يقول، فنجد الروح القدس يستخدم اللغة البشرية للتعبير عن المعاني الروحية والأحداث الإلهية حتى يفهمها الإنسان, وإلاًّ لكان الله يكلم الإنسان بلغة لا يفهمها، فكيف يتعامل الله مع الإنسان بغير لغة الإنسان؟

واستخدام الصفات البشرية في وصف الله تَعرَف في علم اللاهوت بمنهج “أنثروبومورفيزم” (Anthropomorphism) أي (تشبيه الله بالإنسان) أو تشبيه الله بصفات بشرية بهدف وصول المعاني الإلهية للإنسان بلغة قريبة إلى فهم الإنسان.

ولهذا السبب نجد نصوصاً كثيرة في الكتاب المقدَّس، لدى الإنسان مثل: “كرسي الله”، “يد الله”، “عينا الله”، “أقسم الرب”، “ذراع الرب”، “فم الرب”، “حزن الله” “غيرة الله”، “ندم الله”..إلخ. كما لو كان الله انساناً.

وتشبيه الله بصفات بشرية بهدف وصول المعاني الإلهية للإنسان ليس قاصراً على الكتاب المقدس فقط بل نجده في القرآن ايضاً فمكتوب عن الله: “ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين” (آل عمران 3 : 54)، و”المكر” صفة بشرية بغيضة. ويُنسَب إلى الله قوله ايضاً: “أن كيدي متين” (الأعراف 7: 183)، و”الكيد” ايضاً صفة بشرية سيئة؟!

إن الوحي الإلهي عندما يقول عن الله إنه يحب ويكره ويفرح ويحزن ويتحسّر ويندم ويغار…إلخ. هو لا يقصد أن الله له حواس أو مشاعر مثل مشاعرنا، إنما يريد أن يؤكد على مدى تفاعل الله مع البشرية. وأن يبين أن له مواقف إزاء ما يفعله البشر. وتعبير (غيرة الله) يستخدمه الوحي ليؤكد على ثلاثة أمور هامة هي:

(1) الله يغار لأنه يحب:

عندما أراد الرب أن يعبَّر عن عمق علاقته بشعبه وتوحده بهم شبه هذه العلاقة “بعلاقة العهد” الذي دخله الله مع شعبه، وبعلاقة الزوج بزوجته فيقول: ” «لَكِنْ هَأَنَذَا أَتَمَلَّقُهَا وَأَذْهَبُ بِهَا إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ وَأُلَاطِفُهَا… وَهِيَ تُغَنِّي هُنَاكَ كَأَيَّامِ صِبَاهَا، وَكَيَوْمِ صُعُودِهَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ، أَنَّكِ تَدْعِينَنِي “رَجُلِي” وَلَا تَدْعِينَنِي بَعْدُ “بَعْلِي”… وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى ٱلْأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِٱلْعَدْلِ وَٱلْحَقِّ وَٱلْإِحْسَانِ وَٱلْمَرَاحِمِ. أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِٱلْأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ ٱلرَّبَّ” ( هُوشَع 2: 41 – 02)

ونجد إشعياء يتغنًّى بحب الله لشعبه على مستوى الخطبة والزواج أيضاً فيقول: “لِأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ ٱلْجُنُودِ ٱسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، إِلَهَ كُلِّ ٱلْأَرْضِ يُدْعَى. لِأَنَّهُ كَٱمْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ ٱلرُّوحِ دَعَاكِ ٱلرَّبُّ، وَكَزَوْجَةِ ٱلصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ، قَالَ إِلَهُكِ” ( إِشَعْيَاءَ54 :- 5 6)

ويؤكد الرب أيضاً على لسان إرميا قائلاً: “ٱذْهَبْ وَنَادِ فِي أُذُنَيْ أُورُشَلِيمَ: هَكَذَا قَالَ ٱلرَّبُّ: قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ، مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ، ذِهَابَكِ وَرَائِي فِي ٱلْبَرِّيَّةِ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ” ( إِرْمِيَا2:2، راجع ايضاً: الخروج 20: 2 – 6، إِشَعْيَاءَ 6: 9: 6 و 7، حزقيال 16، هوشع 1).

ولذلك فإن الرب يغار على شعبه كما يغار الزوج على زوجته، ولذلك لا يدهشنا حقاً أن نجد مع لغة الزيجة التي يتحدث بها الله تعبيراً عن محبته لشعبه، الشعور بالغيرة التي كان يغير بها الله على عروسه أي شعبه الذي اختاره لنفسه حينما كانت إسرائيل تذهب وراء آلهة غريبة فنقرأ: ” اِحْتَرِزْ مِنْ أَنْ تَقْطَعَ عَهْدًا مَعَ سُكَّانِ ٱلْأَرْضِ، فَيَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ وَيَذْبَحُونَ لِآلِهَتِهِمْ، فَتُدْعَى وَتَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِمْ، وَتَأْخُذُ مِنْ بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكَ، فَتَزْنِي بَنَاتُهُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ، وَيَجْعَلْنَ بَنِيكَ يَزْنُونَ وَرَاءَ آلِهَتِهِنَّ” ( اَلْخُرُوجُ 34:15-14). فالله يعتبر عبادة الأوثان زنى، فيقول: ” هَلْ رَأَيْتَ مَا فَعَلَتِ ٱلْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ؟ اِنْطَلَقَتْ إِلَى كُلِّ جَبَلٍ عَالٍ، وَإِلَى كُلِّ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ وَزَنَتْ هُنَاكَ. وَكَانَ مِنْ هَوَانِ زِنَاهَا أَنَّهَا نَجَّسَتِ ٱلْأَرْضَ وَزَنَتْ مَعَ ٱلْحَجَرِ وَمَعَ ٱلشَّجَرِ. وَفِي كُلِّ هَذَا أَيْضًا لَمْ تَرْجِعْ إِلَيَّ أُخْتُهَا ٱلْخَائِنَةُ يَهُوذَا بِكُلِّ قَلْبِهَا، بَلْ بِٱلْكَذِبِ. يَقُولُ ٱلرَّبُّ”( إِرْمِيَا 3: 6 – 9).

وما أروع ما قاله العلامة أوريجانوس: “إن أي إنسان عاقل يحب زوجته يغار عليها. فعندما يدخل شخص إلى زانية لا يغضب إذا وجد عندها أشخاصاً آخرين، ولكن من يدخل إلى زوجته ويرى غريباً فإنه يغضب ويغتاظ جداً. عند الزانية لا يغار الواحد من الآخر، ولا يريد أن يطرد الواحد الآخر، ولكن إذا أحبها بصدق فإنه يريد أن يحررها منهم، ولا يريد أن يرتبط بها أحد سواه”(4).

وغيرة الله لا تتخذ رد فعل أعمى، ولكن هي نتيجة عقلانية للحب الصادق. وهي غيرة مقدسة لحماية علاقة الحب، وهي نتيجة لعمق الحب، إنه يريد ولاءً مطلقاً، يريد صدىً لمحبته.

لذلك نجد الرب يعتبر فتور المحبة خطية فيقول: ” لَكِنْ عِنْدِي عَلَيْكَ أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ ٱلْأُولَى. فَٱذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَٱعْمَلِ ٱلْأَعْمَالَ ٱلْأُولَى، وَإِلَّا فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ” ( رُؤْيَا يُوحَنَّا 2:5-4 ).

وما هي المحبة الأولى؟

المحبة الأولى هي ببساطة محبة أول المعرفة أو محبة فترة الخطبة (إر 2: 2، 2كو 11: 2) إنها محبة الخطيبة لخطيبها. محبة الزوجة المُحبة لزوجها (أف 5: 23 – 26).

لقد كان القديس اغسطينوس يقول: “أحبب الرب بكل قلبك وافعل ما تشاء”. إن المحبة هي كل شئ فهي بمثابة الروح في الجسد متى ضاعت المحبة أصبحنا أمام جثة ميتة لا قيمة لها.

(2) الله غيور لذلك يؤدب ويعاقب:

     عندما يقول الرب عن نفسه إنه “غَيُور” كان يريد أن يؤكد على فكرة أنه سيؤدب عروسه عندما تخون، ولكن أرجو أن تلاحظ أن الرب قبل أن يقول: “لِأَنَّ ٱلرَّبَّ ٱسْمُهُ غَيُورٌ. إِلَهٌ غَيُورٌ هُوَ”. يقول: ” هَا أَنَا قَاطِعٌ عَهْدًا. قُدَّامَ جَمِيعِ شَعْبِكَ أَفْعَلُ عَجَائِبَ لَمْ تُخْلَقْ فِي كُلِّ ٱلْأَرْضِ وَفِي جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ، فَيَرَى جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ ٱلَّذِي أَنْتَ فِي وَسَطِهِ فِعْلَ ٱلرَّبِّ. إِنَّ ٱلَّذِي أَنَا فَاعِلُهُ مَعَكَ رَهِيبٌ” (اَلْخُرُوجُ 34: 10 – 14).

وقبل أن يقول : ” لِأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ، لِئَلَّا يَحْمَى غَضَبُ ٱلرَّبِّ إِلَهِكُمْ عَلَيْكُمْ فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ ٱلْأَرْضِ” يقول: “فَٱحْتَرِزْ لِئَلَّا تَنْسَى ٱلرَّبَّ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ” ( اَلتَّثْنِيَة 6:15 )

وهناك شواهد عديدة تؤكد أن الغيرة تقود الرب إلى تأديب شعبه إذا انحرف وخان، راجع: (تث 4: 23، 24، يش 24: 19، حز 23: 22 – 30، حز 36: 5 – 8). هذا العقاب والتأديب هو لخير شعبه، إنه يؤدب ليعالج ويصلح، يؤدب كأب، فالتأديب برهان المحبة، أنت لا يمكن أن تؤدب ابن الجيران إذا أخطأ ولكن تؤدب ابنك، قال الحكيم: “مَنْ يَمْنَعُ عَصَاهُ يَمْقُتِ ٱبْنَهُ، وَمَنْ أَحَبَّهُ يَطْلُبُ لَهُ ٱلتَّأْدِيبَ” ( أَمْثَالٌ 13:24).

“لَا تَمْنَعِ ٱلتَّأْدِيبَ عَنِ ٱلْوَلَدِ، لِأَنَّكَ إِنْ ضَرَبْتَهُ بِعَصًا لَا يَمُوتُ. تَضْرِبُهُ أَنْتَ بِعَصًا فَتُنْقِذُ نَفْسَهُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ” ( أَمْثَالٌ 32:14-13). ( أَمْثَالٌ 31: 18).

وقال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: ” يَا ٱبْنِي، لَا تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ ٱلرَّبِّ، وَلَا تَخُرْ إِذَا وَبَّخَكَ. لِأَنَّ ٱلَّذِي يُحِبُّهُ ٱلرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ٱبْنٍ يَقْبَلُهُ” ( ٱلْعِبْرَانِيِّينَ 12: 6).

ويقول الرب:

“أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ٱبْنًا. إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ ٱلنَّاسِ وَبِضَرَبَاتِ بَنِي آدَمَ” ( صَمُوئِيلَ ٱلثَّانِي 7:14).

“إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ” ( رُؤْيَا يُوحَنَّا3:19 ).

     ما هي أهداف التأديب؟

ويقول بولس “وَلَكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا، نُؤَدَّبُ مِنَ ٱلرَّبِّ لِكَيْ لَا نُدَانَ مَعَ ٱلْعَالَمِ” (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى 11:32).

“إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ ٱلتَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ ٱللهُ كَٱلْبَنِينَ. فَأَيُّ ٱبْنٍ لَا يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟ وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِلَا تَأْدِيبٍ، قَدْ صَارَ ٱلْجَمِيعُ شُرَكَاءَ فِيهِ، فَأَنْتُمْ نُغُولٌ لَا بَنُونَ. ثُمَّ قَدْ كَانَ لَنَا آبَاءُ أَجْسَادِنَا مُؤَدِّبِينَ، وَكُنَّا نَهَابُهُمْ. أَفَلَا نَخْضَعُ بِٱلْأَوْلَى جِدًّا لِأَبِي ٱلْأَرْوَاحِ، فَنَحْيَا؟ لِأَنَّ أُولَئِكَ أَدَّبُونَا أَيَّامًا قَلِيلَةً حَسَبَ ٱسْتِحْسَانِهِمْ، وَأَمَّا هَذَا فَلِأَجْلِ ٱلْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ. وَلَكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي ٱلْحَاضِرِ لَا يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي ٱلَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرٍّ لِلسَّلَامِ” (ٱلْعِبْرَانِيِّينَ 12: 7 – 11).

لذلك أقول الويل لمن لا يعاقبه الله، فإن تُرك الإنسان بلا تأديب سيحصد الكارثة الأبدية. لذلك قال داود: “طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ، وَتُعَلِّمُهُ مِنْ شَرِيعَتِكَ” (اَلْمَزَامِيرُ 49:12 ). راجع (مز 6: 1، مز 38: 1، مز 18: 18).

(3) يغار فيحمى شعبه:

     يغار الرب لأن اسمه – الذي دعيَّ على شعبه قدوس، فيحمى شعبه من الأعداء ” أَنَا ٱلرَّبُّ هَذَا ٱسْمِي، وَمَجْدِي لَا أُعْطِيهِ لِآخَرَ، وَلَا تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ” (إِشَعْيَاءَ42:8). راجع (إش 48: 11).

ويغار الرب على شعبه غيرة أب على أبنائه، وزوج على زوجته (إش 59: 17 – 19)، فلا يتركه فريسة للأعداء، لكنه يحارب عنه، وينقذه ويخلصه من أعدائه، ويَعتَبِر أي إهانة لشعبه كأنها عليه هو فنقرأ: ” لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: ٱلْآنَ أَرُدُّ سَبْيَ يَعْقُوبَ، وَأَرْحَمُ كُلَّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، وَأَغَارُ عَلَى ٱسْمِي ٱلْقُدُّوسِ” (حِزْقِيَال 39:،25 راجع: 36: 23).

وعندما يرى شعبه مضطهد ومظلوم فهو يخلصهم نقرأ: ” ٱلرَّبُّ كَٱلْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ” ( إِشَعْيَاءَ 42:13 ، راجع: خر 39: 25، إش 37: 23، زك 1: 14، يؤ 2: 18، صف 1: 18).

لذلك كان الناس في ظروفهم الصعبة يصرخون إلى غيرة الرب لإنقاذهم:

فيقولون له: ” تَطَلَّعْ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱنْظُرْ مِنْ مَسْكَنِ قُدْسِكَ وَمَجْدِكَ: أَيْنَ غَيْرَتُكَ وَجَبَرُوتُكَ؟ ” ( إِشَعْيَاءَ 36:15 ). وهكذا نرى يؤئيل النبي ينادي بصوم وتذلل وتوبة أمام الرب ” فَيَغَارُ ٱلرَّبُّ لِأَرْضِهِ وَيَرِقُّ لِشَعْبِهِ” (يُوئِيل 2:18 ).

بل إن غيرة الرب لخلاص شعبه قادته إلى التجسد، هكذا قال إشعياء: “لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْنًا، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلَهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ ٱلسَّلَامِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلَامِ لَا نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، مِنَ ٱلْآنَ إِلَى ٱلْأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ ٱلْجُنُودِ تَصْنَعُ هَذَا” (إِشَعْيَاءَ9:7-6 ).

ما هو المطلوب منا أمام غيرة الله؟

   غيرة حقيقية على عمل الرب:

إن الرب يريدنا ” شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ” ( تِيطُسَ2:14). وقال إرميا قديماً: “مَلْعُونٌ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ ٱلرَّبِّ بِرِخَاءٍ” ( إِرْمِيَا 48:10). إنه يريد منا رد فعل ايجابي أمام غيرته علينا، فنغار عليه، وعلى مجده. وعلى كنيسته، وكلمته وأن يكون اهتمامنا بعمله صادقاً، ومحبتنا له تملأ القلب، وتكريسنا لشخصه كاملاً.

قال الأسقف Ray: ” إن الغيرة رغبة ملتهبة لإكرام الله، ولعمل مشيئته، ولطلب وجهه، الغيرة تعني شيئاً واحداً أن أكون بالكامل بين يدي الله”.

عندما سمع عزرا أن الزرع المقدس (شعب الله) اختلط بالأمم وعاشوا في الشر والفساد مزق ثيابه، ونتَّف شعر ذقنه ورأسه، وكان يصلي صارخاً وباكياً من أجل شعب الرب ليلاً ونهاراً، وقام بدور ايجابي لإصلاح ما يمكن إصلاحه. (عز 9: 1 – 10).

وعندما سمع نحميا “إِنَّ ٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ بَقُوا مِنَ ٱلسَّبْيِ هُنَاكَ فِي ٱلْبِلَادِ، هُمْ فِي شَرٍّ عَظِيمٍ وَعَارٍ. وَسُورُ أُورُشَلِيمَ مُنْهَدِمٌ، وَأَبْوَابُهَا مَحْرُوقَةٌ بِٱلنَّارِ” يقول: “جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا، وَصُمْتُ وَصَلَّيْتُ أَمَامَ إِلَهِ ٱلسَّمَاءِ” ( نَحَمْيَا 1:4 ). وقد كان نحميا “سَاقِياً لِلْمَلِكِ” وهذه الوظيفة تعادل اليوم “مدير مكتب الرئيس، أو أمين رئاسة الجمهورية”، كان ناجحاً جداً في عمله، وفي مركز مرموق للغاية، وكان يمكن أن يلتمس العذر لنفسه، أو يفكر في إرسال مساعدة لهم، أو يكتفي بالصلاة لأجلهم، لكنه تجاوب وترك منصبه وعاد لبلده ليفعل شيئاً.

ونقرأ عن بولس الذي يقول عن نفسه:

“وَلَكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ، وَلَا نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَٱلْخِدْمَةَ ٱلَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ، لِأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ ٱللهِ” ( أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ 20:24).

“لِذَلِكَ ٱسْهَرُوا، مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلَاثَ سِنِينَ لَيْلًا وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ” ( أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ 20: 31).

“فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ ٱللهِ، لِأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لِأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ. وَلَكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ كَمَا خَدَعَتِ ٱلْحَيَّةُ حَوَّاءَ بِمَكْرِهَا، هَكَذَا تُفْسَدُ أَذْهَانُكُمْ عَنِ ٱلْبَسَاطَةِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ” ( كُورِنْثُوسَ ٱلثَّانِيةُ 11:2، 3 ).

“من يضعف وأنا لا أضعف؟ من يعثر وأنا لا ألتهب؟” (2كو 11: 23). وهي ترد في ترجمة (ك ح) كالآتي:

“أهنالك من يضعف ولا أضعف أنا، ومن يتعثر ولا أحترق أنا؟”.

ونقرأ عن أبولس: “ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى أَفَسُسَ يَهُودِيٌّ ٱسْمُهُ أَبُلُّوسُ، إِسْكَنْدَرِيُّ ٱلْجِنْسِ، رَجُلٌ فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي ٱلْكُتُبِ. كَانَ هَذَا خَبِيرًا فِي طَرِيقِ ٱلرَّبِّ. وَكَانَ وَهُوَ حَارٌّ بِٱلرُّوحِ يَتَكَلَّمُ وَيُعَلِّمُ بِتَدْقِيقٍ مَا يَخْتَصُّ بِٱلرَّبِّ…. كَانَ بِٱشْتِدَادٍ يُفْحِمُ ٱلْيَهُودَ جَهْرًا، مُبَيِّنًا بِٱلْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ” ( أَعْمَالُ ٱلرُّسُلِ 81:28-24).

ونقرأ عن أبفراس: “يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَبَفْرَاسُ، ٱلَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لِأَجْلِكُمْ بِٱلصَّلَوَاتِ، لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ ٱللهِ. فَإِنِّي أَشْهَدُ فِيهِ أَنَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لِأَجْلِكُمْ، وَلِأَجْلِ ٱلَّذِينَ فِي لَاوُدِكِيَّةَ، وَٱلَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ. (كُولُوسِّي4:13-12).

شروط الغيرة الصحيحة:

(1) حسب المعرفة:

قال الرسول بولس عن الهيود: “لِأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً لِلهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْمَعْرِفَةِ” ( رُومِيَةَ 10:2).

وما قيمة الغيرة بلا معرفة؟ بل وماذا تفعل في صاحبها؟ إنها لا تقود إلا إلى الإرهاب والتطرف، فبولس قبل أن يتغير كان يهودياً غيوراً جداً، ولذلك كان يضطهد كنيسة الله بإفراط ويتلفها، وكان ينفث تهدداً وقتلاً في شعب الرب. وأرجو أن تفكر في الأسئلة الآتية:

ماذا تفعل الغيرة بلا طهارة؟

ماذا تفعل الغيرة بلا حكمة؟

ماذا تفعل الغيرة بلا رؤية؟

(2) غيرة في الحسنى:

قال الرسول بولس: “حَسَنَةٌ هِيَ ٱلْغَيْرَةُ فِي ٱلْحُسْنَى كُلَّ حِينٍ” ( غَلَاطِيَّةَ 4:18 ).

صلاتي أن يملأ الرب كنيسته هذه الأيام بشعب لديه غيرة في الحسنى بمعنى:

غيرة في المواهب الروحية:

“وَلَكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ ٱلْحُسْنَى. وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ” (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى 12:31).

“اِتْبَعُوا ٱلْمَحَبَّةَ، وَلَكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ ٱلرُّوحِيَّةِ، وَبِٱلْأَوْلَى أَنْ تَتَنَبَّأُوا” (كُورِنْثُوسَ ٱلأُولَى14:1 ).

     غيرة في العطاء:

“لِأَنِّي أَعْلَمُ نَشَاطَكُمُ ٱلَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَدَى ٱلْمَكِدُونِيِّينَ، أَنَّ أَخَائِيَةَ مُسْتَعِدَّةٌ مُنْذُ ٱلْعَامِ ٱلْمَاضِي. وَغَيْرَتُكُمْ قَدْ حَرَّضَتِ ٱلْأَكْثَرِينَ” ( كُورِنْثُوسَ ٱلثَّانِيةُ 9:2 ).

     غيرة على بيته:

“لِأَنَّ غَيْرَةَ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي، وَتَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ” (اَلْمَزَامِيرُ69:9 ).

     غيرة تقود للتوبة:

“إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ” ( رُؤْيَا يُوحَنَّا 3:19).

المراجع

 (1) William L.Holladay.Azoncise Hebrew and Aramaic Lexicon of the Old Testament, p. 279.

(2) Walter Bauer. A Greek – English Lexicon of the New Testament. P. 348.

(3) د. القس فهيم عزيز. الوصايا العشر. ص 63.

(4) الأب تادرس يعقوب ملطي. سفر الخروج، ص 249.