أبحاث

خدمة النساء في الكنيسة الأولى، المرأة في الكنيسة الأولى (العصر الرسولي نموذجًا)

خدمة النساء في الكنيسة الأولى، المرأة في الكنيسة الأولى (العصر الرسولي نموذجًا)

خدمة النساء في الكنيسة الأولى، المرأة في الكنيسة الأولى (العصر الرسولي نموذجًا)
خدمة النساء في الكنيسة الأولى، المرأة في الكنيسة الأولى (العصر الرسولي نموذجًا)

سبق أن عرضنا لأثر المسيحية على المرأة، ووضع المرأة في الكنيسة المسيحية.

لذا، فليس غريباً أن نلمس خدمة النساء واضحة في كنيسة الرسل، ونقرأ عن نشاطهن. على أن ذلك لم يكن شيئاً مألوفاً في مجتمع ذلك العصر… لقد وجدت كاهنات في بعض الديانات الوثنية، ووجدت عذارى للآلهة فستا “Vesta”، لكن دور المرأة اليهودية – في الخدمة الدينية – كان ضئيلاً ومحدداً. والمرأة اليهودية لم تكن في حال أفضل من هذه الزاوية، إذ لم يكن يُسمح لها بالمشاركة في الخدمة الدينية. وبإستثناء أمثلة نادرة ومتفرقة (١٠٠)، فإن المرأة في اليهودية، كانت بمعزل عن مجال الخدمة الدينية. وليس أدل على ذلك من الغرابة التي تملكت تلاميذ السيد المسيح حينما رأوه -في قصة السامرية – يُكلم إمرأة (يو 27:4)… فلقد نظر معلمو اليهود في ذلك العصر الي المرأة نظرة احتقار. لكن المسيحية رفعت من قدر المرأة.

لقد أشرنا قبلاً إلى النساء اللاتي كُنَّ يخدمن الرب يسوع من أموالهن … هؤلاء لم تتوقف خدمتهن له بإنتهاء حياته الجسدية على الأرض. لكنهن قدمنها له شخص كنيسته المقدسة التي هي جسده. وحتى قبل مولد الكنيسة في يوم الخمسين، نرى مشاركة المرأة في حياة الكنيسة وخدمتها. لقد قدمت مريم أم يوحنا الملقب مرقس (مار مرقس) بيتها في أورشليم ليكون أول كنيسة مسيحية في العالم (اع 12:12). وهناك كانت النساء المؤمنات والعذراء الطاهرة مريم يواظبن على الصلاة مع الرسل، منتظرين موعد الآب (اع 14:1).

وخارج أورشليم، نقرأ عن طابيثا في يافا، تلك التي كانت ممتلئة أعمالاً صالحة وإحسانات للفقراء والأرامل (اع 36:9)، وبنات فيلبس المبشر الأربع اللائي كن يتنبأن في قيصرية (اع 9،8:21)… ويحدثنا مار بولس في رسالته الي أهل فيلبي عن افودية وسنتيخي اللتين جاهدتا معه في الانجيل (في 3،2:4)… ويشير مار بولس في رسالته إلى أهل رومية عن خدمة النساء في عاصمة الإمبراطورية… فيذكر مريم التي تعبت كثيراً، وتريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب… كما يذكر برسيس المحبوبة (رو 12،6:16).

وفي كنيسة كورنثوس وجدت إثنتان من أنشط نساء العصر الرسولي خدمة هما بريسكلا وفيبي… وقد خدمت الأولى مع زوجها اكيلا في أفسس وروما وكورنثوس. وقد أقام بولس في بيتها في كورنثوس مدة إقامته الطويلة هناك. ويتحدث عنهما بتقدير كبير فيقول: «اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي» (رومية 4:16).

أما فيبي فهي أيضا من كنيسة كورنثوس، ويذكرها القديس بولس في الرسالة الي أهل رومية، وهي نفسها كاتبة هذه الرسالة… «أوصي اليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا (١٠١)، لكي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين… لأنها صارت مساعدة لكثيرين، ولي أنا أيضاً» (رو 2،1:16).

– الشمَّاسات (١٠٢):

تكلمنا عن النساء في كنيسة الرسل، وذكرنا بعض الأسماء. هؤلاء اللائي ذكرنا أسماءهن، كن يعملن بغيرة قلبية، لكننا لا نعتقد انهن كن مكلفات من قبل الكنيسة… وأول إشارة تقابلنا في العهد الجديد عن دياكونية المرأة، هي المرتبطة بفيبي… يقول مار بولس في (رو 1:16) «أوصي اليكم بأختنا فيبي، التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا ». والكلمة اليونانية التي ترجمت خادمة هي Diakonos وهي نفس الكلمة التي استخدمت عن السبعة شمامسة (اع 6).

والقديس بولس في رسالته الي تلميذه الأسقف تيموثاوس، فيما يتحدث عن صفات الشمامسة، يشير الي النساء «كذلك يجب أن تكون ذوات وقار غير ثالبات صاحيات أمينات في كل شيء» (1تي 11:3). ويكاد يجمع جميع المفسرين القدامى والمحدثين، على أن الرسول يتكلم هنا عن الشماسات، وليس عن زوجات الشمامسة. يقول القديس يوحنا الذهبي فمه في تفسيره لهذه الآية: [لقد ظن البعض أن هذا الكلام قد قيل عن النساء عامة. لكن الامر ليس كذلك… إنه يتكلم عن الشماسات] (١٠٣) … ويؤكد الاستاذ وست Wuest أن النص اليوناني يؤكد وجهة النظر بأن الامر يختص بالشماسات (١٠٤).

أما الخدمة التي كانت الشمَّاسة منوطة بها، فهي خدمة بنات جنسها بصفة عامة، مما نصت على ذلك قوانين الرسل. كانت تقوم على المداخل المؤدية الي القسم المخصص للنساء في مكان العبادة (١٠٥). وكان من اعمالها الهامة، مساعدة الكاهن في عماد النساء في الأمور واللحظات التي يجب أن يتنحى، حتى لا يبصر جسد امرأة عارياً (١٠٦) … وكان الأسقف يرسلها لافتقاد النساء، خاصة في بيوت غير المؤمنين، حيث يستحسن ألا يذهب الشماس الرجل للافتقاد منعاً للعثرات (١٠٧).

وقد أجملت قوانين الرسل خدمة الشماسة في النص التالي [والشماسة فلتكن صاحية في العناية بالنساء، ويكون كلاهما (الشماس والشماسة) على استعداد لحمل رسائل، للسفر، وللخدمة] (١٠٨) … وفي تقليد قديم أن فيبي شماسة كنيسة كنخريا هي التي حملت رسالة القديس بولس الي اهل رومية، بعد أن كتبها في كورنثوس.

وقد إشترطت قوانين الرسل أن تكون الشماسة، عذراء طاهرة، أو على الأقل أرملة سبق لها الارتباط بزيجة واحدة (١٠٩). ونلاحظ أن رتبة الشماسة في الكنيسة ليست درجة كهنوتية، فلا كهنوت للنساء. ولا توضع عليها الأيدي كما في حالة الرسامات الكهنوتية. لكنها تقام من الأسقف، ويتلو عليها صلاة، وردت في قوانين الرسل (١١٠)، وجاء فيها: «يا الله الأبدي، أبا ربنا يسوع المسيح، خالق الرجل والمرأة، الذي ملأ بروحه مريم ودبورة وحنة وخلدة، ولم تستنكف أن يولد إبنك الوحيد من امرأة… إلخ».

هكذا كانت الكنيسة الأولى حية لكل احتياجاتها، واستغلت كل طاقات أعضائها، من أجل تحقيق الرعاية الكاملة لكل فرد فيها… وعلى الرغم من الجمود الذي كان يتصف به المجتمع وقتذاك من جهة احتجاب المرأة ووضعها، فقد عرفت الكنيسة كيف تتغلب على هذه الصعوبات الاجتماعية، التي كان لا سبيل لإصلاحها بكلمة واحدة، أو في زمن يسير…

لقد دخلت الكنيسة الي حيث النساء والفتيات في شخص الشماسات والقديسات. ونحن لا نشك في أن شطراً كبيراً من تعليم النساء والأطفال كان موكولاً إليها. وكانت هي همزة الوصل بين الكنيسة والقطاع النسوي فيها (١١١).

– الأرامل (١١٢):

أول ما نقرأ عن الأرامل في الكنيسة المسيحية في (اع 1:6)، فيما يتصل بموضوع إقامة السبعة شمامسة. ثم نقرأ عنهن في قصة طابيثا (اع 41،39:9)…

ويبدو أن رعاية الكنيسة لهن في الفترة المبكرة من تاريخها كان ينحصر في تقديم وجبات طعام يومياً (اع 1:6). لكن سرعان ما تزايد عدد الأرامل، حتى أن الرسول بولس يعطي إهتماماً خاصاً لهن في رسائله الرعوية. وإزاء تزايد الأعباء المادية على الكنيسة بسبب مساعدتها للأرامل، كتب القديس بولس هكذا: «إن كان لمؤمن أو مؤمنة أرامل فليساعدهن، ولا يثقل على الكنيسة لكي تساعد هي اللواتي هن بالحقيقة أرامل» (1 تي 16:5).

على أن ما يهمنا في موضوع الأرامل، ليس هو رعاية الكنيسة لهن مادياً، فهذا أمر مفروغ منه، ويتكلم عنه يعقوب الرسول على أنه الديانة الطاهرة (يع 27:1) …

لكن الكنيسة الناشئة عرفت كيف تقوم بواجبها إزاء هذه الفئة البائسة، وفي نفس الوقت رفعت من معنوياتهن، وإستفادت منهن بعد أن كن يشكلن عبئاً عليها… لقد عرفت الكنيسة كيف تحول هذه الفئة الي طاقة فعالة ضمن طاقاتها.

لقد شكلت الأرامل طغمة خاصة داخل الكنيسة، لهن عمل ورسالة… وهكذا إنقلتهن الكنيسة من وضع المنتفعين الذين يتقاضون مساعدات مادية، الي وضع الخادمات… ليس معني هذا ان الكنيسة تخلت عن إعالتهن والعناية بهن، لكن كانت عليهن أعمال يؤدونها، مقابل إعالتهن.

يقول القديس بولس لتلميذه الأسقف تيموثاوس: «لتكتتب أرملة أن لم يكن عمرها أقل من ستين سنة، إمرأة رجل واحد. مشهود لها في أعمال صالحة. ان تكن قد ربت الأولاد، أضافت الغرباء، غسلت أرجل القديسين، ساعدت المتضايقين، إتبعت كل عمل صالح. أما الأرامل الحدثات فأرفضهن لأنهن متي بطرن على المسيح يردن أن يتزوجن» (1تي 9:5-11) … هذا الكلام يوضح أنه كانت هناك شروط لعضوية طغمة الأرامل في الكنيسة.

ليس معني هذا ان الكنيسة كانت تساعد فريقاً من الأرامل دون فريق، بل هي كانت تساعد الجميع، لكنها اشترطت مؤهلات معينة لعضوية طغمة الأرامل، اللائي سيوكل إليهن خدمات معينة (١١٣).

هكذا نرى إن مؤهلات الارملة كانت مؤهلات عالية، حتى أن القديس يوحنا الذهبي فمه، في تعليقه على قول الرسول «إتبعت كل عمل صالح».

(1تي 10:5) يقول: [عجباً! أي نوع من التدقيق هذا الذي يطلبه الرسول من الأرامل. إنه يكاد يكون نفس ما يطالب به الأسقف…] (١١٤).

وليس هذا فحسب، بل إن قوانين الرسل أمرت بأن تبقي الأرملة فترة تحت الاختبار، إن لم يكن موثوقاً بها، وذلك قبل أن تُدرج في قوائم طغمة الأرامل (١١٥). ولا شك أن هذا يوضح لنا مدي اهتمام الكنيسة الأولي بهذه الفئة، التي غدت عبر الأجيال كماً مهملاً في كنيسة المسيح!!

هكذا نري أن الأرامل قد شكلت طغمة خاصة داخل الكنيسة، لهن كيان خاص متميز عن العلمانيين العاديين (١١٦). ولكن يبدو أن الأرامل في عملهن وخدمتهن كن على نوعين: نوع منقطع للصلاة وملازمة الكنيسة تشبهاً بحنة بنت فنوئيل (١١٧) التي وهي «أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل، عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً»

(لو 37:2)، ونوع كان يخدم بين المرضي، ويحث الشابات على حياة الطهارة، ويبشر بين غير المؤمنات (١١٨) وهذا يتماشى مع وصية القديس بولس لتلميذه الأسقف تيطس عن العجائز «معلمات الصلاح (١١٩) لكي ينصحن (يدربن) الحادثات» (تي 4،3:2).

وقد اشار الآباء الرسوليون الي الأرامل وخدمتهن، واوصوا بهن… أشار إليهن هرماس في كتابه الراعي (١٢٠). والقديس اغناطيوس الشهيد، عير الهراطقة لأنهم أهملوا الأرامل (١٢١)، ويحث القديس بوليكاربوس، ألا يهمل الأرامل، بل يجعلهم موضع عنايته الخاصة (١٢٢) …

وبوليكاربوس نفسه يحث قسوس فيلبي ألا يهملوا الأرامل، ويدعوهم [مذبح الله] (١٢٣) … وقوانين الرسل تشبه الأرامل والأيتام بمذبح المحرقة الذي كان في هيكل العهد القديم، الذي كانت التقدمات تقدم عليه لله (١٢٤) … ويوستينوس الشهيد، يضع الأرامل والأيتام على رأس قائمة من توزع الكنيسة عليهم مساعدتها(١٢٥).

الهوامش

(100) مثل دبورة وخلدة النبيتين – أنظر: قض 4: 4؛ 2مل 22: 14.

(101) ميناء كورنثوس.

(102) Ency. of Religion and Ethics, Vol. 8, pp. 668, 669; Dictionary of Christian Antiquities Vol. 1, pp. 532; The Ministry of Deaconesses, pp. 64-79.

(103) Commentary in 1 Timothy, Homily 11 (N.P.N.F., p. 441).

(104) Wuest, the Pastoral Epistles, p. 61.

(105) Apostolical Constitutions, 2. 57. (A.N.F., p. 42).

(106) Ibid, 3. 16. (A.N.F., p. 431).

(107) Ibid, 3. 2. (A.N.F., p. 431).

(108) Ibid, 3. 19. (A.N.F., p. 432).

(109) Ibid, 6. 17. (A.N.F., p. 457).

(110) Ibid, 8. 20. (A.N.F., p. 492).

(111) يقول المؤرخ شاف ان وظيفة الشماسة في الكنائس الشرقية استمرت حتي نهاية القرن الحادي عشر. أنظر: Schaff , Vol. 1 pp. 500, 510

(112) اهتم الاباء بوضع الأرامل في الكنيسة ووضعوا لهن القوانين – أنظر : قوانين باسيليوس الكبير ص 366-370، S. Augustin , Good widowhood.

)113) Wuest; The Pastoral Epistles, p. 78.

)114) Commentary on First Timothy, Homily 14 (N.P.N.F., p. 454).

(115) Apostolical Constitutins, 8. 25 (A.N.F., p. 493).

(116) Ibid, 3. 1. 2; 8. 25.

(117) Ibid, 3. 1 (A.N.F., p. 426).

(118) Dictionary of Christian Antiquities, Vol. 2, p. 2034; Hasti, Dictionary of the Bible, p. 972.

(119) لفظ معلمات الصلاح في اليونانة هو Lalodidaskaios وتعني معنى التعليم الشفوي والتدريب. أنظر: Wuest; The Pastoral Epistles, p. 191

(120) Hermas; The Pastor, 3. 26.

(121) Epistle to the Smyrnaeans, ch. 6.

(122) Epistle to Polycarp, ch. 4.

(123) Epistle to the Philipians, ch. 4.

(124) Apostolical Constitutions, 2. 26.

(125) Justin Martyr, 1 Apol. 67.

خدمة النساء في الكنيسة الأولى، المرأة في الكنيسة الأولى (العصر الرسولي نموذجًا)

انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان

مختصر تاريخ ظهور النور المقدس

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

 

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)