أبحاث

نماذج من النساء الخادمات في الكنيسة الأولى، بذلن كل غالي ونفيس وأعمارهن في خدمة الرب

نماذج من النساء الخادمات في الكنيسة الأولى، بذلن كل غالي ونفيس وأعمارهن في خدمة الرب

نماذج من النساء الخادمات في الكنيسة الأولى، بذلن كل غالي ونفيس وأعمارهن في خدمة الرب
نماذج من النساء الخادمات في الكنيسة الأولى، بذلن كل غالي ونفيس وأعمارهن في خدمة الرب

لم يكن رسل المسيح وحدهم هم الذين اضطلعوا بتأسيس ملكوت الله على الارض، بل لقد أسهم معهم كثيرون في هذا العمل … هناك جنود مجهولون كثيرون لا نعرف مجرد أسماءهم، وهناك من نعرف أسماءهم لكن لا نعرف عن أتعابهم شيئاً … ومن أمثلة ذلك، الخادمات الثلاث اللائي سنعرض لهن الآن …

– القديسة فيبي

تكاد تكون فيبي أشهر انثي ورد اسمها في رسائل الرسل … لا نعرف عنها شيئاً غير ما دونه القديس بولس  في اول الإصحاح الأخير من رسالته الي كنيسة رومية … والعجيب أيضاً ان تاريخ الكنيسة لا يسجل عنها اي شئ … يكاد الإصحاح الاخير من الرسالة الي رومية يقتصر علي اسماء بعض الاشخاص الذين يبعث بولس تحياته إليهم … ويذكر علي رأس هذه القائمة الطويلة كلها — قبل الرجال — «فيبي خادمة الكنيسة التي في كنخريا  » يقول معلمنا بولس « أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا ، كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين ، وتقوموا لها في أي شيء احتجته منكم ، لأنها صارت مساعدة للكثيرين ولي انا أيضاً » ( رو 2،1:16 ).

ويبدو أن فيبي كانت متبتلة وكانت تقوم بخدمة فعالة في الكنيسة في منطقة كورنثوس فهي بحسب تعبير بولس «صارت مساعدة للكثيرين ولي أنا أيضاً» … ويبدو أنها كانت تخدم كشماسة في كنيسة كنخريا إحدى مواني كورنثوس في بلاد اليونان. فالرسول بولس يذكرها على أنها Diakanos هذه الكلمة التي تطلق على من يقوم بخدمة الشماسية سواء كان ذكراً أم أنثي (٨٦) … وقد أشرنا سابقاً الي الخدمات التي كانت تضطلع بها الشماسة في الكنيسة الأولي … ولابد وأن فيبي كانت تمارس عمل الشماسية النسوية … وفضلاً عن ذلك، فقد كانت هي كاتبة الرسالة الي رومية، بناء علي إملاء الرسول بولس … وليس هذا فحسب، بل لقد حملت هي نفسها هذه الرسالة الي رومية.

وإذا نفكر في وضع المرأة الاجتماعي في ذلك العصر المبكر، وكيف كانت تحيا في عزلة عن المجتمع، لا يسعنا الا الاعتقاد أن فيبي لم تكن شخصية نسائية عادية … فقد جمعت في شخصها، الي جانب الثقافة، الشخصية والثراء اللذين مكناها من السفر عبر البحار الي روما، من أجل الإيمان بيسوع المسيح.

وليس من السهل أن نسلم بأن مهمة فيبي كانت مجرد توصيل الرسالة التي كتبها القديس بولس الي كنيسة رومية، بل لابد أن يكون الرسول قد كلفها بمهمة خاصة، وجد ان من الحكمة عدم الإفصاح عنها … وكل ما فعله انه أوصي الكنيسة بتسهيل مهمتها … لا شك ان تلك المهمة كانت شيء يتعلق لخدمة الكرازة …

– القديسة بريسكلا

إن كانت فيبي مثال للمرأة المتبتلة الخادمة في الكنيسة الأولي، فإن بريسكلا هي المرأة المتزوجة الخادمة الكرازة، حتى ان القديس يوحنا ذهبي الفم يقول:

[سيبقي اكيلا وبريسكلا المثل الأعلى للكمال في الزواج المسيحي] …

تدعي بريسكلا أو بريسكا وهو اسم لاتين ، وكان زوجها اكيلا يهودياً … ولا نعرف عنهما شيئاً سوي الاشارات العابرة التي يشير بها القديس بولس إليهما في بعض رسائله ، فضلاً عن ذكر اسمهما في سفر اعمال الرسل … كانت تقيم مع زوجها اولاً في روما ، لكنهما تركاها مع كل اليهود الذين طردهم كلوديوس قيصر (٨٧) ، واتيا الي مدينة كورنثوس ، حيث التقي بهما معلمنا بولس في رحلته التبشيرية الثانية حينما وفد  الي هذه المدينة ( اع 2:18 ) … امضي بولس في هذه المدينة سنة ونصف كان خلالها ضيفاً علي هذين الزوجين … وقد وطد من أواصر الصلة إنهما كانا – نظير بولس – يعملان في صناعة الخيام … ولا نستطيع ان نؤكد ما اذا كانت هذه وسيلة كسب عيشهما في روما ايضاً، أم إنهما اضطرا اليها  — نظير بولس أيضاً — إزاء الظروف التي المت بهما بعد طردهما من روما … وقد اشتركا مع القديس بولس في خدمة كلمة الله.

ولما غادر بولس كورنثوس عائداً الي أنطاكية ماراً بأفسس وأورشليم، رافقاه حتى مدينة أفسس … اقاما في مدينة أفسس، واخذا يبشران بكلمة الله، وكان بيتهما هو مكان اجتماع المؤمنين … والرسول بولس في رحلته التبشيرية الثالثة حينما أتي الي مدينة افسس ومكث بها ثلاث سنوات، ومنها كتب رسالته الاولي الي كورنثوس، كانا ما يزالان بها، فنجد القديس بولس يكتب للكورنثيين «تسلم عليكم كنائس آسيا، يسلم عليكم في الرب كثيراً اكيلا وبريسكلا مع الكنيسة التي في بيتهما» (1 كو 19:16).

وبعد ان تغيرت الأوضاع وسمح لليهود بالعودة الي روما، عادت بريسكلا مع زوجها إليها. وهناك أخذا يمارسان نشاطهما الكرازي … فحينما أنقذا بولس رسالته الي كنيسة رومية، بعث بتحياته إليهما في تقدير كبير …  «سلموا على بريسكلا واكيلا العاملين معي في المسيح يسوع، اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي -اللذين لست انا وحدي اشكرهما بل أيضاً جميع كنائس الأمم، وعلى الكنيسة التي في بيتهما» (رو 3:16-5) … ولا يوجد كلام تقدير أكثر من هذه الكلمات: فهما عملا معه، ووضعا عنقيهما من أجل حياته، ولهما جهود في خدمة الأمم. ويبدو من هذا الكلام ايهما خاطرا بحياتهما في سبيل إنقاذ بولس من المؤامرات التي كثيراً ما تعرض لها من اليهود والأمم على السواء …

ومرة اخري يترك الزوجان روما ويعودا الي آسيا، والي افسس بالذات كبري مدنها، ليتابعا اعمالهما فيها لأجل الرب … فالرسول بولس في آخر رسالة له من سجنه في روما — قبيل استشهاده مباشرة بينما كان يُسكب سكيباً، لا ينسي تعب محبتهما فيكتب الي تيموثاوس تلميذه وأسقف مدينة افسس يقول:

«سلم على بريسكا واكيلا» (2 تي 19:4) … ويلاحظ العلماء -ومنهم يوحنا الذهبي فمه -إن اسمها في العهد الجديد يلازم اسم زوجها، بل ان اسمها في أكثر الحالات يذكر متقدماً على اسم رجلها، مما يدل على شخصيتها الفذة واقتدارها في عمل الرب … ويبدو إنها كانت ايضاً مقتدرة في الكتب المقدسة «حتى إنها صارت شريكة لرجلها في شرح الايمان الحقيقي السليم لأبولس الإسكندري الذي كان خييراً في طريق الرب، عارفاً معمودية يوحنا فقط» (اع 24:18-26).

هذا كل ما نعلمه عن هذه السيدة البارة المضحية، مثال الزوجة المسيحية الخادمة … وللأسف لا يمدنا تاريخ الكنيسة بأية معلومات اخري عنها او عن زوجها.

– القديسة تكلا الشهيدة Thecla (٨٨):

هي تلميذة بولس الرسول، ومثال البتولية والطهارة بين العذارى، ونموذج الجهاد، واحتمال الشدائد … وعلى الرغم من انها لم تسفك دمها لأجل المسيح فقد خلعت الكنيسة عليها لقب [[اولى الشهيدات]] تقديراً لأتعابها بها، والميتات التي قبلتها وأنقذها منها الرب.

كانت تكلا من أيقونة (٨٩)، ومن اشراف تلك المدينة، بارعة الجمال، كريمة الخلق … كانت مخطوبة لأحد اشراف المدينة، عندما وصل القديس بولس الي مدينة ايقونية (اع 51:13) في رحلته التبشيرية الأولي … استمعت الي كرازة بولس وآمنت على يديه … وما لبثت ان اعتمدت ونذرت بتوليتها الرب … وكان ذلك سبباً في هجرها لخطيبها. وحالما كشفت تكلا نواياها لأمها، طار عقلها، وحاولت — ما وسعتها الحيلة — ان تثنيها عن عزمها فلم تتمكن، فشكتها الي حاكم المدينة انها مسيحية …

منذ ذلك الوقت اجتازت تكلا سلسلة من المحاكمات والعذابات والاماتات. أضرم حاكم ايقونية ناراً والقاها فيها، لكن الله أرسل امطاراً غزيرة أطفأت النار وشتتت المجتمعين حولها …

أما هي فتركت مدينتها هاربة إلى حيث القديس بولس، الذي صحبها الي أنطاكية، وهناك تركها لتخدم بين النساء الوثنيات…

وفي أنطاكية فُتن بجمالها أحد وجهائها الطائشين … وإذ رآها مُعرِضة عنه، أراد ان يوقع بها فوشي بها الي الوالي، الذي حكم بإلقائها للوحوش … فألقيت عارية للوحوش ثلاث مرات على ثلاثة أيام متوالية. لكن الوحوش لم تقربها … ألقاها في جب ملئ بالأفاعي فلم تمسسها … وإذ حار الوالي في امرها أطلق سراحها.

إتصلت بالقديس بولس. وبعد أن شجعها وتعزت بإيمانه، ذهبت الي ايقونية مسقط رأسها تبشر مواطنيها بالإيمان الحي. ومن ايقونية انطلقت عائدة الي سوريا وأخذت تبشر في بعض جهاتها … وفي اواخر حياتها عكفت علي حياة الخلوة والنسك والتأمل، ووهبها الرب موهبة الشفاء، فكان الكثيرون يتقاطرون اليها طالبين البرء من امراضهم … وكم من مرة حاول بعض الأشرار الإساءة الي طهارتها، فأنقذها الرب من أيديهم بمعجزة … وأخيراً رقدت في الرب وهي في سن التسعين، ودُفنت في سلوقية.

وقد أفاض آباء الكنيسة الأوائل في مديح هذه القديسة، ومنهم باسيليوس الكبير، وغريغوريوس الثاؤلوغوس، يوحنا الذهبي فمه، وامبروسيوس، وايرونيموس، وايسيذوروس الفرمي، وساويرس الأنطاكي.

 

(86) Wuest , Romans in the Greek N.T., p. 257.

(87) لم يكن الزوجان يهوديين وقت طرد اليهود من روما، لكن المسيحيين طردوا مع اليهود، لأن الرومان كانوا ينظرون إلى المسيحية حتى ذلك الوقت على أنها شيعة يهودية

(88) Smith, Dictionary of Christian Biography, Vol. 4, pp. 882-895; Wace, Piercy, Dictionary of Christian Biography , pp. 953-956.

(89) مدينة بإقليم غلاطية بآسيا الصغرى (أنظر: أعمال 14: 1).

نماذج من النساء الخادمات في الكنيسة الأولى، بذلن كل غالي ونفيس وأعمارهن في خدمة الرب

تقييم المستخدمون: 5 ( 3 أصوات)