أبحاث

أدلة شهود العيان، هل تصمد سيرة حياة يسوع أمام التمحيص؟ لي ستروبل محاورا بلومبرج

أدلة شهود العيان، هل تصمد سيرة حياة يسوع أمام التمحيص؟ لي ستروبل محاورا بلومبرج

أدلة شهود العيان، هل تصمد سيرة حياة يسوع أمام التمحيص؟ لي ستروبل محاورا بلومبرج
أدلة شهود العيان، هل تصمد سيرة حياة يسوع أمام التمحيص؟ لي ستروبل محاورا بلومبرج

 

لقد كانت كلمات مايكل مكولوغ ذو الستة عشرة سنة خافتة جداً حتى إن المحلفين لم يستطيعوا سماعها مع صوت اللهاث الخفيض لجهاز التنفّس الصناعي الذي يبقيه على قيد الحياة. لذا يكون لزاما أن ينحني قارئ شفاه على سرير مايكل، ليميز ما كان يقوله، ثم يكرر شهادته لقاعة المحكمة المؤقتة.

ولما كان ميشيل مشلولاً بسبب رصاصه اصابة في أسفل الرقبة مما تسببت في قع حبله الشوكي، لقد كان مايكل ضعيفاً جداً حتى أنه كان لا يمكن نقله إلى المحكمة حيث يُحاكم الشابين المتهمين بمهاجمته. وبدلاً من ذلك، إحتشد في غرفته بالمستشفى، القاضي، وهيئة المحلفون، والمتهمون، والمحامون، والمراسلون، والمشاهدون، والتي تم الإعلان عنها كفرع مؤقت تحت اسم محكمة كوك كانتي للمقاطعة.

وتحت الإستجواب من قبل المدّعين، تذكّر ميشيل كيف ترك شقته في مشروع إسكان شيكاغو وفي جيبه دولارين. قال بأن المتهمين قد تحرّشا به على السلم، وإنهما أصاباه عمداً في وجهه كما حاولا سرقة ماله. وقد دُعمت قصته من قبل شابين آخرين قد راقبا وهما مرعوبين كيف حدث الاعتداء. لم ينكر المتهمين إطلاق النار؛ وبدلا من ذلك إدّعوا بأن الرصاص قد أطلق عرضياً فيما كانا يلوحان به إليه. بالطبع يعرف محامي الدفاع بأن الطريقة الوحيدة للحصول على أحكام مخففة لزبائنهم هي أن ينجحوا في تقويض شهادة إطلاق الناس كعمل من أعمال العنف مع سبق الإصرار والترصد.

لقد بذلوا ما بوسعهم لإثارة الشكوك حول روايات شاها العيان فشككوا في قدرة الشاهدان في رؤية ما حدث، بيد أن كل محاولاتهم بانت بالفشل. كما حاولوا إستغلال التضارب في الروايات، بيد أن الأعتبارات توافقت مع النقاط المركزية. وطالبوا ببراهين أكثر، لكن لم يكن هذا، وبشكل واضح، سوي مجدر إحتجاج.

كما حاولوا أثارة الشبهات حول الأشخاص، لكن الضحية والشاهدان كانوا شبّاناً مطيعون للقانون وليس لهم سجل إجرامي. تمنوا أن يظهروا أي تحيّز ضد المتهمين، لكنهم لم يستطيعوا أن يجدوا شيئاً. كما شككوا في أحد الشهود، عمره تسع سنوات اسمه كيث، إلا أن سنه كان كافياً لفهم المقصود من قول الحقيقة تحت القسم، لكن كان من الواضح للجميع أنه فهم.

ونظراً لأن مُحامي الدفاع عجزوا عن زعزعة مصداقية الضحية وشهود الإثبات، فقد تم إدانة المتهمين بمحاولة اغتيال، وحُكم عليهما بالسجن المؤبّد خمسون سنة. ومات مايكل بعد ثمانية عشر يوماً.

محامو الدفاع ليديهم مهمة صعبة: لإثارة الأسئلة، وتوليد الشكوك، وتقصي النقاط الضعيفة والقابلة للنقد لرواية الشاهد. إنهم يفعلون هذا بإخضاع الشهادة إلى مجموعة متنوعة من الاختبارات. والفكرة هنا هي أن الشهادة الصادقة والدقيقة ستحتمل التمحيص، فيما ستنكشف الشهادة المضللة أو المُبالغة أو الباطلة.

لقد إنتصرت العدالة في قضية مايكل لأن المحلفين تمكنوا من معرفة أن الشهود والضحية كانوا بصدق يحكون وبدقة ما واجهوه.

دعونا الآن نعود إلى تحقيقنا عن الدليل التاريخي المُتعلُّق بيسوع.

لقد حان الوقت لإخضاع شهادة الدكتور بلومبيرج للإختبارات التي إما أن تكشف عن نقاط ضعفها أو تؤكد قوتها. العديد من هذه الاختبارات ستكون نفس الاختبارات التي استخدمها مُحامي الدفاع في قضية مايكل منذ عدّة سنوات.

قلت لبلومبيرج فيما كنا نجلس بعدما إسترحنا خمسة عشر دقيقة “هناك ثمانية اختبارات مختلفة أودُّ سؤالك حولها”.

التقط بلومبيرج كوبا ساخنا من القهوة السوداء وهو يتكئ للخلف. لم أكن متأكداً، إلا أنه كان بدا متطلعاً للتحدي.

1 . اختبار القصد

يسعي هذا الاختبار لتحديد إذا ما كان القصد المُعلن او المكنون للكُتّاب هو الحفاظ على التاريخ بشكل دقيق. سألته قائلاً “هل كان كُتّاب القرن الأول هؤلاء مهتمين حقاً بتسجيل ما حدث بالفعل؟”

أومأ بلومبيرج برأسه وقال “نعم، بالتأكيد، ويمكنك أن تري ذلك في بداية إنجيل لوقا، الذي يُقرأ بشكل مشابه جداً لمقدمات الأعمال التاريخية والمتعلقة بالسيرة المؤتمنة عموماً في العصر القديم”.

إلتقط بلومبيرج كتابه المقدس، وقرأ إفتتاحية إنجيل لوقا. إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.

إسترسل بلومبيرج في الحديث قائلا “كما ترى، فأن لوقا يقول بشكل واضح بأنه عندما نوى الكتابة عن هذه الأمور تحرى الدقة للتحقيق منها ووجد أنه من اللازم دعمها بشكل جيد بشهادة الشهود”.

سألت قائلاً “وماذا عن بقية الأناجيل؟ والتي لم تُستهل بتصريحات مشابهة؛ هل يعني ذلك أن كُتابها لم يكن لديهم نفس المقاصد؟”

فجاءت إجابة بلومبيرج “صحيح أن مرقس ومتي ليس لديهما هذا النوع من البيان الواضح، إلا أنهما قريبين جدا من لوقا من ناحية النوع، ويبدو من المعقول أن قصد لوقا التاريخي يعكس قصديهما بطريقة محكمة”.

سألت “وماذا عن يوحنا؟”

“بيان القصد الآخر الوحيد في الأنجيل يأتي في يوحنا 31:20 “وَأَمَّا هَذَهَ فَقَدْ كُتَبَتْ لَتُؤْمَنُوا أَنَّ بَسُوعَ هُوَ الْمَسَيحُ ابْنُ اللَّهَ وَلَكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إَذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بَاسْمَهَ”.

إعترضتُ قائلاً “ذلك يبدو كتصريح لاهوتي أكثر مما هو تاريخي”

أجاب بلومبيرج “سأوافقك في ذلك، لكن إذا ما كنت ستقتنع بدرجة كافية لأن تؤمن، فإن اللاهوت ينبغي أن يتدفق من التاريخ الدقيق، هذا بالإضافة إلى أنه يوجد دليل ضمني هام لا يمكن إغفاله. فكّر في الطريقة التي تُكتب بها الأناجيل –بأسلوب واقعي ومسؤول-بعرض تفاصيل دقيقة، وبحرص شديد ودقة. فلن تجد الأمور الغريبة وأساطير سمجة كتلك التي تراها في الكثير من الكتابات القديمة الآخري.

سأل قائلاً: “إلى ماذا يضيف كل هذا؟” ثم أجاب على سؤاله قائلاً: “يبدو واضحاً جداً أن هدف كُتَّاب الوحي الإلهي بأنهم حاولوا تسجيل كل ما حدث بالفعل”.

الإجابة على الاعتراضات:

ومع ذلك، هل هذا هو ما حدث فعلاً؟ هناك سيناريو مُعارض ومناقض ورّجحه بعض النقّاد.

قالوا بأن المسيحيين الأولىن إقتنعوا بأن يسوع سيعود أثناء فترة حياتهم ليتمم التاريخ، لذا فإنهم لم يروا ضرورة لحفظ أي سجلات تاريخية عن حياته أو تعاليمه. وباختصار، لماذا القلق طالما أنه سيأتي وينهي العالم في أي لحظة؟

فقلت “لذا، بعد سنوات وعندما أصبح من الواضح أن يسوع لم يكن راجعاً سريعاً، وجدوا أن ليس لديهم أي مادة تاريخية دقيقة فانجذبوا إلى كتابة الأناجيل. ل ميُنتزع شيئاً للأغراض التاريخية. أليس ذلك ما يحدث حقاً؟”

أجاب بلومبيرج “هناك بالتأكيد طوائف وجماعات، بما في ذلك الدينية عبر التاريخ، والتي يعمل لأجلها هذا الجدال، لكن ليس مع المسيحية المبكّرة”

فقلت له متحدياً “ولما لا؟ ما الذي كان مختلفاً في المسيحية؟”

فأجاب” أولاً، أعتقد أن المقدمة مُبالغ فيها قليلاً. الحقيقة هي أن أغلبية تعاليم يسوع تفترض مسبقاً امتداداً كبيراً للوقت قبل نهاية العالم، لكن ثانياً، حتى إذا ما اعتقد بعض من أتباع يسوع بأنه ربما سيعود سريعاً إلى حد ما، فتذكّر أن المسيحية ولدت من اليهودية.

“لثمانية قرون عاش اليهود مع التوتر بين الإعلانات المتكررة للأنبياء بأن يوم الرب كان قريباً، والتاريخ المستر لإسارئيل. وكان لا يزال أتباع هؤلاء الانبياء يسجلون، ويقيّمون، ويحفظون لكمات الانبياء. وطالما أن أتباع يسوع نظروا إليه كأعظم من نبي، فيبدوا من المعقول جدا أنهم كانوا سيفعلون نفس الشيء”.

فيما بد ذلك معقولاً، إلا أن يعض الباحثين أثاروا أيضاً اعتراضا آخر وهو ما أردت عرضة على بلومبيرج. “يقولون بإن المسيحيين الأوائل أمنوا تكراراً أن يسوع الميت جسدياً كان يتحدث من خلالهم برسائل، أو “نبوءات”، لكنائسهم. وطالما إنٍ هذه النبوءات كانت تعتبر موثوقة ككلمات يسوع حين كان حياً على الأرض، فإن المسيحيين الأوائل لم يميزوا بين هذه الأقوال الجديدة والكلمات الأصلية ليسوع التاريخي. وكنتيجة لذلك، تمزج الاناجيل هذين النموذجين من المواد، لذا فإننا لا نعرف حقا ما الذي يعود ليسوع التاريخي والذي لا. ذلك اتهام مزعج لكثير من الناس. كيف تردُّ على ذلك؟”

قال وهو يبتسم “هذا الجدال له دعم تاريخي أقل مما سبقه. في الحقيقة، يتضمّن العهد الجديد نفسه دليل يدحض هذه الفرضية.

“يوجد مناسبات بُشار فيها إلى النبوة المسيحية المبكرة، لكنها مميزة دائماً عما قاله الرب. على سبيل المثال، في 1كورنثوس 7 يُميَز بولس بشكل واضح بين كلامه هو وبين ما اقتبسه من كلام الرب، يسوع التاريخي. وفي سفر الرؤيا يمكن للفرد أن يميز بوضوح مقدار الوقت القصير الذي يتحدث فيه يسوع مباشرة إلى هذا النبي -يُفترض تقليديا أنه يوحنا الرسول –  وعندما يسرد يوحنا رؤياه الخاصة المُوحاة له.

“وفي 1كورنثوس 14، عندما يناقش بولس المعايير للنبوة الحقيقية، يتحدث عن مسئولية الكنيسة المحلية لامتحان الأنبياء، وبالدنو من خلفيته اليهودية، نعرف بأن المعايير للنبوة الحقيقية كانت ستضمن إذا ما كانت النبوة تتحقق أو إذا ما كانت هذه التصريحات الجديدة تتوافق مع كلمات الرب المُعلنة.

“لكن الجدال الأقوي هو ما لا نجده أبداً في الأناجيل: فبعد صعود يسوع كان هناك عجج من الخلافات التي هددت الكنيسة المبكرة، إذا ما كان يجب أن يُختتن المؤمنين، وكيف يجب أن يُنظم التكلم بألسنة، وكيف يمكن الحفاظ على اليهودي والأممي متحدين، وما هي الأدوار الملائمة للنساء في الخدمة، وإذا ما كان يمكن للمؤمنين أن يُطلقوا من الأزواج والزوجات غير المسيحيين.

“كان يمكن أن تُحل هذه القضايا بطريقة ملائمة إذا ما كان المسيحيون الأوائل رجعوا إلى ما أخبرهم به يسوع من العلام البعيد في الأناجيل، لكن هذا لم يحدث مطلقاً. فاستمرار هذه الخلافات يُظهر أن المسيحيين كانوا مهتمين بالتمييز بين ما حدث أثناء حياة يسوع على الأرض وما تم مناقشته فيما بعد في الكنائس”.

2- اختبار القدرة

حتى إذا ما كان يميل الكُتَّاب إلى تسجيل التاريخ بشكل موثوق، فهل كانوا قادرين على عمل هذا؟ كيف يمكننا التأكد من أن المادة الخاصة بتعاليم وحياة يسوع تم حفظها بشكل جيد لمدة ثلاثين عاما قبل أن تكون قد كُتبت كاملة في الأناجيل؟

سألت بلومبيرج “ألا تعترف لأن الذكريات التي تحتوي عيوباً، والتفكير الآمل، ونشوء الأسطورة كانت ستشوه التقليد عن يسوع بشكل يتعذر إصلاحه قبل كتابة الأناجيل؟”

بدأ إجابته بتوطيد السياق قائلاً “لا بد أن نتذكر أننا في أرض غريبة، في زمان ومكان بعيدين، وفي ثقافة لم تخترع بعد الكمبيوتر أو حتى آلة الطباعة. فالكتب -أو بالحقيقة لفائف ورف البردي- كانت نادرة نسبياً، ومن ثم فالتربية، والتعليم، والعبادة، والتعلم في الجماعات الدينية كانت جميعها تتم بالسماع.

“لقد إشتهر الحاخامات بحفظهم غيباً لكامل العهد القديم، ومن ثمَّ فمن الجيد، وفي إطار قدرة أتباع يسوع على الاستظهار، أنهم قد اعتمدوا بنسبة أكبر على الذاكرة، ومما يظهر في كل الأناجيل الأربعة أن هذا قد تمّ تسليمه وتسلّمه بشكل دقيق”.

قاطعته قائلاً “انتظر لحظة. بصراحة، يبدو ذلك النوع من الإستظهار غير معقول. كيف يمكن أن يكون ذلك ممكناً؟”

إعترف قائلاً “نعم، من الصعب علينا تصوَر ذلك اليوم، لكنها كانت ثقافة شفهية، حيث كانت هناك اعتماد كبير على الاستظهار. ويجب أن تلاحظ أنه ما بين ثمانين إلى تسعون بالمائة من أقوال يسوع كانت أصلاً بصيغة شعرية. وهذا لايعني أنها كانت محشوّة بالقافية الشعرية، لكنها كانت موزونة، وسطروها متوازنة، ومتوازية، وهلم جرا، وهذا سيُشكّل مساعدة كبيرة على التذكر.

“الشيء الآخر الذي من الضروري قوله هو أن التعريف عن طريق الإستظهار كان أكثر مرونة من ذلك الحين. ففي دراسات الثقافات بالتقاليد الشفهية، كان هناك حرية لتباين المقدار الذي يتم إخباره من القصة في أي مناسبة؛ ما خُتم به، وام تم تركه، وما تم تفسيره، وما تم توضيحه، وهلم جرا.

“اقترحت إحدي الدراسات أنه في الشرق الأوسط القديم، فإنه في أي مكان من عشر إلى أربعون في المائة لأي إعادة رواية معطاة بتقليد مقدس يمكن أن تتباين من مناسبة لأخري. وبرغم ذلك، إلا أنه كان هناك دائما نقاط ثابتة لا يمكن تعديلها، وكان للجماعة الحق في التدخل والتصحيح للراوي إذا ما أخطأ في إحدي هذه السمات الهامة للقصة.

توقف باحثاً في ذهنه هن الكلمة الصحيحة وقال “إنه شيء ممتع. مصادفة أن النسبة من عشرة لأربعون في المائة متناسقة إلى حد ما مع مقدار التباين بين الاناجيل الأزانية في أي فقرة مُعطاة”.

لقد كان بلومبيرج يُلمّح إلى شيء ما؛ رغبت أن يوضحه أكثر فقلت” وضح هذا لي. ما الذي تقوله بالضبط؟”

“أقول إنه من المرجح أن الكثير من التشابهات والاختلافات بين الأناجيل الازانية يمكن توضيحها بافتراض أن التلاميذ والمسيحيين الأوائل الآخرين إستظهروا الكثير مما قاله وفعله يسوع، لكنهم شعروا بحرية في إعادة سرد هذه المعلومات في صيغ مختلفة، محافظين دائماً على مغزى تعاليم وأعمال يسوع الأساسية.

مازال لدي بعض الأسئلة حول قدرة هؤلاء المسيحيين الأوائل على حفظ هذا التقليد الشفهي بدقة. كان لدي أيضا ذكريات كثيرة عن ألعاب طفولية التي من خلالها كنا نُغربل الكلمات ثم نعيد ترتيبها في غضون دقائق.

لعبة التليفون

من المحتمل أنك لعبت لعبة التلفون بنفسك: يهمس أحد الأطفال بشيء ما في طفل آخر، على سبيل المثال” أنت أفضل أصدقائي”، ويُهمس بهذا لآخر، وهكذا في دائرة كبيرة إلى أن تصير في النهاية مُشوهة بشكل مُفرط، وربما تكون قد تحرّفت إلى “أنت أفحل أصدقائي”.

قلت لبلومبيرج “لنكن صرحاء، أليس هذا تشبيهاً جيداً لما قد حدث للتقليد الشفهي عن يسوع؟”

لم يكن بلومبيرج يقبل ه1ا التفسير فقال” لا، ليس حقاً، وإليك السبب: عندما تستظهر شيئاً بعناية وحرص فإنك تحرض على تمريره وفي نفس الوقت تتاكد من أنك حصلت عليه بطريقة صحيحة، فبذا أنت تفعل شيئ مختلف جداً عن لعب لعبة التلفون.

“جزء من اللعبة التلفون، هو المرح بأن الشخص قد لا يُصيب الحقيقة أو يسمع بشكل جيد في المرة الأولى، ولا يمكنه أن يطلب من الشخص أن تكرار ما ذكره. ثم عليك فوراً نقلها إلى الشخص المجاور لك، أيضاً في النغمات المهموسة التي تجعل على الأرجح إمكانية الخطأ للشخص التالي بدرجة كبيرة. لذلك نعم، ففي الوقت إمكانية الخطأ للشخص التالي بدرجة كبيرة. لذلك نعم، ففي الوقت الذي تكون فيه المعلومة ثد درات في غرفة بها ثلاثون شخص، فإن النتائج ستكون مرحة”.

ثم سألت” لماذا إذاً يُشابه ذلك عملية تمرير وتسليم التقليد الشفهي القديم؟”

رشف بلومبيرج من قهوته قبل الإجابة” إذا أردت حقاً تطوير هذا التشبيه في ضوء رقابة جماعة القرن الأول، فيجب أن تقول إن كل شخص ثالث، وهو يسمع بصوت واضح جداً، ويجب أن يسال الشخص الاول “هل ما زلت أقولها بشكل صحيح؟” ويغيرها إذا لم يكن ما يقوله صحيح.

فقال” فالجماعة الأولى ستراقب باستمرار ما قيل وتتدخل لإجراء التصحيحات على طوال الطريق. وهو ما يحفظ نزاهة الرسالة. والنتيجة ستكون مختلفة جداً عن نتيجة لعبة التلفون الطفولية”.

3- اختبار الشخصية

ينظر هذا الاختبار فيما إن كان في شخصية هؤلاء الكُتَّاب بكونها صادقة. وإن كان هناك أي دليل على عدم الأمانة أو عدم الأخلاقية الذي قد يفسد قدرتهم أو رغبتهم في نقل التاريخ بدقة؟

هز بلومبيرج رأسه وقال “إننا ببساطة لا نملك أي دليل معقول لإقتراح أنهم كانوا أي شيء عدا أنهم أُناس ذوي نزاهة عظيمة”.

“إننا نراهم يُبلغون كلمات وأفعال إنسان دعاهم إلى مستوي من النزاهة والإستقامة تفوق ما دعت إليه أي ديانة أخري. وهم كانوا راغبين للعيش وفق إعتقاداتهم لدرجة أن عشرة من بيت الأحد عشر تلميذا الباقين تعرضوا لميتات مروعة، وهو ما يُظهر عظمة شخصياتهم:

“من جهة الإستقامة، من جهة الصدق، من جهة الفضيلة الأخلاقية، فلدي هؤلاء الأشخاص سجل حافل بالنجاحات يُحسدون عليه”.

4- اختبار الاتساق

هذا اختبار يتهم فيه المتشككين غالباً الأناجيل بالفشل. باختصار، هل هم متناقضين بلا أمل مع بعضها البعض؟ ألا يوجد تعارضات لا تقبل المصالحات بين أوصاف الإنجيل المختلفة؟ وإذا كان يوجد فكيف يمكن لأي شخص أن يثق في أي شيء يقولونه؟

أقرَّ بلومبيرج بأن هناك نقاط عديدة التي تبدو فيها الأناجيل متعارضة فقال “يمتد هذه طوال الطريق من التباينات الصغيرة جداً في الكلام إلى التناقضات الظاهرة الأكثر شهرة”.

“اقتناعي، هو أنك عندما تسمح للعناصر التي تحدثت عنها من قبل -من أعادة صياغة، والاختصار، والإضافات التوضيحية، والاختبار، الحذف- فإنك ستجد أن الأناجيل متسقة جداً مع بعضها البعض بالمعايير القديمة، التي تمثل المعايير الوحيدة التي من الإنصاف الحكم بها “. 

أشرت قائلاً “على نحو ساخر، لو كانت الأناجيل مطابقة لبعضها البعض، كلمة بكلمة، فإن ذلك كان سيرفع الاتهامات التي تقول بأن الكُتَّاب تآمروا فيما بينهم لتنسيق قصصهم مسبقاً، والتي كانت ستثير الشك حولهم”.

وافق بلومبيرج وقال” هذا صحيح. إذا ما كانت الأناجيل متطابقة تماماً، فإن ذلك في حد ذاته كان سيبطلهم كشهود مستقلين. ومن ثم كان الناس سيقولون إننا حقاً لدينا شهادة واحدة لذلك فإن كل شخص آخر يردد الكلام كالببغاء”.

أومض ذهني بكلمات سيمون جرينفيلف من كلية حقوق هارفارد، أحد الشخصيات القانونية البارزة ومؤلف دراسة مؤثرة عن الأدلة. بعد دراسة الإتساق بين كُتَّاب الأناجيل الأربعة، قدَّم تقييمه هذا: “يوجد ما يكفي من تناقض ليرينا أنه لا يمكن أنه كان هناك اجتماع سابق بينهم؛ وفي نفس الوقت فإن مثل هذه الموافقة الجوهرية كما لو أنها تظهر أنهم جميعاً كانوا رواة مستقلين لنفس التعامل العظيم”.

ومن منظور مؤرخ كلاسيكي، اتفق العالم الألماني هانز ستير على أن الموافقة على المعلومات الرئيسية وتباين التفاصيل يقترحان مصداقية؛ لأن الروايات المُلفقة تميل إلى أن تكون متطابقة ومتوافقة تماماً. لقد كتب “كل مؤرخ متشكك على نحو خاص في تلك اللحظة التي يتم فيها تقرير حدث غير عادي في روايات خالية تماماً من التناقضات”.

في حين أن ذلك صحيح، إلا أنني لم أرد إهمال الصعوبات التي تثيرها التناقضات المزعومة بين الأناجيل. فقررت تقصي القضية أكثر بمهاجمة بلومبيرج ببعض التناقضات الواضحة الظاهرة التي ينتهزها الشكاكون تكرارا كأمثلة على السبب بأن الأناجيل لا يمكن الاعتماد عليها.

التعامل مع التناقضات

بدأت بقصة معروفة لمعجزة شفاء. أشرت إلى أنه “في متي يقول إن قائد المئة نفسه جاء ليطلب من يسوع أن يشفي خادمه رغم أن لوقا يقول إن قائد المئة أرسل الشيوخ ليفعلوا هذا. ألس ذلك بتناقض واضخ، أليس كذلك؟”

أجاب بلومبيرج “لا، لا أعتقد ذلك. فكر في الأمر بهذه الطريقة: في عالمنا اليوم نسمع تقريرا إخباريا يقول “أعلن اليوم الرئيس أن … ” بينما في الحقيقة بأن الخطاب قد تم كتابته من قبل كاتب أحاديث وسلّم من قبل السكرتير الصحفي- وربما بمقدار ضئيل من الحظ ألقي الرئيس نظرة عليه فيما بين هذه وذاك. ومع ذلك لم يتهم أحد المذيع بأنه مخطئ.

“وبطريقة مشابهة كان من المفهوم والمقبول جيدا في العالم القديم أن الأفعال كانت تُنسب غالباً إلى أشخاص فيما تكون في الحقيقة قد حدثت من خلال أتباعهم أو مبعوثهم، في هذه الحالة من خلال شيوخ الشعب اليهودي.

“إذاً فأنت تقول إن متي ولوقا يمكن أن يكونا كليهما على صواب في نفس الوقت؟”

أجاب “هذا بالضبط ما أقوله”.

بقد بدا ذلك معقولاً، من ثمَّ إلى مثال آخر. “ماذا عن مرقس ولوقا بقولهما بإن يسوع قد أرسل الشياطين إلى الخنازير في الجرجسيين، بينما يقول متي بأن ذلك قد حدث الجدريين.

ينظر الناس إلى ذلك ويقولون هذه تناقض واضح لا يمكن توفيقه- إنهما مكانين مختلفين تماماً. أقفلت القضية”.

ضحك بلومبيرج بينه وبين نفسه وقال “حسنا، لم تُقفل القضية حتى الآن. هناك حل واحد ممكن: الأولى كانت مدينة، أما الثانية فكانت مقاطعة”.”

بدا لي ذلك سطحياً جداً. بدا وكأنه يتخطي الصعوبات الحقيقية التي تثيرها هذه القضية.

قلت “إن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك. فالجرجاسيين، المدينة، لم تكن قريبة من بحر الجليل في أي مكان، ومع ذلك هو المكان الذي من المفترض أن الشياطين- بعد دخولها إلى الخنازير- أخذت القطيع فوق المنحدر الصخري ليلقوا حتفهم”.

فقال “حسنا، تلك نقطة جيدة، لكن كان هناك حطام مدينة تم الكشف عنها عند الجانب الأيمن بالضبط على الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية. غالبا ما تُنطق الصياغة الإنجليزية لاسم المدينة خيرسا ،Khersa، لكنها ككلمة عبرية فإنها ترجمت أو تُرجمت صوتياً في اليونانية، يمكن أن تنتج صوتً شبيهاً جداً بكلمة ،الجرجاسيين Gerasa،. لذلك ربما كان هذا في خيرسا على الأرجح- والتي هجائها في اليونانية تم ترجمته كجرجاسيين- في مقاطعة الجدريين”.

سلمت بذلك بابتسامة وقلت “حسنا، سأسلم بذلك التفسير، ولكن يوجد هنا مشكلة ليست سهلة: ماذا عن التناقضات بين سلسلة نسب يسوع في متي ولوقا؟ غالبا ما يشير إليهما المتشككون كمتعارضتين بشكل بلا حل”.

فقال “هذه قضية أخري ذات خيارات متعددة. مثل ماذا؟ البديلان الأكثر شيوعا هما أن متي يقدّم سلسلة نسل يوسف، لأن أغلب الأصحاح الأول يُخبر من منظور يوسف، ويوسف، كالأب المتبني، كان يمكن أن يكون السلف القانوني الذي من خلاله كان سيتتبع نسب يسوع الملكي. فهذه موضوعات هامة بالنسبة لمتي.

“فيما تتبّع لوقا سلسلة النسب من خلال نسب مريم. ونظرا لأن كليهما من نسل داود، فإنك عندما تحصل على ذلك فإن الأنسال تلتقي عند نقطة واحدة.

“الخيار الثاني هو أن كلا السلسلتين يعكسان نسب يوسف كي يشكلان الشرعيات الضرورية، لكن واحد يمثل سلسلة نسب يوسف البشرية -إنجيل لوقا- والآخر يمثل سلسلة نسب يوسف الشرعية، والاثنين يتشعبان عند النقاط التي لم يكن لشخص ما في السلسلة نسلا مباشراً. كان لزاما أن ينشئا ورثة شرعيين من خلال ممارسات متنوعة للعهد القديم.

“تتضخم المشكلة أكثر لأن بعض الأسماء محذوفة، الأمر الذي كان مقبولا تماما بمقاييس العالم القديم. وهناك المغايرات النصية —– أسماء، المترجمة من لغة لأخري، غالبا ما يكون لها تهجئات مختلفة ومن ثم تشوش بسهولة لاسم شخص مختلف”.

أثار بلومبيرج نقطته الرئيسية: هناك على الأقل بعض التفسيرات المعقولة. حتى إذا لم يكن خالية من نقاط الضعف، إلا أنها على الأقل تزودنا بتوافق معقول للروايات الإنجيلية.

نظرا لأنني لم أرد أن تتفسّخ محادثتنا إلى نقطة جدال فقد قررت أن أنتقل، وفي نفس الوقت وافق بلومبيرج وأنا على أن أفضل منهاج شامل هو دراسة كل موضوع بشكل منفرد لرؤية ما إذا كان يوجد طريق عقلاني لحل التعارض الظاهري بين الأناجيل. بالتأكيد ليس هناك عجز في الكتب الجديرة بالاعتماد عليها والتي تفحص بشكل كامل، أحيانا بالتفصيل المفرط، كيف يمكن التناغم بين هذه الاختلافات.

قال بلومبيرج “هناك مناسبات قد نحتاج فيها لتأجيل الحكم ونقول ببساطة إنه نظراً لأننا قد قمنا بوعي من الأغلبية الشاسعة من النصوص وقررنا أنها جديرة بالثقة، فإننا نستطيع ثم إفتراض أنها تقول الحقيقة متي كنا غير متأكدون من بعض التفاصيل الأخري”.

5- اختبار الانحياز

يحلل هذا الاختبار ما إذا كان لدي كُتَّاب الأناجيل أي تحيزات والتي كانت ستصبغ عملهم. هل كان لديهم أي مصلحة شخصية في تحريف المادة التي كانوا يخبرون عنها؟

أشرت قائلاً “لا يمكننا أن نقلل من تقدير حقيقة أن هؤلاء الأشخاص أحبوا يسوع. إلا أنهم لم يكونوا مراقبين محايدين؛ لقد كانوا أتباعه المكرسين. ألا يدفعهم ذلك لتغيير بعض الأشياء لجعلها تبدو في صورة جيدة؟”

أجاب بلومبيرج “حسنا، سأسلم بهذا إلى حد كبير؛ فإنه يخلق إمكانية حدوث هذا، لكن من الناحية الآخري، يمكن للناس أن يكونوا مكرمين جداً ويحترمون شخص ما حتى يدفعهم ذلك إلى تسجيل حياته بأمانه عظيمة. وتلك هي الطريقة التي كانوا سيظهرون بها محبتهم له، وأنا أعتقد أن ذلك هو ما حدث هنا.

“هذا بالإضافة إلى، أن هؤلاء التلاميذ لم يكن لديهم شيء ليكتسبوه سوى النقد، والنبذ، والاستشهاد. لم يكن بالتأكيد هناك شيء يكسبونه مادياً. وإذا ما كان هناك أي شيء فإن هذا كان سيزود الضغط على السكوت، وإنكار يسوع، والتقليل من شأنه، بل وأيضاً نسيان أنهم قابلوه على الإطلاق، ومع ذلك فبسبب أمانتهم أعلنوا ما رأوه، حتى عندما كان هذا يعني المعاناة والموت”.

6- اختبار التغطية

عندما يشهد الناس على أحداث رأوها، فإنهم سيحاولون غالباً حماية أنفسهم أو آخرين بالتغافل، بطريقة ملائمة، عن ذكر التفاصيل المُحرجة أو الصعبة التفسير. وكنتيجة لهذا، يثير ذلك شكاً حول مصداقية شهادتهم كلها.

لذا سألت بلومبيرج “هل تضمن عمل كُتَّاب الاناجيل أي مادة قد تكون مُحرجة؟ أو عملوا على تغطيتها لجعل مظهرهم لائقاً؟ هل ذكروا أي شيء يمثل إزعاجاً أو صعوبة لهم للتوضيح؟”

فقال “في هذه الخط هناك جزء صغير للغاية واقعي؛ فهناك مجموعة كبيرة من تعاليم يسوع تُدعي الأقوال الصعبة ليسوع. وبعضها يطالب بمطالب أخلاقية مشددة. إذا ما كنت أبتدع ديانة لتناسب مع أهوائي، فعلى الأرجح أنني ما كنت أطالب نفسي بأن أكون كاملاً كأبي السماوي الكامل، أو أعُرّف الزنا ليتضمّن شهوة القلب”.

اعترضت قائلاً” هناك عبارات صعبة التحقيق في الديانات الأخري أيضاً”.

“نعم، ذلك صحيح، لهذا السبب فأن النوع الأكثر إقناعاً للأقوال العسرة هو تلك التي يمكن أن تتصف بالإرباك عندما أرادت الكنيسة تعليمه عن يسوع”.

بدت تلك الإجابة مُبهمة فقلت “أعطني بعض الأمثلة”.

فكر بلومبيرج للحظة ثم قال “على سبيل المثال، يقول مرقس 5:6 بإن يسوع قام بمعجزات قليلة في الناصرة لأن إيمان الناس هناك كان قليلاً، وهو ما يبدو كتحديد لقدرة يسوع. وهناك مثال آخر، في مرقس 32:13 قال يسوع إنه لا يعرف اليوم أو ساعة رجوعه، وهو ما يبدو أنه كتحديد لكلية علمه.

“الآن، في النهاية لم يجد علم اللاهوت مشكلة في هذه التصريحات، لأن بولس نفسه، في فيلبي 2: 5-8، يتحدث عن أن الله في المسيح قد تخلي طوعاً وعمداً عن صفاته الإلهة.

“لكن إذا ما شعرت بحرية في التصرف بشكل غير مسؤول بالتاريخ الإنجيلي، فسيكون أمراً أكثر ملائمة إذا ما حذفت تلك الأقوال عامة، ومن ثم فلست مضطراً للإنزعاج بأمر تفسيرها.

“مثال آخر، معمودية يسوع. مع أنه يمكن تفسير لماذا اعتمد يسوع، الذي بلا خطية، لكن ألا كان من الأسهل تغافل هذا الحدث عامة؟ وكذا الأمر مع صراخ يسوع وهو على الصليب “إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟” كان يمكن أن يكون حذفها لمصلحة الكُتَّاب الشخصية، إذ أنها تُثير الكثير من الأسئلة”.

أضفت قائلاً” بالتأكيد، هناك عدد وفير من المواد المُربكة بشأن التلاميذ”.

قال بلومبيرج “بلا ريب؛ فوجهة نظر مرقس لبطرس غير مفضلة على نحو متناغم إلى حد ما، وهو زعيم الجماعة! تكراراً ما يخطئ التلاميذ فهم يسوع. فيعقوب ويوحنا يريدان أن يكونا عن يمين ويسار يسوع، وكان لزاما أن يعلمهم دروسا قاسية عن القيادة الخادمية بدلا من ذلك. إلا أنه يُظهرهم كفنة نفعية أنانية، السعي الذاتي، وكأناس متبلدين الذكاء في أحيان كثيرة.

“الآن، نحن نعرف بان كُتّاب الإنجيل كانوا إنتقائيون؛ حيث ينتهي إنجيل يوحنا بالقول، على نحو متسم بالغلو إلى حد ما، إن العالم بأكمله لا يستطيع أن يسع لكل المعلومات التي يمكن أن تُكتب عن يسوع. لذلك تركوا بعضه، والذي في حد ذاته ما كان بالضرورة سيتم رؤيته كتزييف للقصة.

“لكن هنا النقطة: فإذا لم يشعروا بحرية في ترك المواد التي من المناسب والمساعد في ذات الوقت، لكان من المعقول جداً الإعتقاد بأنهم أضافوا وإختلقوا كلياً مادة بدون أساس تاريخي؟”

ترك بلومبيرج السؤال معلقاً للحظة قبل أن يختم بثقة “أقول لا”.

7- اختبار التأييد

قدمت هذا الاختبار التالي بسؤال بلومبيرج “عندما تُشير الأناجيل إلى أشخاص، وأماكن، وأحداث، فهل تحققوا من صحتها في الحالات التي يمكن فيها أن يُثبت صحتها بشكل مستقل؟” غالبا ما يكون هذا التأييد ثمين في التقييم إذا كان لدي الكاتب لديه إلتزام بالدقة.

أجاب بلومبيرج “نعم، تحققوا، وكلما اكتشف الناس هذا لمدة أطول، كلما تم تأكيد التفاصيل أكثر. ففي غضون المائة سنة الأخيرة كشف علم الآثار مراراً وتكراراً عن اكتشافات أكدت إشارات محدد في الأناجيل، وبخاصة إنجيل يوحنا، الإنجيل الذي من المفترض انه موضع اشتبها جداً، فيا لها من سخرية للقدر!

“إلا أنه، نعم، ما زالت هناك بعض القضايا عالقة، وكانت هناك مشكلات جديدة قد أوجدها علم الآثار، لكن تلك المشاكل أقلية بالغة مقارنة بعدد أمثلة التأييد.

“بالإضافة إلى أننا يمكن أن نعلم من خلال المصادر غير المسيحية الكثير من الحقائق حول يسوع والتي تؤيد التعاليم الأحداث الرئيسية لحياته. وعندما تتوقف لتفكر في أن المؤرخين القدماء تعاملوا في الغالب مع حكام سياسيين، وأباطرة، وملوك، ومعارك عسكرية، وأُناس دينيين رسميين، وحركات فلسفة هامة، فستلاحظ المقدار الكبير الذي يمكن أن نتعلمه عن يسوع وأتباعه برغم أنهم لا يتناسبون مع أي من تلك الفئات في الوقت الذي كان يكتب فيه هؤلاء المؤرخين”.

كانت تلك إجابة دقيقة ومساعدة. رغم ذلك، ففي حين أنه لم يكن لدي سبب لشك في تقييم بلومبيرج، قررت أنه سيكون من الجدير أن أقوم ببحث أكثر على امتداد هذه الخطوط. التقطت قلمي ودونت سريعاً رسالة تذكير لنفسي على هوامش مذكراتي: احصل على آراء الخبراء من عالم آثار ومؤرخ.

8- اختبار الشاهد المضادّ

يطرح هذه الاختبار سؤال، هل يُقدّم الآخرين ما يناقض أو يُصحح الأناجيل إذا ما كانت مشوهة أو زائفة؟ وبمعني آخر، هل نري أمثلة لمعاصري يسوع يشكون بأن روايات الأناجيل خاطئة تماماً؟

قال بلومبيرج “كان لدي العديد من الناس أسباب متنوعة لتشويه هذه الحركة وكانوا سيفعلون ذلك إذا ما كانوا يستطيعون ببساطة أن يخبروا التاريخ بشكل أفضل”.

“ومع ذلك انظر لما قاله معارضيه. في الكتابات اليهودية فيما يعد يسوع تدّعي بأنه الساحر الذي قاد إسرائيل إلى الضلال، وهي تعترف بأنه حقاً صنع عجائب مذهلة، ولو أن الكتاب يُعارضون مصدر قوته.

“لقد كانت تلك فرصة مثالية لقول شيء مثل سيخبرونك المسيحيين بأنه صنع معجزات، لكننا هنا لنخبرك بأنه لم يصنع ومع ذلك هذا هو الشيء الوحيد الذي لا نري معارضيه يقولونه. لكن بدلاً من ذلك يعترفون بشكل واضح بأن ما كتبته الأناجيل، وأن يسوع صنع معجزات، صحيح”.

سألت قائلاً ” هل كان يمكن لهذه الحركة المسيحية أن تتأصل هناك في أورشليم -في المنطقة التي قام يسوع فيها بمعظم خدمته، وصُلب، ودُفن، وقام- إذا ما كان الذين عرفوه على وعي بأن التلاميذ كانوا يبالغون أو يشوهون الأشياء التي صنعها؟”

فأجاب بلومبيرج ” أنا لا أعتقد ذلك. فلدينا صورة لما كانت عليه حقاً فقد كانت حركة ضعيفة وهشة جداً وكانت عرضة للاضطهاد. وإذا ما كان بإمكان المعارضون أن يهاجموها على أساس أنها مليئة بالأمور الزائفة أو التشويشات فإنهم كانوا سيفعلون ذلك.

إيمان مُدعم بالحقائق

أعترف بأنني كنت مُعجاً بلومبيرج؛ المقنع والعلمي المطلّع واللبق، فقد بني قضية قوية لموثوقية الأناجيل. برهانه على كتابها التقليدية، وتحليله للتاريخ المبكر جدا للاعتقادات الأساسية حول يسوع هو ابن الله الفريد. في الحقيقة، بعد الحديث مع بلومبيرج، أصبحت مهمتي التالية واضحة: تقرير ما إذا كانت هذه الأناجيل- التي رأينا مع بلومبيرج أنها جديرة جداً بالثقة- تمَ تسليمها لنا عبر القرون بشكل موثوق. كيف يمكن لنا أن نتأكد من أن النصوص التي نقرأها اليوم تحمل أي تشابه لما كان مكتوباً في الأساس في القرن الأول؟ والأكثر من ذلك، كيف نعرف أن الأناجيل تخبرنا بكامل قصة يسوع؟

نظرت إلى ساعتي. فإذا ما كانت الشوارع غير مزدحمة، فهذا يعني وصولي للمطار مبكراً في رحلة العودة إلى شيكاغو. وفيما كنت أجمع مذكراتي، وأغلق جهاز التسجيل، طار نظري مُحدقاً مرة أخري إلى رسومات الأطفال على حائط بلومبيرج -وفجأة فكرت فيه للحظة ليس كعالم، ولا كمؤلف، ولا كأستاذ جامعي، بل كأب يجلس على حافة أسرّة بناته في المساء ويتحدث بهدوء معهم عما هو هام حقا في الحياة.

تساءلت عما يخبرهم به عن الكتاب المقدس، وعن الله، وعن يسوع هذا الذي يدعي هذه الادعاءات الخيالية حول نفسه؟

لم أستطع أن أقاوم الخيط الأخير من الأسئلة فسألت “ماذا عن إيمانك؟ كيف أثر كل بحثك على معتقداتك؟”

بالكاد أخرجت الكلمات من فمي قبل أن يجيب “لقد رسخها، بلا شك. أعرف من بحثي أنه يوجد دليل قوي جداً لجدارة روايات الإنجيل.”

ظل صامتا للحظة، ثم استرسل قائلاً” أنت تعرف، إنه شيء ساخر: الكتاب المقدس يعتبر أنه من الجدير بالمدح أن يكون لديك إيمان لا يتطلب برهانا. تذكر كيف أجاب يسوع على شك توما: أنت تؤمن لأنك تري؛ طويس لمن أمن ولم يري وأنا أعرف أن البرهان لا يمكن أبداً أن يجبر أو يكره على الإيمان. فنحن لا يمكننا أن نأخذ مكان ودور الروح القدس، الذي يمثل غالبا اهتماما للمسيحيين عندما يسمعون مناقشات من هذا القبيل.

لكنني سأخبرك بهذا: هناك الكثير من قصص باحثين في مجال العهد الجديد الذين لم يكونوا مسيحيين، ومع ذلك فمن خلال دراستهم لهذه القضايا أمنوا بالمسيح. وهناك باحثين أكثر بلا عدد، مؤمنين بالفعل، تقوي إيمانهم، وترسخ، زاد تأسيسا، بسبب البرهان، وتلك هي الفئة التي أقع فيها.

أما بالنسبة لي، فقد كنت في الأساس من الفئة الأولى، لا، ليس باحثاً بل شكاكاً، محطماً للمعتقدات التقليدية، مراسلاً متصلب المشاعر على تحقيق يبحث عن الحقيقة عن يسوع الذي قال إنه الطريق والحق والحياة

أغلقت حقيبتي ووقفت كي أشكر بلومبيرج. لأعود بالطائرة إلى شيكاغو مرضياً لأن، بحثي الروحي اتسم ببداية جيدة.

مشاورات

أسئلة للتأمل ومجموعات الدراسة

* بشكل عام، كيف أثرت ردود بلومبيرج على الاختبارات الثمانية الواضحة على ثقتك بموثوقية الأناجيل.. ولماذا؟

* أي من هذه الإختبارات الثمانية دُرست بشكل أكثر إقناعاً، ولماذا؟

* عندما تعتمد على أشخاص تدلي بتفاصيل مختلفة قليلاً عن نفس الحدث، تشك في مصداقيتهم تلقائياً، أم تُري تحاول إيجاد طريق معقول للتوفيق بين رواياتهم؟ كيف وجدت تحليل لومبيرج المقنع حول للتناقضات الظاهرية بين الأناجيل؟

لمزيد من الأدلة، مصادر أخري حول هذا الموضوع

Archer, Gleason L. The Encyclopedia of Bible Difficulties. Grand

Rapids: Zondervan, 1982. Blomberg Craig. “The Historical Reliability of the New Testament.” In Reasonable Faith, by William Lane Craig 193-231. Westchester

111: Crossway 1994 ______ “Where Do We Start Studying Jesus? »In Jesus under Fire, edited by Mi-chael J. Wilkins and J. P. Moreland, 17-50. Grand Rapids: Zondervan 1995.

Dunn James. The Living ord. Philadelphia: For-tress 1988. Marshall, I. Howard. I Believe in the Historical Jesus. Grand Rapids: Eerdmans 1977.

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

أدلة شهود العيان، هل تصمد سيرة حياة يسوع أمام التمحيص؟ لي ستروبل محاورا بلومبرج

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)