أبحاث

من المهين الادعاء أن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله – لي ستروبل

من المهين الادعاء أن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله - لي ستروبل

من المهين الادعاء أن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله – لي ستروبل

من المهين الادعاء أن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله - لي ستروبل
من المهين الادعاء أن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله – لي ستروبل

 

أنا أعارض تماماً أية ديانة تقول إن إيماناً أسمى من إيمانٍ آخر. وأدرك أن ذلك ما هو إلا عنصرية روحية. فهو طريق للقول بأننا أقرب إلى الله منكم، وهذا ما يؤدي للكراهية.

الحاخام شمولي بوتيتش(1)

استطاع موسى أن يتأمل في الناموس، واستطاع محمد أن يُشهر السيف، واستطاع بوذا أن يُقدّم المشورة الشخصية، واستطاع كونفوشيوس أن يعرض الأقوال الحكيمة، لكن أياً من هؤلاء لم يكن مؤهلاً لتقديم كفارة عن خطايا العالم … المسيح وحده يستحق التكريس والعبادة بلاحدود.

اللاهوتي أر.سي.سبرول(2)

كان والتر شابلنسكي لديه آراء متشددة حول الدين، ولم يكن يخجل من التعبير عنها. في العام 1940 أثار اضطراباً في روشيستر، نيو هامبشاير، باستنكاره الصريح للدين المنظم كـ((خدعة)) وإدانة الكثير من التجمعات المسيحية بالاسم. وكانت النتيجة أنه وجد نفسه مقبوضاً عليه ومُداناً من قَبل قانون الدولة الذي يُجرِّم أن تتحدث ((اية كلمة مزعجة أو احتقارية أو مهينة قانونياً لأي إنسان يمشي في أي شارع أو أي مكان عام آخر.))

مؤمناً أن حقوق حرية تعبيره قد انتُهكت، استأنف شابلنسكي قضيته حتى وصلت محكمة الولايات المتحدة العليا. ومع ذلك، في العام 1942 أكدً القضاة بالاجماع على إدانته، قائلين بأن مثل ((الكلمات الهجومية)) التي صرًح بها تقع خارج إطار حماية التعديل الأول(3). وبعد 30 عاماً أوضحت المحكمة العليا تعريفها ل ((الكلمات الهجومية)) بتسميتها ((القاب تعسفية شخصياً من المحتمل أساساً أن تُثيررد الفعل العنيف.))(4)

أثارت ((الكلمات الهجومية)) استجابةً عميقة في الناس؛ إذ جعلت أحشائهم تضطرب، واياديهم تتكوًر إلى قبضات. فهذه اللغة المُهينة تؤثر في الأعماق بالهجوم على أكثر معتقداتهم تأثيراً، وتُثيرهم فعلياً للاندفاع إلى الانتقام. بالنسبة للبعض ينطبق نفس الشئ على الكلمات المفرطة ليسوع المسيح: )) أنا هو الطًريق والحق والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلاً بي.))(5)

كثير من الناس يعتبرون أنه من الكبرياء والأفق الضيق والتحيز بالنسبة للمسيحيين أن يؤكدوا أن الطريق الحيد إلى الله لا بدً أن يكون من خلال يسوع الناصري. ففي زمن التعددية والتسامح الديني، يكون هذا الادعاء المقصور غير لائق اجتماعياً، ويمثل صفعةً لفظية في وجه الأنظمة العقيدية الأخرى. فالتعددي روزماري رادفورد روثر اعتبر ذلك ((مبالغةً وطنية دينية سخيفة))(6)، بينما دعاها حاخام يهودي ((ديكتاتورية روحية)) تشجع نوع الاتجاه الأنيق الذي يمكنه أن يقود إلى الكراهية والعنف تجاه الناس الذين يؤمنون إيماناً مختلفاً.(7)

وبالطبع فإن مدخلاً مثل الذي عبرً عنه الفيلسوف الهندي سوامي فيفيكيناندا أكثر قبولاً اليوم: ((نحن (الهندوس) نقبل صحة كل الديانات.)) – وقد قالها للبرلمان العالمي للديانات في العام 1983. وقال إن الخطية الحقيقية هي أن تدعو أي إنسان آخر خاطئاً.(8)

هذا النوع من انفتاح الفكر والتحرر يتناسب جيداً مع ثقافتنا الحالية من النسبية، حيث لا يمكن اعتبار ((حقيقة)) بأنها حقيقية على نطاقٍ كوني طوال العصور، وفي كل الأماكن، ولكل الناس، وفي كل الثقافات. ففي الواقع، ينكر ثلثا الأمريكان اليوم أي شئٍ باعتباره الحق.(9)

عندما كنتُ ملحداً، تعجبتُ من تأكيدات المسيحيين بأنهم يحتكرون المدخل الصحيح الوحيد إلى الدين. وكنتُ أشكو: ((مَن يظنون انفسهم؟ مَن هم حتى يدينوا أي إنسان آخر؟ أين حب يسوع في ذلك؟))

لقد دعا تشارلز تمبلتون ذلك بـ((الافتراض الذي لا يُطاق))(10) أن يزعم الكتاب المقدس أنه بالإضافة إلى يسوع ((لَيسَ اسمٌ آخَرُ تَحتَ السًمَاءَ قَد أُعطي بين النًاسَ به ينبغي أن نَخلُصَ)).(11)، وأضاف تمبلتون:

المسيحيون أقلية صغيرة في العالم. فتقريباً أربعة من كل خمسة اشخاص على وجه الأرض يؤمنون بآلهة تختلف عن إله المسيحية. وعدد السكان الأكثر من خمسة مليار إنسان الذين يعيشون على الأرض يوًقرون أو يعبدون أكثر من 300 إلهاً. ولو أضاف أحد الديانات القبلية أو الروحانية، لارتفع الرقم لأكثر من 3000 إله. فهل علينا ان نؤمن ان المسيحيين وحدهم على حق؟(12)

رغم تقرير تمبلتون المرعب حول عدد الآلهة التي تُعبد في العالم، إلا إنه على حق. إن تأكيد يسوع المقصور واحد من أفظع العقبات أمام الباحثين الروحيين اليوم. فمع موضوع متفجر مثل هذا، عرفتُ أنني كنتُ بحاجة للتكلم مع خبير له ذهن تحليلي واضح، وخلفية فلسفية سليمة، وخبرة ممتدة بمدى واسع من ديانات العالم المختلفة. هذه المعايير قادتني إلى إحدى ضواحي أتلانتا، جورجيا، إلى مكتب رافي زكريا، الذي وُلد ونشأ في الهند.

 

اللقاء الخامس: رافي زكريا – دكتوراه في اللاهوت، دكتوراه في الحقوق

قال لي رافي زكريا فيما كان يخلع معطفه الأسمر، وجلس حول مائدة خشبية مستديرة في مكتبه: ((هناك قول هندي قديم يقول إن هناك طريقتان تصل بهما إلى أنفك.))

قال مشيراً مباشرةً لأنفه: ((هذه طريقة.)) ثم مدَ يده خلف رأسه ولمس أنفه من الناحية البعيدة، وقال مبتسماً: ((وهذه طريقة.))

بأسلوبٍ آخر، أحياناً ما يُفضل الهنود اتخاذ طريقاً طويلاً غير مباشر لإجابةٍ ما أكثر من الوصول السريع إلى الحل. وأحياناً ما ينطبق هذا على زكريا الذي اشتهر كونه بين أشهر المدافعين عن المسيحية وضوحاً وذكاءً في العالم.

وديع القلب، ثاقب الفكر، لُقب زكريا بأنه ((رجل إدراك روحي عظيم واستقامة فكرية)) من قبل بيللي جراهام.(13) لقد تحدًث عن المسيحية، والفلسفة، وديانات العالم، والعبادات في 50 دولة، والكثير من الجامعات. تتضمن كتبه الكتاب الشهير ((هل يستطيع الإنسان الحياة بدون الله؟)) وهو مؤسس جزئياً على سلسلة من المحاضرات النافذة التي ألقاها في جامعة هارفرد؛ المظهر المُحطًم: الوجه الحقيقي للإلحاد A Shattered Visage: The Real Facce of Atheism؛ نجنا من الشرير Deliver Us From Evil؛ صرخات القلب Cries of the Heart؛ يسوع بين الآلهة الأخرى Jesus Among Other Gods. وقد صدر كتابه الأول للأطفال ((التاجر واللص ((The Merchant and the Thief في العام 1999.

تعلم زكريا في مدرسة ترينيتي اللاهوتية الإنجيلية، حيث حصل على شهادة الماجستير في اللاهوت، وكان أستاذاً زائراً في جامعة كامبردج. وتمً تكريمه بمنحة شهادة دكتوراه اللاهوت من كلية Houghton ومعهد وكلية تيندال Tyndale، وشهادة الدكتوراه في الحقوق من كلية أسبوري. وهو الرئيس السابق لقسم الكرازة والفكر المعاصر في المعهد اللاهوتي الاتحادي.

حالياً يراس زكريا خدمات رافي زكريا الدولية Ravi Zacharias International Ministries التي تنتشر مكاتبها في الولايات المتحدة، وكندا، والهند، وانجلترا. وله – مع زوجته مارجريت – ثلاثة أطفالٍ.

زكريا شخصية مهيبة بابتسامة شبابية. وبشرته البرونزية نوعاً تتعارض مع شعره الأبيض تماماً لدرجة أنه يكاد يلمع. يتكلم بصوت قوي ناعم بلهجة هندية مميزة. وبأدبه وضيافته، كان كريماً بوقته ومنتبهاً تماماً في لقائنا، رغم أن طاقمه كان يقوم بإعدادات متواصلة خلف الستار لرحلة دولية أخرى كان يستعد لإطلاقها.

أتيتُ لأسأله عن تاكيد يسوع بانه الطريق الوحيد إلى الله، وهو التأكيد الذي قدًمه لتلميذه توما. فطبقاً للتقليد، كان إيمان توما الذي شكً مرة قد تدًعم بلقائه مع المسيح القائم، فسافر بعدها إلى الهند لتوصيل البشارة المسيحية، وقُتل أخيراً بالقرب من مَدراس Madras. حيث وُلد زكريا على بُعد ستة أميال تقريباً من النصب التذكاري لاستشهاده. بمعنى ما، فإن رحلة زكريا الروحية هي تذكار لرحلة توما. فبعد قضاء سنواته المبكرة كمسيحي بالاسم فقط، وجد زكريا نوعاً مؤقتاً من الإيمان في سن السابعة عشرة بعد سماع مبشر أمريكي يتحدث في اجتماع حاشد. وبعد ذلك انتهى به الأمر في المستشفى بعد محاولة انتحار بسبب لا معنى الحياة – وهو اختبار صار من خلاله تابعاً مكرساً تماماً ليسوع، ومرسلاً من الهند إلى أرجاء العالم.

عرفتُ أن اختباره في هذه البيئة متعددة الثقافات والديانات، حيث نما بين المسلمين، والهندوس، والسيخ، سوف يًثري منظوره لذلك السؤال المُربك حول مقصورية المسيح. وفيما ارتشف الشاي الساخن، سحبتُ مذكراتي من حقيبتي. وعلى الفور بدأتُ في إثارة الموضوع.

 

كبرياء المسيحية

قلتُ في مستهل سؤالي: ((اغفر لي فظاظتي، ولكن أليس من الكبرياء الجسيمة بالنسبة للمسيحيين أن يدًعوا أن يسوع هو الطريق الوحيد الفريد إلى الله؟ لماذا يعتقد المسيحيون أن لهم حق تأكيد أنهم على حق، وكل إنسان آخر في العالم خاطئ؟))

بينما كانت لهجة زكريا وحُلة عمله المُحافَظة – قميص أبيض رسمي ورابطة عنق خافتة – قد أضفتا عليه جواً من الرسمية، كان منهمكاً، دافئاً، ومتحمساً بشكلٍ ثابت في إجاباته.

فقال وصوته مفعم بالحيوية، وعيناه صادقتان مهتمتان: ((لي Lee، إنني أسمع هذا السؤال كثيراً جداً، ولا سيما في الشرق. والشئ الأول الذي أفعله هو محاولة التعامل مع المعلومات المضللة التي يتضمنها.

((المعلومات المُضللة؟ مثل ماذا؟))

((أولاً، من المهم أن نفهم أن المسيحية ليست هي الديانة الوحيدة التي تزعم بالمقصورية. فعلى سبيل المثال يزعم المسلمون تماماً بالمقصورية – ليس لاهوتياً فقط، بل لغوياً أيضاً. فالمسلمون يؤمنون أن معجزة الإسلام المطلقة الكافية الفريدة هي القرآن. ومع ذلك فهم يقولون إنه مميز فقط في العربية، وإن أية ترجمة أخرى تُقلل من قداسته. والمطلوب ليس مجرد فهمً أساسيً للعربية، بل معرفة سوفسطائية باللغة.

((وبالنسبة للبوذية، فقد وُلدتُ عندما رفض جاوتاما بوذا تأكيدين جوهريين للهندوسية – السلطان المطلق للفيدا التي تعتبر كتابهم الخاص، ونظام الطوائف الاجتماعية الوراثية. فالهندوسية نفسها عنيدة للغاية في موضوعين أو ثلاثة: قانون الكارما Karma، الذي هو قانون العلة والنتيجة الأخلاقية، لدرجة أن كل ميلاد يعتبر ميلاداً جديداً يُعوِض عن الحياة السابقة، وسلطان الفيدا، وتناسخ الأرواح.))

فقاطعته: ((لكنني سمعتُ الهندوس يقولون بنبلٍ شديد إن الهندوسية إيمان متسامح جداً.)) قلتُ ذلك وأنا أفكر في عبارات مثل تلك التي قالها سوامي فيفيكينادا في مستهل هذا الفصل.

فابتسم قائلاً: ((حينما تسمع هذه العبارة، فلا تأخذها مأخذ الجدية فمعناها الحقيقي هو أن الهندوسية تسمح لك بممارسة ديانتك طالما أنها تندرج تحت مفهومهم عن الحق الذي هو أمر توفيقي.)) والتوفيقية هي محاولة لمزج المعتقدات المختلفة أو حتى المتعارضة معاً.

ثم واصل كلامه: ((أما بالنسبة للسيخية، فقد جاءت كتحدٍ لكلٍ من الهندوسية والبوذية. وهناك الملحدون الذن يرفضون آراء من يؤمنون بالله. وحتى البهائية – التي تزعم أنها حضن كوني لكل الديانات – ينتهي بها الحال وهي تستعبد المُستعبدين! ومن هنا فإن عبارة أن المسيحيين متكبرون بادعاء المقصورية تتجاهل حقيقة أن كل ديانة رئيسية أخرى تفعل نفس الشئ. ولذلك حين يتحدث الناس عن الكبرياء، فلا يمكن أن يكون هذا هجوماً منطقياً.))

بدأتُ بالإستعداد لصياغة سؤالي التالي، لكن زكريا توًقع إتجاه السؤال، فقفز لإكمال عبارتي:

بدأتُ: ((أنت تؤمن أن الحق كله …….))

فقال: ((مقصور بالتعريف. نعم، نعم، أؤمن. فلو كان الحق لا يُستثنى، فلا يمكن عمل أي تأكيدٍ لادعاء الإيمان، بل يكون مجرد رأي يُقرَر. فكلما تقوم بعمل تأكيد إيمان، فأنت تقصد ان شيئاً مضاداً له هو خاطئ. الحق يُستثنى ضده.))

فاشرتُ قائلاً: ((هناك من ينكرون هذا.))

((نعم، ولكن فكر في الأمر: أن تنكر طبيعة الحق المقصورة هو أن تقوم بعمل تأكيد حق، فهل لا يكون هذا الشخص متكبراً إذاً؟ هذا هو التأثير المرتد الذي لا يتأمل فيه الذين يدينون. إن تضمينات يسوع الواضحة التي تقول إنه هو الطريق والحق والحياة هي: أولاً، أن الحق مطلق. ثانياً، أن الحق يمكن معرفته.

 

فقوله بالمقصورية معناه تصنيفياً أن أي شئ يعارض ما يقوله هو خاطئ بالتعريف.))

فقلتُ: ((أن يؤمن المسيحيون بذلك شئ، وأن ينقلونه دون أن يبدو شيئاً أنيقاً أو سامياً شئ آخر. لكن المسيحيون عادةً ما يحيدون عن هذا الطريق.))

فتنهد زكريا،  فقد كان هذا الاتهام يسمعه على الدوام، وقال: ((نعم، لو لم يكن الحق محصناً بالحب، فهذا سيجعل مالك الحق كريهاً، والحق نفسه بغيضاً. بما أنني تربيتُ في الهند، ولديً أصدقاء هندوس، ومسلمين، وبوذيين، وسيخ، يمكنني أن أقدّر بعض انتقاداتهم للمسيحيين. فتاريخ المسيحية لديه تفسير طريق منهجه. العنف، والخصومة، والعدوانية تناقض حب المسيح. فالإنسان لا يمكنه توصيل حب المسيح بمصطلحات الكراهية.

ثم واصل كلامه: ((لدينا في الهند مثلٌ يقول حالما تقطع أنف إنسان، فلا حاجة أن تهديه وردةً ليشمها.)) فلو كانت كبرياء المسيحي تُبعد إنساناً، فلن يكون هذا الإنسان قابلاً للبشارة المسيحية. قال المهاتما غاندي: ((إني أحب مسيحهم، ولا أحب مسيحيتهم.)) وقال فريدريك نيتشه: ((سوف أؤمن بالفادي حينما يبدو الإنسان المسيحي أكثر شعوراً بالفداء.)) وملحوظاتهم هذه تستحق التأمل.

وأضاف قائلاً: ((ومع ذلك، من الممكن أن تعلن الحق المقصور في محبة، كما يمكن لعالم أن يقول بكل أدب: ((هذا هو القانون الثاني للديناميكا الحرارية. فهلا يمكننا الآن التصويت للتعاون معه أم لا؟))

((لذلك فإن نقد المسيحيين غالباً ما يكون صالحاً))

((نعم، فأحياناً ما تجاوزنا الحساسيات الثقافية. ومع ذلك في نفس الوقت، فإن الديانات الشرقية فيها الكثير من فحص النفس بهذا الخصوص اليوم. فبوضع الصراعات السياسية والقبلية جانباً، لستُ اعرف أية دولة مسيحية تكون حياتك فيها معرَضة للخطر بسبب اختلاف إيمانك. لكن اليوم هناك الكثير من الدول في العالم مثل باكستان، والسعودية، وإيران، يكون فيها أن تكون تابعاً للمسيح هو أن تعرِض حياتك وحياة أسرتك للخطر.))

لقد قرأتُ تقارير صحفية في السنوات الأخيرة لمعرفة دقة ذلك بما فيها موطن زكريا الأصلي، حيث قُتل مسيحيون كثيرون على يد الهندوس المسلحين مؤخراً. لكن أحياناً لا يكون الأسلوب الذي يحاول به المسيحيون نشر إيمانهم هو الأسلوب المهين. فأحياناً ما يكون رد فعل الناس ببساطة على قدر البشارة نفسها.

فقال زكريا: ((حتى الإنسان الذي عاش بكل كمال إنتهت حياته على صليب. فمقاومة الحق ممكن أن تكون قوية جداً لدرجة أنها يمكنها أن تُعرٍض الخطر والعنف والكراهية حتى حينما لا يكون المرء قد فعل شيئاً خاطئاً على الإطلاق.))

الأصل، والمعنى، والأخلاق، والمصير

أي إنسان يمكنه أن يزعم الطريق الوحيد لله. في الواقع هناك القليل جداً من المجانين زعموا بهذا على مر التاريخ. والموضوع الحقيقي هو لماذا يجب على أي إنسان أن يتأكد من أن يسوع كان يتكلم الحق حين نطق بذلك.

سالتُ زكريا: ((على أي أساسٍ تؤمن أن تأكيد يسوع هذا حقيقي؟))

فأجابني: ((آه، نعم، هو لُب السؤال. فمن ناحية يمكنك أن تقول إن قيامة يسوع قد جعلته ابن الله. ولو كان هذا صحيحياً، تكون كل أنظمة الإيمان الأخرى غير صحيحية، لأن كلاً منها تؤكد على شئ مضاد لألوهيته. وبالطبع فإن السجل التاريخي المتعلق بالقيامة قويً جداً.

((ومن الناحية الأخرى، يمكنك الاقتراب لهذا الموضوع بالنظر للأسئلة الأربعة الجوهرية التي تسعى كل ديانة لإجابتها: الأصل، والمعنى، والأخلاق، والمصير. أؤمن أن إجابات يسوع المسيح وحدها هي التي تتعلق بالواقع. فهناك ترابط بين إجاباته على خلاف إجابات أية ديانة أخرى.))

كانت هذه عبارة جريئة؛ فتساءلتُ: ((هل يمكنك تأييد ذلك بأمثلة كيف أن الإيمانات الأخرى تفشل في هذه الاختبارات؟ فأجابني: )) تأمل البوذية. فإجابة بوذا على سؤال الأخلاق لا تتوافق مع إجابته بخصوص الأصول. فبوذا ليس موًحداً بالله؛ إن لم يكن ملحداً. ولكن إن لم يكن هناك الخالق؛ فمن إذاً سيصل الإنسان إلى قانون أخلاقي؟ أو فكر في الرؤية الهندوسية لتناسخ الأرواح. لو كان كل ميلاد جديد؛ وكل حياة تُعوًض عن الحياة السابقة؛ فما الذي كنت تُعوِض عنه في ميلادك الأول؟ لاحظ أن عدم الترابط هو السائد.))

كان زكريا سريعاً لإضافة انه لم يكن يحاول تشويه سُمعة تلك الديانات. فقال: ((الدارسون الكبار سيقولون لك بعدم الترابط. فحتى غاندي قال إنه لو اُتيحت له الفرصة، لحذفَ بعض الأسفار من الهندوسية لأنها متعارضة جداً مع بعضها البعض. وعلى النقيض يُقدٍم يسوع إجابات هذه الاسئلة الجوهرية الأربعة للحياة بطريقة تتناسب مع الواقعية والتناغم الداخلي؛ على عكس أي نظام ايماني آخر.))

أثارت هذه العبارة التحدي؛ فقلتُ له: ((تعمًق في كل واحد؛ وقُل لي كيف.))

فأجاب: ((حسناً جداً، بخصوص الأصول يقول الكتاب المقدس إننا لسنا مماثلين لله على خلاف إدعاء الهندوسية – بل متميزين عنه. وبأسلوب آخر إننا لم نأتَ بانفسنا إلى الوجود؛ بل نحن خليقة الله. وحيث خُلقنا على صورته هذه، فهذا معناه أن البشر لديهم قوة أخلاقية للرجوع إليها. لا نظام يمكنه أن يشرح هذا إلا الأنظمة التوحيدية. فحتى الطبيعيين ليس لديهم تفسير لإطار الإنسانية الأخلاقي، ومع ذلك فإن الإطار الأخلاقي هذا يتجاوب مع واقعية الإختبار الإنساني.

((تقول المسيحية أيضاً إننا رفضنا الإرادة الإلهية. فقد قال المُجرّب في الجنة إن أكلت هذه الثمرة ستصير مثل الله عارفاً الخير والشر. والمعنى المُتضمن هنا هو أنك تصير مُحدِد الخير والشر. لقد وُلدت الحركة الإنسانية Humanism ها هنا؛ فالإنسان أصبح مقياس كل الأشياء. وهذا التمرد العنيد ورفض الله يتناسب مع الواقع. وكما قال مالكوم ماجريدج؛ فإن الفساد الإنساني هو الحقيقة الأكثر تأكيداً تجريبياً، لكنها أيضا الأكثر مقاومة فلسفياً.

((وبعد ذلك موضوع المعنى. مرةً أخرى يقف الإيمان المسيحي منفرداً، فأسهل طريقة لوصفه هي أن الله لا يدعونا للمعنى بأن يطلب منا أن نكون أناساً أخيار. ولا يدعونا إلى المعنى بمجرد أن يقول لنا أن نحب الواحد الآخر. بل في خبرة العبادة فقط يظهر المعنى. شئٌ ما أعظم من السعادة يمكنه أن يمنح المعنى؛ وهذه هي فرادة الله الخالدة في العبادة. يخبرنا الكتاب المقدس أن نحب الرب إلهنا من كل قلبنا، ونفسنا، وعقلنا، وعندما نفعل ذلك نبدأ أن نحب جيراننا كأنفسنا. وهذا أيضاً يرتبط بالاختبار.

((وبعد ذلك تقول المسيحية إن الأخلاق ليست موضوعة ثقافياً؛ بل بالأحرى تنمو من شخصية الله نفسها. وإلا لانتهى بك الأمر بعقدة فلسفة الماضي: هل القانون الأخلاقي متسلطاً عليك، أم أن قانوناً أخلاقياً خاضعا لك؟ الطريق الوحيد لتفسير ذلك هو أن تجدها في الله الغير محدود، كُلِي القدرة، الأخلاقي، الأبدي، الذي لا ينفصل عن شخصيته. وهكذا فالمسيحية تفسر الأخلاق بأسلوبٍ مترابط.

((وأخيراً، فالمصير مؤسس على قيامة يسوع المسيح؛ ذاك الحدث التاريخي الذي أثبت ألوهيته، وفتح الباب للسماء لكل من يتبعه. اين يمكنك أن تجد شيئاً يتقارب مع ذلك؟

((حكى بيللي جراهام ذات مرة عن مقابلته كونراد أدينيه عمدة كولونيا الذي سجنه هتلر لمعارضة الحكم النازي، ثم صار فيما بعد المستشار المعتبر لألمانيا الغربية منذ العام 1949 إلى العام 1963. نظر أدينيه إلى عيني جراهام وسأله: ((هل تؤمن بقيامة يسوع المسيح من الأموات.)) فأجابه جراهام: ((بالطبع أؤمن.))

فرد عليه أدينيه: ((مستر جراهام، بعيداً عن قيامة يسوع، لا أعرفُ أي رجاءٍ آخر لهذا العالم.))

((لقد كان على حق. فلأن القيامة هي حدث تاريخي فعلي؛ يمكننا أن يُغفر لنا، وأن نتصالح مع الله، وأن نقضي معه الأبدية، ونثق بتعاليم يسوع على أنها من الله.

((كان أحد أصدقائي متحولاً عن الإسلام اُستشهد فيما بعد. أتذكر زيارته في المستشفى بعد بتر رجليه، فقال لي: ((كلما أفهم ماذا قال الآخرون وماذا علًموا، كلما يبدو يسوع المسيح أكثر جمالاً بالنسبة لي. لم انس ذلك على الإطلاق، وأؤمن انه حقيقي تماماً.))

((لم يتكلم إنسانٌ قط مثل يسوع. ولم يجب إنسانٌ قط على الأسئلة كما أجاب هو، لا افتراضياً فقط، بل شخصياً أيضاً. وجودياً، يمكننا التأكد من ذلك. وتجريبياً، يمكننا التأكد من ذلك. الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب تصوف أو روحانية، لكنه كتاب يُقدِم لك أيضاً الحقائق التاريخية – فلو كنتَ متشككاً أميناً، فهو لا يدعوك إلى مجرد إحساس، بل يدعوك إلى اقنوم حقيقي، ولهذا قال الرسول بطرس: ((لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ.))(14)

((إنه يقول: هذا حقيقي. هذا واقعي. هذا يمكن الوثوق به. نعم، هذا يمكنه أن يستثنى ما يناقضه.))

عن الأفيال والإيمان

حتى لو كان زكريا على حق بخصوص المسيحية، فهل معنى ذلك بالضرورة أن كل الديانات الأخرى خاطئة؟ ربما تُعلٍم نفس الحقائق الاساسية في جوهرها، مستخدمةً لغةً مختلفة، وصوراً متنوعة، وتقاليد متعددة لتوصيل المعتقدات المتطابقة أساساً.

قلتُ: ((يقول البعض إنه عندما تُجرِد كل شئ، فكل ديانات العالم تُعلِم أساساً الأبوة الكونية لله والإخوة الكونية للجنس البشري. وسوف يكون معنى هذا أن كل أنظمة الإيمان في العالم صالحة بشكلٍ متساوٍ.

فهز زكريا رأسه، وكان وجهه ينم عن الفزع، وقال: ((الإنسان الذي لا يفهم ديانات العالم هو الوحيد الذي سيزعم أنها أساساً نفس الشئ.))

ماذا يقصدون بالإبوة الكونية لله بينما البوذية لا تزعم حتى بوجود الله؟ ماذا نقصد بأبوة الله بينما بينما شانكارا – أحد أكثر الفلاسفة الهندوس احتراماً – قال إن التوحيد هو مجرد أسلوب طفل للصعود أخيراً إلى القمة، وهناك ستكتشف أن الله ليس مختلفاً عنك؟ ما معنى أبوة الله إذاً؟ إنها وهم. إن أبوة الله هذه ليست تعليماً متشاركاً بين الديانات.

ثانياً، إخوة البشرية – نعم، نحن إخوة وأخوات كبشر، ولكن السبب الوحيد في ذلك هو أن الله قد صممنا جميعاً. فحالما تضع هذا الأساس جانباً – قالها ضاحكاً – فسوف تنتهي بك الإخوًة بأغطية أكثر من إخوة، ففي الغالب، الإسلام، والبوذية والهندوسية، والمسيحية لا تقول نفس الشئ. فهي تعاليم دينية متمايزة ومقصورة تبادلياً. ولايمكن أن تكون كلها على حق في نفس الوقت.

حتى هذه اللحظة لم أحاول التوفيق بينها. فاقترحتُ قائلاً: ((ربما تحتوي كل ديانة على جزء من الحق. فقد قال اللاهوتي جون هيك إن ديانات العالم هي استجابات مختلفة متلائمة ثقافياً لـ ((الحقيقة))، أو الله. أليس هذا مثل القصة القديمة عن الرجال العميان الثلاثة الذين يشعرون بوجود الفيل – فكل ديانة هي محاولة صادقة لكنها غي كافية لتفسير سر الله، وهكذا تكون كل ديانة صالحة بأسلوبها الخاص؟))

فبدأ زكريا بقليل من الجودو الفلسفي قائلاً: ((إما أن يكون هيك نتاج ثقافته الخاصة، أو إنه قد سما بثقافته لصياغة هذه العبارة. فلو كان سما بثقافته، فلماذا لم يسمو إنسانٌ آخر بالثقافة؟ هذا يبدو سوفسطائياً جداً من الناحية الأكاديمية، لكنها تحتوي على مشكلات كثيرة جداً في جوهرها))

فسألته: مثل ماذا؟))

((مثلا، هل الملحد لديه جزء من الحق، أم أن الملحد مُهمشاً هنا؟ لو كان الملحد لديه جزء من الحق، فاي جزء يكون، حيث ان عقيدة الإلحاد الرئيسية هي إنكار حتى وجود الله؟))

توقف حتى يسمح للسؤال أن يحل نفسه، ثم اضاف: ((سأقولُ هذا: هناك ملامح للحق في كل الديانات الرئيسية فعلياً. وهي تحتوي على بعض الأفكار والتاملات العظيمة. فقراءة فلاسفة الشرق المشهورين مُحفزة جداً جداً. لكن الأمر ليس كما لو أننا عمياناً نستكشف الفيل، أحدنا يشعر بوجود القدم ويعتبره شجرة، والآخر يشعر بوجود الخرطوم ويعتبره حبلاً، والثالث يشعر بوجود الأذن ويعتبرها مروحة.

قال وصوته يتصاعد للتأكيد: ((إن فكرتي هي أن المَثل قد كشف بالفعل حقيقة أن هذا هو بالحقيقة فيلاً! فالأعمى يمكنه أن يقول لك أنه شجرة، لكنه على خطأ. إنه ليس شجرة او حبلاً أو مروحة. لكن المُبصر يعرف ان هذا فيلاً. إنه يعرف الحق، فبصره قد كُشف له هذا. ويسوع المسيح اوضح الأمر ان الحقائق الأبدية عن الله يمكن أن تُعرف. يسوع المسيح هو مركز الإنجيل – ففيه جاء كل الحق معاً. ولذلك فبينما يمكن أن تكون هناك لمحات من الحق في مكانٍ آخر، فإن مجموع الحق الكُلي يوجد في المسيح.

((إن هكذا تفسير يتجاهل إمكانية ان الله يكشف عن نفسه، ومن ثم يمكننا أن ننال المعرفة عن ما هو. لكن بدلاً من ذلك، جعل هذا الثقافة والحدس ساميان. لكن الكتاب المقدس يقول إن الله كشف عن نفسه: ((فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَ الْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَ كَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. … وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.))(16)

الفداء والبر والعبادة

قال الكوميديان كوينتن كريسب ذات مرة: عندما اخبرتُ شعب ايرلندا الشمالية أنني كنتُ ملحداً، وقفت امرأة من الجمهور وقالت: حسناً، ولكن أي إلهٍ لم تؤمن به – إله الكاثوليك أم إله البروتستانت؟))

لقد كانت دعابته بالفعل تعليقاً حزيناً على عمق الصراع الطائفي في تلك الأرض. فعبر القرن شهد العالم الكثير من القسوة والعنف وفقاً لاختلاف رؤية الناس لله. وفيما سأم البعض التشاحن الديني، أعلنوا أن العلم سيكون مكاناً أفضل لو توًقف الناس ببساطة عن الدخول في المجادلات التعليمية والتركيز بدلاً من ذلك على الحياة في سلامٍ مع الآخر.

أشرتُ إلى زكريا قائلاً: ((هناك مسلمون ويهود ومسيحيون ومرمون وهندوس يعيشون بصورة أخلاقية. أليس أسلوب حياة الإنسان وعلاقته مع جاره أهم مما يؤمن به لاهوتياً؟

فأجابني: ((طريقة حياة الإنسان وطريقة معاملته لجاره مهمة جداً، لكن ليست أهم مما يؤمن به، لأن ما يؤمن به ينعكس على الطريقة التي يحيا بها. وبغض النظر عن ما إذا كان قد قرر عبارة تعليمية، فما يؤمن به حقاً هو ما سيحياه أخيراً. لكن هذا السؤال يقدم افتراض أن الأخلاق هي الحياة كلها.))

فقلتُ: ((إن لم تكن الحياة هي ان تكون اخلاقياً، فماذا إذاً؟))

فقال: ((يسوع المسيح لم يأتَ هذا العالم ليجعل الأشرار اخياراً، بل جاء ليجعل الموتى أحياءً. جاء حتى أن الموتى عن الله يقومون لله. لو كانت  هذه الحياة كانت عن الأخلا ق فقط، فسوف يكون الشئ الأهم هو كيف تعيش، رغم أنه سيبقى متصلاً بما تؤمن به. لكن هذا يُسئ فهم المفهوم المسيحي الذي يقول مهما عشنا جيداً، لا يمكننا ان نبلغ مستوى وشخصية الله.

 ((إن كلمة ((خطية)) معناها فقد الهدف. ولو كان هذا تعريفً صحيحً، تصبح نعمة الله الحق الأكثر أهمية. فبعيداً عن الله، لا يمكننا حتى أن نؤمن بما هو صحيح، بغض النظر عن الحياة بالأسلوب الصحيح.

((نعم، الحياة بعطف وبأخلاق أمر مهم إن كان نابعاً من أجل البقاء. لكن الفلاسفة من سقراط، أفلاطون، وارسطو، حتى مفكري التنوير أمثال ايمانويل كانت كانوا غير قادرين حتى على تعريف معنى الأخلاق. وأخيراً استطاعوا فقط أن يُهدونا ما قدمته الأخلاق للمجتمع.

((عندما درستُ الاختيارات التي يمكن للناس من خلالها أن يحيوا حياةً صالحةً، وصلتُ إلى ستة أو سبعة منها، مثل موقف أخلاقيات جوزيف فليتشر؛ إنسانية آين راند الفردية؛ فكرة كانت عن الواجب، وهكذا. لكنها كانت تتناقض معاً بشدة، وسبب ذلك هو أنه لم يكن هناك منطقً أخلاقي مؤثرً ساميً. لقد انخفضوا جميعاً لمجرد البقاء. وهكذا آمنتُ أن الخير أو الشر هو نقطة البداية الخاطئة، وأن الحياة والموت – روحياً- هو حيثما تبدأ.

فقلتُ: ((ولكن كما افترضتَ، من المهم كيف يعيش الناس. فغاندي مثلاً عاش حياة أكثر فضيلة من معظم المسيحيين. فلماذا يجب أن يُطرح في الجحيم فقط لأنه لم يكن تابعاً يسوع؟))

فقال مبتسماً: ((هذا موضوعٌ شائك. فعندما أُسئل هذا السؤال أمام حشدٍ كبير، أريدُ حينها أن آخذ استراحة قصيرة! لكن الكتاب المقدس يُقدَم لنا إرشاداً لحل هذا.

((أولاً من المهم أن نعرف أنه لا إنسان يُودع إنساناً آخر إلى السماء أو الجحيم. ففي الواقع الله نفسه لا يرسل أي إنسان إلى السماء او إلى الجحيم، بل أن الشخص بنفسه يختار إما الاستجابة لنعمة الله أو رفض نعمة الله، رغم أن حتى هذا القرار قد تمكن بنعمته.

((ثانياً، سأل ابراهيم الله في قضية سدوم وعمورة ما إذا كان سيدع الأبرار يموتون مع الأشرار، وكان من الرائع كيف أن إبراهيم قد أجاب على سؤاله الخاص. فقد قال: ((ادَيَّانُ كُلِّ الأَرْضِ لاَ يَصْنَعُ عَدْلاً؟))(17) وهذا معناه أنه يمكننا أن نكون واثقين تماماً أنه مهما يفعل الله لتحديد مصير غاندي أو أي إنسانٍ آخر، فسوف يفعل ما هو حق.

((والآن فكر في هذا: يقول الكتاب المقدس إن كل إنسان يقضي الأبدية مع الله في السماء هو هناك بفضل نعمة وتدبير يسوع المسيح الذي آمن به الإنسان وقبله. ولكن لو رفض الإنسان تلك النعمة، فهل كان صالحاً أو شريراً؟ هذا سؤالٌ مثير لأن الكتاب المقدس يقول لنا لا أحد صالح حقاً حتى يُفدى.))

فقلتُ: ((اشرح ذلك. ))

((إن نموذج الخروج نموذجً ثلاثيً. فالله اخرج الشعب من مصر، واعطاهم الناموس الأخلاقي، ثم اعطاهم خيمة الاجتماع. بتعبير آخر: الفداء، والبر، والعبادة. لا يمكنك أبداً أن تنتهك هذا التسلسل. فإن لم تُفدى، لا يمكنك أن تكون باراً. وإن لم تُفدى وتتبرر، لا يمكنك أن تعبد لأن الكتاب المقدس يقول: ((مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ؟ وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ قُدْسِهِ؟ اَلطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ، وَالنَّقِيُّ الْقَلْبِ.))(18)

((وهكذا فإن الفداء هو أهم خطوة نحو البر. لو حاولتُ أن اجاهد بنفسي نحو الخير، فأنا اقول اساساً إنني لستُ بحاجةٍ لفداء الله. فأنا فادي نفسي. أي إنسان – صالحاً – أو شريراً في اعيننا – يقول هذا ينتهك بذلك مبدأ أساسياً لوحي الله، وهو أن الفداء هو الخطوة الأولى.))

وماذا عن غاندي إذاً؟

كان عقلي لا يزال مُرًكزا على غاندي، فقلتُ: ((غاندي لم يتبع يسوع، لذلك اعتقد أنك ستقول إنه لم يُفدى.))

فأجابني زكريا: ((هذا شئٌ سيحدده الله. ومع ذلك، فما الذي آمن به غاندي؟ لقد لخصه في عبارةٍ واحدة: ((الله هو الحق، والحق هو الله)). وسؤالي له سيكون: ((ما معنى هذا؟)) نحن نجلس في غرفة، وهذه عبارة صحيحة. فما علاقة ذلك بكون هذه الغرفة إلهاً أم لا؟ لا علاقة. فهي تُطابق عبارة قلتُها تواً. الله موجود – هل هذه عبارة صحيحة؟ لو كانت هذه عبارة صحيحة، فمن هو هذا الله؟))

فقاطعته قائلاً: ((ولكننا هنا نتكلم عن إنسان مثل غاندي الذي عاش حياةً صالحة في نظر الناس، بينما قاتل محترف مثل ديفيد بيركوفيتز ابن سام، قتل الكثير من الأبرياء، وهو الآن يقول إنه يصلي صلاةً ليصير مسيحياً. وسوف يقول المسيحيون إن بيركوفيتز سيذهب إلى السماء بينما غاندي لا. أين العدل ههنا؟

((نحن نريدُ أن نرى العدل لأننا مخلوقات بشرية أخلاقية. ولكن حين نُقلل العدل إلى موضوعات من قبيل مَن تصرًفَ باي أسلوبٍ خلال فترة ممنوحة من الوقت، فسوف نفقد المفهوم الأشمل للعدل. نحن نحكم على ذلك من وجهة نظر نظامنا. فلو كان على الله ان يمنح حقاً ما يستحقه كل منا، لما وصل أيٌ منا إلى السماء.

((هناك نكتة حول أخين عاشا حياةً خليعة، وعندما مات أحدهما فجأة ذهب الأخ الاخر إلى خادم وطلب منه ما إذا كان يمكنه ان يعظ في جنازة اخيه قائلاً له: ((لديَ طلبٌ واحد فقط: ان تشير إلى أخي باعتباره قديساً. فقال له الكاهن إنه سيبذل قصارى جهده لذلك.

((جاءت الجنازة، وكان الخادم يؤبن المرحوم قائلاً: ((أريدُ أن تعرفوا أن هذا الرجل كان خادعاً، كاذباً، غشاشاً، ولصاً، ولكن مقارنةً بأخيه كان قديساً!))

(هناك شفرة حادة لهذه العقدة. فنحن نحاول يائسين ان ندًعي الصلاح بمقارنة أنفسنا بالآخرين. ديفيد بيركوفيتز يمكنه أن يقول: ((مهلاً، انا لستُ هتلر! لم أقتل الملايين، بل قتلتُ مجرد القليلين. أو يقول: ((لم أكن جيفري دامر، فلم آكل ضحاياي.))

نحن نميلُ لاستخدام هذا النوع من المقارنات التي نظهر بها دائماً أفضل من أي إنسانٍ آخر، ونعتقد أننا صالحين. ولكن حسب مقياس الله الأخلاقي الكامل، نفشل جميعاً. كلنا نحتاج غفران الله ونعمته.

((بصراحة ما فعله ديفيد بيركوفيتز كان عنيفاً وشريراً ولا جدال حول ذلك. ومع ذلك، علينا أن ننظر إلى ذلك في ضوء خطة الله الكلية. فانت تعرف أن هناك أموراً اسوأ من الموت أو القتل.))

فتساءلتُ: ((مثل ماذا؟))

فقال: ((رغم صعوبة فهم ذلك، إلا ان أسوأ شئ هو ان تقول لله إنك لا تحتاجه. لماذا؟ لأن الميت يمكنه أن يعود إلى الحياة من قَبل الله، والمحروم يمكنه ان يجد السلام من قَبل الله، والمجروح يمكنه أن يجد عون الله وقوته، ويرى حتى الله يحارب في الظلام لغز الشر. بأسلوب آخر هناك ملاذٌ اثناء هذه الأهوال. ولكن بالنسبة لمن لا يحتاج الله، فما هو الملاذ؟ لا يوجد.

((لذلك السؤال ليس هو ما اذا كنتُ ديفيد بيركوفيتز، أو مهاتما غاندي، أو ادولف هتلر، أو الأم تيريزا. السؤال هو: ((هل بلغتُ لإدراك أنني قد خبتُ عن مقياس الله الكامل، ومن ثم من نعمة الله، وليست لديً إمكانية لأكون معه في السماء؟))

((بصراحة لو عشتُ حياة أعتقد انها جيدة جداً لدرجة أنني لا أحتاج الله، فمن السخرية أن بيركوفيتز سيكون قد وجد الحق المطلق الذي أعمتني كبريائي وذاتي عن رؤيته. فما الجحيم إلا غياب الله؟ بالنسبة لي أن أحيا حياتي مع غياب الله هو أن أكون حقاً على الطريق إلى الجحيم.))

فعارضته قائلاً: ((لكن هل من العدل أن يفلت بيركوفيتز دون عقاب؟))

فقال زكريا: ((لستُ متاكداً أنه افلت. نعم الله غفر له لو كان قد اعترف وتاب وطلب رحمة الله. لكن كلما انسجم مع من هو المسيح، كلما تعمق المه لما فعله.

((دعني أُقدّم لك مثالاً. افترض أنك تقود سيارتك وشرد ذهنك للحظات. وفجأة هناك طفل يركض أمامك فصدمته. كلما كنتَ على علاقةٍ أقرب بالماساة، كلما تعاظم ثقلك لبقية حياتك. لن تكون قادراً أبداً أن تنظر وجه طفلٍ آخر دون أن تفكر: ((ماذا فعلتُ؟ ماذا فعلتُ؟))

ربما نعتقد أن بيركوفيتز قد افلتَ بمعنى أنه لم يذهب إلى المشنقة، لكن هناك شئٌ مثيل وهو مشنقة القلب. فقلبك يمكن أن يكون متناغماً جداً للجحيم الذي أطلقتَ سراحه. لا أؤمن أن الإنسان المهتدي حقاً يمكن أن يجلس في زنزانته ويقول: ((حسناً، لقد عرفتُ المسيح، ولذلك لن أموت بسبب ذلك، لا، فأحياناً ما يكون جحيم القلب الداخلي عميقً ومؤلمً جداً.

((أعتقد أن هناك جحيماً لخلاص متأخر لأن الدموع المسكوبة هي دموع ما فُقدَ قبل أن تصل لمعرفة الله. فهل يغير ماضيك؟ نعم، ولكن احياناً لا يمكنك أن تنساه.))

يقول هذا، توقف زكريا ورجع للخلف في كرسيه. وعندما واصل الكلام قائلاً: ((كلما يُساء فهم النعمة، سيؤدي الأمر دوماً إلى المقارنة والغيرة أو السخط وتهمة الظلم. ومن المثير بشكلٍ كافٍ ان يسوع يناقش هذا الموضوع نفسه.

((في أحد امثاله، سخط الفعلة الذين عملوا اليوم كله أن الذين جاءوا في الساعة الأخيرة قد نالوا أيضاً نعمة المالك.(19) إن احد أكثر الحقائق المذهلة للكتاب المقدس هي فهم أننا لا نربح طريقنا إلى السماء. فنحن نقرأ أيضاً في الكتاب المقدس قصة  المراة الخاطئة التي قبلها يسوع. فاستنكر الفريسي رحمة الله.(20) الأعمال لها مكان – ولكن كإعلان نوال غفران الله، وليس كإشهار الحصول عليه.))

وماذا عن الذين لم يسمعوا؟

كان القاتل المحترف ديفد بيركوفيتز محظوظاً. فهو يعيش في دولة يتحدث فيها الناس بحرية عن المسيحية. إنسان ما كلمه عن عرض المسيح بالغفران، وهو يقول إنه اعترف بخطاياه وآمن بيسوع. ولكن ماذا عن الناس الذين يعيشون في أماكن لا يُناقش فيه الإنجيل بصورة عادية أو حيث يحظر القانون نشره اصلاً؟

تساءلتُ: )) أليس من الظلم إدانتهم بينما لم يسمعوا عن يسوع بل تبعوا فحسب تقاليد آبائهم الدينية؟))

مدً زكريا يده للكتاب المقدس. وفيما فتحه وقلًب صفحاته حتى سفر الأعمال، لمحتُ الكثير من الصفحات أوضح فيها الآيات الذهبية باللون الأصفر.

((يقول الكتاب المقدس أول كل شئ إنه لا إنسان سيكون في محضر الله بعيداً عن حقيقة ان شخص وعمل المسيح جعلا ذلك بالإمكان. فهذا هو الثمن المُستلزم: موت المسيح على الصليب بديلاً عنا، دافعاً العقوبة التي كُنا مستحقين أن ندفعها. والآن يُولد البعض في ثقافة أو أخرى، لكن الرسول بولس قال شيئاً مثيراً جداً عن ذلك عندما كان يتكلم إلى الأثينيين.

رفع زكريا نظارته الخاصة بالقراءة من جيبه وضبطها حول وجهه بانتظام. وبعدها قرأ جزءاً من فقرة كان بولس يحاجج فيها بعض الفلاسفة اليونانيين:

((وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيدًا.))

خلع زكريا نظارته وتطلًع إليً قائلاً: ((هذا أمرٌ مهم لأنه يشير إلى أن هناك خطة خلاصية في الخلق، حيث أن كل إنسان مخصص له محل ميلاد. فالله يعرف أين سنولد واين سنُربى، وهو يصنعنا في موضع يمكننا فيه أن نطلبه. نحن نعرفُ بوضوح أنه حيثما عشنا – في اية ثقافة، وفي أية أمة – يكون الله في متناول كل منا. وهناك دائماً إمكانية إنسان يصرخ على ركبته قائلاً: ((ساعدني يا الله))، ولو حدث ذلك فهناك طرق يمكن لله فيها أن يرعاه تتخطى إدراك عقولنا.

((مثلاً؟))

((مثلاً، يمكنه أن يُرسل له إنساناً يتشارك معه الإنجيل. أو دعني أقول لك ما حدث في حالة امرأة مسلمة عملت في معهد مشهور جداً في دولتها. قالت لي كيف كانت تُغادر مكتبها في نهاية يوم عملها وهي غير سعيدة أبداً في قلبها. وبينما كانت سائرة، تمتمت قائلة: لستُ أدري لماذا أنا فارغة جداً، وبعد ذلك قالت فجأة: يسوع، هل يمكنك أن تساعدني؟ توقفت على الرصيف وقالت لنفسها: ((لماذا دعوته؟ حسناً، لقد صارت هذه المرأة مسيحية.

بالنسبة لها، أعتقد أن الله قد رأى قلباً جائعاً له، لكنه لم يعرف كيف يصل إليه في عزلة وجودها. أعتقد أن الله كان يجتاز حدود بيئتها لأنها كانت بالفعل تخترق حدود حياتها الداخلية، وتسعى نحوه. وبهذا، يمكن لله أن يصل إلى أي وضع ثقافي استجابةً لأي إنسان يريد أن يعرفه.

((طريقة أخرى للنظر إلى هذا الموضوع تأتينا من الرومان، حيث يقول بولس: ((لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ الْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ الْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ السَّرْمَدِيَّةُ وَلاَهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِالْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى إِنَّهُمْ بِلاَ عُذْرٍ.))(22) ثم يقول بولس: ((لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً))(23) ويتكلم عن كلمة المسيح الضرورية للإنسان الذي يريد معرفته: «فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ».(24) أعتقدُ أكثر فاكثر أن كلمة المسيح هذه تأتي داخل إطار الثقافات المختلفة.

((ماذا أقصد بذلك؟))

((لقد تكلمتُ في بلدان إسلامية كثيرة، حيث يكون الأمر عسيراً أن تتحدث عن يسوع. ففي الواقع أن كل مسلم تحول لتبعية المسيح قد فعل ذلك. أولاً بسبب محبة المسيح المُعبّر عنها من خلال إنسان مسيحي، أو ثانياً بسبب رؤية أو حلم أو أي تدخل آخر فائق للطبيعة. والآن لا توجد ديانة بها تعاليم معقدة حول الملائكة والرؤى أكثر من الإسلام. وأعتقد أنه من الاستثنائي أن يستخدم الله هذه الحساسية للعالم الفائق للطبيعة الذي يتحدث فيه بالرؤى والأحلام ويُعلن نفسه.

 ((واحد من أعظم المتحولين في الهند كان من السيخ، ويدعى سوندار سنغ، عرف المسيح من خلال ظهور المسيح له في غرفته في حلم ذات ليلة. كان له تأثيرٌ هائل على حياته فصار مسيحياً. لذلك هناك طرق يمكن ان يكشف بها الله عن نفسه تتخطى عقولنا البشرية.

((والان، إن كان الله قادراً أن يقدم كلمة المسيح بأوضاع عديدة، وبطرق لا يمكننا حتى أن نفهمها – وإن لم يكن بعيداً عنا اينما كنا، وإن كان يمكنه أن يتحدث من خلال الإعلان العام للخليقة، ومن خلال الضمير – فعلينا إذاً أن نقبل حقيقة أننا بلا عذر. فكل إنسان سيعرف الحق بطريقةٍ كافية حتى لو استجاب لذلك الحق المعروف، فسوف يكشف له الله المزيد. هل هذا معناه أنه عليهم أن يكون لديهم مقدار من الحق كمن هو في وضع اخر؟ لا أعتقد ذلك.))

حاولتُ تلخيص فكرته، فقلت: ((هل تقصد أنه بغض النظر عن أين يعيش إنسان في العالم، وبغض النظر عن الثقافة التي يعيش فيها، عندما يستجيب فهم أنه يطلب الله بطريقةٍ ما، فسوف تتاح له فرصة أن يستجيب الله له؟))

فيما تكلمتُ كان زكريا يزن كلماتي بحرصٍ فأجابني: ((أعتقد ذلك. علينا أن نكون حريصين جداً ههنا، ولكني أؤمن أنه لو طلب إنسان الله بعمق وبإخلاص، فسوف تكون هناك طريقة يُتيحها الله لذلك الإنسان ان يسمع عنه. ولو لم يستجب ذلك الإنسان لله تحت أية ظروف، فربما لن يسمع عنه. لكن كل البشر يعرفون ما يكفي لدينونتهم، فهم ليسوا بحاجة لسماع يوحنا 3: 16 حتى يضلوا. فهم ضالون لأنهم رفضوا حقاً ما قاله الله لهم من خلال الخليقة، وضميرهم، وبطرقٍ أخرى. وبسبب ذلك، سوف نقف جميعاً نُقدٍم حسابنا أمامه.))

((الإخلاص مهم إذاً؟))

((الإخلاص ليس هو الخلاص . لكني أعتقد أن الإخلاص يجلب إمكانية أن يعلن الله عن نفسه لك. يمكن أن يبدو البعض مخلصين، وعندما  يُقدًم المسيح لهم يرفضونه. إنهم يفشلون في اختبار الحق.))

فقلتُ: ((أنت تؤمن إذاً أن كمّ المعلومات التي يحتاجها الإنسان بخصوص المسيح يمكنها أن تتفاوت إلى حدٍ كبير؟

((نعم، أؤمن بذلك. فخطر المنظور الغربي هو الاعتقاد بانه إن لم يُغلًف شئٌ ما بترتيب، فهو غير جيد.)) ولسوء الحظ، فإن بعض المسيحيين الغرب يعتقدون أنه إن لم يقل المرء قانون الإيمان كما يقولونه هم، فهو لا يعرف الله.

((ومع ذلك، ماذا يعرف الطفل عن امه؟ إنه يعرف انها تُربيه، وتُغير ملابسه، وتحتضنه، وتُقبله – فلا بدً أن يكون صديقة. هذا الطفل لا يعرف أمه كما سيعرفها عندما يكون في الثامنة عشر. لكنه يعرفها بدرجة كافية لدرجة انه يحبها. أؤمن أنه بينما يُعلن الله عن نفسه، فهناك مستويات من الفهم خاضعة للتنوع.))

لماذا ليس يسوع؟

لو كان يسوع هو الحق، فلماذا يرفضه الكثيرون جداً؟ وإن كانت المسيحية حقيقية، ألا يجب أن تنتصر أخيراً؟ هذا ما لا تُوضحه الإحصاءات. فالمسيحية تُحرز تقدماً ضئيلاً نسبياً في ربح مهتدين من ديانات العالم الرئيسية الأخرى. وأساساً يميل الناس في أرجاء العالم لتبني ديانة آبائهم.

سألتُ زكريا عن ذلك، وقال إن هذه الأمور تُحيرّه كمدافعٍ عن المسيحية، لكن هناك بعض التفسيرات.

((لرؤية هذا النموذج من منظورٍ مختلف، لماذا البوذية شائعة جداً في أمريكا اليوم؟ إجابتي بسيطة: لأنه يمكنك أن تصير صالحاً بدون الله. فلو أمكنك أن تكون لديك جرعة مناسبة من الروحانية من الثالثة حتى الخامسة مساء، ثم تُقسّم حياتك من جديدٍ وتحياها كما تشاء، فحسنا، لم لا؟ ديانة كهذه سيكون لها الكثير من الجاذبية.

 ((لماذا الإسلام جذاب للبعض؟ بسبب الاعتبارات السياسية الجغرافية. لماذا الإيمان الهندوسي جذاب؟ لأنه ثري في الفلسفة، وعقيدته لمعاملة الأرض بتوقير تنال بعض الإعجاب اليوم.))

فتساءلتُ: ((لماذا ليس المسيح؟))

فأجابني: ((لأنه يدعوكَ أن تموت عن ذاتك. فكلما يتضمن الحق تكريس كامل تُخضع فيه نفسك للإتضاع الكامل، واستسلام الإرادة، كلما تواجه المقاومة على الدوام. إن المسيح يخترق قوتنا واستقلاليتنا. إنه يتحدانا في مجالات الطهارة. يوحنا المعمدان جاء معطياً الناموس. ولم يحب الناس هذا. يسوع جاء معطياً رسالة النعمة، فقالوا: ((لماذا لا تعطينا برهان الناموس؟ كل ما يُقدّمه يسوع للثقافة، تريد الثقافة ان تغيره. ففي عمق الرفض هناك مقاومة تاكيد من هو.

((البوذية والأنظمة الدينية الأخرى تقول للناس اساساً كيف يُحسّنوا انفسهم عن طريق أنفسهم. لم تكن لديً مشكلة أبداً لمعرفة ما هو صحيح وما هو خطأ في معظم المواقف، لكن ما كنتُ اريده هو إرادة فعل الصحيح. هنا يأتي دور المسيح. فهو يقول إن قدمت له نفسك بأكملها، فلن يمنحك الحياة الأبدية فحسب، بل سيغير أيضاً ما تريد ان تفعله في هذه الحياة.))

بما أنني أعرفُ مستوى التكريس الذي تتطلّبه المسيحية، كنتُ فضولياً لمعرفة ما الذي دفع زكريا للاستجابة الإيجابية لرسالة يسوع. فقلتُ له: أخبرني القليل عن قصتك.))

فنظر للأسفل للحظات، ثم مدً يده لكوب الشاي وشرب قبل الإجابة.

بدا قائلاً: ((في الهند تعيش الحياة التي وُلدتَ فيها. فابي وأمي كانا مسيحيان بالاسم. وفي الحقيقة كان السبب انهما مسيحيان هو ببساطة انهما لم يكونا بوذيان او مسلمان أو هندوسيان. لا يمكنني أن أذكر أبداً سمع كرازة الإنجيل في كنيستي التي كانت متحرّرة الفكر.

((قبل مجيئي إلى المسيح بقليل، كانت اخواتي قد اكتشفن الإنجيل وقمن بتكريسهن الشخصي. آمنتُ بيسوع في مرحلتين. الأولى كانت عندما سمعتُ الإنجيل مُعلناً بشكلٍ عام في قائمة استماع عندما كنتُ في السابعة عشرة. قلتُ لنفسي: ((هناك شئٌ حقيقي بخصوص هذا وأنا اريده.)) تقدمتُ وحصلتُ على النُصح، لكني لم أفهم كان التعليم كثيراً جداً.

((في ذلك الوقت كنتُ واقعاً تحت الكثير من الضغوط في ثقافةٍ كان الأداء الأكاديمي فيها يتمتع بأهميةٍ قصوى. فإن لم تكن في قمة الطبقة، فلن تنجح. لم أستطع التكيف مع ذلك. وأيضاً كان لي أب صارم جداً، وقد تصارعتُ مع ذلك، فقد تلقيتُ الكثير من العقاب الجسدي.

((بعد شهورٍ قليلة قرّرت إنهاء حياتي. لم أكن مكتئباً، فلقد صُدمّ اصدقائي عندما سمعوا أنني افكر في الانتحار. ولكن بالنسبة لي، كانت الحياة بلا معنى او هدف. ذهبتُ للمدرسة يوماً ما واستخدمتُ مفاتيح معمل العلوم لفحص بعض السموم. وضعتها في كوبٍ من الماء، وتجرعتها، منهاراً على ركبتي.))

حملقتُ وأنا لا أصدق. فمع إنسان محنك، رفيع الثقافة، واسع المعرفة، واضح، ومؤثر اليوم مثل زكريا، كان من المستحيل بالنسبة لي أن أتخيله مراهقاً مرتبكاً مقطوع الرجاء منهاراً على ركبتيه لاهث النفس لأن السموم قد تغلغلت في أوردته.

واصل قائلاً: ((أسرعَ بي خادمي في البيت إلى المستشفى. ولو لم يكن هناك حينها، كنتُ قد مُتُ. افرغوا كل السموم من داخلي. وبينما كنتُ مُستلقياً على الفراش، دخل صديقٌ بعهدٍ جديد وأظهر لي يوحنا 14. لم أستطع أن امسك الكتاب، فقد كان جسدي خالياً جداً من الماء. كان على أمي أن تقرأه لي.

((كانت تقرأ حيث كان يسوع يتكلم إلى توما قائلاً: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.» ثم جاءت إلى آية 18 حيث يقول يسوع لتلاميذه: ((إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ.))

لقد لمست هذه الآية نفسي. فقلتُ في صلاة: ((يسوع، لا أعرفُ عنك الكثير، لكنكَ تقول لي إنك رئيس الحياة الحقيقية.)) لم أفهم مفهوم الخطية. ففي تلك الثقافة لم أستطع ذلك. لكن ما فهمته كان أنه يُقدّم لي ذاته كي يمنحني الحياة.))

((لذلك قلتُ: ((لو أخرجتني من غرفة المستشفى هذه، لسعيتُ جاهداً في بحثي عن الحق.)) وقد خرجتُ من تلك الغرفة بعد خمسة ايام إنساناً جديداً تماماً. بدأتُ في دراسة الكتاب المقدس، وقد غيًر حياتي بصورة درامية. ثم اتى إخوتي لاتباع يسوع، ووالديً أيضاً قبل موتهما.

((لكن في غرفة المستشفى تلك قال لي المسيح إنه يمكنه أن يهبني معنى الحياة حقاً دون ان يشرح إنسان لي هذا. لم أنظر ابداً إلى الوراء. فسنوات الدراسة أكدًت قراري لاتباعي. درستُ بعض محاضرات الفلسفة في كامبردج تحت إشراف ملحد مشهور، واتذكر التفكير في اندهاش: ((هل هذه هي أفضل الحجج لدى الملحدين؟)) لقد كانت تؤكد فحسب على حق الكتاب المقدس.

فقلتُ: ((أنت تتعامل مع الكثير من الباحثين الروحيين الآن، فماذا تقول لهم؟))

((يقول الكتاب المقدس: ((وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ.))(25) فكر في ذلك – فهذا وعدٌ مدهش. اشجعهم لتهيئة قلوبهم وعقولهم لوضع القبول، وعدم إرهاق اذهانهم لاختبار حق الكتاب المقدس. بالنسبة لأي إنسان حقيقي يقدم رؤية غير متحيزة، لا أفهم كيف يمكنه أن يحيا دون أن يقول إنه ليس هناك شئً مثل هذا على وجه الأرض.

((لقد سافرتُ عبر ارجاء العالم. بحثتُ عن كل شئ. ولم اجد ما يُرضي ذهني وقلبي وأعمق اشتياقات نفسي كما في يسوع. فهو ليس مجرد الطريق والحق والحياة، لكنه شخصي بالنسبة لي. إنه طريقي، وحقي، وحياتي – تماماً كما يمكن ان يكون لأي إنسانٍ يصل إليه.

((تذكر ما قاله بولس للأثينيين: ((إنه ليس بعيداً عن أي منا.))

مشاورات

أسئلة للتأمل ومجموعات الدراسة

  • ماذا كان رد فعلك الشعوري لأول مرة سمعت فيها تأكيد أن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله؟ هل تغيرت رؤيتك بعد قراءة مناظرة رافي زكريا؟ كيف؟
  • قال زكريا: ((إن التضمينات الواضحة ليسوع وهو يقول إنه الطريق والحق والحياة هي أولاً لأن الحق مُطلق، ثانياً لأن الحق يمكن معرفته.)) هل تؤمن بهذين التاكيدين حول الحق؟ لماذا؟ لماذا لا؟
  • كيف تؤمن ان المسيحية تتعامل مع موضوعات الحياة الأساسية العقلية الأربعة: الأصل، والمعنى، والأخلاق، والمصير؟ هل تعليم الكتاب المقدس حول هذه الموضوعات يتوافق مع اختبارك؟
  • هل فكرت شخصياً في أية ديانة عالمية اخرى؟ لو نعم، ماذا وجدته جذاباً بخصوصها؟ ما ملامح المسيحية التي تجذبك، وما الملامح التي تصدّك؟
  • يقول الكتاب المقدس عن الله: ((وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ.))، فما الاقتراحات العملية الثلاثة التي تُقدّمها لصديق يريد أن يعرف كيف يمكنه أن يجد الله بهذه الطريقة؟ هل اتخذتَ هذه الخطوات بنفسك؟ ماذا كانت النتيجة حتى الآن؟

لمزيد من الأدلة – مصادر اخرى حول هذا الموضوع

Ravi Zacharias. Jesus Among Other Gods. Nashville: Word, 2000

Paul Copan. True for You, But Not for Me. Minneapolis: bethany House, 1998.

Frank Beck with and Gregory Koukl. Relativism: Feet Firmly Planted in mid-Air. Grand Rapids, Mich.: Baker,1998.

Millard J. Erickson. How shall They Be Saved? Grand Rapids, Mich.: Baker, 1996.

 

من المهين الادعاء أن يسوع هو الطريق الوحيد إلى الله – لي ستروبل

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !