أبحاث

قوة الإيمان – لي ستروبل

قوة الإيمان - لي ستروبل

قوة الإيمان – لي ستروبل

قوة الإيمان - لي ستروبل
قوة الإيمان – لي ستروبل

قوة الإيمان – لي ستروبل 

 

قوة الإيمان – لي ستروبل
“شخصٌ ما، فى مكانٍ ما، يُحبُني!”

                              عبارة مُتكررة في يوميات المُلحِدة الراحلة مادلين موريه أوهير (1)

“الإنسان يرفض الله لا بسبب المطالب الفكرية، ولا بسبب نُدرة الأدلة. الإنسان يرفض الله بسبب مُقاومة أخلاقية ترفض أن تعترف باحتياجه لله.”

رافي زكريا، مسيحي (2)

استغرقتْ عودتي من مقابلتي فى تِكساس طوال اليوم. فقد تعطلت رحلتي الجوية بسبب الطقس العاصف، ثم أُلغِيَتْ نتيجة مُشكلات ميكانيكية، واضطررتُ لإعادة توجيه نفسي عبر مدينتين أخريين كي أرجع إلى الوطن. لقد كانت رحلات الطيران وَعِرة ومُزدحِمة. كُنتُ مُتعباً بدنياً، لكن ذِهني كان يعمل وقتاً إضافياً.

انتهيتُ أخيراً من استرجاع ذكرياتي، والتوسع فى رحلتي الروحية الأصلية بمحاورة خبراء حول الاعتراضات “الثمانية العنيدة” للمسيحية. ومرةً أخرى، حملق الإيمان في عين الشك بشكلٍ مُحكم – وكان السؤال الوحيد هو أيُهما سيطرف.

استرخيتُ فى مقعدي الوثير المُفضَّل، وذِهني يطِن بينما كان يسعى لاستيعاب كل المعلومات والآراء والأدلة التى كنتُ أجمعها على مدار العام الماضي. ملأتُ مجموعة من الدوسيهات القانونية بالأبحاث. وكانت مجموعة شرائط المقابلات المُسجلة كثيرة العدد، وكان مكتبي مملوءاً بالكُتب.

أثارت العقبات الثمانية للإيمان قضايا عَسِرة، ومع ذلك، كان الخُبراء الذين أجريتُ معهم مُقابلات رُواداً فى تقديم إجابات مُرضية. ففى كثير من الموضوعات استطاعوا أن يُقدموا تفسيرات حاسِمة وطَّدَت القضية في ذهني بشكلٍ حاسِمٍ. بالنسبة لبعض الموضوعات التي لم تُخضِع ذاتها لذلك النوع من الحل الحاسِم، تمكَّن الباحثون من إضعاف فعالية الاعتراضات بتقديم قرائن وأفكار هامة. تمت إزالة الاعتقادات الخاطئة، وتم تحقيق وضوح أكثر، وفى النهاية تمت تهدئة وخزة كل تحدٍ بنجاح.

بالنسبة لي شخصياً، برهن عائقان – وجود المُعاناة وعقيدة الجحيم – على أنهما المصدران الأكثر إرباكاً. فكلما انغمستُ فيهما أكثر، كلما وجدتُ نفسي فى خطر فُقدان رؤيتي. وبينما كُنتُ أُغلق عيني، وأفكرُ في التحقيق، مُتطلعاً إلى موضوعات مُتقدِمة يُمكنها أن تُساعدني على إدراك كل شئن جالت بخاطري ثلاثة مشاهد مُتميزة، بدءاً من مُناقشة قصيرة ساعدني فيها مورلاند على استعادة توازني.

المشهد الأول: إيجاد منظور

كُنتُ على وشك أن أُغادِر منزل مورلاند في يوم مقابلتنا حول عقيدة الجحيم. عرفتُ أنه كان بِحاجة أن يرحَل إلى المعهد اللاهوتي، لذلك شكرته على وقته، وبدأتُ فى إعداد عِدة التسجيل. لكن كان لا يزال هناك شئٍ يُزعجه. وبينما كُنا نجلس سأل عما إذا كان يُمكِنه أن يُضيف نُقطة أخرى.

قال بينما يبحث في ذهنه عن الطريقة الصحيحة للكلام: “لي Lee، هُناك شئٌ آخر يجب أن أضيفه”. وتنهد وهو يبدو محبطاً من أسلوب إيجاز كلامه. وبعد ذلك، بينما إتكأتُ على إطار بابه وأصغيتُ عن كثبٍ، وصف مورلاند تماثُلاً جزئياً خلق لحظة دهشة بالنسبة لي.

بدأ قائلاً: “عندما تُحاول أن تصنع قرار بشأن شئ، وتزِن البُرهان عليه وضِده، فمن المُهم أن تأخُذ بعين الاعتبار كل الأدلة المُتعلقة به، وليس مُجرد جُزء صغير منها.”

كان هذا أمرٌ معقول، لكني سألتُ لماذا شعر بأنه مُجبَر على قول هذا.

فشرح قائلاً: “لأننا كُنا نركز على رفض واحد شائع للمسيحية – أقصد وجود الجحيم. ولو كُنتَ تُركِز فقط على عقبة واحدة، فسوف تفقد الصورة الكبيرة الشاملة.”

“دعنى أقدم لك توضيحاً. افترض أننى رأيتُ زوجتي تمسك يد رجُل آخر فى المول. فهل سيكون من المنطق أن أستنتج أنها كانت تخدعنى؟ حسناً، إن الأمر يعتمد على أي دليل أضعه فى الاعتبار. فإن كان الدليل الوحيد الذي أفكر فيه هو ما رأيته في المول، لقُلتُ لنفسي: “لا أرى أي شيء يوضح ألا تخدعني.” لكن ذلك يترك شيئاً مهملاً. أليس كذلك؟

“إنه يُهمِل مقداراً وفيراً من الأدلة ليست لها علاقة بموقف المُول، لكن له كل العلاقة بالرُبع الأخير من قرن من الزمان قضيته معها. لقد عرفتها بشكلٍ جيد إلى حدٍ كاف، يوماً فيوم، حتى أكون واثقاً من أنها لا يُمكن أن تخدعنى هكذا. لذلك إذا سُمح لى أن أُقدِّم أدلة العُمر هذه، لقُلتُ: “يبدو فى الظاهِر وكأنه شئ مُضحِك، لكن لا يُمكن ببساطة أن يكون صحيح أنها تخدعني. لابُدَّ أن يكون هُناك تفسير آخر.”

“افترض الآن أنها قد تلقت مُكالمة دون علمي من شخص ساعدته أن يصير مسيحياً مُنذُ عشرين عاماً. وحدث وأن كان فى المدينة، وهي لم تكُن قد رأتهُ مُنذُ عقدين من الزمان، لذلك تقابلا معاً فى المول، وكانا يسترجعان صور العائلة، ويستغرقان فى الذكريات. كان يستعِد للمغادرة إلى بلد أجنبى، وربما لن تراهُ مرةً أخرى. ولذلك، كأخ وأُخت، تماسكا الأيادي فى براءةٍ، وتحدَّثا في المول.

“حسناً، هذا يُشبِه فحصنا لمنطقية الجحيم، ربما تسأل نفسك: “هل أشتري الجحيم أم لا؟” إن كان الدليل الوحيد الذي تُفكِّر فيه أثناء تأمُلك هو مزايا وعيوب الجحيم فى حد ذاته، فإن ذلك يُشبه التأمل فى موقف زوجتي، والسماح فقط للدليل فى صالح وضد ما رأيته فى المول.

“أريد أن أؤكِد أن هُناك العديد من الأدلة الأخرى التى يجب أن تأخُذها بعين الإعتبار، والتي ليس لها علاقة بالجحيم في حد ذاته، لكنها تتصل به. ما هذا؟ إنه كل الأدلة على وجود الله، وأنه خلقك، وأن العهد الجديد جدير بالثقة تاريخياً، وأن يسوع صنع مُعجزات وقام من الموت، وأن الله يُريد أن يقضي الأبدية معك في السماء.

“عندما تُحلِّل كل ذلك، ربما ستقول لنفسك: “رغم أنني ربما لا أملك تفسيراً جيداً على نحو كامل في هذه النُقطة لسبب وجود جحيم، إلا إننى أعرف أنه يجب أن يكون هُناك جحيم لأن لدىَّ أدلة كثيرة على أن يسوع المسيح هو بالحقيقة ابن الله، وأنه قد علم عنه.”

“ولأننى يُمكِن أن أؤمن به، وفي محبته العميقة للبشر – كما اتضح من موته لأجلنا على الصليب – يُمكن أن أثق فى أن الجحيم سيكون معقولاً فى النهاية، وأننى سأرى عدله، وسوف أُدرِك في النهاية أنه أفضل بديل أخلاقي.”

سلسلة طويلة من الأدلة

كان تفسير مورلاند البسيط مُعيناً لي للغاية. فبينما تعمقتُ في أعقد عوائق الإيمان، جاءت لتبدو في شكل ضخم فى ذهني، حتى إنها طردت المعلومات الأخرى المتصلة. ومن المُمكِن أنه بينما تركز على موضوع واحد مُربِك بشكلٍ خاص بالنسبة لك، تَحدُث نفس الظاهرة.

إنَّ كشف زيف المسيحية يتطلب أكثر من مُجَرَّد إثارة اعتراض. وذلك لأن هُناك خلفية لأدلة أخرى متصلة تخلق افتراضاً قوياً لصالح الإيمان بيسوع المسيح. وببساطة، فإن فحص التحديات الفردية ليس كافياً، فهذا الامتداد الواسِع من الأدلة هو بحاجة أن يُحفَظ في الذهن بينما يتم التفكير في كل اعتراض على حِدة.

  أي نوع من الأدلة؟ لقد استنبطت مقابلاتي مع الخبراء هذه الحقائق المُقنِعة التي تسير بقوة إلى وجود الله وابنه الوحيد يسوع المسيح:

  • الانفجار العظيم. أظهر لين كريج المُساعد فى تأليف كتاب “الإيمان، والإلحاد، وكوزمولوجيا الانفجار العظيم The ism، Atheism، and Big Bang Cosmology من إصدار مطبعة جامعة أكسفورد، أن الكون والزمن ذاته كانت لهما بداية في نقطة ما من الماضي السحيق. ويُشير العلماء إلى هذا باسم الانفجار العظيم. ناقش كريج أنه كل ما يبدأ في الوجود له عِلة، وأن الكون قد بدأ في الوجود؛ ومن هُنا تكون للكون عِلة – أي خالِق غير مُسبَّب، وغير مُتغَيِّر، ولا يَحِدَّهُ زمن، وغير مادي. وحتى المُلحِد الشهير كاي نيلسن قال ذات مرة: “افترض أنك سمعت فجأة فرقعة عالية… وسألتني: “ما الذي تسبَّب فى تلك الفرقعة؟” وأجبتك: “لاشئ، إنها حدثت وحسب”، فلن تقبل ذلك. والتي أشار لها كريج قائلاً إنه إذا كانت هُناك عِلَّة واضِحة على وجود فرقعة صغيرة، أفلا يُعقَل أيضاً أن هُناك “عِلَّة” على وجود انفجار عظيم؟
  • التناغُم الجيد للكون. في الخمس والثلاثين سنة الماضية ذُهِلَ العُلماء باكتشاف مدى التوازُن المُذهِل للحياة في العالم في موضِع حَرِج للغاية. لقد كان الانفجار العظيم حدثاً منظماً على نحوٍ عال تطلَّب مِقداراً هائلاً من المعلومات، ومن لحظة الابتداء كان العالم مُتناغِماً بشكل جيد لدقة لا يُمكِن إدراكها لوجود حياة مثل حياتنا. إن اختلافاً صغيراً جداً في تقدير الاتساع المبدئي للكون، وقوة الجاذبية، أو القوة الضعيفة، أو عشرات من الثوابت والكميات الأخرى كان سيخلق كوناً مانعاً للحياة بدلاً من كَوْن مُدَعِّم للحياة. وهذا كله يؤيد استنتاج أن هُناك مُصمِماً ذكياً وراء هذا الكون.
  • القانون الأخلاقي. بدون الله، تكون الأخلاقية ببساطة نتاج تطور اجتماعي حيوي، وفي الأساس مسألة تذوق أو تفضيل شخصي. فعلى سبيل المِثال، ربما يصبح الاغتصاب مُحرَّماً أثناء التطور البشري لأنه ليس امتيازاً اجتماعياً، لكن من المُمكِن أيضاً تَصَوُّر أن الاغتصاب كان من المُمكِن أن يتطور كشئ نافِع لبقاء الأنواع. وبتعبير آخر، فإنه بدون الله لا يوجد مِعيار مُطلَق للصواب والخطأ يفرض ذاته على ضميرنا. لكننا نعرف فى أعماقنا أن القِيَم الأخلاقية الموضوعية موجودة بالفعل – فمثلاً، بعض الأفعال كالاغتصاب، وتعذيب الأطفال أمور بغيضة أخلاقياً في العالم، ومن ثم فهذا معناه أن الله موجود.
  • أصل الحياة. لا يُمكِن أن تُقدِم الدارونية نظرية يُمكِن تصديقها عن كيفية نشأة الحياة بشكل طبيعي من مواد كيميائية غير حيَّة. كان الغُلاف الجوي المبكر للأرض سيمنع تطور القوالب البنَّاءة للحياة، وكان جمع حتى أكثر مادة حية بِدائيةً سيمثل صعوبة بالِغة حتى إنه لا يُمكِن مُطلقاً أن يكون نِتاج عمليات غير مُوجَّهة أو عشوائية. بل على النقيض، فإن المقدار الشاسِع من المعلومات الدقيقة التي توجد داخل كل خلية حيَّة – المُشفَّرة في أبجدية “DNA” الكيميائية الرُباعية الحروف يؤكد بقوة وجود مُصمِم ذكي كان وراء الخلق الإعجازي للحياة.
  • مِصداقية الكتاب المقدس. توصَّل الباحِث نورمان جيسلر على نحو مُقنِع لوجود دليل على أن الكتاب المقدس مصدر يُمكن الإعتماد عليه أكثر من أي كتاب آخر من العالم القديم. فمصداقيته الأصلية تُعزز مراراً بواسطة الإكتشافات الأثرية، وكما قال: “إن كان يُمكننا أن نثق في الكتاب المقدس عندما يُخبِرنا عن أمور أرضية صريحة يُمكِن التأكُد من صِحتها، يُمكننا أن نثق به في مجالات حيث لا يُمكننا أن نؤكد على صحته مباشرةً بطريقة تجريبية”. علاوة على أن الأصل الإلهى للكتاب المقدس قد ترسَّخ بطريقتين. الأولى، هي أنه فى تحدٍ لكل الشواذ الرياضية، تحققت عشرات النبوات القديمة عن المسيا – بما فى ذلك إطار الوقت الدقيق الذي كان سيظهر فيه – تحققت بشكل إعجازي في شخص واحد فقط عبر التاريخ، يسوع الناصري. الثانية، هي أن الأنبياء الكتابيين صنعوا مُعجزات لتأكيد سُلطانهم الإلهي. وكان حتى أعداء يسوع يعترفون بمعجزاته. على النقيض من ذلك في القرآن حينما تحدَّى الكُفار “محمداً” كي يصنع معجزةً، رفض ذلك، وأخبرهم فقط أن يقرأوا سورة في القرآن، رغم أنه سلَّم بأن “الله لديه بالتأكيد القوة لإرسال علامة.”
  • قيامة يسوع. بنى كريج فرضِية قوية بأن يسوع المسيح قد قام من الأموات في التأصيل الأخير من تأكيده لألوهيته. لقد قدَّم أربع حقائق مقبولة على نطاق واسِع من قبل مؤرخي العهد الجديد. أولاً، بعد أن صُلِب يسوع، دفنه يوسف الرامي في قبر. هذا معناه أن مكانه كان معروفاً من قِبَل اليهود، والمسيحيين، والرومان على حدٍ سواء. ثانياً، في يوم الأحد بعد الصلب، فإن مجموعة من النِسوة تابِعاتِه وَجَدن القبر فارغاً. ثالثاً، في مُناسبات عديدة، وتحت ظروف متنوعة، اختبر أفراد مختلفون ومجموعات مختلفة ظهورات ليسوع قائماً من الموت. لا يُمكن رفض هذا كأمر أسطوري نتيجة للتاريخ المُبكِّر جداً لهذه الروايات. رابعاً، آمن التلاميذ الأصليون فجأة وبإخلاصٍ أن يسوع قد قام من الموت رغم ميلهم لتصديق النقيض. كانوا مُستعدين للانطلاق حتى الموت مؤكدين قيامة يسوع، وهكذا برهن على أنه ابن الله، ولا يوجد إنسان يموت وهو على عِلم وبرغبته من أجل أكذوبة.

هذا بالإضافة إلى أن الباحثين والخُبراء الثلاثة عشرة الذين قابلتهم لأجل كتابي السابق “القضية. المسيح”، أكَّدوا أن سِيَر يسوع في العهد الجديد تُواجِه الفحص العقلاني، وأنها سُلِّمت لنا على نحو موثوق فيه عبر التاريخ، وأن هُناك أدِلة وثيقة تشهد ليسوع خارِج الكتاب المقدس، وأن يسوع لم يَكُن غير مُتَّزِن نفسياً عندما صرَّح أنه الله، وأنه حقَّق كل صفات الألوهية. (رجاء النظر إلى الملحق: ملخص ” القضية. المسيح” في ختام هذا الكتاب للحصول على فكرة شاملة عن هذه النتائج.)

تفسير الدليل

يجب وزن كل اعتراض من الاعتراضات “الثمانية العنيدة” في ضوء هذا الدليل الإيجابي القوي لوجود الله ولألوهية يسوع المسيح. على سبيل المِثال، كما سلَّم بيتر كريفت في مُقابلتنا، فإن المُعاناة في هذا العالم لا تُشَكِّل دليلاً ضد وجود الله، لكنها في النهاية تستتر وراء قدر كبير من الأدلة الأخرى أن الله موجود، وأنه يُحبنا، وأنه يُمكنه أن يفدينا من مُعاناتنا، ويأتي منها بالخير. هذه الأدلة الكثيرة يُمكنها أن تمنحنا الثقة بأنه رغم أننا رُبما لا نفهم تماماً سر وجود المُعاناة أو الجحيم، فإننا يُمكِن أن نثق في أن الله عادِل، وأنه يتصرف بطريقة مُلائِمة، وأننا يوماً ما سيكون لدينا تفسير أعمق.

فى حين أن كلاً من هذه العوائق الثمانية خطير، إلا أن أياً منه لم يكن قادراً أن يتغلَّب على البيانات التي تُشير بإقناع لصحة المسيحية. عندما كُنتُ مُلحِداً أدركتُ أنني يجب أن أفعل أكثر من مُجرد إثارة اعتراضات عشوائية لعرقلة المسيحية، وكان يجب أن أطلع بسيناريو لا إيماني يتلاءم بشكل أفضل مع كل الحقائق التي سجلتها تواً. لكن الإلحاد لا يمكنه أن يُفَسِّر الانفجار العظيم، والتناغُم الجيد للكَوْنْ، ونشوء الحياة، ووجود القوانين الأخلاقية، والتأكيد الخارِق للطبيعة للكتاب المقدس، والقيامة. إن الفرضية الوحيدة التي تُوضِح هذا كله هي أن هُناك خالِقاً إلهياً ابنه الوحيد هو يسوع الناصري.

لقد فحصتُ كل عقبة على حِدة، مُحاوراً خُبراء استطاعوا أن يُقدَّموا تفسيرات مُرضِية وتحليلات مُرضِية. ثم قُمتُ بتقييم كلاً من الاعتراضات في سياق الدليل المُقنِع بأن المسيحية على حق، ومن ثم فإن الله جدير بالثقة، وأنه يُحبنا بعُمق.

استنتاجي هو أن المسيحية نشأت سالِمة. فبعد قضاء سنة في تحري الاعتراضات “الثمانية العنيدة”، ظَللتُ مُقتنعاً تماماً بأن الخطوة الأكثر عقلانية ومنطقية التي يُمكِن أن يتخِذها الناس هي أن يستثمروا إيمانهم بيسوع الناصري

المشهد الثاني: صنع اختيار

فى جامعة كاليفورنيا الجنوبية، داخِل مبنى بطوب أحمر عليه الكلمات “الحق سيحرركم” منقوشة على سطحه الخارجي، وجدتُ ليزلي وأنا جالسين في مكتب يبدو وكأنه آثار إعصار في حديقة نباتات. كان يُحيط بنا – على المكتب والأرضية وكراسي قليلة مُتبَقِّية – كومات عالية من الأوراق. كانت الأرفُف مُتخَمَة بكُتُب ثقيلة، وصُحُف بالِية، ومُنَوَّعات من التِذكارات. وكان يجلس في وسط كل هذا الفيلسوف دالاس ويلارد ساكناً – وهو أحد أبرز المُفكرين المسيحيين في أيامنا هذه.

لقد كانت فُرصة نادرة أن أتكلم مع مؤلف أكثر كتابين مسيحيين شُهرةً في العقود الأخيرة: The Spirit of the Disciplines، The Divine Conspiracy. كان حديثنا مع أستاذ الفلسفة ذات الشعر الرمادي، والذي كان يرتدي نظارة، يرتكز على كيفية مُمارسة الإيمان من خلال الصلاة.

بينما نُناقِش كيف يستجيب الناس لله، قَدَّم ويلارد مُلاحظة مُمتِعة على نحوٍ خاص: “إن القضية هي ماذا نُريد نحن؟ يقول الكتاب المقدس إنه إذا كُنتَ تبحث عن الله من كل قلبك، فسوف تجده بالتأكيد. ستجده بالتأكيد. فالإنسان الذي يريد أن يعرف الله هو الذي يكشف له الله نفسه. وإن كان إنسان لا يريد أن يعرف الله، حسناً، فالله خلق العالم والعقل البشري بطريقة لا يُجبره فيها على ذلك.”

بَسَط يده، وبحث في كومة أوراق على مكتبه، وسحب ورقةً واحدة، وقال: “هذا بيان أعطيته للطلبة في فصلي.” فأخذتُ الورقة وقرأتُ هذه الكلمات:

“الثلاثاء القادم صباحاً، بعد الإفطار مباشرةً، سيفزع كل إنسان في هذا العالم الواحد إثر قصف رعد مدوٍ. الثلج يدور في دوامات، والأوراق تتساق من الأشجار، والأرض تجيش وتلتوي، والمباني تتداعى، والأبراج تنهار. السماء تشتعل بضوء فضي غريب، وآنذاك، بينما يتطلع كل أناس هذا العالم، تنفتح السماوات، وتتفرَّق السُحُب، كاشِفةً عن تمثال ضخم مُتألِق بشكل لا يُصدَّق يُشبِه الإله زيوس، وهو يُحلِّق فوقنا مثل مائة قمة كقمة إيفرست. إنه يعبس على نحو مُظلِم بينما يُشرِف البرق على ملامح وجهه التي صممها مايكل أنجلو، ثم يُشير لأسفل إليَّ أنا، ويُشير لكل رجل، وامرأة، وطفل كي يُصغي: “كانت لدىَّ كمية كافية تماماً من مهارتك الفائقة في أمور اللاهوت. كُن مُطمئناً، يا نوروود راسيل هانسون، من أنني موجود بالتأكيد!” (3)

قال ويلارد: “لذلك سألتُ الفصل في حالة حدوث هذا بالفعل، فكيف كان سيستجيب هانسون؟”

فقُلتُ: “هل تعتقد أنه سيفسره؟”

فأجاب ويلارد: “بالقطع!، هذا أمر مؤسف تماماً، لكني أعتقد أنه سيُفسره. يجب أن نكون مُنتبهين لحقيقة أن الصلاة المُستجابة – في كل حالة يُمكِن تخَيُلها تقريباً – يُمكِن تفسيرها إذا كُنتَ تريد ذلك، هذا هو ما يفعله الناس عادةً. إنهم يقولون: “حسناً، أنا ذكيٌ جداً، لا يُمكِن الاستهزاء بي بكل هذه الأمور.”

استطعتُ أن أفهم ذلك. فقد أخبرتُ ويلارد عن وقت دخلت فيه ابنتي المولودة حديثاً العناية المُركَّزة بسبب مرض غامِض كان يُهدِد حياتها. لم يستَطِع الأطباء أن يُشَخِصوه. ورغم إنني كنت مُلحِداً، إلا إنني كنتُ يائساً جداً لدرجة إننى صلَّيتُ حقاً والتمستُ الله – إذا كان موجوداً – كي يشفيها. بعد ذلك بوقت قصير أذهلت الجميع بتَحَسُّنها تماماً فجأة، وتركنا الأطباء وهم ينبشون رؤوسهم مُندهشين.

قُلتُ لويلارد: كان إستجابتي هي أن أُفَسِّر الأمر. لقد قُلت “يا لها من مُصادفة! لابُدَّ وأنها كانت تُعاني من نوع ما من البكتريا أو أحد الفيروسات التي اختفت تلقائياً. لم أكُن حتى سأفكر في إمكانية أن يكون الله قد تدخَّل. وبدلاً من ذلك، بقيتُ في إلحادي”.

ابتسم ويلارد لسماع القصة، وقال بِرِقَّة: “أنا لا أعني أن أُشَخِّص حالتك في حضورك، ولكن هل ربما تكون كبرياؤك قد ظهرت في الطريق؟ لقد كُنتَ ذكياً جداً! ما كُنتَ ستُخدع بهذا. دع كل السيدات الكبار يُخدعن، ولكن ليس أنتَ. طالما أن الشخص لديه هذا الإتجاه تكون هذه هي استجابتهم.”

رائع! لقد كان صحيحاً في الهدف. فحتى إن كان هناك نمو لأدلة موثقة على تَدَخُّل الله، فإنني كُنتُ سآتي بأي تفسير – بغض النظر عن مدى غرابته، وبغض النظر عن عدم منطقيته – فيما عدا احتمالية أنه قد استجاب صلاتي. لقد كُنتُ مُتكبِراً للغاية لإحناء ركبتي لأي شخص، وساقِطاً للغاية في نظام حياتي اللاأخلاقي حتى إنني كُنتُ لا أريد التخلُّص منه.

استمر ويلارد قائلاً: “أراهنك أن الأمر لا يأخُذ خمس دقائق لتفسير معجزة واضحة بشكل تام كالنار التي نزلت من السماء لتلتهم المذبح في حادثة إيليا في العهد القديم. هل تعرف السبب؟ لقد فَسَّرها الناس بالفِعل! وإذا لم يفسروها، لاختلف تاريخ إسرائيل كثيراً جداً عما كان.

“والله وضع الصلاة بطريقة إذا ما كُنتَ تريد تفسيرها فإنك تستطيع. هذا هو العقل البشري. والله وضعه هكذا لهذا السبب: الله قضى بأن الناس يجب أن يُدانوا في النهاية بما يريدونه.”

إرادة للإيمان

تخللت تلك الرؤية من ويلارد أعماق رحلتي الروحية. فإن كُنتُ أريد هذا، كان يُمكنني الاستمرار في محاولة تفسير كلام الخبراء الذين قابلتهم، بغض النظر عن مدى غرابة أو تفاهة مُجادلاتي في النهاية. وصدقني، فإن عقلي قادر تماماً على صياغة كل أنواع البَيِّنات المُتقنة، والأعذار، والجِدالات المُعارِضة – حتى في وجه الحق الواضِح.

رغم ذلك، ففي النهاية الإيمان ليس هو وجود إجابات مثالية وكاملة على كل اعتراض من الاعتراضات “الثمانية العنيدة”. فباختصار، نحن لا نُطالِب بذلك المستوى من البُرهان الحاسِم في أي مجال في الحياة. القصد هو أننا بالتأكيد يكون لدينا دليل كافٍ حول الله نسلُك بُناءً عليه. وفي النهاية هذه هي القضية. الإيمان هو عن اختيار، خطوة الإرادة، قرار بأنك تريد أن تعرف الله شخصياً. إنه قول “أنا أؤمن – فأعِن عدم إيماني!” وكما قال ويلارد: “الإنسان الذي يريد أن يعرف الله هو الذي يكشف الله له نفسه”. أو كما قال لي لين أندسون: “عندما تُفَتِش أسفل السطح، ستَجِد إما إرادة للإيمان أو إرادة لعدم الإيمان. هذا هو جوهر الأمر.”

لقد كُنتُ شاكِراً لأنني لم أضطر لإلغاء عقلي كي أصير مسيحياً. الدليل الإيجابي على أن يسوع هو ابن الله الوحيد، والإجابات المُقنِعة على الاعتراضات “الثمانية العنيدة” أوضحت الطريق لي كي آخُذ تلك الخطوة. لكن كان ينبغي علىَّ أن أتغلَّب على كبريائي. كان ينبغي علىَّ أن أقاوِم الأنانية والزهو اللذان هددا بإبقائي بالخلف. كان ينبغي علىَّ أن أقهر الاهتمام الذاتي والتَمَلُّق الذاتي اللذان كانا يُغلِقان قلبي تماماً عن الله.

لكي أُطَبِّق كلمات “ويلارد” على نفسي، كانت القضية الكُبرى هي: “ماذا كُنتُ أريد؟” هل كُنتُ أريد أن أعرف الله شخصياً – أن أختبِر التَّحَرُّر من الذنب، وأن أعيش بالطريقة التي خُلِقتُ كي أعيش بها، وأن أتبع مقاصِده لأجل حياتي، وأن أستخدِم قوته للحياة اليومية، وأن أتواصل معه في هذه الحياة وللأبد في الحياة الآتية؟ إن كان الأمر كذلك، كان هناك الكثير من الأدلة لبناء قرار عقلي عليها لقبوله.

كان الأمر يرجع إلىَّ – كما أنه يرجع إليك. وكما عبَّر عنهُ ويليام لين كريج:

إذا لم يكُن الله موجوداً، فالحياة إذاً ليس لها جدوى. أما إذا كان إله الكتاب المقدس موجوداً، فالحياة إذاً لها معنى. والبديل الثاني فقط هو الذي يُمَكِّننا من أن نعيش سُعداء مُتناغِمين. ومن ثم، يبدو لي أنه من غير المعقول على نحوٍ إيجابي أن تُفَضِّل الموت، والعَبَث، والدمار، على الحياة، والمعنى، والسعادة. وكما قال بليز باسكال ننا لا نملُك شيئاً كي نخسره، وأمامنا اللامحدودية كي نكسبها. (4)

المشهد الثالث: تغيير حياة

حدث هذا المشهد الثالث بعد مُقابلتي في أتلانتا مع كريج حول موضوع المعجزات. دخلت سيارتي المُستأجرة وقُمتُ بالقيادة ببُطء في الطريق العام الداخلي إلى روما Rome، جورجيا. كان المناخ في الصباح التالي بارِداً، لكنَّهُ مُشمِس. ارتديتُ ملابِسي وتوجَهتُ إلى كنيسة لأجل خدمات يوم الأحد.

كان بالخارج ويليام نيل مور يحيي الجميع بطريقة مُهذَّبة بمُصافحتهم عند وصولهم. كان يبدو وسيماً، ويرتدي بذلة بخطوط داكِنة، وقميص مُتمَوِج أبيض، ورابطة عُنق بنية. كان وجهه لونه بُنِّي، وشعره أسود قصير، لكن أكثر شئ أتَذَكَّره كان ابتسامته: لقد كانت خجولة ودافِئة، لطيفة ومُخلِصة، ومُبهِجة ومُحِبَة بين الحين والآخر. لقد جعلتني أشعُر بالتِرحاب.

هتفت امرأة عجوز وهي تُصافِح يده لفترة قصيرة ثم انتقلت للداخِل: “مجد الرب يا أخ مور!”

مور خَدَّام مُعَيَّن فى الكنيسة الواقِعة بين مشروعين للإسكان في المُجتمع المُختلِط عِرقياً. إنه أب مُحِب، وزَوج مُخلِص، ومُعيل أمين، ومُوَظَّف جاد فى العمل، رجُل رحمة وصلاة يقضي وقت فراغه في مُساعدة المجروحين الذين يبدون وكأن الجميع نسوهم. وباختصار، فإنه مُواطِن مِثالي.

لكن بالرجوع إلى مايو 1984، كان مور في ذلك الوقت مُحتجزاً في زنزانة المحكوم عليهم بالموت في مُعتقَل ولاية جورجيا، أسفل المدخَل من الكرسي الكهربائي حيثُ عُيِن لحياته أن تنتهي في أقل من 72 ساعة.

لم تكُن هذه هي قضية إنسان برئ كونه محكوم عليه بالسجن من غير بينة كافية من قِبَل نظام العدالة. بلا شك، كان مور قاتلاً. وقد اعترف بذلك. فبعد طفولة من الفقر وجرائم صغيرة بين الحين والآخر، اِلتحق بالجيش، وأصبح فيما بعد مُكتئباً من الأعباء الزوجية والمادية. وذات ليلة أدمن المُسكِرات واقتحم منزل العجوز فريدجر ستابلتون البالغ من عمره 77 عاماً، الذي كان معروفاً أنه يحفظ مبالغ كبيرة من النقود في حجرة نومه.

من وراء باب، خرج ستابلتون بمسدسه، فيُطلِق مور عليه النار من الخلف بمسدسه. قُتِل ستابلتون في الحال، وفي غضون دقائق كان مور يهرب ومعه 5600 دولاراً. أبلغ أحد الواشين البوليس، وفي الصباح التالي تم القبض عليه في عربته خارج المدينة. وعندما تم القبض على مور بأدلة الجريمة، اِعترف بإثمه، وحُكِم عليه بالموت. لقد بَدَّدَ حياته، وتَحَوَّل إلى العُنف، والآن سيواجِه بنفسه نهاية عنيفة.

ولكن وليام نيل مور الذي كان يَعِدْ الساعات المُتبقية على إعدامه المُحَدَّد، لم يكُن نفس الإنسان الذي قتل فريدجر ستابلتون. فبعد سجنه بفترة قصيرة، زاره اثنان من قادة الكنيسة بُناءً على وصية أمه. أخبراه عن الرحمة والرجاء اللذان كانا مُتاحان له من خلال يسوع المسيح.

أوضح لي مور أثناء زيارتي إلى جورجيا قائلاً: “لم يُخبرني إنسانٌ أبداً بأن يسوع يُحبُني، وأنه مات من أجلي. لقد كان حُباً يُمكنني أن أشعُر به. كان حُباً كُنتُ أريده. كان حُباً كُنتُ أحتاجه.”

في ذلك اليوم قَبِلَ مور هِبة المسيح بالغُفران المجاني والحياة الأبدية، واعتمد على الفور في حوض صغير كان يستخدمه أمناء السجن. ولم يصبح فيما بعد نفس الإنسان أبداً.

ظَلَّ مور لمدة 16 عاماً في سجن الموت كمُبَشِّر بين السُجناء. قَادَ دِراسات كتابية، وأدار حلقات صلاة. نَصَح السُجناء، وقَدَّم الكثير منهم للإيمان بيسوع المسيح. وأرسلت بعض الكنائس بالفِعل أُناساً إليه في مكان الموت كي يُقَدِّم لهم النُصح. تلقَّى العَشرات من دورات الكتاب المقدس بالمُراسلة. ورِبح غُفران أسرة ضحيته. وأصبح معروفاً بـ “صانِع السلام” لأنه زنزانته – المُزدَحِمة بالكثير من السُجناء الذين صاروا مسيحيين من خلاله – كانت دائماً الأكثر أماناً، وهدوءاً، ونِظاماً.

في نفس الوقت اِقترب مور أكثر وأكثر من الإعدام. من الناحية القانونية، كانت قضية مُستَعصِية. فنظراً لأنه اعترف بالجريمة، لم تكُن هناك مخارج قانونية فعلية تُتيح له إطلاق سراحه بالاستئناف. وبمرور الوقت، أَكَّدَت المحاكِم حُكم الموت عليه.

“شخصية قديسة”

ومع ذلك، كان تَحَوُّل مور عميقاً جداً حتى إن الناس بدأوا ينتبهون. فبدأت الأم تريزا وآخرون يُناضِلون لإنقاذ حياته. قال سجين سابِق تقابل مع مور في السجن: “بيلي ليس كما كان. فإن أعدمتوه اليوم، فسوف تقتلون جسداً، لكنه جسد بِذِهن مُختلِف. فالأمر سيبدو وكأنه إعدام الشخص الخاطئ”. (5)

أعلن مُحرِر في Atlanta journal and Constitution مادِحاً إياه ليس فقط على تأهيله، بل أيضاً كونه “عامل تأهيل للآخرين”: “إنه شخصية قديسة فى نظر كثيرين.” (6)

قبل ساعات قليلة من وضع مور على الكرسي الكهربائي، وقبل حلق رأسه وإبطه الأيمن حتى يُمكِن توصيل الأقطاب الكهربائية المُمِيتة، أدهشت المحكمة تقريباً بإصدار تَوَقُّف مؤقَّت عن إعدامه.

والأكثر دهشة، صوَّت مجلس عفو جورجيا مؤخراً بالإجماع على استبقاء حياته بإستبدال عقوبة الإعدام بالسجن مدى الحياة. لكن ما كان مُذهلاً حقاً – في الحقيقة – الأمر الغير مسبوق في تاريخ جورجيا الحديث – هو عندما قرَّرَ مجلس عفو جورجيا أن مور – المُعتَرِف والمُدان ذات مرة بالسطو المُسلَّح والقتل – يجب إطلاق سراحه. وفي 8 نوفمبر من العام 1991 أُطْلِقَ سراحه.

بينما كُنتُ جالساً مع مور في منزله المُطِل على منظر طبيعي لأشجار صنوبر كثيفة الأوراق، سألته عن مصدر تَحَوُّله المُذهِل. سألته قائلاً: “لقد كان نظام تأهيل السجن هو الذي فعل هذا التحوُّل، أليس كذلك؟”

فضحك مور وأجاب: “لا، لم يكن ذلك”.

فاقترحتُ قائلاً: إذاً كان برنامج لتطوير الذات، أو وجود إتجاه فكري إيجابي”.

فهزَّ رأسه مؤكِداً: “لا، ليس ذلك أيضاً”.

“عقار بروزاك؟ التأمُل الفائق؟ المشورة السيكولوجية؟”

فقال: “مهلاً يا لي Lee، فأنتَ تعرِف أنه لم يكُن أياً من تلك الأمور.”

لقد كان على حق، فقد عرفتُ السبب الحقيقي، لكني أردتُ فقط أن أسمعه منه. ثم سألتُ: “إذاً ما الذي كان مسئولاً عن تَحَوُّل بيلي مور؟”

فأجاب بقوة: “بوضوح وببساطة، إنه يسوع المسيح. لقد غيَّرني بطُرُق كان لا يُمكِنني أن أتغيَّر بها من ذاتي أبداً. أعطاني هدفاً للحياة. ساعدني على عمل الشئ الصحيح. أعطاني قلباً للآخرين. لقد خلَّص نفسي.”

هذه هي قوة الإيمان لتغيير حياة الإنسان. ومن هنا، كتب الرسول بولس: “إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌالأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا.

إن بيلي مور المسيحي ليس هو بيلي مور القاتل. لقد تدخَّل الله بغُفرانه، ورحمته، وقوته، وحضور روحه الدائم. وهذا النوع من نعمة التَحَوُّل مُتاح لكل إنسان يتصرَّف وِفق الأدلة المُتاحة ليسوع المسيح باتخاذ قرار الابتعاد عن خطاياه، وقبوله كغافِر وقائِد له.

إنه فى انتظار كل من يَقْبَلون الله وطُرُقه.

ترسيخ الإيمان

لخَّصت تلك المشاهِد الثلاثة بحثي الذي استمر سنة لإجابات على العوائق “الثمانية العنيدة”. يؤكد المشهد الأول عِظَم القضية كَكُل للمسيح، وإتاحة الإجابات القوية على أقسى الأسئلة حول الإيمان المسيحي. وبتعبير آخر، هُناك مُبررات وافِرة للشخص العاقِل للإيمان بيسوع. يُلقى المشهد الثاني الضوء على ميلنا البشري لتفسير ذلك الدليل بُناءً على الكبرياء والذات. وفي النهاية، فإن الإيمان خطوة إرادة، فالله سيعطينا ما نريد. المشهد الثالث يستخدِم مِثالاً جذرياً لتوضيح رغبة الله في تغيير حياة أولئك الذين يستجيبون للدليل، ويقهرون كبريائهم، ويفتحون له قلوبهم.

وهذا كله يُمكِن أن يُختصر إلى عملية من ثلاث كلمات – التحري … القرار … التَحَوَّل – التي اِختبرتها في رحلتي الروحية. لقد استجبتُ للدليل بشكل أساسي في العام 1981 بقرار التخلي عن الإلحاد والثبات في المسيح. ومِثل مور، لم أعُد كما كُنتُ أبداً. ونظراً لانفتاح حياتي بشكل أكثر وأكثر رحابةً على الله وطُرقه، اكتشفتُ أن قِيَمي، وشخصيَّتي، وأولوياتي، وإتجاهاتي، وعلاقاتي، ورغباتي كانت تتغيَّر مع مرور الوقت – إلى الأفضل.

واليوم، نظراً لإستعادة ذكريات تحقيقي الأصلي، تَدَعَّمت ثِقتي في القرار العام 1981. إن طرح أسئلة غير مُريحة لم يُضعِف من إيماني، بل شَدَّده. والْتَحَقُق في “النقاط الرقيقة” للمسيحية رَسَّخ عندي من جديد السلامة الجوهرية والكمال المنطقي للإيمان. وحيثُ تنقَّى إيماني بصرامة الفحص الفِكري، فقد خرج إيماناً أعمق، وأغنى، وأكثر مرونة، وأكثر تأكيداً من ذي قبل.

ومع ذلك، فيما كُنتُ مُتكِئاً على ذلك الكُرسي الموجود في غُرفة معيشتي، وقد راجعتُ تحقيقي، أدركتُ أن مُهِمَّتي لم تكُن مُكتملة تماماً. فقد قدَّم المُبَشِّر الذي صار مُتَشَكِكاً – والذي أنكر بقوة وجود إله مُحِب، لكنَّه بكى اشتياقاً ليسوع – الكثير من الدوافِع لإثارة اللقاءات حول العوائق “الثمانية العنيدة” للإيمان.

كان الهدف من تحقيقي هو الحصول على إجابات للقضايا التي أزعجتني بالأكثر في رحلتي الروحية، وليس لمحاولة اِكتشاف بينة “تمبلتون” وكتاباته نقطة بنقطة. ولكن كان هناك تداخُل كبير بين القضايا التي أعاقت طريقه إلى الإيمان والنماذج التي أزعجتني عندما كنتُ باحِثاً روحياً.

تساءلتُ كيف كان سيستجيب تمبلتون لمقابلاتي مع هؤلاء الخُبراء الثمانية؟ هل سيقبل أدلتهم وحججهم؟ أم أن التقدُّم العنيد للزهايمر قد سَلَبَ قُدرته على إعادة تَذَكُّر القضايا الروحية مُجدداً؟

مذكرة رجاء

كان يوم ربيعي مُشرِق في مُنتصف ما بعد الظهيرة في مُقاطعة أورانج بكاليفونيا، حيثُ تحركتُ مع ليزلي مؤخراً. كُنتُ قد طبعتُ تواً النُسخة المخطوطة من هذا الكتاب، والتي تحتوي على ما يقرُب من 500 صفحة. وكُنتُ بِصدد جمعها في صندوق عندما دخلت ليزلي مكتبي.

“ماذا تفعل؟”

فأومأتُ تِجاه المخطوطة وأجبتُ: “هناك شخصٌ أريد أن أرسِل هذه المخطوطة إليه”.

وضعت ليزلي كوب الشاي، واقتربت لتضع ذراعها حول كتفي، وقالت: “تمبلتون، أليس كذلك؟ إنني أفكر فيه من حين للآخر. في الحقيقة كُنتُ أصلي من أجله.”

لم يُدهشني ذلك، فسألتها “تصلين ماذا؟”

“أن يكون بصحة جيدة حتى يُعيد التفكير في استنتاجاته حول الله. وأن يكون مُنفَتِحاً للتفسيرات التي تلقيتها أنتَ من الخُبراء وأن يستجيب لذلك الصِراع بداخله الذي يبدو وكأنه يجذبه إلى يسوع”.

أومأتُ برأسي. لقد كُنتُ أصلي أنا أيضاً. قلتُ: “لقد تحدثتُ مع زوجته في التليفون منذُ لحظات قليلة. وأخبرتني بأن الزهايمر لم يكُن رقيقاً معه، وأنه الآن يُعاني من مشاكل صحية أخرى. وعندما أُتيحت لي فُرصة التحدُّث معه، وسؤاله عن حال الزهايمر معه، أجاب بكلمة واحدة فقط بصوت مُكتئِب جداً، وقال: “مُدمِّر.”

فقالت ليزلي بهدوء: “آه، يؤسفني سماع هذا.”

وتنهدتُ قائلاً: “وأنا أيضاً. لحزن شديد.” وضعتُ بعض الصفحات الأخرى في الصندوق. “لقد قالت زوجته أيضاً إن بيلي جراهام جاء ليراه منذُ شهور قليلة.”

اتسعت عينا ليزلي، وقالت: “حقاً؟، وماذا حَدَث؟”

“إنهما لم يريا بعضهما الآخر على الفور. فقد قالت زوجته إنه عندما تَعَرَّف عليه تمبلتون، كان الأمر كما لو أن رجفة قد تخللته، وبدأ يصرُخ، وقد ألقى ذراعيه حوله وعانقه. لم تستطِع أن تقول أشياء رائعة كافية عن مدى لُطف ومحبة بيلي. لقد زاره زيارة قصيرة، وأكلا معاً. قالت إن بيلي صلَّى قبل الأكل. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تُتلى فيها صلاة المائدة. وبعد ذلك قبل أن يرحل، صلَّى بيلي من أجل تمبلتون.

استطعتُ أن أرى أن عيني ليزلي كانتا مملوءتان بالدموع. وقالت “أنا سعيدة جداً أنهما استطاعا أن يقضيا بعض الوقت معاً. فربما ينتُج شئ عن هذا.”

أومأتُ ثم انتقلتُ للاستمرار في تجميع المخطوطة. وقُلتُ: “لقد قالت مادلين إنها مُتَشَوِّقة لرؤية كتابي، ووَعَدَتْ بأن تقرأه لتمبلتون. أتمنى فقط أنه لم ينتظر طويلاً وأن ذهنه سيكون صافياً بدرجة كافية حتى يفهم ما قاله هؤلاء الدارِسون، لكني أشعُر بأنه كان ينبغي أن أُرسِله – إذا لم يكُن هناك مانِع.”

بعد ذلك جلستُ لأكتُب له خِطاباً، مُتمنياً له الصحة الجيدة، ومُشجِعاً إياه، بقدر الإمكان، للاحتفاظ بذهن صاف، وإلقاء نظرة جديدة على الدليل المؤيد ليسوع. وقَّعتُ اسمي ووضعتُ القلم، لكني ترددتُ في طي الخطاب. لقد أردتُ أن أكتُب شيئاً آخر، فلم أكُن مُتأكِداً فقط مما تبقى لأقوله.

تطلعتُ وراء النافِذة. كانت Saddleback Mountain رائعة المنظر تحت السماء الزرقاء. ولمُدة قصيرة غرقتُ في التفكير. وفجأة، تدفَّقَت الكلمات في ذهني. التقطتُ القلم، وأضفتُ هذه الفقرة سريعاً بينما كانت ليزلي تضع يداها فوق كتفي:

تشارلز، أرجو أن تقبل إلى قلبك ما يقوله سفر الأمثال 2: 3ـ 5: “إِنْ دَعَوْتَ الْمَعْرِفَةَ، وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ إِلَى الْفَهْمِ، إِنْ طَلَبْتَهَا كَالْفِضَّةِ، وَبَحَثْتَ عَنْهَا كَالْكُنُوزِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرَّبِّ، وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللهِ.

ختمتُ الملحوظة في ظرف، ووضعته في الصندوق، والتقطتُ مفاتيح السيارة قائلاً: “لنُرسِل هذا.”

1-Quoted in: Leadership magazine, spring 1999, 75.

2- Quoted in: Servant magazine, spring 1999, 8.

3- From the essay, “What I Do Not Believe,” by Russel Hanson, Quoted in: William A. Dembski, Intelligent Design (Downers Grove, III.: Intervarsity Press, 1999), 27, emphasis added.

4- William Lane Craig, Reasonable Faith (Wheaton: Crossway, 1984), 72.

5-Bill Montgomery, “U.S. Supreme Court Halts Execution: Even Victim’s Family Pleaded for Mercy,” The Atlanta Journal and Constitution, August 21, 1990.
6- “When Mercy Becomes Mandatory,” The Atlanta Journal and Constitution, August 16, 1990.

7- 2كورنثوس 17: 5.

 

قوة الإيمان – لي ستروبل

تقييم المستخدمون: 3.95 ( 2 أصوات)