أبحاث

كيف يمكننا التأكد من أن ما كتبه الرسل هو ما وصلنا حقا؟

وفرة هائلة في مخطوطات العهد الجديد: كيف يمكننا التأكد من أن ما كتبه الرسل هو ما وصلنا حقًا؟

كيف يمكننا التأكد من أن ما كتبه الرسل هو ما وصلنا حقا؟

كيف يمكننا التأكد من أن ما كتبه الرسل هو ما وصلنا حقا؟
كيف يمكننا التأكد من أن ما كتبه الرسل هو ما وصلنا حقا؟

كيف يمكننا التأكد من أن ما كتبه الرسل هو ما وصلنا حقًا؟

رأينا أن معظم الاختلافات بين مخطوطات العهد الجديد تتضمن مجرد اختلافات في الهجاء (إقرأ: هنا وهنا). فالجزء الأصغر (1%) من تلك الاختلافات يتعامل مع صياغة ذات معنى وبدائل قابلة للتطبيق. ولكننا حتى في هذه الحالة، فإن الكمية العظمى من الاختلافات لا تؤثر إلا في أمور ثانية صغيرة متعلقة بالمعنى.

وكما هو متوقع فإن بعض المشككين بشدة في المخطوطات القديمة يعودون إلى النص الأصلي وينتهي بهم الأمر إلى أن يصنعوا من كومة التراب جبالاً ضخمة. وينقسم هؤلاء المشككون إلى مجموعتين، وهما: الليبراليون المتطرفون، والأصوليون من أنصار “ترجمة كينج جيمس فقط”. يريدنا الليبراليون المتطرفون أن نؤمن أننا لا يمكن أن نتأكد من أي شيء فيما يختص بصياغة النص الأصلي، فلا يوجد شيء محتمل، بل كل شيء ممكن فقط، ولا يمكن تأكيد أي شيء.

أما أنصار “ترجمة كينج جيمس فقط” فيريدون منا أن نؤمن أن المخطوطات القديمة قد فسدت جميعها وأننا يجب أن نثق في الأحداث، وفي الأغلبية الأكثر اتفاقاً. لكن ما يدعو للسخرية أن كلا النظرتين تبدأ بالنتيجة التي تسعى لإثباتها، ثم تتعامل فقط مع الدليل الذي يؤيدها، وهكذا فإن النتائج تدفع إلى الوسيلة، بدلاً من أن يحدث العكس. ولا يمكن أن يصبح هذا سعياً أميناً نحو الحق.

لذلك فإن مهمتنا في هذا الفصل هي أن نناقش ما يجب أن يقوم به نقاد النص لكي يتوصلوا إلى تعيين صياغة النص الأصلي للعهد الجديد. أحياناً يتم الزعم بأنه حيث أن المخطوطات يمكن تقسيمها إلى مجموعات متشابهة. فإنه ليست لدينا فكرة عن كيفية العودة مرة أخرى للصياغة الأصلية. لكن الحقيقة أن تلك المجموعات تساعدنا على تجديد الصياغة الأصلية. فإن كانت المخطوطات غير مرتبطة ببعضها البعض، لكان لدينا القليل من الدلائل حول أيها والذي يمثل الأصل بأمانة.

ولكن بوجود مجموعات من المخطوطات، أصبح في إمكاننا بناء شجرة النسب لتوضيح أيه مجموعة من المخطوطات هي المشتقة من المجموعة الأخرى. وليس ذلك فقط، ولكن المجموعة تفترض وجود سلف مشترك. ورغم أن هذا السلف يجب إعادة بنيته وتجميعه، فإن نقاد النصوص لديهم الكثير من الأدوات المتوفرة التي تساعدهم في العثور على زمن بل وحتى مكان وجود مثل هذا السلف المشترك.

وسوف نناقش هذه العلاقات الخاصة بالنسب أكثر في الفصل التالي لكي نوضح أننا بدلاً من أن نقوض محاولاتنا لاسترداد الصياغة الأصلية. فإن مجموعات المخطوطات تسهل لنا هذه المحاولات.

إن المشكلة الأساسية للنقد النص للعهد الجديد هي هذه، حيث أن الأصول لم تعد موجودة، وحيث أن هناك اختلافات بين جميع النسخ الباقية، فكيف لنا أن نحدد صياغة النص الأصلي؟ وهناك أمران يجب مناقشتهما، وهما المواد والوسائل، وسوف نقوم في هذا الفصل بالبحث في الأمر الأول.

إننا نهوّن من الأمر عندما نقول إن المواد المستخدمة في تحديد صياغة العهد الجديد اليوناني هي كثيرة ومربكة. فما هي الصفات التي يمكن بها أن نصف فعلاً هذا الأمر؟ بينما يعاني العلماء الذين يدرسون الأدب القديم من نقص في المعلومات، فإن أولئك الذين يتعاملون مع مخطوطات العهد الجديد يعانون من وفرة هائلة في البيانات، وتتدرج هذه الوفرة تحت ثلاثة أقسام فرعية: المخطوطات اليونانية، والترجمات القديمة للعهد الجديد، المكتوبة بلغات أخرى، والاقتباسات المأخوذة من العهد الجديد في كتابات آباء الكنيسة.

المخطوطات اليونانية

تعتبر المخطوطات اليونانية هي الوثائق الأساسية المستخدمة في تحديد نصوص العهد الجديد. ويمكن تقسيمها إلى مجموعات: مخطوطات ورق بردي، ومخطوطات الحرف الإنشي أو البوصي، ومخطوطات الأحرف الصغيرة، ومخطوطات كتب الفصول التي تتلى في القداس. المجموعة الأولى – ورق البردي – تتكون من المخطوطات التي عرفت باسم المادة التي صنعت منها.

أما المجموعتان الثانية والثالثة – الحرف الإنشي والأحرف الصغيرة – فتشيران إلى أسلوب الكتابة (سواء كان بالأحرف الكبيرة أو بالكتابة اليدوية بالأحرف المتصلة) التي كتبت بها المخطوطات. أما بالنسبة للمجموعة الأخيرة – وهي كتب الفصول – فهي المخطوطات التي لا تحتوي نصوصاً متصلة من الأناجيل، أو الرسائل، ولكنها عبارة عن نصوص منظمة للدراسة والتأمل اليومي.

وتدون مخطوطات العهد الجديد أساساً في مجلد أو كتاب أو مخطوطات رقية، باستثناء ورق البردي وبعض المخطوطات الحديثة التي كتبت على الورق. وعامة فإن ورق البردي هو أقدم هذه المجموعات من المخطوطات. وبالتأكيد هو أكثرها ندرة (بسبب رقة مادة الكتابة وهشاشتها)، بينما مخطوطات الحرف الإنشي تأتي تالية لها، ويتبعها المخطوطات المكتوبة يدوياً المتصلة الصغيرة وكتب الفصول.

بحسب إحصاءات يناير 2006، فإن عدد المخطوطات اليونانية للعهد الجديد هي كما يلي:

الإجمالي كتب الفصول الأحرف الصغيرة المتصلة الأحرف الكبيرة ورق البردي
5745 2433 2877 317 118

يرجع تاريخ معظم هذه المخطوطات إلى الفترة من القرن الثاني إلى القرن السادس عشر. وأول جزء يرجع تاريخه في الأغلب إلى النصف الأول من القرن الثاني (100-150م)، الذي يعرف باسم برديات 52 أو 4.P 52 وفي السنوات الأخيرة تم اكتشاف مخبأ يحوي عدداً من مخطوطات البردي في جامعة أكسفورد، ما بين عشرة إلى خمسة عشرة مخطوطة، يرجع تاريخها إلى القرن الثاني. اثنان من هذه البرديات كبيرة وأساسية. وبداية من القرن الثالث، كان هناك تيار ثابت من الشهود على نصوص العهد الجديد.

بحلول القرن الرابع، تم إنتاج المخطوطات العظيمة ذات الأحرف الكبيرة، التي تشمل ما يعتبر الآن أقدم عهد جديد كامل، وربما يرجع تاريخ المخطوطة السينائية Sinmaiticus ومخطوطة الفاتيكان Vaticanus إلى بداية القرن الرابع. وكلا المخطوطتين، السينائية (التي يشار إليها بالحرف العبري “ألف”) ومخطوطة Vaticanus (التي يشار إليها بحرف B) تنتميان إلى ما يطلق عليه أسلوب “النص الإسكندري”. (سوف نقوم بمناقشة أساليب النصوص في الفصل التالي).

وهاتان المخطوطات ترتبطان ببعضهما البعض ارتباطاً وثيقاً، ومع ذلك فإنهما ليستا بالقرب الشديد الذي يفكر فيه البعض، فهنالك آلاف الاختلافات بينهما، ولكن كلاً منهما يرجع إلى القرن الرابع. ويعتقد كثيرون من العلماء أنه حيث أن كلا المخطوطتين تنتميان إلى نفس أسلوب النص مع وجود اختلافات كثيرة بينهما، فإن سلفهما المشترك لابد وأنه قد تم نسخه منذ عدة أجيال سبقتهما. هذا يشبه، إلى درجة ما، الأقرباء في إعادة تجمع شمل العائلة، فقد يكون البعض من أعضائها طوال القامة ونحفاء وذوي عيون زرقاء وشعر أصفر، بينما يكون هناك آخرون قصار القامة وبدناء وذوي عيون بنية وشعر أسود، كما يوجد البعض الآخر بين الاثنين.

وهكذا فإن الذين يشبهون بعضهم البعض في نقاط أساسية يمكن أن يكونوا ذوي قرابة أكثر لبعضهم البعض. وتبعاً لهذه المعايير، فإن مخطوطتي (א) و(B) هما ابنتا عمومة بعيدتان عن سلفهما المشترك القديم، الذي لابد وأنه يعود إلى عدة أجيال سابقة. وفي الحقيقة إنهما عندما تتفقان، عادة ما تعود نصوصهما المشتركة إلى بداية القرن الثاني.

على أن بعض المخطوطات اللاحقة بها دلائل على انها قد نسخت من مصدر أقدم كثيراً. فمثلاً، مخطوطة 1739، وهي مخطوطة ترجع إلى القرن العاشر ذات الأحرف الصغيرة المتصلة، الاحتمال الأكبر أنها قد نسخت مباشرة من مخطوطة أخري يرجع تاريخها إلى أواخر القرن الرابع. بل إن بعض المخطوطات القديمة تظهر دلائل أكيدة على أنها قد نسخت من مصدر أقدم منها كثيراً. فكّر مرة أخرى في مخطوطة الفاتيكان Vaticanus، التي تشبه نصها كثيراً نص برديات P75 (مخطوطتا B وP75 قريبتان من بعضهما البعض أكثر من قرب B مع א). ومع ذلك فإن مخطوطات البردي هي أقدم بقرن على الأقل من مخطوطة الفاتيكان Vaticanus.

وعندما اكتشفت مخطوطة P75 في الخمسينات من القرن العشرين. فكّر البعض في إمكانية أن تكون مخطوطة الفاتيكان Vaticanus نسخة من مخطوطة P75، ولكن هذا الرأي لم يعد مقبولاً حيث أن صياغة مخطوطة الفاتيكان Vaticanus بالتأكيد أكثر بدائية من صياغة P75 في عدة أجزاء. لكن لابد أن كلاً منها يرجع إلى سلف مشترك أقدم، قد يكون واحداً يرجع تاريخه إلى بداية القرن الثاني. وهاتان باجتماعهما مع (א) يشكلون شهادة قوية لأقدم صياغة للنص.

كثير من الأمثلة الأخرى يمكن تقديمها للمخطوطات القديمة التي يكون لها نفس أسلوب النص. وما يعنيه اتفاقها في ذلك بالنسبة لتاريخ النص. وسوف نقوم بمناقشة هذه القضايا في الفصل القادم.

الترجمات

ثاني أهم الشهود لنصوص العهد الجديد تعرف باسم الترجمات. وتعتمد قيمة الترجمة على تاريخها، وعلى أسلوب الترجمة ودقتها، ونوعية النص الذي ترجمت منه. ولكن الأساس النصي والأسلوب لا يكون من السهل دائماً تحديدهما، مما يعوق تقييم العلماء للترجمات المختلفة. مثلاً، لا يوجد في اللاتينية أداة تعريف، بينما يوجد في اليونانية درجة عالية من التطور في استخدام أداة التعريف. فاللاتينية لا تستطيع ببساطة أن تمثّل اليونانية بصورة سليمة في الأماكن التي تتضمن فيها المشكلة النصية أداة التعريف. ومع ذلك فإن الاختلافات الرئيسية في النص يمكن بسهولة تحديدها (مثل إضافة أو حذف جمل كاملة).

وأيضاً عن طريق مقارنة صياغات النصوص في الترجمات المختلفة مع الاقتباسات التي قام بها آباء الكنيسة، يكون في الإمكان تحديد وقت مجيء الترجمات المختلفة إلى الوجود. باستثناء بعض الحالات النادرة والمحكومة، بمجرد أن تتم الترجمة فإنها لم تكن تتفاعل أو تتداخل مع المخطوطات اليونانية مرة أخرى. وهذا يعني أنه عندما يكون لترجمة معينة نص واحد ثابت في نسخها الباقية، فإن المرء عادة ما يعتبر ذلك النص يرجع إلى أصل هذه الترجمة. وأهم ثلاث ترجمات هي اللاتينية والقبطية والسريانية. أما بالنسبة للترجمات الأخرى التي لها قيمة مقاربة فهي القوطية والأرمينية، ثم يتبعها الترجمات الجورجية والأثيوبية.

الترجمة اللاتينية

عبر تاريخ غني ومركب، تمكنت المخطوطات اللاتينية للعهد الجديد من السيادة على هذا المجال – في الكمية، فعدد المخطوطات اللاتينية للعهد الجديد يبلغ حوالي ضعف عددها في اليونانية، أي أكثر من عشرة آلاف، بالمقارنة بحوالي خمسة آلاف وسبعمائة في اليونانية. ويرجع تاريخ هذه المخطوطات إلى الفترة من القرن الثالث إلى القرن السادس عشر، ولكن أصولها قد تصل إلى القرن الثاني. ويمكن تأكيد هذا الأمر بفحص صياغة النص المستخدمة بواسطة بعض آباء الكنيسة مثل: إيرينيوس، وترتوليان، وجاستين مارتر، وغيرهم ممن يبدو أنهم قد استخدموا جميعاً صياغة النص (المعروفة باسم أسلوب النص الغربي) الموجودة في أقدم المخطوطات اللاتينية.

الترجمة القبطية

اللغة القبطية مبنية على اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة، فاللغة القبطية أساساً هي الهيروغليفية في ثوب يوناني (مع إضافة عدد قليل من الحروف الجديدة). وأهم لهجاتها هي السهيدية والبحرية، هذا ويمتد أصل العهد الجديد بالسهيدية إلى بداية القرن الثالث. وتوجد بها مئات، بل آلاف من المخطوطات، ولكن بضعة مئات فقط هي التي تم فهرستها. وربما يوجد على الأقل ألف مخطوطة قبطية، تمثل أسلوب النص الإسكندري.

الترجمة السريانية

ترجع أصول الكنيسة السريانية إلى القرن الثاني، وبالرغم من أنه لا توجد مخطوطات سريانية باقية للعهد الجديد منذ ذلك الوقت البعيد، فإنه من المؤكد أن العهد الجديد قد ترجم إلى اللغة السريانية ليس بعد أوائل القرن الثالث. وأقدم صياغة، بالسريانية القديمة، تمثل النص الغربي. وتعد عدد النسخ الباقية من مخطوطات العهد الجديد بالسريانية بالمئات، أو ربما بالآلاف.

ترجمات أخرى

بجانب الترجمة السريانية، واللاتينية، والقبطية، يجدر الإشارة إلى بعض الترجمات القديمة الأخرى. فالترجمة القوطية تمت أصلاً في القرن الرابع، كما حدث في الإثيوبية، وربما كانت الأرمينية من القرن الخامس. وهناك ما يزيد عن الألفي مخطوطة تمثل هذه الترجمات اليوم.

بعد أن ذكرنا كل ذلك، ربما يوجد ما بين خمسة عشر إلى عشرين ألف نص من الترجمات القديمة للعهد الجديد لا تزال باقية، فلا توجد أرقام محددة لأن ليس جميع المخطوطات قد تمت فهرستها بعناية.

آباء الكنيسة

“بجانب البرهان النصي المأخوذ من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد ومن الترجمات القديمة، يقوم الناقد النصي بمقارنة عدد كبير من الاقتباسات الكتابية المستخدمة في التفاسير، والعظات، والرسائل الأخرى المكتوبة بواسطة آباء الكنيسة الأولين. ففي الحقيقة إن هذه الاستشهادات شديدة الامتداد بحيث أنه لو أن جميع المصادر الأخرى الخاصة بمعرفتنا لنص العهد الجديد قد دمرت، فإنها ستكون وحدها كافية عملياً لإعادة بناء العهد الجديد بأكمله”

إن الاقتباسات التي قام بها آباء الكنيسة من العهد الجديد يفوق عددها المليون استشهاد – وهي ذات مصداقية! فالآباء يرجع تريخهم إلى أواخر القرن الأول، ويمتدون بثبات حتى القرن الثالث عشر، مما يجعل قيمة تحديدهم لصياغة نص العهد الجديد رائعة فوق العادة.

ومع ذلك فإن هناك مشاكل في الاستشهاد بالآباء. أولاً، لأن كتاباتهم موجودة في نسخ فقط، وليس في أصول، وبالتالي، تحتاج نصوص الآباء إلى إعادة بنائها وتنظيمها. ثانياً، البعض منها قد يفتقر إلى المصداقية لأن نفس المقطع قد يقتبس بطرق مختلفة. وعادة ما ترجع هذه الاختلافات إلى فقد الذاكرة، أو دمج الكتابات المقدسة ببنية جمل الآباء المشوهة للنسيج، أو باستخدام مخطوطات كتابية مختلفة.

في كثير من الحالات، توجد طرق لتحديد شكل الصياغة المحددة لنص العهد الجديد الذي اقتبسه أحد الآباء بقدر كبير من اليقين. وبالتحديد، عندما يقوم أحد الآباء بالاقتباس من مقطع طويل، فالأرجح أنه لا يكتبه من الذاكرة بل يكتبه من مخطوطة. وهناك طرق أخرى للتأكد من النص الذي اقتبسه أحد الآباء من العهد الجديد. بالإضافة لذلك، في بعض الأحيان يقوم أحد الآباء بمناقشة الاختلافات النصية، مشيراً إلى مخطوطة ذات صياغة معينة. “عندما برهان آباء الكنيسة بصورة سليمة، نجده ذا أهمية عظمى: فبعكس المخطوطات اليونانية القديمة، فإن لدى الآباء الإمكانية لتقديم برهان زمني وجغرافي أكيد.”

الملخص

إن ثروة المواد المتوفرة لتحديد صياغة العهد الجديد الأصلية مذهلة: فيوجد أكثر من خمسة آلاف وسبعمائة مخطوطة يونانية للعهد الجديد، كما يوجد حوالي عشرين ألف ترجمة، وأكثر من مليون استشهاد قام به آباء الكنيسة. فبالمقارنة بمتوسط مخطوطات المؤلف اليوناني القديم، تزيد نسخ العهد الجديد عنها بما يقدّر بألف مرة. وإذا كان سمك المخطوطة المتوسطة الحجم هو من بوصة ونص إلى بوصتين، تكون جميع نسخ الأعمال للكاتب اليوناني المتوسط سوف تعلو لارتفاع أربعة أقدام، بينما ستعلو نسخ العهد الجديد إلى ما يزيد عن ميل! إنها بالحقيقة وفرة هائلة.

كما رأينا في فصل سابق، فإن هذه الآلاف من المخطوطات والترجمات واقتباسات آباء الكنيسة قد أنتجت مئات الآلاف من الاختلافات النصية. وقد أشرنا أيضاً إلى أن نص العهد الجديد هو ثابت بصورة ملحوظة عبر العديد من القرون أثناء نقله، وأنه يوجد فقط حوالي 1% من الاختلافات ذات المعنى والقابلة للتطبيق، هذان الاعتباران – أي عدد المخطوطات وعدد الاختلافات – يقودانا إلى قضيتنا التالية: كيف يقوم العلماء بفحص كل هذه المواد؟ وما الوسائل التي يستخدمونها لتحديد الصياغة الأصلية للعهد الجديد؟

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)