أبحاث

تأثر القديس يوحنا الإنجيلي بالجو الغنوصي في كتابته للإنجيل – د. عدنان طرابلسي

تأثر القديس يوحنا الإنجيلي بالجو الغنوصي في كتابته للإنجيل - د. عدنان طرابلسي

تأثر القديس يوحنا الإنجيلي بالجو الغنوصي في كتابته للإنجيل – د. عدنان طرابلسي

تأثر القديس يوحنا الإنجيلي بالجو الغنوصي في كتابته للإنجيل - د. عدنان طرابلسي
تأثر القديس يوحنا الإنجيلي بالجو الغنوصي في كتابته للإنجيل – د. عدنان طرابلسي

 

ما مدى تأثر القديس يوحنا الإنجيلي بالجو الغنوصي في كتابته للإنجيل؟

تناول الكثير من الدارسين مناقشة فكرة تأثّر يوحنا الإنجيلي بالغنوصية عند كتابته لإنجيله. وقد وجدت هذه النظرية كما يقول أحدهم “تعبيرٌ علمي ليس له تعريفٌ علمي مقبولٌ بشكل واسع”. إنما يمكن أن نلتمس أنماطاً عامة تميّز الغنوصية.

مثلاً: الثنائية المزدوجة، وجود كائنات وسيطة بين الله والإنسان، وساطة هؤلاء الكائنات في إحداث الشر والعالم المادي، النفس كشعاعٍ إلهي مسجون في المادة، ضرورة المعرفة المكتسبة بالإلهام (الكشف) لتحرير الروح وقيادتها إلى النور، المحدودية العددية للقادرين على نيل هذا الإلهام، المخلّص صاحب الكشف الإلهي. لا يوجد عنصر واحد من هذه العناصر متّفقٌ عليه أنه السمة الأساسية للغنوصية.

كلمة الغنوصية مأخوذة من الكلمة اليونانية gnosis التي تعني المعرفة. الغنوصية التي نعرفها من ملاحظات آباء الكنيسة في كتابتهم هي حركة ظهرت في القرن الثاني بشكل متطور. لهذا بما أن إنجيل يوحنا قد كُتب بين الأعوام 90-100 فإنه لم يتأثّر بهذه الغنوصية بالذات. إنما يوجد ميل بين البحّاثين إلى افتراض وجود شكلٍ أبكر من الغنوصية (غنوصية يهودية وما قبل مسيحية).

مقارنة إنجيل يوحنا بالغنوصية المسيحية: في العام 1935 تمّ اكتشاف مجموعة من الوثائق المسيحية الغنوصية في مصر مكتوبة باللغة القبطية تعود إلى القرن الثاني. من هذه الأعمال الغنوصية “إنجيل الحقيقة” من مدرسة فالانتينوس الغنوصي، و”إنجيل توما”.

أظهرت الدراسات المقارنة بين هذين العملين وإنجيل يوحنا أن الفرق كبير جداً بينها وأن التعابير فيها قد أُستعملت بصورة متباينة جداً. وإن كانت توجد علاقة بين غنوصية القرن الثاني وإنجيل يوحنا فإن هذه الغنوصية قد اقتبست تعابير إنجيل يوحنا (وليس العكس) واستعملتها بطريقة غنوصية.

مقارنة إنجيل يوحنا بالغنوصية ما قبل المسيحية: بولتمان هو من أكبر مؤيدي نظرية تأثر يوحنا بالغنوصية. إذ أعاد صياغة الإنجيل ليظهر العناصر الغنوصية المفترضة الكامنة فيه. افترض بولتمان العناصر الغنوصية التالية: ثنائية النور والظلام، وجود كائنات إلى جانب الله (الملائكة)، وجود الإنسان الأصلي، إنسان النور والصلاح الذي انقسم إلى جزيئات صغيرة من نور هي النفوس البشرية التي زُرعت في عالم الظلام. إن مهمة الشياطين أن تجعل هذه النفوس تنسى أصلها السماوي.

عندئذ يرسل الله ابنه بشكل جسدي ليوقظ هذه النفوس ويحرّرها من أجسادها، أجساد الظلمة، ويرجعها إلى موكنها السماوي. ويفعل هذا بإعلان الحقيقة وبإعطاء النفوس المعرفة الحقيقية (gnosis) التي ستمكنها من الرجوع إلى السماء. يسوع هو الفادي الغنوصي المفترض الذي كان سابق الوجود (يو 1:1) والذي صار جسداً (يو 14:1) وعاد أخيراً إلى الله. إن التهمة الرئيسية التي وجّهت إلى بولتمان هي أنه يفترض أنه كانت توجد غنوصية في خلفية يوحنا الإنجيلي ومن ثم يستعمل بولتمان يوحنا كمصدر رئيسي له لإعادة صياغة هذه الغنوصية.

لكن بولتمان يدّعي بأنه يوجد دليل آخر على هذه الغنوصية ما قبل المسيحية في أشعار سليمان وخاصة في الكتابات الماندية Madndean([1]). إن أقدم أشكال اللاهوت الماندي يعود إلى مرحلة متأخرة من العهد المسيحي ومن المستحيل أن يكون يوحنا قد تأثّر بهذا الفكر الغنوصي. لكن بولتمان يفترض أن الفكر الماندي يمثل تطوراً لاحقاً لغنوصية افترضها موجودة بين تلاميذ يوحنا المعمدان وأن هذا الفكر كان خلفية يوحنا الإنجيلي في كتابة إنجيله. لكن النقد الأدبي يشير إلى أن الفكر الماندي الغنوصي هو متأخر.

فعندما تظهر الغنوصية في القرن الثاني فإنها مزيج من تيارات فكرية مختلفة، بعضها قديم. لكن السؤال: هل كانت هذه التيارات متحدة معاً في العصر ما قبل المسيحي؟ لأن اتحد هذه التيارات هو الذي أنتج الغنوصية. فاكتشافات المخطوطات الغنوصية في مصر قد أثبتت صحة رأي الآباء القائل إنّ الغنوصية هرطقة مسيحية لأن شخص المسيح قد ساعد على صياغة المواقف والعناصر الغنوصية البدائية في جسد مجدد من الفكر الغنوصي.

مثلاً، إن المخلّص الغنوصي قد تطابق مع ابن الإنسان في تطور لاحق بعد كتابة إنجيل يوحنا. أيضاً يوجد عنصر آخر يطعن في نظرية بولتمان وهو أن فكر جماعة قمران لا ينطبق على فكر الهرطقة الماندية في القرن الأول. صحيحٌ أنه كانت توجد لدى جماعة قمران ثنائية معدلّة، وعناصر غنوصية بدائية، لكن لا توجد أسطورة الفادي ولا غنوصية متطورة.

بالنسبة لثنائية النور والظلام: ففي العهد القديم موضوع “النور” مهم منذ مطلع سفر التكوين وعمود الغمام. واستشهد متى الإنجيلي (16:4) بنص من أشعياء (23:8 و 1:9) مشهور: “الشعب الجالس في الظلمة أبصر نوراً عظيماً، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نورٌ” (متى 15:4). والإصحاح 9 من أشعياء نبؤة عن ظهور المسيح المخلّص.

وسمعان الشيخ سمّى يسوع “نوراً للأمم” كما في أشعياء (لو 32:2 وأشع 6:42 و 6:49 و 19:60-20). وفي المزامير: “الرب نوري ومخلّصي” (26/1:27 و 35/10:36 وميخا 8:7). و”أيها الرب إلهي، لقد عظمت جداً. بالبهاء والجلال تسربلت. اللابس النور كالثوب” (1:103-2)([2]).

باختصار، لا يمكن البرهان على صحة فرضية أن يوحنا الإنجيلي قد اقترض بعض الأفكار الغنوصية البدائية التي وجدت ما قبل المسيحية. ومن جهة أخرى من الثابت أن يوحنا الإنجيلي قد تأثّر بعناصر معينة مهمة في كتابة إنجيله. فكان يفسّر يسوع بألفاظ العهد القديم عن الحكمة المشخصة. وكان الفكر الفريّسي أوضح في إنجيله (دُعي يسوع ربّاي في إنجيل يوحنا أكثر من الإزائية).

وركز في الإنجيل والرؤيا على أن يسوع هو يهوه ( 24:8 و 28 و 58 و 19:13 ورؤ 8:1)، الرب الإله القدير، الألف والياء (رؤ 8:1 وأشعياء). وركز على بنوّة يسوع للآب، وعلى كونه الخروف الفصحى الحقيقي. فمواضيعه متأصّلة في العهد القديم. والرؤيا تتضمن 508 آية بينما تلمّح إلى 516 آية من العهد القديم. ويسوع فيها هو العريس والكنيسة هي العروس. المواضيع كتابية من العهد القديم والعهد الجديد. (د. عدنان طرابلسي)

([1])  الماندية وأتابعها المانديون Mandeans هرطقة تُنسب إلى ماندا Manda ويعني اسمه معرفة الحياة. وقد تعمّد على يد يوحنا المعمدان. لاهوتها خليط من التقاليد اليهودية والأسطورة الغنوصية والمسيحية النسطورية والسريانية. مازات بقاياهم “الصابئة” في العراق.

([2]) في المزامير: “نور وجهك” (7:4 و 4:43 و 16:88 و 1:67). و”بنورك نعاين النور” و”أرسل نورك وحقك” (3:42). في أشعياء “نور الرب” (5:3). وفي الفصل 13 من كتاب الأب اسبيرو جبور “يهوه أم يسوع؟” كلام مستفيض عن مجد يهوه. راجع أيضاً فهرس الكتاب المقدس، كلمة “نور”.

تأثر القديس يوحنا الإنجيلي بالجو الغنوصي في كتابته للإنجيل – د. عدنان طرابلسي

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !