أبحاث

أسئلة عن الإيمان – تصميم منهجيات – أليستر ماكجراث (الدفاعيات المجردة)

أسئلة عن الإيمان – تصميم منهجيات – أليستر ماكجراث (الدفاعيات المجردة)

أسئلة عن الإيمان - تصميم منهجيات – أليستر ماكجراث (الدفاعيات المجردة)
أسئلة عن الإيمان – تصميم منهجيات – أليستر ماكجراث (الدفاعيات المجردة)

تُعني الدفاعيات بتوصيل فرح الإيمان المسيحي واتساقه وملاءمته للحياة من ناحية، وبالتعامل مع ما يواجهه الناس من شكوك ومخاوف وتساؤلات حول الإيمان من ناحية أخرى. وهذا ما نراه منذ زمن العهد الجديد حتى الآن.[1] والدفاعيات تؤكد وجود إجابات أمينة ومقنعة للأسئلة المخلصة التي يسألها الناس عن الإيمان. وهذه الأسئلة لابد أن تُحترم وتؤخذ على محمل الجد. والأهم من هذا، أنه يجب الإجابة عليها. والأهم من هذا وذاك أن الإجابات موجودة.

وتختلف الأسئلة التي تثار حول الإيمان من ثقافة إلى أخرى. فالكُتاب المسيحيون الأوائل، على سبيل المثال، انشغلوا بكيفية مواجهة نقد الفلسفة الأفلاطونية لمعتقداتهم من ناحية، وبكيفية تصميم أسّاليب فعالة لتوصيل إيمانهم وإبراز جماله للأفلاطونيين من ناحية أخرى.

في حين أنه في بداية العصور الوسطى ركز الكثير من اللاهوتيين في أوروبا الغربية، ومن بينهم الفيلسوف العظيم توما الأكويني، على الأسئلة الدفاعية التي أثارها الكُتاب المسلمون. (كان للإسلام تواجد قوي في أسبانيا وشمال فرنسا آنذاك). وفي هذا الصدد أيضًا، علينا أن نُقدر أهمية المستمتعين. لأنه كما تشكل طبيعة المستمتع أسلوبنا في تقديم الإيمان المسيحي، تشكل كذلك الأسئلة التي يطرحها عن المسيحية.

فالأسئلة التي تُطرح في الإطار الإسلامي مثلاً غالبًا ما تتعلق بتاريخ الكنيسة (ولاسيما فترة الحروب الصليبية)، وتتعلق أيضًا بتعليم الثالوث، وبألوهية المسيح، وهما العقيدتان اللتان ينظر إليهما المسلم باعتبارهما متعارضتين تمامًا مع جوهر عقيدة التوحيد في الإسلام.

أما الإطار العقلاني، غالبًا ما يطرح أسئلة تتعلق بالعقائد “غير العقلانية” (مثل عقيدة الثالوث أو الإيمان بأن يسوع هو الله وإنسان في آن)، أو الأسئلة التي تشكك في صلاح الطبيعة البشرية أو استقلاليتها (مثل عقيدة الخطية الأصلية). في حين أنه في إطار ما بعد الحداثة غالبًا ما تتعلق الأسئلة بفكر العهد الجديد الذي يؤكد أن يسوع المسيح هو الطريق الوحيد للخلاص (وهو ما يُعتبر منافيًا لفكر ما بعد الحداثة الذي يمجد التعددية).

فالنقطة المهمة هنا أن تفهم مستمعيك وتتعرف على شكوكهم وأسئلتهم. ولا يجب أن تنظر إلى هذه الأسئلة باعتبارها تهديدات مكروهة، بل رحِّب بها على اعتبار أنها يمكن أن تمثل مداخل للإيمان. فالسؤال يعني أن صاحبه مهتم وراغب في الاستماع.

وقد يكون هدف السائل أن يسدد لك الضربة القاضية بسؤاله، ولكن حتى لو كان الأمر كذلك، فالسؤال يتيح لك فرصة ذهبية لتوصيل الإنجيل عليك أن تقدرها وتنتهزها، لأن هذا النوع من الأسئلة يمنحك الفرصة لتزيل الغموض عن بعض ألغاز الحياة العويصة، ومن هذه النقطة يمكنك أن تشرح الرؤية المسيحية للواقع وتبرز حُسنها. ففي دفاعك عن المسيحية، لا داعي لتكوين توجه دفاعي، وكأنك تدافع عن عقيدتك ضد هجوم يُشن ضدها.

ولكن عليك أن تنظر لكل سؤال على أنه فرصة لإزالة سوء الفهم، وإظهار مصداقية الإيمان وجاذبيته، والحديث عن تأثيره على الحياة. ومن ثم، لابد من الترحيب بالأسئلة ولابد من تكوين إجابات جيدة وتقديمها للسائل. والإجابات متوفرة بالفعل، وليس علينا سوى أن نكتشفها ونطوعها بما يتناسب مع مهاراتنا في الحديث ومع الجمهور الذي نتفاعل معه.

فكيف نتعامل مع هذه الأسئلة؟ تقدم بعض الكتب الدراسية في الدفاعيات إجابات ثابتة لأسئلة ثابتة، وتشجع القارئ على إتقان هذه الردود الروتينية حتى يدافع عن الإيمان المسيحي بإخلاص وفاعلية.[2] ولكن بحكم مهنتي في التدريس، أقول إني أفضل منهجًا مختلفًا.

فأفضل الإجابات التي نقدمها للأسئلة التي يطرحها الناس عن الإيمان ليست تلك التي نأخذها من الكتب الدراسية أو المصبوبة في قوالب جاهزة، ولكن أفضل الإجابات هي التي يُكونها المدافعون فرادي في معالجتهم للأسئلة التي تُطرح عليهم، بناءً على حالة السائل، والموارد المتاحة للإجابة. ومن ثم، على المدافع ألا يَقنع بالإجابات المستعارة، بل عليه أن يكْون إجاباته بنفسه. أي باختصار عليه أن يمتلك إجاباته. فلا تُقدم إجابة إلا إذا كانت مُرضية لك شخصيًا.

وهذا الفصل لا يعرض قائمة تفصيلية بالعثرات التي تواجه الناس في الإيمان والإجابات التي يمكنك تقديمها ردًا عليها. ولكنه يهدف إلى تشجيعك على تكوين إجاباتك الخاصة، بمعنى أنه يُعلمك منهجًا، دون أن يقدم لك عبوة جاهزة من الإجابات تقصها وتلصقها في عقلك. وسوف نتناول أولاً بعض المبادئ العامة للتعامل مع الأسئلة والمخاوف والشكوك.

ولكن قبل أن نستعرض هذه الأسئلة، لابد أن نحدد إطارًا يساعدنا على فهم دور المدافع. وسوف أسوق صورة بصرية تُقرب الفكرة. يُلاحَظ أن الكثير من المدافعين يصابون بالإحباط عندما تُطرح عليهم أسئلة صادقة ويقدمون لها إجابات يرونها جيدة، ولكنها لا تؤثر على مستمعيهم تأثيرًا واضحًا. وذلك لأنهم يعتقدون أنهم إذا قدموا إجابة جيدة فليس هناك ما يمنع الشخص من قبول الإيمان على الفور. ولكن للأسف، من الواضح أن الحياة أعقد من هذا النموذج البسيط.

والصورة التي طالما رأيتها مفيدة في هذا الصدد أن نتخيل أن كل شخص هو غالبًا على الطريق المؤدي من الشك أو عدم الإيمان إلى الإيمان. وذلك الطريق عند البعض سهل وممهد، ولا تكثر فيه العوائق الصعبة. ولكنه عند البعض الآخر طويل وصعب ومليء بالحفر وغيرها من العوائق التي تقف أمام الإيمان على طول الطريق.

ولكن المشكلة أن المدافع الذي يراقب الموقف من الخارج لا يعرف طبيعة الطريق الذي يسير فيه الشخص، فهو لا يعرف ماإذا كانت المشكلة التي يثيرها مَن يتحدث إله هي العائق الوحيد الذي مازال يقف أما الإيمان، أم أن هناك كمية ضخمة من المشكلات التي لم يتم التعامل معها بعد. إن كل ما يمكن المدافع أن يفعله هو أن يقدم إجابة جيدة ويثق أن البذرة قد ألقيت، وأن العوائق نقَص منها واحد، وهو ما يعني أن وظيفتنا أن ننقل الناس خطوة واحدة على الطريق.

وهذه الخطوة ستكون الأخيرة عند البعض، ولكنها عند البعض الآخر ستكوان مجرد خطوة ضمن خطوات عديدة على الطريق. ولكنهم الآن أقرب مما كانوا. فوظيفة المدافع إذَن أن يسير مع الشخص على الطريق إلى الإيمان ويتركه في نقطة أقرب إلى الهدف مما بدأ.

وسنستعرض في جزء لاحق من هذا الفصل دراستّي حالة تقدمان صورة للاعتراضات والشكوك التي غالبًا ما تثار حول المسيحية في المناقشات. وقد تم اختيارهما بوصفهما نموذجًا للشكوك الحقيقية، وسنتعلم منهما أيضًا كيفية تكوين الإجابات الجيدة. 

الأسئلة والشكوك: بعض النقاط الأساسية:

من المفيد ونحن نتعامل مع الأسئلة أن نضعها في نصابها الصحيح ونحاول إيجاد أفضل طريقة للتعامل معها. ومعظم المدافعين يكتشفون أن الخبرة تساعدهم كثيرًا في تطوير قدراتهم على التعرف على الأسئلة والإجابة عنها.

1- كن رقيقًا:

يُذكرنا بولس أننا «سفراء عن المسيح» (2 كو 5: 20). لذلك، علينا أن نتذكر أننا لابد أن نجسد قيم الإنجيل في إجاباتنا على الناس. ولابد في هذه المواقف أن نُظهر رقة قلب الله لا غرورنا البشري أو عصيبتنا. حاول أن تقدم إجابات مهذبة، تراعي مشاعر الآخرين، وتساعدهم، وخصوصًا إن كان السؤال يوحي بأن السائل لا يفهم الإيمان المسيحي جيدًا، أو أن لديه نظرة مضخمة لقدراته العقلية.

2- ما السؤال الحقيقي؟

غالبًا ما يُنصح المدافعون أن يحاولوا اكتشاف السؤال المختفي وراء السؤال. ما معنى هذا؟ تخيل أنك سئلت هذا السؤال: كيف يسمح إله صالح بالمعاناة في العالم؟ قد ينظر السائل إلى هذا السؤال باعتباره مشكلة فكرية بحتة يبحث لها عن إجابة فلسفية شافية. فاحرص على أن تكون قادرًا على تقديم هذه الإجابة.

ولكن ربما أن حقيقة الأمر تختلف عن ذلك تمامًا. فمحتمل أن السائل فتاة كانت تجلس بجوار أمها وهي تراها تعاني آلامًا مبرحة ليلة وراء الأخرى في المراحل الأخيرة من سرطان العظام، إلى أن فارقت الحياة منذ أسبوع. وفي هذه الحالة فهي لا تتعامل مع المسألة انطلاقًا من فضول فكري، ولكن انطلاقًا من ألم نفسي عميق. وهي لا تنتظر منك أن تلقى عليها محاضرة فلسفية. ولكنها تحتاج لتعاطفك وتفهمك. ولذلك، الإجابة التي تنتظرها قد تكون وجودية أكثر منها فكرية، أي أنها تحتاج لمن يطمئنها أن الله يسير معها في وديان الحياة المظلمة.

ومن الطرق التي وجدتها مفيدة في التعامل مع هذه القضية أن أرحب بالسؤال ثم أسأل صاحبه عما إذا كان لا يمانع في أن يطلعني على سر اهتمامه بهذا السؤال، مما يساعدني على اكتشاف السؤال الحقيقي فأتعامل معه بالأسلوب الصحيح.

3- لا تقدم إجابات سابقة التجهيز للأسئلة الصادقة:

من السهل أن نسقط في إغراء حفظ مجموعة من الإجابات لعدد من الأسئلة وترديدها بشكل آلي لمن يسألنا عن الإيمان. إلا أن هذا الأسلوب عديم الفاعلية لسببين وجيهين. أولهما أن الأمر سينتهي بك إلى ما يشبه الماكينة المبرمجة التي تضخ إجابات محفوظة لا تلائم السامع.

وثانيهما أنك قد لا تجد في مخزون إجاباتك الرد المناسب للسؤال المطروح، فتقدم إجابة لسؤال آخر مختلف. والمستمعون يلاحظون ذلك ويرون أن هذه الردود غير شافية وغير مقنعة. ولذلك، على المدافع أن يصغي ويجيب عن السؤال المطروح فعليًا لا عن سؤال مختلف، وهو ما قد يجبرنا على تكييف ما لدينا من إجابات “ثابتة” وتطويرها.

4 – تعَلم من مدافعين آخرين:

من أفيد الأشياء التي أفعلها مع طلابي في “مركز أكسفورد للدفاعيات المسيحية” أن أجمع منهم فريقًا ما بين ستة طلاب واثني عشر طالبًا لنناقش الردود التي يمكن أن نقدمها للأسئلة التي يطرحها الناس علينا. فأبدأ بطرح سؤال وأترك للطلاب يضع دقائق لتحضير إجاباتهم. ثم نراجع كل الإجابات معًا من حيث أسلوبها ومضمونها. وما نتيجة ذلك؟ إكساب الطلاب خبرة في إجابة الأسئلة، والأهم من ذلك تزويدهم بحوالي اثنتي عشرة طريقة مختلفة للتعامل مع السؤال. والجميع يغادرون المجموعة بفهم أفضل لكيفية تقديم إجابة مفيدة للسؤال.

ومن أفضل الطرق لتْكون ردودًا على الشكوك والاعتراضات التي تثار ضد الإيمان أن تتعلم من الآخرين الذين صنعوا فن الدفاعيات، من أمثال “وليم لين كريج”، أو “پيتر كريفت” Peter Kreeft، أو “راڤي زكراياس” Ravi Zacharias. ويمكنك أن تجد على الإنترنت مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية لمحاضراتهم التي تنتهي عادةً بأسئلة وأجوبة. استمع لإجاباتهم عن أسئلة الجمهور. ولاحظ كلاً من أسلوب الإجابة ومحتواها. فليس المهم ما تقول فحسب، بل كيف تقوله.

وحتى تكُون منهجاً خاصًا بك، سنتناول بعض الأسئلة التي تُطرح عادةً في المحاضرات والحوارات الدفاعية، وبعض الأساليب المقترحة للتعامل معها. ولكن لا يجب النظر إلى هذا التحليل باعتباره تحليلاً شاملاً ولا متعمقًا.

ولكنه يزودك بفكرة عن بعض الأساليب التي يمكن استخدامها للتعامل مع كل سؤال، ثم يتركك لتقرر ما ستقوله أنت ردًا على هذا السؤال. وفي كل حالة سنحدد بعض الأركان الأساسية التي يمكن تدمجها في إجاباتك. وهي تمثل الخيوط، أما طريقة نسجها معًا تتمثل في منهجك الخاص في الدفاعيات والأسئلة التي تحتاج أن تتعامل معها. وسنبدأ بمشكلة الألم.

دراسة حالة (1): لماذا يسمح الله بالألم؟

أول دراسة حالة سنتعرض لها تتعلق بقضية دائمًا ما تثار سواء في المناظرات العامة أو الأحاديث الخاصة. وهي تقول إن كان الله صالحًا، فما سر المعاناة التي نراها في العالم؟ لماذا تحدث أشياء سيئة في كونٍ خلقه إله يُفترض أنه محب؟ إنه سؤال مهم في حد ذاته. ولكنه يساعدنا أيضًا لتكتشف كيفية تكويننا للأجابات عن كل الأسئلة التي تطرح علينا.

وفيما يلي، سندرس مجموعة من النقاط التي يمكن تقديمها ردًا على سؤال الألم. وكل منها خيط يمكن استخدامه بمفرده أو نسجه مع خيوط أخرى فتصبح جزءًا من النسق في لوحة أكثر ثراء.

ولنطرح على أنفسنا أولاً هذا السؤال: لماذا يرى الكثيرون أن وجود الألم في العالم مشكلة؟ من الوهلة الأولى، تبدو إجابة السؤال مباشرة، ألا وهو أن القضية تنطوي على تناقض منطقي، فإن كان الله صالحًا، لماذا نرى الشر في العالم؟ عند البعض، هذه هي القضية الحقيقية التي يجب التعامل معها، ومحتمل أنها تهدد إيمان الشخص. لذلك، يحتاج هذا السؤال لإجابة منطقية عقلانية.

ولكن كما أشرنا آنفًا، الألم يثير شكوكًا أعمق عند البعض، فمن المحتمل أنهم يعانون من مشاعر الحيرة والحزن العميق بسبب آلام أحد أحبائهم أو بسبب موته. وفي هذه الحالة لن يعنيهم المنطقُ كثيرًا، لأن مشكلتهم ليست في أن يفهموا الألم بل أن يتعاملوا معه.

وهم ليسوا قلقين لئلا يتضح أن الإيمان المسيحي غير منطقي، ولكنهم قلقون لئلا يتضح أن الكون بلا معنى، كما أشار الكاتب والممثل الكوميدي “وودي ألن” Woody Allen في ملاحظة ساخرة ذات مرة: «إن الجنس البشري يقف اليوم في مفترق طرق لم يشهده مطلقًا على مر التاريخ. وأحد الطريقين يؤدي إلى اليأس وفقدان الأمل التام، والطريق الآخر يؤدي إلى الانقراض النهائي. فلنُصلِ أن يمنحنا الله حكمة الاختيار.»

ومن ثم على المدافع أن يعي أن هذا السؤال يجب التعامل معه على مستويات مختلفة. فبعض الناس لا يحتاجون إلا لتشريح كلينيكي جاف للقضايا الفكرية المتضمنة في الموضوع، في حين أن مثل هذا التحليل سيصيب البعض الآخر بالارتباك والتشوش، خاصةً لأن ما يشغلهم هو قلق وجودي وليس قلقًا فكريًا.

فخبرة الألم عند الكثيرين تمثل مشكلة قلب أكثر منها مشكلة عقل. والسؤال الذي يشغلهم ليس «كيف أفهم هذا الألم على المستوى الفكري؟» بل «كيف أتعامل معه على المستوى الوجودي؟»[3] وفي هذه الحالة يحتاج الشخص إلى مشاركة وجدانية بقدر ما يحتاج إلى حكمة فكرية.

وأول نقطة يجب التركيز عليها أننا لابد أن نتعلم التعايش مع الأسئلة، فما من أحد لديه إجابة قاطعة لمشكلة الألم. فالألم عند الملحد العنيف “ريتشارد دوكينز” عديم المعنى ولا غرض له، وهو الشيء المتوقع في هذا الكون الذي لا غرض له. وكل ما علينا أن نعتاد هذا الوضع. إجابة منظمة ولكنها محبطة جداً للكثيرين، وتطالبهم بأن يرتفعوا فوق ما يرونه في هذا العالم من ألم وانعدام للمعنى.

أما الكثير من الكُتاب الرواقيين القدامى فقد رأوا أن البشر لابد أن يخترعوا عوالم خاصة بهم لها معنى وسط عالم عبثي بلا معنى. وهذا أفضل ما يمكننا أن نصبوا إليه، أن نفرض معنى على عالم هو في الأساس عشوائي وبلا غرض.

ويقول بعض الملحدين إن الألم شر، وهو في حد ذاته كافٍ لدحض فكرة وجود الله. وهي حجة غريبة لأن الفحص الدقيق يبين أنها تفند نفسها بنفسها. فالحجة المبنية على وجود الشر التي تستخدم لإثبات عدم وجود الله تعتمد على الاعتراف بأن الألم شر. ولكن هذا التصريح ليس ملاحظة تقوم على التجريب، ولكنها حكم أخلاقي. فالألم طبيعي، ولكنا عندما نقول إنه شر، فهذا يعني أننا افترضنا إطارًا أخلاقيًا مسبقًا يضع مقاييس واضحة لما هو خير وما هو شر.

ولكن من أين يأتي هذا الإطار؟ فنجاح هذه الحجة يتطلب وجود إطار أخلاقي مطلق، يشير في حد ذاته إلى وجود الله. وهكذا يبدو في نهاية الأمر أن عدم وجود الله يعتمد على وجود الله. إذن فالحجة ليست موفقة. وإن كانت رؤيتي الشخصية تقول بأن الطبيعة شر، فهذه الرؤية لا علاقة لها بمسألة وجود الله، ولكنها قد تكشف شيئًا من نظرتي الساذجة العاطفية، لا عن البنية العميقة للكون.

ولابد هنا أن ننظر للموضوع بشكل أعمق. فالمسيحية تعلن أن الله تألم في المسيح. أي أن الله يعرف معنى الألم. والرسالة إلى العبرانيين تتحدث عن يسوع باعتباره شخصًا يتألم معنا )عب 4: 15). وإن كان ذلك لا يفسر الألم، ولكنه بلا شك يجعلنا أكثر قدرة على تحمله. ويعكس فكرة عميقة، ألا وهي أن الله ذاق المعاناة بنفسه كما نذوقها نحن.

ففي التجسد، الله الخالق يدخل إلى عالم الألم والمعاناة الذي نعيش فيه، لا سائحًا متفرجًا، بل مخلِّصًا ملتزمًا بخليقته، وهكذا يدرك المسيحي ـن التزام الله المحب من نحو عالم متألم دفعه ليدخل فيه شخصيًا، دون أن يرسل مندوبًا عنه، ولكنه اختار أن يشارك في ألمه ومعاناته. والروائية المشهورة “دورورثي ل. سيّرز” Dorothy L. Sayers، وهي أيضًا لاهوتية ولكنها لم تعمل باللاهوت، طرحت هذه النقطة بكل وضوح حين قالت:

أيًا كان السبب الذي من أجله اختار الله أن يخلق

الإنسان على  هذا النحو، محدودًا، وعرضة للألم،

والحزن، والموت، فقد كان الله من الأمانة والشجاعة

أن يتناول دواءه بنفسه. وأيًا كانت اللعبة التي يلعبها

مع خليقته، فقد التزم بقواعدها ولُعِب لُعبًا نظيفًا، إذ أنه

لا يمكن أن يتوقع من الإنسان شيئًا لم يفعله هو بنفسه.

ولكنه اجتاز بنفسه في كل الخبرة البشرية، بدءًا من

المضايقات الأسرية البسيطة، وضغوط العمل الشاق،

وضيق ذات اليد، إلى أفظع أنواع الألم والمهانة والهزيمة

والجزع والموت.[4]

لقد اختار الله أن يعاني. ومعاناة يسوع المسيح تطمئننا أننا نحظى بامتياز التعامل مع إله يعرف ما ينطوي عليه العيش في عالم ساقط من ألم وحزن. وقصة آلام المسيح التي ترويها الأناجيل تخبرنا عن مخَلص يفهم المعاناة حق الفهم، بل إنه اجتاز فيها بنفسه. وتتحدث المزامير عن إله يسير معنا دائمًا في رحلة الحياة حتى في أحلك لحظاتها (مز23).

من الأقوال الشائعة عن العمل الطبي عبارة تقول: «الطبيب المجروح هو فقط من يستطيع أن يعالج.» وسواء أكانت المقولة على صواب أم كانت خاطئة، هذا أمر قابل للنقاش. ولكنها تؤكد أننا نستطيع أن نتعامل بشكل أفضل مع من مَر بمشكلتنا نفسها، واجتاز ما نجتاز فيه، وانتصر عليه. والكثير منا يعرف من الخبرة أنه يصعب التعامل مع شخص لم يشاركنا مشكلاتنا.

إلا أنه من الطرق التي يمكن التعامل بها مع هذه المسألة دفاعيًا هي طريقة المواجدة أي الدخول في وجدان الآخر، فتشاركه وجدانيًا empathize في مشكلاته ومخاوفه. وحتى لو لم تكن قد اجتزت فيها فعليًا، وحتى لو لم تكن قادرًا على فهمها، تحاول أن تدخل بذهنك في الموقف حتى يمكنك أن تخبر الشخص بصدق أنك تفهم تمامًا ما يشعر به.

إلا أن جوهر فكر التجسد في المسيحية يتحدث عن الله المتعاطف sympathizing مع آلامنا، فهو لا يشاركنا فيها وجدانيًا كما لو كان لم يختبرها بنفسه، لكنه يتعاطف معنا، والمعنى الدقيق لهذه الكلمة أنه “يعاني معنا.” ورجوعنا لله يعني الرجوع لمَن يعرفنا ويفهمنا.

هناك قصة رائعة عن “إيست أنجليا” East Anglia التي كانت يومًا ما مركز تجارة الصوف في انجلترا. تقول القصة إنه في أواخر العصور الوسطى كان راعي الأغنام في هذه المنطقة يوضح عند موته في صندوق محشو بصوف خرافه. لماذا؟ حتى يعرف المسيح في يوم الدينونة أنه كان راعيًا، لأنه مادام المسيح نفسه كان راعيًا، فهو يعرف الضغوط التي واجهها هذا الرجل، والوقت الذي كان يصرفه للعناية بالخراف العنيدة، وسيتفهم الظروف التي منعته من المواظبة على الكنيسة.

وبالرغم من أنها قصة مضحكة، فهي تشير إلى نقطة مهمة لابد أن نقدرها باعتبارها واحدة من أثمن الأفكار التي تزودنا بفهم أعمق لله، ألا وهي أننا لا نتعامل مع إله بعيد لا يعرف شيئًا عما تعنيه الإنسانية وما يرتبط بها من ضعف وفناء. ولكن الله يعرف ويفهم «فَلنَتَقَدَّم بِثِقَةٍ إِلَى عَرشِ النِّعمَةِ» (عب4: 16).

علاوة على ذلك، يقدم الإنجيل إعلانًا قويًا يشع بلهيب من المحبة، إذ يُعرفنا أن المعاناة والألم في هذا العالم سيفسحان الطريق لمكان أفضل، مكان فيه «سيمسح الله كل دمعة» من عيوننا. «وَالمَوتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعد» (رؤ21: 4). فنحن نحيا على رجاء.

تساعدنا هذه الأفكار على وضع الألم في سياق. وتمكننا كذلك من تناول جوانب الألم بشكل مقنع. فمن المهم مثلاً أن نوضح أننا نعيش في عالم ساقط حيث لم يعد البشر يعيشون في الحالة التي أرادها الله لهم. وقد أدت أنانيتهم وطمعهم إلى الحروب والمجاعات والإفراط في استغلال الأرض، وحدوث تغييرات جوهرية في موارد العالم، قد تؤدي إلى نتائج تدميرية. إلا أن الله لم يكن يتمنى حدوث أي من هذه الأمور، ولكن كلها أشياء من فعل البشر. حتى إنه دائمًا ما يقال إننا صنعنا تكنولوجيا قد تؤدي بنا إلى الانقراض. وهذا هو اختيارنا الذي لم يكن الله يريده.

من المهم أيضًا أن ندرك أن الألم ينشأ من طبيعة العالم نفسها. ومن ثم، ليس هناك ما يدعو إلى أن نظن أنه كان من الممكن أن يكون العالم “أفضل”. فالعلماء يؤمنون مثلاً بأنه من شروط تواجد الحياة على الأرض أن يكون هناك “صفائح تكتونية” “tectonic plates”، أي أن سطح الأرض لابد أن يكون قادرًا على الحركة حتى يتجاوب مع الضغوط الجيولوجية. والنتيجة؟ زلازل وأمواج تسونامي. هل هذه شرور؟ لا، إنها أمور طبيعية فحسب.

لا شك أنها تتسبب في معناة البشر، إلا أنها لم تصمَّم لذلك، ولكنه جزء من الثمن الذي ندفعه مقابل أننا نعيش في عالم به حياة. ولكن بعض من ينتقدون الله يشكون مر الشكوى من فشل الله في خلق عالم مطابق لمواصفتهم. فلو كان الأمر بيدهم، لنجحوا في تصميم عالم أفضل كثيرًا. إلا أن هؤلاء الأشخاص المخلصين لا يرون حقيقة مؤلمة، ألا وهي أنه ليس هناك ما يدعو إطلاقًا لافتراض إمكانية خلق عالم أفضل، أو أنه يوجد عالم أفضل في مكان آخر.

ولكن لابد أن ننتبه لنقطة أعمق بكثير في هذا الموضوع، ألا وهي: لماذا ننزعج من معاناة الآخرين؟ لماذا تستشعر خطأ كبيرًا في موضوع الألم؟ إنها مسألة تتعلق بالقلب أكثر مما تتعلق بالعقل. فمن أين تأتي هذه المعرفة الحدسية العميقة بأن المعاناة والألم خطأ؟ إن هذا الحدس العميق له دلالة كبيرة لا يعترف بها الكثيرون، وقد رأينا دلالته في تناولنا للحجة المبنية على الرغبة والحجة المبنية على الأخلاق. فإن كانت هذه المعرفة الحدسية عشوائية وبلا معنى، يصبح إدراكنا للعالم مجردًا من أي قيمة أصيلة فيه.

ولكن ماذا لو كانت هذه المعرفة الحدسية تشير إلى شيء أعمق، شيء أصيل فينا يعكس طبيعتنا الحقيقية وهويتنا؟ ماذا لو كانت تمثل أحد جوانب «الفطرة الداخلية التي تسعى لله” التي تناولناها آنفًا؟ ماذا لو كان هذا النفور من المعاناة والألم هو تذكِرة بالفردوس من ناحية، وتوقع لأورشليم جديدة من ناحية أخرى؟ ماذا لو كانت أفكارنا عن الحالة الحاضرة للأشياء تتشكل بإدراكنا الحدسي لمصدرنا الحقيقي ومآلنا؟

وهكذا تثير قضية الألم بعض الأسئلة الدفاعية المهمة جدًا، وتتيح كذلك بعض الفرص القيِّمة. إلا أنه في النهاية، يبقى هذا السؤال من الأسئلة التي يستحيل على أي شخص، علمانيًا كان أم دينيًا، أن يجيب عنه إجابة كاملة. ولكن المهم هنا هو من الذي يمكنه تقديم الإجابة الأكثر إرضاءً من الناحية الوجودية، إجابة تصمد أمام النقد حتى وإن تركت بعض الأسئلة دون إجابة، ربما لأنها غير قابلة للإجابة بشكل نهائي بسبب محدوديتنا البشرية. والقدرة على أن نعيش مع أسئلة بلا إجابات تُعتبر من علامات النضج الفكري، وليست عبثًا منطقيًا كما يراها البعض من غير الحكماء.

وسوف نتناول في جزء لاحق من هذا الفصل كيفية الاستفادة من هذا السؤال، وكيفية استخدام ما يشتمل عليه من أفكار في الدفاعيات. ولكننا سننتقل أولاً لتوضيح القضايا المتعلقة بأحد الأسئلة التقليدية الأخرى في الدفاعيات، ألا وهو: هل الإيمان بالله مجرد عكاز يساعد العاجزين على السير في الحياة؟

دراسة حالة (2): الله عكاز:

من أشهر الانتقادات التي توجَّه للمسيحية أنها عزاء للفاشلين في الحياة، فالسبيل الوحيد الذي يُمَكن هؤلاء البائسين من مواجهة الحياة هو أن يخترعوا إلهًا يمنحهم شعورًا بالراحة. أما الناس الحقيقيون فلا يحتاجون لهذه الطمأنينة الوهمية، ولكنهم يشقُّون طريقهم في الحياة بأنفسهم. إنما الدين فهو ملجأ العاجزين نفسيًا، عكاز لمن لا يقوون على التعامل مع واقع الحياة ويفضلون اختراع عالم خيالي خاص بهم.

ولابد هنا أن ننتبه لجانب مهم ألا وهو أن هذا النقد لا يمثل حجة تقوم على أدلة ومنطق قوي، ولكنه في الواقع مجرد زعم، ليس له أي سند علمي يؤيده. ومع ذلك، فهو مقبول ثقافيًا من الكثيرين، وغالبًا ما يُطرح في المناظرات والمجادلات. فكيف نرد عليه؟

أولاً، لابد أن نفهم أصوله التاريخية، فمن أين أتى هذا النقد؟ كما متوقع، يمكننا العثور على تصريحاته الحديثة في كتابات المحلل النفسي الملحد “سيجموند فرويد” Sigmund Freud (1856 – 1939) الذي اعتبر الإيمان بالله وَهمًا. وهو يقول إن الله لا وجود له إلا في العقل البشري، وفكرة الله هي نوع من “التفكير الرغبوي” الناتج عن رغبتنا في المعنى والحب.

إننا نقول لأنفسنا إنه أمر لطيف جدًا لو كان هناك

إله خلق العالم وأغدق علينا بالعناية والخير، ولو

كان هناك نظام أخلاقي في الكون، ولو كانت هناك

حياة بعد الموت، ولكن الحقيقة الصادمة أن كل

هذا هو بالضبط ما نحن مضطرون أن نتمناه.[5]

أي أننا نخترع عالمًا وهميًا يتوافق مع رغباتنا بدلاً من أن نصالح أنفسنا على قسوة العالم الحقيقي المحيط بنا.

وهذه الفكرة يُعبَّر عنها غالبًا في الكتابات الشائعة ببعض المصطلحات، مثل أن الله وهم (كما في كتابات “ريتشارد دوكينز”) أو أنه عكاز. وينطوي المصطلح الثاني على بلاغة عميقة لأنه يعني ضمنًا أن من يؤمنون بالله أناس عاجزون، مجروحون يحتاجون للمساعدة حتى يواكبوا واقع الحياة، وهم يخترعون الله باعتباره وسيلة نفسية تمدهم بسند وهمي. ويعلن “فرويد” (دون أي دليل تجريبي واضح) أن مفهومنا عن الله وموقفنا منه عبارة عن أوهام طفولية شكلتها خبراتُنا مع آبائنا. والأفراد غير الناضجين لا يتجاوزون أبدًا هذه الثقة الصبيانية في آبائهم والاعتماد عليهم وينقلون هذا الاعتماد بشكل طبيعي إلى «أب معَظَّم جدًا» “enormously exalted father” وهمي. وهو يصرح أنه يعتبر أن هذا النوع من الإيمان بالله سذاجة فكرية:

المسألة كلها طفولية بحتة، ولا تمت بصلة للواقع،

ولكن المؤلم لأي شخص محب للإنسانية أنه يرى

أن الغالبية الساحقة من البشر الفانين لن يتمكنوا أبدًا

من السمو فوق هذه النظرة للحياة.[6]

وتبرز ذات النظرة التي تحقر الإيمان في الإلحاد الجديد أيضًا، ولاسيما في كتاب “ريتشارد دوكينز” “وهم الإله” (2006). ولكن مع كل هذا، يظل ذلك الكلام كله مجرد زعم يستقي مصداقيته الثقافية لا من الديل التجريبي، بل من كثرة تكراره من ناحية، ونبرة الثقة التي يقال بها من ناحية أخرى.

الحقيقة أنه لا يوجد عمليًا دليل واحد يؤيد هذا الزعم الجريء بأن الله مجرد إسقاط لرغبة طفولية في الحماية الأبوية. وفي السنوات الأخيرة تعرضت أسانيد “فرويد” العلمية لموجة من النقد اللاذع، إذ بات واضحًا أن “بحثه العلمي” هو غالبًا مجرد محاولة استبطانية لإثبات ما يؤمن به أصلاً من أحكام مسبقة ومتحيزة، ولاسيما فيمايختص بعدائه تجاه الإيمان بالله.

فهو ينطلق من افتراض عدم وجود إله، ثم يحاول أن يثبت أنه يمكن العثور على تفسير عقلاني يبين سبب إيمان الناس بهذا الإله غير الموجود. فنحن نرى هنا خلطًا واضحًا، لأنه لا يمكن تحديد ما إذا كان الإلحاد هو افتراض مسبق أم خلاصة لهذا المنطق الذي يفتقر تمامًا لأي قدرة على الإقناع.

ولكننا إن وضعنا جانبًا هذا الغياب الواضح المخزي للأدلة، فما مدى هذه الحجج؟ وما مدى ترابط نظرة “فرويد”؟ نتطوي نظرية “فرويد” على مشكلة واضحة، وهي تحديدًا فكرته الغريبة التي تقول بوجود رغبة أوديبية في قتل الأب والزواج من الأم، وهي تكمن في اللاوعي عند كل الذكور.

وبناءً على هذا التفكير، يجب أن يكون الأساس النفسي لرغبة الذكور في التخلص من أي “أب في السماء” معادلاً لرغبتهم في الإيمان به. وذلك لأن “فرويد” يقول بأن الناس يحملون مشاعر إيجابية وسلبية تجاه هذا “الأب المعظم”. إذن هذه المشاعر السلبية قد تجعل قوة الرغبة في عدم وجود الله مساوية للرغبة في وجوده.

وبينما رأى «فرويد» الاعتقاد الديني وهمًا، رأى «سي. إس. لويس» أن مادية «فرويد» الإلحادية تفند نفسها بنفسها، لأن هذه الحجة التي تتحدث عن “الإسقاط” أو “الاختراع” سيف ذو حدين. فإن كان “فرويد” يقول بأن الله هو تفكير رغبوي فيه يهتم الأب السماوي بكل احتياجاتنا، فيمكننا أن ندلل منطقيًا أيضًا على أن «فرويد» وغيره من الملحدين ينكرون وجود الله انطلاقًا من حاجاتهم للهروب من شخصية أبوية لا يحبونها.

وعلى أي حال، فَقَد شابَ علاقة “فرويد” بأبيه نوع من التوتر، مما يجعلنا نستنتج أناعتقاده بعدم وجود إله ينبع من رغبته العميقة في عدم وجود شخصية أبوية، أو إن وُجدَت ربما يجب قتلها.

بالإضافة إلى ذلك، يتضح أن “فرويد” لا يعطي المشاعر المتناقضة تجاه الله حقها في البحث. فالحقيقة أن الحق المتعلق بأن الله محب هو كشف وإعلان وليس فكرة إنسانية طبيعية. حتى إن «مارتن لوثر» وكذلك “چون كالڤن” يؤكدان أن الغريزة الإنسانية الطبيعية هي الخوف من الله.

ويقول «لويس» إن “فرويد” يعجز عن إدراك أنه كما توجد ديناميكية نفسية من التفكير الرغبوي تقابلها كذلك ديناميكية أخرى من التفكير التخوفي fear fulfillment.[7] فإن كان الإيمان بالله له دوافع وأسباب نفسية، فالإيمان بعدم وجود الله له أيضًا دوافع نفسية تجعل الشخص يتمنى عدم وجود إله. لذلك، يصرح «لويس» بأنه عندما كان ملحدًا رأى الله شخصًا لا يريد أن يلتقي به: «اللاأدريون اللطفاء يتحدثون بابتسامة عريضة عن «بحث الأنسان عن الله.» ولكني آنذاك كنت أعتبرهم يتحدثون عن بحث الفأر عن القط.»[8]

والأخطر من ذلك أن “حجة” “فرويد” لا تزيد عن كونها زعمًا بأن إيمان البشر بوجود الله يتساوى مع الإلحاد. إلا أنه يتسق أيضًا مع نظم فكرية أخرى، أبرزها الاعتقاد المسيحي بأن الله خلقنا برغبة داخلية تسعى نحو السماء، كما قال القديس أغسطينوس في صلاته التي اقتبسناها فيما سبق «لقد صنعتنا لذاتك، وستظل قلوبنا قلقة حتى تجد راحتها فيك.»

ويرجع “فرويد” أن الإلحاد يمكن أن يفسر الإيمان بالله، أو الشوق البشري لله. ربما، إلا أن هذا الزعم يبدو في بعض النقاط مرتجلاً ومفروضًا عنوةً. ولكن المسيحية تفسر هذا الإيمان وذلك الشوق على نحو أكثر اتساقًا ومعقولية بما لا يقاس.

ولكننا سنختم بصورة العكاز، وهي صورة بلاغية والرسالة التي تحاول توصيلها رسالة بسيطة تقول: إن الله للعجزة نفسيًا وفكريًا. ولكن الأقوياء والأصحاء لا يحتاجون هذا النوع من الدعم الزائف أو الراحة التي لا تقوم على أي أساس منطقي، لأنهم قادرون على الاعتناء بأنفسهم. أما الله فهو للضعفاء والأغبياء. وتكاد هذه الرسالة تماثل رسالة الإلحاد الجديد الذي يفتخر بالتفوق الفكري الذي يميز معلميه البارزين، مثل “ريتشارد دوكينز” وكذلك “كريستوفر هيتشنز”.

وتجدر الإشارة هنا إلى نقطتين مهمتين. أولاً، المهم في القضية برمتها هو الحق، وليس الاحتياج، حتى إن المدافعين المسيحيين طالما أكدوا أن ما تقوله المسيحية مؤسس على صخرة الحق. فالإيمان المسيحي يُعبر عن الأشياء على حقيقتها من النواحي التاريخية، والعلاقاتية، والوجودية، والفكرية.

وهذه النظرة الشاملة للواقع تتضمن فكرة مهمة هي أن البشر مخلوقون على «صورة الله»، ومن ثم، فهم يتميزون بميل فطري للعثور على طريق العودة إلى الله، سواءً أردنا أم لم نُرد.

وثانياً، إن كانت ساقك مكسورة، أنت تحتاج عكازًا، وإن كنت مريضًا، أنت تحتاج لدواء. فهذه هي طبيعة الأمور. والنظرة المسيحية للطبيعة البشرية تقول بأننا مصابون بخلل، وجرح، وإعاقة بسبب الخطية. وهذه هي طبيعة الحال. وقد شبه القديس أغسطينوس الكنيسة بمستشفى مليء بالجرحى والمرضى الذين يتماثلون للشفاء. ولكن يبدو أن «فرويد» يقول إنه هو وغيره من الملحدين ينتمون لنوعية من البشر أفضل من الآخرين، مما يجعلهم لا يحتاجون لأي مساعدة أو معونة.

ولكن هذا الكلام ليس سوى هراء منظم أبعد ما يكون عن الواقع. فهو ينكر الجانب المظلم في النفس البشرية الذي تشهد عنه الثقافة المعاصرة على نحو يثير الإزعاج. فالناس أصبحوا يدمنون الجنس، والسلطة، والمخدرات، وهي ليست إلا ثلاثة أمثلة فقط على الأشياء التي تجعلنا نضحي باستقلاليتنا ونصبح عبيدًا لها.

وسواءً أراد “فرويد” أم لم يُرد، فالطبيعة البشرية مصابة بعطب بشع. وهي تحتاج لمن يعصب جراحها، ويغسل قروحها، ويشفي أمراضها، ويطهر ذنبها. إن صورة العكاز تلخص حاجتنا للتدخل الخارجي التي تقوم على إدراك احتياجنا للمساعدة، حتى وإن كنا أكبر من أن نطلب المساعدة. لقد سطَّر «فرويد» أكثر كتاباته سذاجة عن الطبيعة البشرية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1918 وقبل بزوغ فجر النازبة في ألمانيا والنمسا في الثلاثينات من القرن العشرين.

ولذلك، يرى الكثيرون أن صعود هتلر ربما كان سيدفع «فرويد» لمراجعة بعض أفكاره المثالية عن الطبيعة البشرية. ولكن “فرويد” توفي قبل أن يسمع أحد بمعسكر أوشفتز وغيره من معتقلات الأعدام النازية بفترة طويلة.

ومع ذلك يبدو أن “فرويد” نفسه كان واعيًا بمشكلة في هذا الصدد. فمنذ عام 1913 عبر عن قلقه إزاء أن المحللين النفسيين أنفسهم لا «يتمتعون بشخصيات أفضل ولا أرقى ولا أقوى.»[9] إن هذه العبارة تكشف عن اعتراف صامت بأن علاج “فرويد” لمشكلة البشرية يبدو أنه لم ينجح حتى مع أفضل المؤهلين لتقديمه، مما يدفعنا لأن نقول له ولهؤلاء المحللين: «أيها الطبيب اشفِ نفسك.»

  • الاستخدام العملي: تطبيق دراستي الحالة:

درسنا في القسمين السابقين من هذا الفصل بعض الموضوعات المتصلة بمسألتين تقليديتين في الدفاعيات المسيحية وحددنا بعض عناصر الإجابات لاثنتين من الشكوك والتخوفات المتعلقة بالإيمان. إلا أن الدفاعيات فن كما هي علم. فالأمر لا يتوقف عند معرفة الحجج، بل يمتد إلى استخدامها. وأضرب هنا مثالاً لطبيب لديه معرفة واسعة بالنظرية الطبية وما تشتمل عليه من رصد الخلل الذي يصيب الجسم البشري وكيفية علاجه. إلا أن هذا العلم الطبي يبقى استخدامه محدودًا إلى أن يتمكن الطبيب من أن يجعل مريضه يخبره بمشكلته الحقيقية.

فالكثير من زملائي العاملين في المجال الطبي يشكون غالبًا ما يكونون مترددين في أن يخبروهم بالمشكلة الحقيقية، ربما لأنهم يشعرون بالحرج من الأعراض التي يعانون منها، أو لأنهم يخشون من معرفة المرض الذي تشير إليه هذه الأعراض.

وكل طبيب ذي خبرة يعرف أهمية إتقان فن الطب، أي الإصغاء الجيد المنتبه وكسب ثقة المرضى وتمكنهم من الكشف عن متاعبهم، فالطبيب مسئول عن اكتشاف المشكلة الحقيقية. وهو فن يجب تعلمه باتخاذ الطريق الصعب؛ طريق الخبرة.

والدفاعيات هكذا، فمعرفة الحجج والأفكار والمنهجيات الدفاعية ليست سوى جزء من مهمة المدافع الكفء. وأّفضل المدافعين هم مَن يزاوجون بين المعرفة الواسعة بعلم الدفاعيات والتقدير العميق لفن الدفاعيات. وهنا مكمن الصعوبة، لأن الأفكار يمكن تَعَلُّمها من الكتب والمحاضرات، ولكن الفن لا يمكن أن نتعلمه إلا بالممارسة، وبالمحاولة والخطأ، أي باختصار بعمل الدفاعيات.

فالدفاعيات مثل صنع الكعك، أو رصّ الطوب، أو عزف البيانو، وكلها أشياء تتعلمها بممارستها. ورغم أن كلاً منها يشتمل على عنصر نظري، فالنظرية تؤدي إلى الممارسة وتُكسبها الأساس المعرفي المطلوب.

ويستحيل على شخص مثلي، بل إنه تصرف غير مسئول أن يقدم إجابات نموذجية للأسئلة والاعتراضات. فهذا الفعل لا يختزل الدفاعيات إلى حفظ عدد من الإجابات حفظًا آليًا فحسب، بل يكشف كذلك نوعًا من العجز عن إدراك أن كل سؤال يختلف عن غيره من الأسئلة وأنه يجب أخذه مأخذ الجد والتعامل معه بلغته. ولذلك، علينا أن نصغي جيدًا قبل أن نجيب. خذ مثلاً الأسئلة والشكوك التالية التي تتصل جميعها بقضية الألم اتصالاً مباشرًا، ولكنها تصدر عن خلفيات مختلفة، مما يحتم تقديم إجابات مختلفة ومتمايزة.

  1. «لست أفهم كيف يمكن لإله صالح أن يسمح بالألم، إنها مسألة غير منطقية. هل يمكن أن تشرح أسباب ذلك؟»
  2. «توفيت والدتي الأسبوع الماضي بعد صراع طويل مع المرض. وقد صليت كثيرًا في مرضها طالبًا لها الشفاء. كيف أؤمن بإله محب في موقف كهذا؟ هل يمكن أن تساعدني؟»
  3. «عندما كنت صغير السن قرأت كتاب “سي. إس. لويس” “مشكلة الألم” The Problem of Pain، وقد استفدت منه كثيرًا. إلا أن زوجتي أصيبت بمرض خطير مؤخرًا، مما أصابني بحالة من الانهيار، وبدت لي إجابة “لويس” على براعتها تافهة سطحية، فهي إجابة منظمة جدًا ولكنها لم تساعدني عندما ألّمَّت هذه الكارثة بحياتي. كيف أخرج من هذه الحالة؟»
  4. «الكتاب المقدس يقول إن الله يحبنا. ولكني أحيانًا لاأستطيع أن أرى هذه المحبة. فلماذا كل هذا الألم؟ لماذا الزلازل؟ مؤكد أن الإله المحب كان سيحمينا من هذه الأشياء، أليس كذلك؟»

ادرس كلاً من هذه الأسئلة بدقة. لاحظ أولاً أنه من الصعب تحديد ما إذا كان السائل مسيحيًا، أم لا أدريْا أم ملحدًا، وهي من المعضلات الشائعة في الدفاعيات، فالسؤال لا يكشف بالضرورة ما إذا كان صاحبه مؤمنًا يعاني من شكوك وتساؤلات أم ملحدْا يهدف إلى منازلتك والقضاء عليك. لذلك، من أن تحدد طريقة إجابتك.

ثانيًا، لاحظ أن الإجابة الجاهزة لن تتمكن من التعامل مع القضايا المختلفة التي تثيرها هذه الأسئلة. ولكن يجب التعامل مع كلﱟ منها بلغته الخاصة. وعليك أن تكتشف ما يكمن وراء كل سؤال. ولنأخذ السؤال الثالث كمثال، وهو يطرح قضية في غاية الأهمية عن المنهج الذي يعتمده “سي. إس. لويس” في كتاب “مشكلة الألم” الذي يتحدث عن الألم باعتباره مكبر الصوت الذي يستخدمه الله لإيقاظ العالم الأصم.[10]

ورغم أن فكرة “لويس” جيدة، فالكثيرون يرون أن منهجه ساذج نوعًا ما ولا يصمد أمام واقع الألم القاسي العنيف بما فيه طبعًا “لويس” نفسه بعد وفاة زوجته بمرض السرطان. فكتابه الشهير “حزن مُعاش” A Grief Observed يمثل نقدًا قويًا لمنهجه السابق.

إلا أن “لويس” لم يفقد إيمانه، بل إن كان لهذه الخبرة أي تأثير على إيمانه، فقد أنضجته ودفعته لنمو أعظم خرج من رحم هذه المحنة. وبالتالي، يمكنك، عند الإجابة عن هذا السؤال، أن تتحدث عن موقف «لويس» من الألم وكيف تغير وأصبح أكثر واقعية وقربًا من خبرات الآخرين، وكيف أدمجه «لويس» في إيمانه.

إن فن الدفاعيات يبلغ أبعادًا لا يبلغها علم الدفاعيات. فهو يساعدنا على بناء جسور للتواصل مع الناس. لذلك، عندما نتعامل مع أي شك حول الإيمان، مثل الاثنين اللذين طرحناهما آنفًا، لابد أن نتجنب تقديم إجابة جاهزة ونحاول تفصيل إجابتنا بما يتناسب مع السؤال المحدد المطروح علينا.

  1. حاول أن تفهم لماذا يمثل هذا السؤال مشكلة لصاحبه. هل لأنه لم يفهم ما تُعلم به المسيحية في هذا الموضوع؟ هل لأن تاريخه يجعل من هذه القضية همًا كبيرًا عنده، فمثلاً قضية الألم قد تحمل أهمية خاصة لشخص توفي أعز أصدقائه منذ فترة وجيزة. ثم حاول أن تكتشف ما إذا كان السؤال المطروح هو السؤال الحقيقي أم أن هناك شيئاً آخر يختفي تحت السطح.
  2. والآن تعامل مع السؤال، وحاول أن تختار من دراستَي الحالة السابقتين ما يفيدك في الإجابة.
  3. ضع هذه النقاط في قالب يناسب المستمع. حدد الأمثلة التوضيحية التي يمكنك استخدامها، والكُتاب الذين يمكنك الاقتباس منهم، والخبرات الحياتية التي تساعدك في تشكيل إجابتك.
  4. والآن قم بصياغة ما ستقول.

الخطوة الرابعة هي أصعب الخطوات، لأننا في بداية عملنا بالدفاعيات نميل إلى تقديم إجابات طويلة. فكيف يمكن أن نضع كل ما لدينا من أفكار في إجابة واحدة؟ من الوسائل التي أفادتني كثيرًا في بداية عهدي بالدفاعيات أني كنت أكتب بالتفصيل إجابات الأسئلة المهمة من وجهة نظري.

ثم أقرأها بصوت مسموع وأحاول أن أُعَدﱢلَها حتى تبدو في شكل أفضل، مع الأخذ في الاعتبار أن اللغة المكتوبة تختلف تمامًا عن اللغة المنطوقة. وإن استغرقت الإجابة تسع دقائق مثلاً، كنت أحاول تخفيضها إلى أربع دقائق بهدف الاحتفاظ بأفضل العناصر، وتقديمها بالشكل الأكثر جاذبية وملاءمة. قم أخفضها إلى دقيقتين.

لماذا؟ لأن هذا كان يجبرني أن أركز على المهم الذي يجب أن يقال، وليس على ماأحب أن أقول. ولكن السبب الأهم أن الناس يملون الإجابات الطويلة ويفضلون الردود الموجزة الجذابة على المحاضرات المطولة. وعندما ترى عيون المستمعين تائهة تنم عن تسرب الملل إليهم، اعلم أنك في مشكلة.

إلا أن مشكلة الكثيرين لا تكمن في طول الوقت الذي تستغرقه الإجابة الجيدة، بل في كيفية تكوين إجابة جيدة أصلاً. فعندما أجيب عن أسئلة الحضور عقب المحاضرات التي ألقيها لابد أن أفكر بسرعة وأقدم إجابة سريعة، ولكن هذه المهارة نتاج خبرة عمرها خمسة وعشرون عامًا بذلت أثناءها جهدًا مضنيًا في معظم الأسئلة حتى توصلت إلى إجابات مفيدة. ولكن التحدي الحقيقي أن أقدم إجابة مفيدة للسؤال وأتناوله بشكل لطيف مهذب. وهو فن تعلمته بالممارسة.

وسوف ندرس فيما يلي سؤالين نابعين من دوافع صادقة والإجابة التي قدمتها لكلٌّ منهما. وهي إجابات قصيرة نسبيًا، حوالي دقيقتين أو ثلاث دقائق. ثم سأشرح بعدئذٍ سبب اختياري للطريقة التي أجبت بها. وأقترح أن تقرأ كل سؤال وتفكر في إجابة، ثم تقرأ إجابتي وتحاول أن تحللها.

ويمكنك أن تجيب عن بعض الأسئلة مثل: في رأيك لماذا اخترتُ تلك الأجابة؟ لماذا انتقيتُ تلك الألوان بالتحديد من جملة ألوان الدفاعيات؟ ثم انتقل بعد ذلك لقراءة تعليقاتي على السؤال والإجابة. والسؤالان كانا من الأسئلة التي طرحها الجمهور بعد كلمة ألقيتها في أكسفورد سنة 2007 ردًا على كتاب “ريتشارد دوكينز” “وهم الإله” (2006).

السؤال الأول: «إني أواجه مشكلة حقيقية في مسألة الله والألم. إنه أمر غير مفهوم. فأنا لا أظن أنه يهتم بنا حقاً. لماذا لا يُبعد عنا الألم؟»

السؤال الثاني: «ذكرتَ أن الله ليس وهماً. لكن أي شخص له معرفة بسيطة بعلم النفس سيقول لك إننا نخترع أشياء تناسب احتياجاتنا. فنحن نؤلف أفكاراً، والله ليس استثناء من هذه القاعدة. فلماذا لا نعترف بذلك ونواجه الحقيقة؟»

 

لمزيد من الاطلاع:

Beckwith, Francis, William Lane Craig, and James Porter Moreland, To Everyone an Answer: A Case for the Christian Worldview. Downers Grove, IL: InterVarsity, 2004.

Craig, William Lane, and Chad V. Meister, God Is Great, God Is Good: Why Believing in God Is Reasonable and Responsible. Downers Grove, IL: InterVarsity, 2009.

Guinness, Os, Unspeakable: Facing Up to Evil in an Age of Genocide and Terror. San Francisco: HarperOne, 2005.

Kreeft, Peter, and Ronald K. Tacelli. Handbook of Catholic Apologetics: Reasoned Answers to Questions of Faith. San Francisco: Ignatius Press, 2009.

Lewis, C. S. A Grief Observed. London: HarperCollins, 1994.

______. The Problem of Pain. London: Fount, 1977.

Murray, Michael J., ed. Reason for the Hope Within. Grand Rapids: Eerdmans, 1999.

Nicholi, Armand. The Question of God: C. S. Lewis and Sigmund Freud Debate God, Love, Sex, and the Meaning of Life. New York: Free Press, 2002.

Sirc, James R. Why Good Arguments Often Fail: Making a More Persuasive Case for Christ. Downers Grove, IL: InterVarsity, 2006.

Strobel, Lee. The Case for Faith. Grand Rapids: Zoodervan. 2000.

Zacharias, Ravi, and Norman Geisler, eds. Who Made God? And Answers to Over 100 Other Tough Questions of Faith. Grand Rapids: Zoodervan. 2003.

Beckwith, Francis, William Lane Craig, and James Porter Moreland, To Everyone an Answer: A Case for the Christian Worldview. Downers Grove, IL: InterVarsity, 2004.

Craig, William Lane, and Chad V. Meister, God Is Great, God Is Good: Why Believing in God Is Reasonable and Responsible. Downers Grove, IL: InterVarsity, 2009.

Guinness, Os, Unspeakable: Facing Up to Evil in an Age of Genocide and Terror. San Francisco: HarperOne, 2005.

Kreeft, Peter, and Ronald K. Tacelli. Handbook of Catholic Apologetics: Reasoned Answers to Questions of Faith. San Francisco: Ignatius Press, 2009.

Lewis, C. S. A Grief Observed. London: HarperCollins, 1994.

______. The Problem of Pain. London: Fount, 1977.

Murray, Michael J., ed. Reason for the Hope Within. Grand Rapids: Eerdmans, 1999.

Nicholi, Armand. The Question of God: C. S. Lewis and Sigmund Freud Debate God, Love, Sex, and the Meaning of Life. New York: Free Press, 2002.

Sirc, James R. Why Good Arguments Often Fail: Making a More Persuasive Case for Christ. Downers Grove, IL: InterVarsity, 2006.

Strobel, Lee. The Case for Faith. Grand Rapids: Zoodervan. 2000.

Zacharias, Ravi, and Norman Geisler, eds. Who Made God? And Answers to Over 100 Other Tough Questions of Faith. Grand Rapids: Zoodervan. 2003.

[1] For apologetic motifs in the New Testament, see Avery Dulles, A History of Apologetics (San Francisco: Ignatius Press, 2005), 1-25.

[2] One of the best is the comprehensive account by Peter Kreeft and Ronald K. Tacelli, Handbook of Catholic Apologetics: Reasoned Answers to Questions of Faith (San Francisco: Ignatius Press, 2009). Every apologist can learn much from this work.

[3] My discussion of the different approaches of Martin Luther and C. S. Lewis to suffering is relevant here: Alister McGrath, “The Cross, Suffering and C. S. Lewis,” The Passionate Intellect: Christian Faith and the Discipleship of the Mind (Downers Grove, IL: InterVarsity, 2010), 57-69.

[4] Dorothy L. Sayers, Creed or Chaos? (New York, Harcourt Brace, 1949), 4.

[5] Sigmund Freud, The Future of an Illusion (New York: Norton, 1961), 42.

[6] Sigmund Freud, Civilization and its Discontents (New York: Norton, 1962), 21. The official English translation of the title of this work is not quite correct; it is better translated as “Anxiety in Culture” (Das Unbehagen in der Kultur).

[7] See Armand Nicholi, The Question of God: C. S. Lewis and Sigmund Freud Debate God, Love, Sex, and the Meaning of Life (New York: Free Press, 2002).

[8] C. S. Lewis, Surprised by Joy (London: HarperCollins, 2002), 265.

[9] Freud, Future of an Illusion, 35.

[10] C. S. Lewis, The Problem of Pain (London: HarperCollins, 2002), 91.

أسئلة عن الإيمان – تصميم منهجيات – أليستر ماكجراث (الدفاعيات المجردة)

تقييم المستخدمون: 4.7 ( 1 أصوات)