أبحاث

الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (16) أمانة الإنسان

الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (16) أمانة الإنسان

الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (16) أمانة الإنسان

الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (16) أمانة الإنسان
الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (16) أمانة الإنسان
تابع ثانياً: شرح معاني كلمة الإيمان
تابع شرح المعنى الثاني للإيمان: الأمانـــــــــــــة πίστις
تابع أولاً العهد القديم – (ب) أمانة الإنسان

ب – أمانة الإنســــان

لقد رأينا (في الأجزاء السابقة) أمانة الله الثابتة الغير متغيره تجاه شعبه المتغير والغير حافظ الأمانة، لأنه لم يستطع أن يثبت فيها، بل دائماً ما يتراجع سريعاً عنها، مع أن الله دائماً ينتظر رد الأمانة بالأمانة: [ … وماذا يطلبه منك الرب ؟ إلا أن تصنع الحق وتُحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك ] (ميخا 6: 8)

فالله يُطالب شعبه بالأمانة للعهد، ولم يطلب منهم شيء مستحيل حتى يتعثر عليهم احتماله أو يتعبوا من حمله، لذلك يقول: [ فالآن اخشوا الرب واعبدوه بكمالٍ وأمانة، وانزعوا الآلهة الذين عبدوهم آبائكم في عبر النهر وفي مصر واعبدوا الرب ] (يشوع 24: 14)
ويركز بالأكثر على أمانة الكهنة لأنهم مُعلمي الشعب وموجهيه لحفظ العهد بتعليم الشعب ما هي مشيئة الله وما هي وصاياه لكي يحيوا بها، لأن لو لم يحفظ الكهنة الأمانة فمن هو الذي يُسلم الشعب التعليم الإلهي لكي يحيوا وفق مشيئة الله الظاهرة في عهده معهم !!!

  • [ وأُقيم لنفسي كاهناً أميناً يعمل حسب ما بقلبي ونفسي، وأبني لهُ بيتاً أميناً، فيسير أمام مسيحي كل الأيام ] (1صموئيل 2: 35)

ونرى قبل هذه الآية، أنه كان يتكلم عن عقاب حفني وفِنحاس الكاهنين المكتوب عنهما [ وكان بنو عالي (رئيس الكهنة في ذلك الوقت) بني بليعال ( בליעל– worthlessnessworthless – عديم القيمة – لا جدوى منه ولا فائدة – تافه – باطل )، لم يعرفوا الرب ولا حق الكهنة من الشعب ] (1صموئيل 2: 12و 13)

فباستثناء إبراهيم وموسى اللذان حفظوا العهد وصاروا مثالين للأمانة [ أنت هو الرب الإله الذي اخترت إبرام وأخرجته من أور الكلدانيين، وجعلت اسمه إبراهيم ووجدت قلبه أميناً أمامك وقطعت معهُ العهد… وقد انجزت وعدك لأنك صادق ] (نحميا 9: 7و 8)
[ موسى كان محبوباً عند الله والناس… فآتاهُ مجداً كمجد القديسين وجعلهُ عظيماً مرهوباً عند الأعداء… قدسه بإيمانه ووداعته واصطفاه من بين جميع البشر ] (سيراخ 45: 1و 2و 4)
فباستثناء هذان فإن شعب إسرائيل في مجمله ومجموعه خائن للعهد وعديم الأمانة تجاه الله، وهذا يقوله المزمور:

[ أقام شهادة في يعقوب ووضع شريعة في إسرائيل التي أوصى آباءنا أن يعرفوا بها أبناءهم. لكي يعلم الجيل الآخر بنون يولدون فيقومون ويخبرون أبناءهم. فيجعلون على الله اعتمادهم ولا ينسون أعمال الله بل يحفظون وصاياه. ولا يكونون مثل آبائهم جيلاً زائغاً ومارداً، جيلاً لم يثبت قلبه ولم تكن روحه أمينة لله. بنو إفرايم النازعون في القوس الرامون انقلبوا في يوم الحرب.

لم يحفظوا عهد الله وأبوا (رفضوا) السلوك في شريعته. ونسوا أفعاله وعجائبه التي أراهم. فخادعوه بأفواههم وكذبوا عليه بألسنتهم. أما قلوبهم فلم تثبت معه ولم يكونوا أُمناء في عهده ] (مزمور 78: 5 – 11؛ 36 – 37)

  • [ أخطأنا مع آبائنا، أسأنا وأذنبنا ] (مزمور 106: 6)

وبسبب عدم أمانته (إسرائيل) مع الله هكذا أيضاً صار غير أميناً مع الناس، وأصبح من المستحيل الاعتماد على أحد، لأن دائماً عدم الأمانة مع الله تنعكس بدورها مع الناس، ويستحيل يُعتمد على هذا الإنسان بأي شكل من الأشكال….

لأن طالما خوف الله خارج القلب وظاهر في عدم الأمانة وحفظ العهد فلا يُمكن الوثوق في هذا الإنسان مهما على شأنه أو كانت معرفته حتى لو مارس كل الطقوس بدقة شديدة وله كل المعارف الروحية واللاهوتية وحفظ وصايا الله عن ظهر قلب، لأنها مجرد فكر حبيس العقل ولم يتحول لحياة مُعاشه تظهر في أمانة عهد مع الله الحي:

  • [ يا ليت لي في البرية مبيت مسافرين فأترك شعبي وانطلق من عندهم لأنهم جميعاً زُناة، جماعة خائنين. يمدون ألسنتهم كقسيهم (قوس الحرب) للكذب لا للحق، قووا في الأرض لأنهم خرجوا من شرّ إلى شرّ، وإياي لم يعرفوا يقول الرب. احترزوا كل واحد من صاحبه وعلى كل أخ لا تتكلوا لأن كل أخ يعقب عقباً وكل صاحب يسعى في الوشاية. ويختل الإنسان صاحبه ولا يتكلمون بالحق، علموا ألسنتهم التكلم بالكذب وتعبوا في الافتراء.

    مسكنك في وسط المكر بالمكر، أبوا أن يعرفوني يقول الرب. لذلك هكذا قال رب الجنود هانذا أُنقيهم و امتحنهم لأني ماذا أعمل من أجل بنت شعبي. لسانهم سهم قتال يتكلم بالغش بفمه، يُكلم صاحبه بسلام وفي قلبه يضع له كميناً ] (إرميا 9: 2 – 8)

وليس شعب الله المختار فقط هو الغير أمين، بل امتدت عدم الأمانة لرؤسائه ايضاً: [ الشيخ والمعتبر هو الرأس والنبي الذي يعلم بالكذب هو الذنب. وصار مُرشدوا هذا الشعب مُضلين ومرشدوه مبتلعين. لأجل ذلك لا يفرح السيد بفتيانه (يتكلم عن فتيان شعب إسرائيل) ولا يرحم يتاماه وأرامله، لأن كل واحد منهم منافق وفاعل شرّ وكل فم متكلم بالحماقة، مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد (لأنه أمين يُريد أن يرحم الشعب لأنه يوبخ لأجل العودة بتوبة صادقة) ] (أشعياء 9: 15 – 16)

وقد أصبح هذا هو حال كُل الشعب والأنبياء الكذبة: [ لأنه شعب متمرد أولاد كذبة أولاد لم يشاؤوا أن يسمعوا شريعة الرب. الذين يقولون للرائين لا تروا وللناظرين لا تنظروا، لنا مستقيمات، كلمونا بالناعمات، أنظروا مخادعات. حيدوا عن الطريق، ميلوا عن السبيل، أعزلوا من أمامنا قدوس إسرائيل ] (إشعياء 30: 9 – 11)

  • ولكن لننتبه، لأن هذا الفساد لا يخص إسرائيل وحدها فقط، لأن هذا المثل اصبح ينطبق في كل مكان: [ أما صاحب الصدق فمن يجده؟ (الإنسان الأمين من يجده) ] (أمثال 20: 6)

وقد أظهر الرب أن العبادة بكل تفاصيلها لا يقبلها طالما لا يوجد إيمان بقدوس إسرائيل، إيمانمترجم لأمانة، وصلاح الله يسكن القلب ويظهر في أعمال الإنسان اليومية: [ لماذا لي كثرة ذبائحكم يقول الرب، اتخمت من محرقات كباش وشحم مسمنات، وبدم عجول وخرفان وتيوس ما أُسرّ. حينما تأتون لتظهروا أمامي من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دوري. لا تعودوا تأتون بتقدمة باطلة، البخور هو مكرهة لي، رأس الشهر والسبت ونداء المحفل، لستُ أُطيق الإثم والاعتكاف. رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي، صارت عليَّ ثقلاً مللت حملها.

فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم وأن كثرتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دماً. اغتسلوا، تنقوا، اعزلوا شرّ أفعالكم من أمام عيني، كفوا عن فعل الشرّ، تعلموا فعل الخير، أطلبوا الحق، انصفوا المظلوم، اقضوا لليتيم، حاموا عن الأرملة ] (إشعياء 1: 11 – 16)

ويقول سفر الأمثال عن العبادة الزائفة: [ أكثر الناس يُنادون كل واحد بصلاحه، أما الرجل الأمين فمن يجده ] (أمثال 20: 6)
ويقول الرب يسوع نفسه في الإنجيل: [ فمتى صنعت صدقة فلا تُصوت قدامك بالبوق كما يفعلالمراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجدوا من الناس ] (متى 6: 2)

أننا نجد بالربط بين هذه الفقرات إن الله يوجه إليهم – بحسب استقامة عدله [ كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب مُلكك ] (مزمور 45: 6) – اتهام خطير للغاية، فأنه ينسب إليهم نكراناً لشخصه من جهة إنكار حضوره معهم أو أنه لا يوجد إله، ولا ينسب إليهم عبادة وثن أو أي شيء آخر، إنما نسب إليهم أخطر شيء وهو [ الرياء ]…

وهو ظاهر في عدم الأمانة القلبية بصدق تقديم العبادة في إخلاص المحبة، فهم يُمارسون العبادة لله بدقة شديدة جداً بحرفية قاتلة، يقدمون كثيراً من الذبائح ويحفظون الأعياد بمنتهى الحرص الشديد، أما قلوبهم فبعيدة عن الله وحياتهم فاسدة تماماً، لذلك يقول الرب:

  • [ فقال السيد لأن هذا الشعب قد اقترب إليَّ بفمه وأكرمني بشفتيه وأما قلبه فأبعده عني وصارت مخافتهم مني a rule given them by the teaching of men وصية الناس معلمة ] (أشعياء 29: 13)
  • [ يقترب إليَّ هذا الشعب بفمه ويُكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً ] (متى 15: 8)
  • [ فأجاب وقال لهم حسناً تنبأ إشعياء عنكم أنتم المرائين كما هو مكتوب: هذا الشعب يُكرمني بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً ] (مرقس 7: 6)
ويقول القديس أثناسيوس الرسولي: [ الأعمال التي تُمارس بطريقة تُضاد إرادة الله، أو تُقدم في غير وقار لائق، لا تنفع شيئاً… الله غير محتاج إلى شيء، مادام لا شيء يجعله دنساً !، لقد بلغ إلى النهاية بسبب تصرفاتهم المملؤة رياء (إشعياء 1: 11) ]
ويقول الشهيد يوستين: [ الرب إلهنا يحفظ مثل هذه الأمور، إن وُجِدَ بينكم إنسان حانث بقسمه أو لصاً فليكُف عن هذا، وإن وُجِدَ زانياً فليتب، وعندئذٍ يحفظ سبوت الله العذبة الحقة. إن كان لأحد أيدٍ غير طاهرة فليغتسل ويتطهر ]

لقد اختار الله إسرائيل ليكون شاهداً لهُ، ولكن لم يُظهر هذا الشعب أمانة في خدمته، بل بقى أعمى وأصم عن إرادة الله ومشيئته الحقيقية، وهذا ما نجده في كثير من الأجيال في تحريف كلمة الله ومفهوم وصاياه للالتفاف حولها لكي لا يحيا بها بكل جديه فيزيغ عنها بالالتفاف حولها ليقول هل حقاً قال الله هذا، وهذا يدل على عمى البصيرة التي تنشأ من رغبة القلب الخفي الذي لا يريد سوى مشيئته هو لا مشيئة الله، لذلك تتعلق نفوس الكثيرين بأشياء كثيرة جداً مُريحه للضمير ومسكنه لوجع القلب الداخلي، ولكنها خالية من حركة التوبة والسعي لتغيير القلب ليتفق طريق الإنسان مع إرادة الله المعلنه في كلمته:

  • [ أيها الصم اسمعوا، أيها العمي انظروا لتبصروا. من هو أعمى إلا عبدي وأصم كرسولي الذي أرسله، من هو أعمى كالكامل وأعمى كعبد الرب. ناظر كثيراً ولا تُلاحظ، مفتوح الأُذنين ولا يسمع. الرب قد سر من أجل بره، يُعظم الشريعة ويُكرمها. ولكنه شعب منهوب ومسلوب قد اصطيد في الحفر كله وفي بيوت الحبوس اختبأوا، صاروا نهباً ولا منقذ وسلباً وليس من يقول رد. من منكم يسمع هذا، يصغى ويسمع لما بعد.
  • من دفع يعقوب إلى السلب وإسرائيل إلى الناهبين، أليس الرب الذي أخطأنا إليه ولم يشاءوا أن يسلكوا في طرقه ولم يسمعوا لشريعته ] (إشعياء 42: 18 – 24)

ولكن الله اختار عبداً آخر في نفس ذات الطبيعة التي للإنسان، وجعل روحه عليه (من جهة إنسانيته) وأعطاه نعمة الإصغاء وقوة الكلام (لأنه الخليقة الجديدة التي فيها يجدد طبيعة الإنسان الذي فسد ليدخل في سرّ الإيمان الحي ليُترجم لأمانة بحفظ العهد تظهر قداسة في السيرة بحياة الوصية):

  • [ هوذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سُرت به نفسي، وضعت روحي عليه، فيخرج الحق للأمم. لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يُطفئ، إلى الأمان يُخرج الحق. لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر (جمع جُزر) شريعته. هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها، باسط الأرض ونتائجها، مُعطي الشعب عليها نسمة والساكنين فيها روحاً. أنا الرب قد دعوتك بالبرّ فامسك بيدك واحفظك واجعلك عهداً للشعب ونوراً للأُمم.
  • لتفتح عيون العُمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة. أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أُعطيه لآخر ولا تسبيحي للمنحوتات. هوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مُخبر بها قبل أن تنبت أعلمكم بها ] (إشعياء 42: 1 – 9)

ويُعلن هذا العبد المختار الذي يُحقق وحده قصد الله متمماً مشيئته كما هي حسب القصد الأزلي، يُعلن البرّ الحقيقي بكل إخلاص وأمانة وصدق مُطلق، دون أن تفقده المحن والمشقات الموضوعة عليه، أمانته نحو رسالته من الله الآب: [ أعطاني السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المُعيي بكلمة، يوقظ كل صباح، يوقظ لي أُذناً لأسمع كالمتعلمين. السيد الرب فتح لي أُذناً وأنا لم أُعاند، إلى الوراء لم أرتد. بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق.

والسيد الرب يُعينني، لذلك لا أخجل، لذلك جعلت وجهي كالصوان وعرفت إني لا أخزى ] (إشعياء 50: 4 – 7)
وهذا بالطبع ينقلنا إلى العهد الجديد، لندخل في سرّ معرفة أمانة يسوع لكي ندخل وننمو في سرّ الإيمان العظيم

_________________
في الجزء القادم سنتكلم عن ثانياً: العهد الجديد (أ) أمانة يسوع
 

الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (16) أمانة الإنسان

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !