أبحاث

اللاهوت العقائدي والباترولوجي – دراسة

اللاهوت العقائدي والباترولوجي - دراسة

اللاهوت العقائدي والباترولوجي

اللاهوت العقائدي والباترولوجي - دراسة
اللاهوت العقائدي والباترولوجي – دراسة

اللاهوت العقائدي والباترولوجي – دراسة

وضع السيد المسيح لنا عقائد إيمانية، فهو جدر الزاوية، عندما سأل السيد المسيح تلاميذه” “مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أنَا ابْنُ الإنسان؟” (مت13:16)، هذه الشهادة التي قالها بطرس “فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ الله الحيّ” (مت16:16).

يُعلِّق القديس أثناسيوس الرسوليّ على قول السيد المسيح للتلاميذ “فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدًسٍ” (مت19:28)، بأن الأساس في هذا النص يدلّ على عقيدة الثالوث القدوس كما يُستدعَى في المعمودية، فيقول “هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة، لأن الرب أسسها في الثالوث

أمرهم السيّد قائلاً لتلاميذه: فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ” (مت19:28)، بأن الأساس في هذا النص يدلّ بالتحديد على عقيدة الثالوث القدوس كما يُستدعَى في المعمودية، فيقول “هذا هو إيمان الكنيسة الجامعة، لأن الرب أسسها في الثالوث، أمرهم اليبّد قائلاً لتلاميذه: “فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالابِنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ” (مت19:28)، فلو كان الروح مخلوقًا لما وضعه مع الآب الرتبة، حتى لا يكون الثالوث غير متماثل مع نفسه عندما يُوضع معه آخر غريب عنه… فذهب الرسل وعلّموا هكذا[1].

يرى القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيّات أن اللاهوت ليس منهجًا عقليًا، ولا يمكن أن يُحدّ ضمن الجسم العقليّ، ولذلك على الإنسان أن يُعيد صياغة فكره وأحاسيسه من خلال علاقته بالله، ومع ذلك فهو لا يتكلّم باللاهوت في شؤون تخصُّ جوهرَ الله، إنما فيما يدور حول الله، أي أعمال الله وقواه، الله لا يُدرك بالعقل، فما هو مُدرَك فيه هو لا محدوديته، يمكن أن يقول الإنسان عن الله أنَّه غير مُدرَك، لا بدء له، لا مولود، أي أن يظهر ما هو ليس الله..

فعمل اللاهوتيّ محدود بطبيعة بحثه وبقناعته بأن معرفته لا تُكتمل، حتى بولس الرسول أكّد على عدم الإدراك الكامل لله، يقول القديس غريغوريوس: “إيليا كما نعرف من التاريخ لم يرً طبيعة الله بل ظلالها، وبولس الرسول إذا كان يستطيع أن يعبّر عما رأى وسمع في السماء الثالثة، وبالصعود حتى ذلك المكان يمكننا أن نعرف شيئًا من غاية الاختطاف؟ ذلك لأن بولس نفسه لم يُدرِك شيئًا، بل ترك لنا أن نكرّم بصمت ما عاينه وذكره، أي أنه سمع كلمات سرية لا يُنطَق بها…

إننا كمَن يحاول أن يغرف ماء البحر بالوعاء… بكلامي حاولتُ أن أُبرهن أن العقل لا يستطيع أن يُدرِك طبيعة الملائكة فكم بالأحرى طبيعة الله التي تفوق كل شيء؟ له المجد والإكرام إلى أبد الدهور آمين”[2].

كان المعتاد في القرون الثلاثة الأولي أن يجتمع الموعوظين في الكنيسة، وتُقدَّم لهم تفاسير كتابية مع الإيمان، ويُلقَّنوا قانون الإيمان مع شرحه جملة جملة وتسمى تعليم العقيدة “Catechism”، ومثال ذلك شرح قانون الإيمان للقديس كيرلس الأورشليميّ، ثم ينالون سر المعمودية المقدسة، وبعدها يستمعون إلى شرح الأسرار.

كما أن الكنيسة في القرون الأولى في شرحها للعقيدة كانت تعتمد على الكتاب المقدس والليتورجية، فلا يوجد طقس بدون خلفية عقيدية، ولا توجد عقيدة بدون صياغة طقسية، فالعقيدة لا تُفهم إلاَّ من خلال كلمة الله والليتورجية التي هي الممارسة الحيّة لجماعة المؤمنين.

العقيدة ليست نظرية هندسية أو موضوعًا عقليًا نظريًّا فقط، لكنها حياة تحياها الكنيسة وتنال بركتها من خلال التطبيق الروحيّ لها في الليتورجية، فالليتورجية تقدم العقيدة والطقس، إلاَّ إن استخدام الكتاب المقدس فقط بعيدًا عن الليتورجية المعاشة، يُصبح غامضًا لذلك لا يمكن فصلهما عن بعضهما.

ترجع حاجة الآباء إلى صياغة الإيمان في قانون مُحدَّد أو مصطلحات محددة، وتحديدات واضحة حية لحقائق الإيمان المسيحيّ، زكذلك صياغة الليتورجية إلى ظهور الهراطقة والذي كان هدفهم تحريف الحق[3]، فصاغ الآباء معلمو العقيدة الإيمان بإلهام الروح القدس الواحد، الذي عمل في الآباء الرسل، وفي الآباء من بعدهم، لذا القاسم المُشترك في كل اعتراف الآباء هو الاستنارة المعطاه لهم من الروح القدس، يقول القديس هيلاري “نحن ملتزمون أن نتكلم بما لا يُنطَق به، عوض هيام الإيمان المجرد نلتزم أن نعهد أمور الدين إلى مخاطر التعبير البشري”[4].

هذا الإيمان المستقيم هو القاعدة والمقياس، لذا يُسمَّى قانون “creed”، ومن المعروف أن القانون هو الوسيلة لقياس واختبار الأشياء، كالقضيب المستقيم أو المسطرة التي نُقيم بها استقامة الشيء، لذا يسميه القديس إيريناؤس “قاعدة الإيمان”[5].

فالكنيسة استلمت إيمان واحد ودور الآباء الحفاظ عليه، كما يُوصينا مُعلمنا القديس يهوذا الرسول: “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ، اضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيكُمْ وَاعِظًا أنْ تَجْتَهِدُوا لأجْلِ الإيمان الْمُسَلَّمِ مَرَّة لِلْقِدِّيسِينَ” (يه3).

يقول القديس إيريناؤس (أسقف ليون – القرن الثاني): “رغم أن الكنيسة منتشرة في كل المسكونة من أقاصيها إلى أقاصيها، فقد استلمت من الرسل وتلاميذهم الإيمان بإله واحد، الآب ضابط الكل، خالق السماء والأرض والبحار وكل ما فيها، والإيمان بالمسيح يسوع الواحد، الذي هو ابن الله، الذي تجسَّد لأجل خلاصنا، والإيمان بالروح القدس الذي أعلن التدبير بواسطة الأنبياء،[6]

أي بمجيء المسيح وميلاده العذراويّ وآلامه وقيامته من بين الأموات، وصعود ربنا المحبوب المسيح يسوع إلى السما جسديًّا[7]، وظهوره ثانيةً من السماء في مجد الآب، لكي يجمع كل الأشياء في نفسه، ولكي يُقيم أجساد كل البشر إلى الحَيَاة، لكي تجثو للمسيح يسوع ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كل ركبة، بحسب مشيئة الآب غير المنظور، ولكي يعترف كل لسان له، ولكي يُقيم أجساد كل البشر إلى الحَيَاة، لكي تجثو للمسيح يسوع ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كل ركبة، بحسب مشيئة الآب غير المنظور..

ولكي يعترف كل لسان له، ولكي يُجري دينونة عادلة للجميع، ولكي يطرد أرواح الشر والملائكة الذين تعدوا وصاروا مضادين، وكذلك الأثمة والأشرار ومخالفي الناموس والدنسين، ويطرح الجميع في النار الأبدية، ولكن في نعمته سوف يهب الحَيَاة ومكافأة عدم الفساد والمجد الأبديّ لأولئك الذين حفظوا وصاياه، وثبتوا في محبته سواء منذ بداية حياتهم أو منذ وقت توبتهم[8].

هذا الإيمان تحفظه الكنيسة باجتهاد رغم أنها مُنتشرة في كل العالم، تحفظه بكل اجتهاد كما لو كانت كلها تسكن في بيت واحد، وهي تؤمن بهذا وكأن لها عقلاً واحدًا وتكرز وتعلّم وكأن لها فمًا واحدًا، ورغم أن هناك لغات كثيرة في العالم، إلاّ أن معنى التقليد واحد، وهو هو نفسه، لأن نفس الإيمان تتمسك به وتسلّمه الكنائس المؤسسة في ألمانيا، وأسبانيا، وقبائل قوط، وفي الشرق، وفي ليبيا، وفي مصر، وفي المناطق الوسطى من العالم.

كما أن الشمس وهي مخلوقة من الله، هي واحدة، وهي هي نفسها في كل المسكونة، هكذا أيضًا نور كرازة الحق، الذي يُضيء على كل الذين يرغبون أن يحصلوا على معرفة الحق، ولن يستطيع أيُّ واحدٍ من القادة في الكنائس – مهما كان له موهبة فائقة في الفصاحة – أن يُعلّم تعاليم مختلفة عن هذه (لأنه ليس أحد أعظم من الرب والسيد)، ومن الجهة الأخرى، فإن مَنْ عنده نقص في قوة التعبير لن يسبب ضررًا للتقليد، لأن الإيمان هو نفسه على الدوام واحد لا يتغيّر بل يظلّ هو نفسه كما هو…

فلا يستطيع ذلك الشخص الذي يمكنه أن يتحدّث عن التقليد حديثًا طويلاً أن يعمل أَيَّة إضافة عليه، كما أن الشخص الذي لا يستطيع أن يتكلّم سوى القليل، لا يمكن أن يُنقض منه شيئًا[9].

فقد صاغ الآباء قانون الإيمان النيقاويّ: “نؤمن بإله واحد… نعم نؤمن بالروح القدس”، وذلك لمواجهة أريوس، وأكملوا من بعده في مجمع القسطنطينية: “نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحييّ… وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي”، لتوضيح ألوهية الروح القدس لمجابهة بدعة مقدونيوس، وفي مجمع أفسس الأول واجهه الآباء تعاليم نسطور وأقروا بأن العذراء هي “والدة الإله” وضع الآباء مقدمة قانون الإيمان: “نعظمك يا أم النور الحقيقيّ..”.

كذلك صياغة مصطلحات لاهوتية، مثل، لتوضيح العلاقة بين الآب والابن، فهذا التعبير لم يأتِ في الكتاب المقدس، بل إن النصوص المتعلقة بين الآب والابن، فهذا التعبير لم يأتِ في الكتاب المقدس، بل إن النصوص المتعلقة بهذا المصطلح لو فُهمتْ فلسفيًا فقط، لن نصل إلى هذا المصطلح، لكن الآباء المستنرين بعمل الروح القدس كتبوا هذا المصطلح.

كذلك لم يأتِ بالنص في الكتاب المقدس أن الروح القدس مساوٍ للآب في الجوهر، ومع ذلك فإن حقيقة مساواة الروح القدس للآب في الجوهر، تتفق تمامًا وتشهد بما جاء في الكتاب المقدس، فعندما تكلم القديس غريغوريوس عن ألوهية الروح القدس، بالاستنارة التي منحها له الروح القدس خلال فهمه للكتاب المقدس، دخل إلى البهاء المتواري للحقيقة الإلهيّة واستخدم اصطلاح[10].

يقول البابا كيرلس عمود الدين: “حينما نصف الذات الإلهيّة بأنها غير مادية وغير مرئية وغير محدودة ولا يمكن قياسها، هل نحن نتكلم بطريقة غير مناسبة؟ لن أخجل أبدًا من استخدام أيِّ كلمة تستطيع أن تشارك في إظهار الحق، أين أطلقت الكتب المقدسة على إله الكون لقب غير الجسديّ، غير الموصوف وغير المحدود وغير الخاضع لأحد! ورغم ذلك فهو كل هذا بالطبيعة سواء أراد هؤلاء (يقصد الهراطقة) أم لم يُريدوا؟ وإذا كنا قد وضعنا في قلوبنا أن نفكر بطريقة أرثوذكسية، فلا يحق لنا أن نرفض التعبيرات التي تساعدنا على معرفة الحقيقة”[11].

 

 

[1] The Letters of saint Athanasius concerning the Holy Spirit, C. R. B. Shapland, London 1951, p. 132.

[2]  مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتيّ، سلسلة آباء الكنيسة (8)، منشورات النور ص 108-110.

[3]  د. جورج عوض – اعتراف الإيمان في الكنيسة الأولى – المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية – 2008 ص 10.

[4] Anne Fremantle: A Treasurly of early Christianity. P. 275.

[5]  د. جوزيف موريس فلتس – سر المعمودية تاريخيًا ولا هوتيًا – أعمال المؤتمر السنويّ السابع للدراسات الآبائية 1998، ص 31.

[6]  عقيدة الثالوث الواحد في الآب والابن والروح القدس.

[7]  التجسد والفداء.

[8]  المجيء الثاني والدينونة.

[9]  القديس إيرينيوس أسقف ليون “ضد الهرطقات AH 1:10، الكرازة الرسولية – ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، د. جورج عوض أغسطس 2005 – ص 25،24.

[10]  راجع د. جوزيف موريس فلتس. الآباء والعقيدة – دورية مركز دراسات الآباء يناير 1998 ص 22.

[11]  حوار حول الثالوث للقديس كيرلس الكبير ج1 – ترجمة مركز دراسات الآباء يوليو 1999 – ص 22،21.

اللاهوت العقائدي, اللاهوت العقيدي, اللاهوت العقائدى, علم اللاهوت, خدمة التفريغ, التفريغ, اللاهوت

 

اللاهوت العقائدي والباترولوجي – دراسة

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !