أبحاث

البحث الكتابي المعاصر

 البحث الكتابيّ المعاصر

البحث الكتابي المعاصر
البحث الكتابي المعاصر

قراءة الكتاب المقدّس قراءة عالمة ومسؤولة لا تستطيع أن تتجاهل تحديّ البحث العلميّ. منذ وُجدت الحضَارة، كان هذا البحث عمليّة مثمرة جداً ومستحقّةً الثناء عندما يكون مركّزاً ودراساً نظامياً. لقد كان للمصريّين القدامى والبابليّين معلّمو حكمة. اليهود، الإغريق والرومان أعطوا أيضاً قيمة كبيراً جداً للتعلُّم والتربيّة[1]. الكتاب المقدّس هو نتيجة بحث ويعطي إثباتاً لنشاطات عمليّة فيه. مثلاً، يحدّد كتاب سيراخ علناً أحد معلّمي إسرائيل الذي عيّن مدير مدرسة وألّف كتابه الذي تُرجِم لاحقاً إلى اليونانيّة على يد ابن أخيه[2].

إنجيل متّى الذي كتبه معلّم مسيحيّ أخرج من كنزه “ما هو قديم وما هو جديد” (متى 52:13)، يعطي إثباتاً حول العمل الفكريّ الدؤوب الذي يقف خلف تجميعه تعاليم يسوع في عظات طويلة كتلك التي على الجبل (متّى 5-7)[3]. الرسول بولس، كان فرّيسيّاً سابقاً خبيراً في البحث المتعدّد اللغات في القانون، كان قادراً على الحاججات الطويلة في أمور مثيرة للجدل بين اليهود والمسيحيّين، كما يتّضح من رسائله إلى الرومانيّين والكورنثّيين والغلاطيّين.

شجّع آباء الكنيسة البحث العلميّ على أساس الكتاب المقدس والتراث الكلاسيكيّ معاً. رغم سؤال ترتليان التشكيكيّ الشهير: “ما لأثينا مع أورشليم؟”، فقد احترم الآباء التقليد الكلاسيكيّ وعزّزوا التربية بحسب وسائل زمانهم وحاجته.

تستمرّ الدراسات الكتابيّة الحديثة في الجامعات والكلّيات في هذا التقليد الواسع. يعمل الباحثون الكتابيّون المعاصرون في ظروف عصريّة ومنهجيّات حديثة. تكمن أهدافهم الأساسيّة في صقل المعرفة، كلّ في حقله، وتحسين مسيرة الحضارة. ليس مفاجئاً أنّهم يستعملون، كما فعل الآباء في زمانهم، القوى العقليّة واللغة والمنهجيّات بالإضافة إلى أمور عصورهم الاجتماعيّة والسياسيّة.

ومع هذا، يجب الاعتراف بأنّه، مع وجود النتائج اللامعة والثابتة، سبّبت أوجه البحث الكتابي الحديث، بشكل مباشر أو غير مباشر، تشويشاً كبيراً وعلى القدر عينه بين الطلاّب والرعاة والمؤمنين العاديّين. لقد أثار علماء الكتاب أنفسهم مسائل حول طبيعة النقد الكتابيّ الحديث وروحه[4].

فالنقطة الحاسمة في المسألة ذات وجهين. من جهة، يقترح النقد الكتابيّ اكتشاف الكتاب المقدّس وتفسيره في كلّ غناه وتنوّعه بهدف تسليط الضوء على قيمته كتراث أدبيّ ودينيّ وحضاريّ. لكن من الجهة الأخرى، غالباً ما يعطى النقد الكتابيّ الانطباع بأنّه نقد سلبيّ يفكّك الكتاب المقدّس ويرفض جذرياً عناصر الشهادة الأساسيّة.

فبدل أن يظهر البحث العلميّ تقديراً عادلاً للكتاب المقدّس وتعاطفاً معه، غالباً ما يقدّم صورة مشوّشة لمنهجيّات متفرّقة ونتائج متضاربة، شديدة التأثّر بافتراضات فلسفيّة ومواقف أيديولوجيّة غريبة في الكتاب. من هنا، نظرة متوازنة إلى نقاط القوّة والضعف في الدراسة الأكاديميّة السائدة هي أمر حاسم متعلّق بحريّة البحث العلميّ وطبيعة الحقيقة كما بأهميّة الكتاب المقدّس بالنسبة إلى الكنيسة.

ما يحدّد خُلُق النقد الكتابيّ الحديث وروحه، إيجابيّاً وسلبيّاً في آن معاً، هو تراث أصوله ومنهجيّاته. تاريخ النقد الكتابيّ طويل ولا فائدة هنا من محاولة سرد تاريخ وصفيّ للبحث الكتابيّ[5]. عموماً، هذا الحقل متنوّع جداً ومطبوع بالتحليل النقديّ الموضوعيّ كما بالانحراف، بالإنجازات الحقيقيّة كما بالتوجّهات الخاطئة، وبالنتائج المثبتة كما بالمشكلات التي لا سبيل إلى فهمها ظاهريّاً. فيما حقّقت الدراسة الكتابيّة مساهمات قيّمة في فهمنا الأدبيّ والتاريخيّ للكتاب المقدّس، فقد كانت في أزمة مستمرّة في ما يتعلّق بمقاربات التأويل والإجماع اللاهوتيّ. في هذا الفصل، ننوي تقديم تقويم واسع للبحث العلميّ من طريق تسليط الضوء على بعض المميّزات الأساسيّة في ثلاثة مجالات:

ا) المصادر التاريخية في البحث الكتابي المعاصر

ب) منهجيات البحث الكتابي المعاصر

ج) نقاط القوة والضعف في البحث الكتابي المعاصر

[1] H. I. Marrou, A History of education in Antiquity, trans. G. Lamb (New York: Sheed and ward, 1964) and William Barclay, Educational Ideals in the Ancient World (Grand Rapids: Baker Book, 1974).

[2] See the interesting prologue of Sirach and Sir 39:1-11; 50:27; and 51:23.

[3] The other discourses are in Mathew, chaps. 10,13,18m23, and 24-25.

[4] For example, Walter Wink, The Bible in Human Transformation; Stuhlmacher, Historical Criticism and Theological Interpertation of Scripture; Martin Hengel, “Historical Methods and the Theological Interpretation of the New Testament,” in his Acts and the History of Earliest Christianity, pp.127-136; and Eta Linnemann, Historical Criticism of the Bible: Methodology or Ideology? The last carries the subtitle “Reflections of a Bultmannian turned evangelical.”

[5] For such accounts, see the relevant articles on biblical criticism in The Anchor Bible Dictionary and The New Jerome Biblical Commentary. For the New Testament, see further S. Neil and T. Wright, The Interpretation of the New Testament 1881-1986; E.J. Epp and G. W MacRae, eds., The New Testament and Its Modern Interpreters; and W. G. Kummel, The New Testament: The History of the Investigation of its Problems, trans. S. Maclean Gilmour and H. C. Kee (New York: Abingdon, 1970).

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !