أبحاث

الموقف بعد ظهر يوم الجمعة – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

الموقف بعد ظهر يوم الجمعة - فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

الموقف بعد ظهر يوم الجمعة – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

الموقف بعد ظهر يوم الجمعة - فرانك موريسون – من دحرج الحجر ؟
الموقف بعد ظهر يوم الجمعة – فرانك موريسون – من دحرج الحجر ؟

الموقف بعد ظهر يوم الجمعة – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

إذا أردنا الوقوف على سير الحوادث التي وقعت عقيب موت المسيح، تعيّن علينا أن نبحث بتدقيق الموقف كما كان حوالي الساعة الرابعة من عصارى يوم الجمعة.

وإلى هنا كان بحثنا في الموضوع دائرً كله أو جلّه من وجهة النظر الرسمية الكهنوتية، وقد كان لوجهة النظر هذه شأنها وخطورتها في الأدوار الأولى من هذه القضية. فالذين أقاموا الدعوى هم الكهنة، ولم يكن بدُّ من معرفة ما كان ورائها من العوامل.

ولكن بعد أن نالوا أربهم، يختفي مؤقتاً أولئك الممثلون الرسميون لليهودية، ويحلّ محلهم على مسرح الحوادث قوم آخرون هم صحابة يسوع وأصدقاؤه المخلصون الذين نُعنى بهم في الفصلين أو ربما الفصول الثلاثة التالية. ولنبدأ الآن ببحث مَن كان أولئك الصحابة، وما الذي تقوله عنهم الوثائق التي بين أيدينا:

وإذا استثنينا مريم ومرثا من بيت عنيا وأخاهما لعازر الذين لم يرد لهم ذكر في الحوادث الأخيرة من هذه المأساة لأسباب سنبحثها فيما بعد، فإنه يبقى بعد هؤلاء نفر قوامه ستة عشر شخصاً. كلهم من أصدقاء يسوع اصطفاهم أعواناً خلصاء:

الأحد عشر رسولاً.

مريم أم يسوع.

مريم زوجة كلوبا.

سالومة زوجة زبدي.

مريم المجدلية.

يونا امرأة خوزي وكيل هيروس.

وقد يصح أن نضيف إلى هؤلاء رجلين آخرين من طبقة اجتماعية رفيعة ذات شأن، لم يعترفا جهرة بتلمذتهما ليسوع، ولكنهما كانا يعطفان على قضيته كل العطف – وهما يوسف الرامي، والمشير اليهودي نيقوديموس، أحد أعضاء مجلس السنهدريم.

ويؤخذ من رواية الإنجيل أن كلاً من هؤلاء الثمانية عشر شخصاً كان حاضراً في أورشليم أو في ضواحيها في ذلك العيد. ولدينا في الوثائق ما نستطيع به أن نقفو خطى كل منهم، ولا سيما فيما يتعلق بالنساء. وسنرى أن لأدلتهن قيمة خاصة في الحوادث الطارئة فيما بعد.

والسؤال الذي يتعيّن علينا بحثه هو: كيف تلقّى أولئك الصحابة الصدمة العنيفة بعد إلقاء القبض على المسيح وصلبه؟ وما الظروف الدقيقة التي عرفوا فيها ما كان يجري من الحوادث، وكيف تلقوا هذه الحوادث كلها التي أدَّت، لا إلى موت زعيمهم فقط، بل إلى اضطراب عميق في حياتهم الخاصة؟

من الميسور أن نجيب على هذا السؤال في غير عناء عن التلاميذ أنفسهم. وما من شك أنهم لم يدركوا خطورة الأمر تماماً إلى في ساعة متأخرة من يوم الخميس. ونحن لا نذكر أن رنات أقوال يسوع الرزينة الخطيرة خلال تناول العشاء في العلية قد أعدّتهم لتوقّع فاجعة من نوع ما، ولكنهم لم يدركوا تماماً حقيقة الأمر الرهيب إلاّ حين أقبل يهوذا الخائن ومعه الجند للقبض على سيدهم، ولم يكن في وسع نفر ضعاف مقاومة القوة المسلحة التي جاءت للقبض عليه.

وبعد محاولة عقيمة غير مجدية من جانب بطرس، هرب الأكثرون منهم لا يلوون على شيء. وانقضى الليل كله ويسوع بين أيدي أعدائه وأتباعه المخلصون قد تبعثروا وارتاعوا من هول ما رأوا!

على أن اثنين من أتباعه، وهما بطرس ويوحنا، ظهرا ثانية في الهزيع الأخير من الليل في أفنية دار رئيس الكهنة، ويخيّل إلينا أنهما دخلا المدينة في أعقاب الشرذمة التي ألقت القبض على يسوع. وقد كان أولئك الذين كُلفوا بالقبض عليه، على قول رواية الإنجيل، خليطاً غير متجانس من الناس صحبوا جنود السنهدريم إلى بستان جثسيماني.

وأغلب الظن أنه قد وُضعت التدابير اللازمة للسماح لهذه الحملة بالعودة إلى المدينة من أحد أبوابها. ولم يكن متعذراً على بطرس ويوحنا أن يندسّا في الظلام وسط الهرج والمرج ويدخلا المدينة مع الداخلين دون أن يعرفهما أحد. وما أن دخلا باب المدينة حتى اقتفيا خُطى الحملة إلى دار رئيس الكهنة، حيث أفاد يوحنا بما كان بينه وبين البوابة من تعارف، وتمكّنا من الوقوف على بعض ما كان يجري.

أما التسعة التلاميذ الآخرون فإني أشك كثيراً في أنهم قضوا الليلة في أورشليم. والظاهر أنهم ارتاعوا وارتعبوا فولّوا الأدبار خوفاً من القبض عليهم. ومع تسليمنا بأن قوانين الدخول من أبواب المدينة بعد مغيب الشمس كان يصيبها شيء من التراخي والتساهل في ليالي الأعياد، حينما كان يبيت كثيرون من الحجاج في مظلات وأعشاش فوق أكتاف التلال، فإنه لم يكن محتملاً أن يجازف التلاميذ الذين عراهم الخوف والرعب بالدخول في ساعة مريبة معرّضين أنفسهم لافتضاح امرهم وسَوقهم موثقين مع زعيمهم. والأرجح كثيرً أنهم اتخذوا طريقاً آخر سنفصلّه في فصل تالٍ.

أما النساء، فأغلب الظن أنهن جهلن كل هذه الحوادث وخفيت عليهن الأمور حتى انتهت أدوار المحاكمة الليلية. ولا يفوتنا أن ذيوع الأخبار في أورشليم القديمة لم تكن على شيء من هذه السرعة التي نشهدها الآن بعد انتشار الصحف والأجهزة اللاسلكية. ولم يكن قد بُتّ في أمر القبض على يسوع إلاّ في ساعة متأخرة من اليوم السابق بعد أن هجع أغلب سكان المدينة في مخادعهم. وربما عادت الحملة بالمتهم من طريق لا يغشاها إلاّ قليل من المارة في تلك الساعة المتأخرة. وكأن الظروف كلها قد هيأت للكهنة فرصة ملائمة لتنفيذ فعلتهم بعيداً عن أعين الرقباء كما كانوا يرغبون.

فلما انفتحت الأبواب عند شروف الشمس، وبدأ الناس يغدون ويروحون، ذاعت بينهم شائعات عن حوادث الليلة، وانتقل النبأ إلى بعض أنحاء المدينة. ولكن يبدو لنا من تضاعيف القصة أن الكهنة حاولوا كتمان الحوادث ما استطاعوا، ولم يقف الناس على تفاصيل الرواية كلها إلا بعد أن بلغت المأساة دورها الأخير الحاسم.

وأخالنا لا نبعد عن الحق كثيراً إذا افترضنا أن النساء في جماعة الصحابة لم يبلغهن نبأ هذه الحوادث الرهيبة التي تعاقبت سراعاً قبل بكور يوم الجمعة، إلا عن طريق الشائعات التي ذاعت في المدينة، أو (وهو الأرجح) نقلاً عن بطرس أو يوحنا. وكان فرضاً على من أحبّوا يسوع أن يبلغوا الخبر لأمه مهما كان الأمر ثقيلاً عليهم.

وإن كان هذا الذي أسلفنا هو التقدير الصحيح لسير الحوادث، فتكون جماعة صحابة يسوع في أورشليم قد نقص عددها في صباح يوم الجمعة من ستة عشر شخصاً إلى سبعة، بينهم خمس من النساء. ولم أن أحداً من التسعة الآخرين أفلح في الانضمام إلى بطرس ويوحنا أو إلي النساء، لكنّا سمعنا عنه في القصة.

ومما يرجّح اختفاء التلاميذ التسعة، أن الأشخاص الذين ذًكروا في المشهد الأخير أمام الصليب كانوا من بين هؤلاء السبعة فقط. وكانوا كلهم هناك، ما عدا اثنين لهما أعذار تبرر غيابهما وهما بطرس وأظنه قد اختلى إلى مكان منعزل إنساناً كسير القلب موجعه، نادماً مستغفراً، ذليلاً متحسراً. ويونّا وأظنها كانت مشغولة بأداء واجباتها الرسمية لأن هيرودس كان مقيماً في أورشليم مؤقتاً في تلك الفترة.

ومهما برح الألم بقلب الأم، فما من شدة تستطيع أن تحول بينها وبن الوقوف في ساعة النزع الأخيرة، ومن ثّم نراها هناك واقفة عند قدمي الصليب. كذلك نرى هناك يوحنا على أهبة أن يتلقّى وصية البنوة للأم الثكلى، ومريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية، على مقربة من الصليب أيضاً.

كل هذا يتسق تماماً مع الذي نتوقعه. فحتى لو كان الأحد عشر تلميذاً شهوداً للحادث يشاطرون معاً تبعاته وآلامه وأحزانه في ذلك الصباح الرهيب، لكنّا ننتظر أيضاً أن يكون النسوة هناك، وذلك لأن أضعف النساء بنية وأهزلهنّ جسداً، ينجذبن بقوة غالبة إلى خدمة الموتى والعناية بهم، ولو كان ذلك في ظروف رهيبة مريعة تهدّ أعصاب أقوى الرجال هدّاً. وأن وقوف النسوة في هذا المشهد الرهيب، ووقوف التلميذ الحبيب يوحنا في ساعة الضيق والشدة، من الأمور البشرية الطبيعة. هنا صورة من صور الحياة الحقة. ولم كتب المؤرخون المدققون وصفاً لهذه المأساة، لما كتبوا غير هذا.

ثم انظر الآن إلى الحوادث التي تعاقبت سراعاً: وعندي أن موت المسيح على الصليب، بالمعنى الجسماني الكامل، حتى قبل أن يخرق الجندي الروماني جنبه بحربته، من الحقائق التاريخية التي لا يتناولها ريب أو شبه ريب. فإن الوثائق والروايات كلها تؤيدها. ويقول كاتب بشارة مرقص، وهي أقدم بشائر الإنجيل، إن بيلاطس نفسه أيقن هذا الأمر بسؤاله قائد الجند الذي عُهد إليه بالصلب، قبل أن يعطي الإذن بنقل الجسد من فوق الصليب. ولم يكن يخطر ببال أحد أن يرتاب في هذه الحقيقة أو يخامره شك في أمرها في العصر الذي عاش فيه شهود العيان.

ولم يجسر أحد في خلال أجيال التاريخ على إثارة شبهة، إلى أن قامت جماعة العقليين في أوائل القرن التاسع عشر، وأبرزت للناس ذلك الزعم الغريب السقيم بقولهم إن يسوع لم يمت ولكنه أُغمي عليه فقط، ثم استفاق من هذا الإغماء حين أحسّ ببرودة القبر المنحوت في الصخر. وقد فنّد العلامة “ستروس” هذه النظرية تفنيداً شاملاً، وسنعود إليها في فصل تالٍ من هذا الكتاب.

وقد أجمع كُتّاب البشائر الأربعة أن يوسف الرامي طلب إلى بيلاطس عقب موت يسوع أن يأذن له بدفن الجسد. وهنا نرى رجلاً في مكانة اجتماعية ممتازة، وفي وظيفة رسمية محترمة، يقطع نفسه من كل علاقة بحزب الكهنة، ويلتمس إذناً من الوالي الروماني لدفن المتهم المصلوب دفناً كريماً لائقاً.

ومما يقوله بعضهم إن الباعث الذي دفع ذلك الرامي إلى هذا العمل، هو رغبته في احترام الشريعة اليهودية والقيام بشعائر الدفن التي أوجبتها. ولا يسعني أن أقبل تعليلاً كهذا وأمامي من الأدلة من ينقضه. فقد كان هناك على الصلبان ثلاثة أجساد يجب مواراتها قبل مغيب الشمس، لا جسد واحد. ولم يُذكر، لا تلميحاً ولا تصريحاً، أن يوسف الرامي التمس الإذن بدفن اللصين الآخرين، إنما كان غرضه الأوحد أن يؤدي واجب التكريم والاحترام لجسد يسوع. ورواية الإنجيل الكريم تؤيد هذا الرأي كل التأييد. فقد قيل إنه لم يكن راضياً في مجلس السنهدريم عن قتل يسوع.

ويقول البشير لوقا عنه إنه “كان ينتظر ملكوت الله”. ويفصح يوحنا بأسلوب غير هذا فيقول إنه “تلميذ يسوع ولكن خفية بسبب الخوف من اليهود”. ولكن الحوادث الجسام تفتق في أخلاق الرجال البسالة والإقدام. وبعد أن قضى يسوع ولم يعد لأعدائه أرب ضده، ارتفع يوسف الرامي إلى مستوى الآمال الخفية التي جاشت في نفسه، وتذرّع بالشجاعة فذهب إلى بيلاطس ليأذن له بدفن الجسد.

على أن البشير يوحنا يضيف إلى قصته معلومات أخرى ترجحها الحوادث كل الترجيح. فقد قال إنه بعد الحصول على إذن بيلاطس بدفن الجسد، أحضر الراميّ معه نيقوديموس – وهو الحبر اليهودي الذي جاء إلى المسيح ليلاً على قول هذا البشير نفسه. وقد كان لذينك الرجلين تفكير مشترك وآمال مشتركة. فكلاهما من الطبقة الحاكمة، وكلاهما أضمر ليسوع خفية كل معاني الاحترام والإخلاص.

فلم يكن من المستبعد أن ينضما معاً آجلاً أو عاجلاً. وهي هناك ساعة يحق لهما فيها أن يتواعدا ويتآلفا غير هذه الساعة التي خشيا أن يوارى فيها جسد من كان موضع احترامهما وتقديرهما في لحد لا يليق بكرامته؟ حقاً كانت تلك الفرصة الأخيرة والوحيدة التي يستطيعان فيها أن يؤديا للمسيح جهراً بعض معاني الإخلاص الذي أنكراه عليه في حياته.

وجدير بنا أن نذكر هنا أن شهود العيان المسيحيين الذين راقبوا ما حدث في ذلك الدور من المأساة، كانوا على الأرجح النسوة الثلاث فقط – وهنّ مريم زوجة كلوبا وسالومة ومريم المجدلية. ويكاد يكون مؤكداً أن أم يسوع قد تحطمت أعصابها تحت ضغط الحوادث. وفي رواية الإنجيل ما يُلمح إلى هذا.

وطبيعي ألا تقوى على الوقوف صاحبة ذلك القلب المعذب التي ذاقت مرارة الكأس الرهيبة وهي تشهد متوجعة متفجعة آلام ابنها وهو ينازع الموت على الصليب. ولا عجب أن تنهار قواها الجسمانية ويدركها الإعياء والكلال بعد أن تقف ساعات عند قدمي الصليب تشاهد ابنها المعذّب المائت، فيأخذها يوحنا التلميذ الذي أودعت إلى عنايته مسنداً إياها وسط الجموع الخشنة الفظّة إلى الدار التي اتخذها مقاماً مؤقتاً في أورشليم.

ولكن في رواية الإنجيل شهادة ثابته تؤيد أن اثنتين من النسوة على الأقل بقيتا إلى آخر مشاهد هذه المأساة، وقد ذكر أسماءهن كُتّاب البشائر الثلاث الأولى. وقد أجمعت الروايات الثلاث على شيء غريب، وهو بقاؤهن يشهدن مراسم الدفن من بعيد. وكأن الظروف قد قضت بألا يشتركن اشتراكاً فعلياً فيها.

وهذا وحده يعبّر أصدق تعبير عن احتمالات الموقف، فلو صحّ ما ذهب إليه كُتّاب البشائر الأربع – وهو صحيح – من أن يوسف الرامي الذي قام بالدفن، رجل من ذوي النعمة والثراء، وغريب عن أولئك النسوة، فإنه طبيعي أن يتمنّع النساء عن الاشتراك معه لأنه غريب عنهن، فضلاً عن مكانته الاجتماعية التي تجعل فارقاً بينه وبينهن.

وهناك اعتبار آخر نضعه في مرتبة الحقائق التاريخية، ذلك أنه لم يكن معقولاً أن يقوم يوسف الرامي وحده بكل إجراءات الدفن دون معونة آخرين. فإن لف الجسد في أقمطة من الكتان طولها ثمانية أقدام (حسب التقاليد اليهودية) يحتاج على الأقل إلى أربع أيد ثم أن نقل الجثة من تلّة الإعدام إلى بستان القبر – وإن تكن المسافة قريبة – لا بد يحتاج إلى رجلين قويين لحمل جسد لم يكن من الهين حمله بسبب الجروح التي أثقلته وأثخنته ونلاحظ أن البشائر الثلاث الأولى التي لم تشر إلى نيقوديموس في هذا المقام، قد صمتت أيضاً، فلم تذكر أحداً من المساعدين.

على أن وجودهم مع يوسف الرامي أمر مسلّم به، ولعلّ نيقوديموس كان واحداً منهم، وهو أيضاً كان غريباً عن النسوة اللاتي وقفن من بعيد يشهدن التكفين.

ومسألة المعونة في حدّ ذاتها تافهة القدر. ولا يعنينا كثيراً أن يكون يوسف الرامي قام بالتكفين وحده أم قام به مع آخرين، على أن للمسألة وجهاً آخر يتصل بالمشكلة اتصالاً مباشراً كما سنرى فيما بعد.

تلك كانت الأزمة التي أدركت صحابة يسوع في ذلك اليوم المأثور في التاريخ البشري، يوم الجمعة العظيمة. ونحن حين نلقي اليوم نظرة على هذه الاعتبارات كلها، نتأثر أيما تأثير بتلك الحادثة البعيدة في التاريخ القديم، التي لا تنسجم فقط مع نصوص الوثائق التي بأيدينا، بل تتمشى مع أحوال الحياة البشرية وأطوارها. ثم تعود هذه القطع المبعثرة المحطمة إلى التجمع والتساند في كلّ لا يقبل التجزئة. ولسنا نغلو حين نقول أن هذه القصة الهادئة في سردها، المقتصدة في لغظها، تمثل الحقائق كاملة في تلك المأساة الخطيرة التي لا مثيل لها في التاريخ من حيث نتائجها وثمارها.

ومن ثم نرى مصداقاً لقانون الإيمان المسيحي القديم، إن يسوع “تألم في عهد بيلاطس البنطي، وصُلب، ومات، وقبر…… ” وهنا وضعت نقطاً سوداء في هذا الفراغ بدل النص المشهور، وذلك لأني كنت أقف عنده متمنعاً في أيام شبابي عند تلاوة قانون الإيمان في الكنيسة، فلا لساني كان يطاوعني على النطق، ولا عقلي كان يتساهل في التسليم. والقارئ الذي يعرف نصّ قانون الإيمان يفهم علّة هذا الإحجام. أما الآن فإني أحسُّ إحساساً مغايراً. لقد تصارعت مع هذه فوجدتها أصلب عوداً مما كنت أظن. ومن الهيّن أن تقول إنك لن تؤمن بشيء لا يتّسق والفكر العقلي في الكون.

ولكن هب أن الحقائق لن يمكن صبّها في ذلك القالب العقلي، فماذا يكون موقفك؟ إن المنصف الأمين لا يسعه إلا بحث هذه الحقائق في صبر وهوادة، في إنصاف وغير تحيز، ليرى إلى أين يؤدي به البحث. وهذا ما سأفعله في الفصول التالية.

فصول كتاب من دحرج الحجر

الموقف بعد ظهر يوم الجمعة – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !