أبحاث

خادم الكاهن – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

خادم الكاهن – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

خادم الكاهن – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

خادم الكاهن – فرانك موريسون – من دحرج الحجر ؟
خادم الكاهن – فرانك موريسون – من دحرج الحجر ؟

خادم الكاهن – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

ترى مَن هو ذلك الشاب – لو صحّ هذا التعليل الذي ذهبنا إليه – الذي سبق النسوة إلى القبر، وشاركهنّ اختباراتهن في ذلك الفجر المأثور في التاريخ لعلّنا لا نعرف. فإن إذا كان مرقص البشير قد أخفى اسمه، فلأسباب وجيهة. على أن في هذا الموقف فكرة أجرؤ على أن أبديها، وهي تحتمل كثيرً من الدرس والتمحيص.

ولو فكّر القارئ ملياً في الآيات الثماني الأخيرة من بشارة مرقص (فصل 16 آية 1: 8) ذاكراً أنها أقدم الروايات عن الحادث، يجد نفسه متأثراً بحقيقة بارزة – أعني بها خلّو القصة من أي تصريح أو تلميح إلى كيفية دحرجة الحجر من تلقاء ذاته. فإن ستاراً كثيفاً يُسدل فجأة على ختام الدفن في العصارى يوم الجمعة، ولا يُزاح إلاّ في فجر الأحد حين يُقال إن الحجر قد دُحرج. فلماذا هذا؟ ألم تعرف الكنيسة شيئاً حتى سنة 58 ب.م. عما حدث في تلك الفترة العصيبة، أم أن مرقص كتب روايته تحت ضغط كثير من التحفُّظ التمنُّع؟

هذه نقطة جديرة بالتفكير، لأن هذا التحفّظ نفسه في الإشارة إلى علّة دحرجة الحجر يبدو واضحاً في الروايات الأخرى التي رواها لوقا ويوحنا. فيقول لوقا:

“ثم في أول الأسبوع أتين (أي النسوة) إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر. فدخلنَ ولم يجدنَ جسد الرب يسوع”.

ورواية يوحنا لا تقل عن هذه غرابة وتحفظاً:

“وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر، فركضت….”.

وفي كلتا الحالتين يجيء النسوة إلى القبر، يجدن الحجر مدحرجاً، دون أن يشير البشيرون إلى كيفية حدوث ذلك. أما حين نقرأ رواية متى، نراه يقول إن ملاكاً نزل ورفع الحجر عن القبر.

والشيء المهم في الأمر حين نقرأ كتابات الأبوكريفا غير القانونية، لا نجد أي تلميح إلى أن السيد نفسه هو الذي رفع الحجر بيده، بل أجمعت كلها على أن الحجر دُحرج من تلقاء نفسه، أو أن كائنات علوية هي التي نزلت ودحرجته. ولسنا نجد في أية رواية إشارة إلى أن يسوع نفسه هو الذي دحرج الحجر.

فلماذا لم يقل أحد أن السيد نفسه، بقوته واقتداره، أزاح الحجر وأطلق نفسه من قيود القبر؟ ولماذا أجمعت كل الوثائق التي تصدّت إلى هذه القصة على أن الحجر قد دُحرج من الخارج، إما بيد ملاك أو بقوة غير منظورة؟

أراني هنا أمام حقيقة تاريخية بعيدة الغور عميقة المعنى – حقيقة ألحّت على كل كاتب وحملته أن يتخذ سياقاً آخر في حديثه. فإن دحرجة الحجر لم تُعْزَ إلى قوة الرب المقام، لأنه كان في أورشليم أناس وقفوا على بواطن الأمور التي حدثت في ساعات الظلمة التي سبقت بزوغ فجر يوم الأحد. وهذه الحقائق التي عرفها الناس حالت دون الافتراضات والمزاعم. وللتدليل على ذلك لا مندوحة من الرجوع مرة أخرى إلى قصة الحراس الغريبة المبتذلة.

بيّنتُ فيما سبق أن الكهنة ذهبوا إلى بيلاطس عصارى يوم السبت أو بعد الغسق ليلتمسوا منه أن يقيم على القبر حرّاساً – وهو تحّوط مرغوب فيه لأن رجال الشرطة خشوا أن يتطور موقف الجماهير بعد أن تزول موانع السبت وتعود إليهم حرّية العمل والقول – ولكن بيلاطس رفض هذا الطلب كما يشير إلى ذلك صراحة البشير متى. فلم يكن أمام الكهنة إلاّ مخرج واحد، وهو أن يعهدوا إلى حرس الهيكل بمهمّة الحراسة.

وهذه الحقيقة تبدو لنا بارزة في أسلوب الضمان الذي قيل إن الكهنة أتحفوا به الأفراد الذين كُلفوا بالحراسة، حيث قيل على لسان الكهنة حين علموا بخلو القبر: “وإذا سُمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين”. وإذا كان الحراس من الفرقة الرومانية، وممن أقامهم بيلاطس كما كان يُظن، فإن هذا الضمان يبدو سخيفاً بعيداً عن المنطق كل البعد، لأن عقوبة النوم في وقت أداء الواجب كانت الحكم بموت الجندي. ولم يكن في مقدور حنّان، ولا قيافا، ولا أي فرد آخر من زعماء اليهود، أن يحمي جندياً واحداً من غضب روما.

على أنه كان في سلطة قيافا بحكم وظيفته كنائب رئيس الكهنة، وصاحب الكلمة العليا في تقرير الشؤون المدنية في اليهودية، ان يحمي رجال جنده الذين رضخوا لأمره في حادث قيل أن الوالي الروماني نفض يده منه وفوض الأمر فيه إلى السلطات اليهودية. والعبارة القائلة “وإذا سُمع ذلك عند الوالي….” تبيّن عدم إمكان حدوث شيء مثل هذا.

على أن هناك دليلاً آخر أهم وأوقع يثبت صدق القصة التي دونتها الأسفار من ناحيتها التاريخية. وهذا نجده في كلمات الكهنة الأخيرة: “قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام”.

تُرى ما ضرورة هاتين الكلمتين في وثيقة مناصرة للمسيحية ذاعت في طول فلسطين وعرضها، لو لم تكن تمثّل أمراً واقعاً وحقيقة فعلية في التهمة الأصلية؟ لنفرض جدلاً أنه كان لقصة إقامة الحراس عند القبر قيمة دفاعية في نظر المسيحيين الأولين، لأنها جعلت من العسير على النقّاد المنصفين أن يصدقوا خطف الجسد.

غير أن قوة هذا الدفاع إنما في بقاء الحراس ساهرين، ولم يكن للمسيحيين أدنى فائدة في حراس نعسوا إثناء الحراسة، بل إن هذه الدعوى تضرُّى بدفاعهم ضرراً بليغاً. فلماذا إذن ذكرت القصة هذه الإشارة الغريبة إلى نوم الحراس، لا في متن التهمة فقط، بل في القصة المسيحية التي روت الحادث؟

أعتقد أن حَرج الموقف ومنطق الحوادث، لم يتركا منفذاً للكهنة، لأنهم عجزوا عن الجهر بالحق كله. وقد يكون حقاً أن الحراس ناموا فعلاً من فرط الإعياء بعض الوقت في تلك الليلة المأثورة. وليس هذا بعيد الاحتمال حين نذكر أن الحراس جُردّوا على عجل من فرقة شرطة الهيكل الذين ظلوا يعملون دائبين بلا انقطاع منذ ساعة القبض على المتهم في يوم الخميس الفائت.

فضلاً عن أن السهر على حراسة بستان مهجور خارج أسوار المدينة في ساعات الظلمة، وفي ليلة من ليالي شهر أبريل، وبعد جهاد طويل لا راحة فيه، كان عملاً مملاً لا لذة فيه. وهم لم يروا أي أثر لطارق ليلي، فلا عجب أن يدركهم النعاس بعد مرور ساعات مضنية طوال.

ونحن لا نقد أن نستوثق من حقيقة الأمر، فليس بين أيدينا من الوثائق ما يحملنا على الجزم بقول. على أن هناك تلميحاً في وثيقة غامضة منسيّة، تلميحاً له عندي فيما أعتقد وزنه وقدره. جاء هذا التلميح في أثر قديم من الأسفار غير القانونية لم تبقَ منه إلاّ جُمل مبعثرة – وهو المسمى بإنجيل العبرانيين. وقد ورد بتلك الوثيقة نصّ يصف كيف ظهر يسوع بعد قيامته لأخيه يعقوب. وإليك هذا النص حرفياً:

“وبعد أن سلّم الرب ثياب الكتّان إلى خادم الكاهن، ذهب وظهر ليعقوب (لأن يعقوب هذا كان قد حلف ألاّ يذوق خبزاً من تلك الساعة التي شرب فيها من كأس الرب حتى يراه قائماً من بين الراقدين). ثم أخذ خبزاً وبارك وكسر وأعطى ليعقوب قائلاً: كُلْ خبزك يا أخي لأن ابن الإنسان قد قام من بين الراقدين”.

تُرى ما الذي يسترعي نظرنا وفكرنا في هذا العبارة الغريبة؟ أول كل شيء أن الواقعة التي تتحدث عنها يؤيدها دليلان تاريخيان، مستقلٌّ كل منهما عن الآخر. أولهما أن يعقوب هذا أخا يسوع، على الرغم من عدائه في أول الأمر، انضم إلى حظيرة الكنيسة، واستُشهد في سبيل نصرتها، على قول يوسيفوس المؤرخ الشهير.

والثاني ذلك الصوت الداوي الذي تردد صداه مدى الأجيال المنبعث من فم بولس الرسول قائلاً: “ظهر ليعقوب”. واتفاق هذه الدليلين يخلعان على العبارة التي أوردناها من إنجيل العبرانيين معنى خاصاً.

تُرى ما التعليل الصحيح لهذه العبارة المستغربة التي تقول إن يسوع سلّم “ثياب الكتّان إلى خادم الكاهن”. أهي محـض اختلاق، أم فلتة من فلتات الخيـال، أم نحـن أمام ذكرى من الذكـريات الغامضة لتفاصيل ما وقع في تلك الليلة؟ وهنا أرجو ألاّ يتسـرع القارئ في الإجابة قبل التفكير.

وإن كان هناك شيء في العهد الجديد لا يمكن لأية قوة أن تتحداه، فهو حقيقة ظهور المسيح مرات بعد موته، فلا يمكن أن تكون هذا الظاهرة الرائعة من نسج الخيال، بل أنها تعبّر عن قوة عظيمة خفيّة لم ندركها بعد، والتعليل الوحيد لها أن يسوع ظهر بشخصه فعلاً لتلاميذه أكثر من مرة.

ويدور في فكر، لا أستمده فقط من العبارة المفردة في إنجيل العبرانيين، يوعَز إليَّ أنه عند انبثاق الفـجر في ذلك البسـتان الهـادئ حـدث أمـر حمل أحد الحراس على أن يوقـظ زملاءه على عجل ليروا القبر وقد يكون ذلك الحـادث حفيفاً بين أوراق الشـجر، أو قرقعة باب حمل النسيم صوته، بل قد يكون شيئاً خارقاً أشبه بما حدث فيما بعد لبولس فأذلّه وألان روح عناده وعجرفته “ظهر لصفا…. ثم للاثني عشر…. وظهر ليعقوب…… وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا”.

فهل ظهر أيضاً أول ما ظهر إلى “خادم الكاهن” أي حارس الهيكل الذي أقامه اليهود على القبر؟

إن صحّت هذه الفكرة، فنكون قد عثرنا، ونحن لا ندري، على الجواب الصادق لسؤال من أعمق الأسئلة التي شغلت أفكار الكنيسة من عهد الآباء الأولين حتى اليوم – وهو لماذا وثق التلاميذ وثوقاً راسخاً من أن القيامة وقعت في الساعات الباكرة من صباح الأحد؟

“…… تألم على عهد بيلاطس البنطي، وصُلب، ومات، وقُبر، وقـام أيضاً في اليوم الثالث….”

هذه عبارة قانون الإيمان القديم، وما من شك أنها تستند إلى أساس تاريخي متين، تأصلت جذوره في أعماق الحق والتاريخ.

فصول كتاب من دحرج الحجر

 

خادم الكاهن – فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟

تقييم المستخدمون: 4.05 ( 1 أصوات)