أبحاث

خارج نطاق السيطرة – فيليب يانسي

خارج نطاق السيطرة – فيليب يانسي

خارج نطاق السيطرة – فيليب يانسي

خارج نطاق السيطرة – فيليب يانسي
خارج نطاق السيطرة – فيليب يانسي

خارج نطاق السيطرة – فيليب يانسي
“كل اختبار روحي هو في الأصل اختبار غير مشروط، وغير محدود للمحبة”.

برنارد لونرجان

كجزء من أسبوع موسيقا متنوع، استضاف المركز الثقافي بشيكاغو فريق الترنيم المحلي، والذي يمثل مركز يسوع للكتاب المقدس Christ Bible Center. واجتذب هذا الحفل الموسيقي، والذي أقيم ظهراً، غالبية الأثرياء من رجال الأعمال. صاح قائد فريق الترنيم، وهو ينظر إلى الصالة الفخمة، قائلاً:

“هل تؤمنون بأن الله سيعلم فيما بيننا؟ من كان يصدق أن الروح القدس مدعو لهذا المبنى القديم للمكتبة”. ابتسم معظم الحضور بارتياح مصفقين ثم جلسوا ليستمعوا بالأصوات العذبة القوية، والأجساد المتمايلة.

لقد حصلنا على أكثر مما توقعنا، واستحوذ المرنمون الروحيون على مشاعر الحاضرين لمدة عشرين دقيقة، وفجأة شعر أحد أعضاء فريق الترنيم بحالة من الهيام الروحي. وبعد أن قفز من الصفوف الأخيرة وبدأ يثب على قدم واحدة على المسرح، وهو يصيح: “هللويا، هللويا….” ويتكلم بألسنة.

واستمر فريق الترنيم في التسبيح كما لو أنهم معتادون على ما حدث. ولكن بدا على الحضور شعور بعدم الارتياح. وإذا بسيدتين من كبار السن اللواتي يرتدين الفراء أخذتا حقيبتهما وانصرفتا. بينما نظر بعض الرجال والسيدات إلى ساعاتهم بعصبية، وانفجر الجميع بالسعال.

وعندما سقط بعض أعضاء فريق الترنيم على الأرض تحت تأثير الروح القدس خرج معظم الناس. وبدأ مدير الفريق يعتذر للعدد القليل الباقي من الناس وقال: “حسناً، أنتم رأيتم وتعرفون ما حدث، ليس بإمكانكم أن تحصروا الروح”.

في مساء عيد الميلاد الثامن والعشرين، وقف مارتن لوثر كينج خلف منبر احدى الكنائس في مونتيجومري، في ولاية ألاباما. وكان المهاجرون قد أحرقوا منزله، ولم يتمكن من النوم بدرجة كافية وشعر بالقلق للتهديدات بالموت لأسرته. كان مستقبل حملة الحقوق المدنية في مونتيجمومري يبدو كئيباً. بدأ كينج الصلاة بصوت مرتفع على المنبر، ولأول مرة في حياته العامة طغت عليه حالة من الهيام الروحي.

وكان يصلي قائلاً: “يا رب أرجو ألا يموت أحد كنتيجة لنضالنا من أجل الحرية في مونتيجومري. وبالتأكيد فإنني لا أود أن أموت. ولكن إذا كان لا بد لأحد أن يموت، فليكن أنا”. وظل فمه مفتوحاً، ولم يتفوه بكلمة. وأغمي عليه وأسرع خدام آخرين لمساعدته، وصاح المشاهدون بحماس تأييداً له (وليس كما فعل الحضور في شيكاغو). وحل الروح القدس عليه وهو يقول: “آمين، هللويا أشكرك يا يسوع”. وبعد ذلك شعر كينج نفسه بالحيرة لما حدث.

عندما يتحد الروح القدس مع إنسان مؤمن، قد تحدث أموراً غريبة. وهذا قد يخيف بعض الناس، ويربك آخرين، ويأسر البعض الآخر. عندما كان يُخرج مسلسلاً دينياً للتلفزيون يدعى “عيناي رأتا مجده” صور “راندال بالمر” بعض الصور المدهشة عن نشاط الروح القدس في الكنائس في الجنوب التي يصلي فيها الأمريكيون الأفارقة. وقال لي فيما بعد، إنني بدأت أتساءل: لماذا نمتنع عن عرض الصور عن عمل الروح القدس في التلفزيون؟

ولأنني صحفي، لدي الميل لأن أبعد نفسي، لكي ألاحظ ما حولي مثل شخص غير مرئي، الذي لا يدخل علينا بل يتسلل في دخوله وخروجه، ويكتب ملاحظاته عن المشهد طوال الوقت. وقد يساعد هذا الوضع شخصاً ملاحظاته عن المشهد طوال الوقت. وقد يساعد هذا الوضع شخصاً ما يكتب في السياسة في واشنطن أو يغطي أحداث حربية أو حدثاً رياضياً، لكن بالتأكيد لا يساعد شخصاً يحاول أن يفهم حقائق روحية. ويقول مثل ألماني: “أسفل المنارة مكان مظلم”.

جلست مرة في اجتماع خمسيني (كريزماتي) وبدأت أتطلع فيما حولي. الموسيقا تزعج آذاني، ولكن لها تأثير ساحر على الآخرين. الأيادي مرفوعة لأعلى، والعيون نصف مغمضة، والأجساد تهتز. ويبدو عليهم التأثير العاطفي الشديد والذي لم يحدث لي. وبحذر شديد اقتربت منهم وسألت: “أريد أن أفهم ما الذي يحدث هنا؟”

ورداً على سؤالي حملقوا فيّ وتمتموا ببعض العبارات ونظروا إليّ بانزعاج وشفقة. ولم تكن لدي الرغبة في التقليل من القدر الروحي لما حدث، فإذا ركزت على نشاط الروح سينطفئ ويهرب كل شيء.

كما أنني يجب أن أعترف بأنه لديّ خبرة شخصية قليلة لحضور الله بهذه الصورة الدرامية المؤثرة. فقد جلست في اجتماعات صلاة ورأي كل من حولي أن عدم اقتناعي وتجاوبي خطأ فادح، وتوسلوا للروح القدس أن يأتي ويملأني. وشعرت بعدم ارتياح شديد.

كما لاحظت أن اثنين من هؤلاء الأخوة المملوئين حاولوا أن يطردا أرواحاً شريرة من أخي الذي كان في غرفة الموسيقا. ومع ذلك، فمثل هذه الأمور كانت نادرة، وعندما اسمع قصصاً عن كنائس يحدثون فيها أصواتاً كالحيوانات، أو تنتابهم بعض نوبات من الضحك أتذكر على الفور الحزن الذي شعرت به في المركز الثقافي في شيكاغو، وما شعرت به عندما رأيت الأخوة يحاولون إخراج الشياطين من أخي في غرفة الموسيقا.

لم يحدث لي على الإطلاق أن تكلمت بألسنة، أو صرخت في كنيسة، أو غمرتني حالة من الهيام الروحي في اجتماع عام، كما حدث لمارتن لوثر كينج.

وقد يُعزى هذا إلى اختبارات خرقاء من الماضي، بسبب خوفي من فقدان السيطرة، أو نقص روحي، أو اخماد شعاع أو مسحة من العقلانية، لا أعرف سبباً معيناً، ومع ذلك فالذي أعرفه جيداً، هو أن كُتاب العهد الجديد تحدثوا باستمرار عن “روح المسيح”، واستخدموا عبارات مثل “في الروح”، “في المسيح” بطريقة تبادلية. ولهذا السبب فعندما أردت أن أرى روح الله أعود إلى يسوع الذي فيه أرى ما لا يُرى.

في العشاء الأخير، قال يسوع لتلاميذه:

“وأما المعزي الروح القدس الذي سيُرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم… ذاك يُمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم”

وبسبب حياة يسوع على الأرض، تكونت لدينا صورة حية وعملية لما يجب أن تكون عليه علاقة الإنسان بالله. وفي الحقيقة فإن “ثمار الروح”، هي صفات يسوع التي أظهرها، وهو على الأرض، ووعد بأن يسكن فينا لك يغذي نفس هذه الصفات.

إذا تساءلت عن الكيفية أو الأسلوب الذي يعمل به الروح القدس فيّ، فإنني أحتاج لأن أنظر إلى يسوع فقط.

قرأت دراسة طبية نفسية عن خمسة وعشرين مواطناً من الغرب، ثلاثة عشر منهم مرسلين، سجنوا وأجريت لهم عملية غسل مخ من قبل نظام الحكم الشيوعي في عهد ماو تس تونج. وقد تولى السجانين الشيوعيون أمر إزالة كل الأفكار الخاطئة التي زُرعت بواسطة الاستعماريين والرأسماليين. ولكي يفعلوا ذلك كان عليهم أن يتبعوا وسائل تعذيب فنية من الإكراه والقسر.

فأجبروا هؤلاء الأجانب على الوقوف، وقيدوا أيديهم خلف ظهورهم وسلاسل في أقدامهم، وظلوا أسابيع بلا نوم وأخذوا يلقنونهم “الأفكار الصحيحة”. وكل من يخالف ذلك يُضرب. وقضوا ثلاث سنوات في تعذيب هؤلاء المسجونين ليحطموا إرادتهم القوية، وفي نهاية الأمر اعترف كل واحد منهم بالجريمة ووقع باسمه على الاعترافات.

وعندما عادوا ثانية إلى الغرب ظهر عليهم نوع من الارتباك، والخوف، وعدم التأكد مما يؤمنون به. ومع ذلك فجميعهم، فيما عدا عددا قليلاً منهم، شجبوا دعاوى الذين أسروهم، والتي أجبروهم على تصديقها.

لم يغسل يسوع مخ أي فرد، بل على العكس، فقد وصف تكلفة اتباعه بكل الكلمات الحقيقية التي نتخيلها “احمل صليبك واتبعني”.  لم يفرض نفسه على أي شخص آخر، ولكنه كان دائماً يترك مكاناً للاختبار بل وحتى للرفض. وبنفس هذا الأسلوب، فأي تغيير يجريه الله في الشخص سيحدث ليس عن طريق الإكراه من الخارج، ولكن بعمل الروح في الداخل، داعياً لحياة جديدة ومغيراً ما بالداخل.

والكلمات المستخدمة لوصف روح الله – المعزي، المرشد، المعين – تشير إلى أن التغيير يتضمن بطئاً، وعملية داخلية.

بعد التفكير في الكلمات المستخدمة عن الروح القدس في كل من اللغة اليونانية والإنكليزية، لخصها “جيمس هيوستون” في كلمة بسيطة “الصديق”. فالصديق الحقيقي دائماً ينال أفضل اهتمام قلبي. وأحياناً يجب على الروح القدس، كصديق حميم، أن يستخدم المحبة القاسية ليذكرني بما يحتاج إلى تغيير – لأنه يعرف ما بداخلي، والله قادر على أن يظهر نقصاتي التي أحاول التغاضي عنها.

ومع ذلك؛ فعندما أشعر بفراغ، وعدم فهم، ووحدة، فإن الروح يعزيني ويهدئ من روعي وخوفي. كما أن الروح يذكرني بمحبة الله وحضوره والحقيقة أنني أصبحت ابناً له.

يقول الكاتب “لاري كراب”: إننا نحن المسيحيين (المؤمنين) غالباً ما نتواصل مع بعضنا البعض بواحد من طريقتين: “افعل ما هو حق”، “أصلح ما هو خاطئ”. وبدلاً من ذلك فإن العهد الجديد يعلمنا طريقة أفضل: “تحدث بالصلاح”. وما هو صالح، هو الروح القدس الساكن فينا بكل إمكانيات الله التي هي تحت أمره.

وعندما أفكر في الخوف الذي ينتابني عند ذكر الروح القدس فإنني أضحك ساخرً من فكرة هيمنة المعزي (الروح القدس). وأحياناً أشتاق سراً إلى المشاهدة المثيرة – لنوبات الفرح، والاستجابات المعجزبة للصلاة، وقيامة الموتى، والشفاء – وعندما يحقق الروح القدس تقدماً بطيئاً وثابتاً نحو قصد الله الذي يريده: إعادة بناء تدريجي لنفس ساقطة.

والقرن العشرون يقترب من نهايته لتبدأ ألفية جديدة، وكنت قد قاربت على الانتهاء من كتابي، اجتزت في حالة من الضعف الروحي. كما أن المسؤول عن اخراج الكتاب قال لي بأنه يعاني من نفس الحالة عدة مرات في العام، ولم يفشل ولا مرة واحدة في أن يسمع صوت الله يتحدث إليه لمدة أربعة أيام. قد نظل صامتين ملتزمين بالصلاة، على الأقل أربع ساعات يومياً.

وتوصلن لمعنى ما أنا فيه بعد الكثير من الشك. وقضيت شهوراً في كتاب يتحدث بعمق عن الشك، وعن صمت الله. توقعت يوماً كاملاً من التعب والضيق، وربما يوم آخر من المقاومة قبل سماعي أي شيء كصوت الله بأي شكل من الأشكال. ومع ذلك، قررت أن أواصل برنامجي مع بذل كل الجهد لكي أستمع مصغياً.

ولدهشتي، بدأ الله في التحدث فوراً. ففي ظهيرة أول يوم بدأت في الكتابة لجريدة عن ماذا يمكن أن يقول الله لي إذا أملى عليّ “خطة عملية” لبقية عمري. وكلما ازداد سماعي كلما ازدادت القائمة، وإليك بعض الأمثلة:

  • “تساءل عن شكك كما تتساءل عن إيمانك”. من طبيعتي الشخصية – أو ربما كرد فعل متزمت – أنني أفكر كثيراً في الشكوك واختبر الإيمان في فترات قصيرة. ألم يأت الوقت لأعكس الوضع؟
  • “لا تفعل هذا بمفردك، ابحث عن أصدقاء يرونك كرفيق في السفر، حتى وأن كان شريداً، وليس كمرشد”. ومثل كثيرين من البروتستانت، اتخذ وضعاً شخصياً واحداً منفرداً مع الله، وهو موقف غير كتابي. فلديّ معرفة وإرشاد قليل في كيفية العيش كتابع وحيد لأن الله لم يقصد هذا.
  • “اسمح للأمور الصالحة – الجمال الطبيعي، صحتك، كلمات مشجعة – أن تنعكس بعمق مثل الرديئة”. لماذا أتوقع سبعة عشر رسالة تشجيع من القراء حتى يمكنني التغلب على الأثر السيء لرسالة واحدة انتقدتني؟ وإذا استيقظت كل صباح ونمت كل ليلة في جو من الشكر والامتنان للرب بدلاً من الشك، فإن الساعات المتبقية فيما بينهما سوف يكون لها طعم آخر وشكل مختلف.

     

  • “لمصلحتك الشخصية تخلص من كل ما يبعدك عن الله”. من بين الأشياء الأخرى مثل: رسائل شديدة القسوة، إعطاء بيانات، رسائل تافهة، بعض البرامج التلفزيونية…. تخلص من كل هذا.

     

  • “ابحث عن الأمور التي تشعر بأنها تُسر الله”. قال العدّاء “إريك ليدل” لأخته: “لقد خلقني الله عداء، وعندما أجري أشعر بأنه مسرور بي”. ما الذي يُشعرك بأن الله مسرور بك؟ يجب أن أعرف ذلك وأنفذه.
  • “لا تخجل”. “أنا لا أستحي من الإنجيل”. هكذا قال بولس الرسول لأهل رومية. لماذا أتحدث عن عموميات عندما يسألني آخرون عن مهنتي وأحاول أن أقلل من قيمة الكتب التي أكتبها؟ لماذا أذكر المدارس المدنية التي درست فيها قبل المدارس المسيحية؟

     

  • “تذكّر المؤمنين الذين يزعجونك كثيراً… فقد اختارهم الله أيضاً”. لسبب ما، أجد من السهل عليّ أن أُظهر نعمة الله وقبولاً نحو الأشرار أكثر منه نحو المؤمنين المزعجين وهذا بالطبع سوف يحولني إلى مؤمن يدين الآخرين وينتقدهم.
  • “اغفر، يومياً، لأولئك الذين يسببون لك جروحاً تبعدك عن الكمال الروحي”. وباستمرار، اكتشف أن جراحنا نفسها التي يستخدمها الله في خدمته. وعندما احتفظ بداخلي بالإساءات لأولئك الذين تسببوا فيها، فإنني بذلك أعطل عمل التحرير والفداء الذي يمكن أن يعطي لتلك الجروح ثمناً وقيمة، بل وأخيراً الشفاء.

وقد تتساءل: “كيف يتحدث الله؟” لم يحدث مطلقاً أنني سمعت صوتاً مسموعاً في داخلي، كشكل من أشكال اليقظة الروحية الذاتية. ولكنني أود أن أقول: إلى أن يكون بإمكاني أن أستنتج بنفسي من الروتين اليومي، وألتزم بفترات طويلة من الصمت، فإنني أفقد سماع ذلك الصوت الداخلي. ومع أن الله قد يتحدث طوال الوقت، وحتى أفتح آذاني فإن ذلك يحدث تغييراً قليلاً في حياتي.

في إحدى المرات وأنا في ولاية أريزونا مارست رياضة العدو عبر طريق ترابي، ومررت بالصدفة على عيادة لعلاج سوء الهضم، والتي تقدم الطعام للأثرياء. وغيرت اتجاهي بعيدً عن الطريق الترابي إلى طريق آخر به بعض اللوحات الإرشادية مكتوب عليها بعض الشعارات مثل: “توقع معجزة”.

وكانت الإعلانات المعلقة عبر الطريق تشجعني لأن أعترف أنني لا أستطيع السيطرة على جسدي وليست لدي القوة للسيطرة على عادات الأكل ولمسافة أكثر من كيلومتر كانت موضوعة بعض العلامات بجانب المقاعد على درجات السلالم الاثني عشر، وهي تشجع المشاركين لأن يستريحوا عليها ويفكروا في تقدمهم.

وانتهى الطريق إلى مكان المدافن، حيث رأيت بعض القبور التي عليها علامات محفورة. وتوقفت لأقرأ ما هو مكتوب على كل قبر، وكان العرق يتصبب مني بعد العدو في حرارة الصحراء.

“هنا توجد مخاوفي من الألفة والصداقة الحميمة”، هذا ما كتبته واحدة تدعى “دونا” والتي دفنت منذ ثلاثة أيام فقط في 15 سبتمبر. وكانت اللوحة المكتوب عليها ملونة باللون الأصفر والأحمر والأزرق. وآخرون دفنوا معهم أشياء مثل السجائر، أقراص خاصة بالنظام الغذائي، الحاجة إلى التنظيم الذاتي، الحاجة للتحكم في الآخرين، عادة الكذب.
تعرفت وأنا في هذه المدافن على بعض العبارات المسيحية مثل: الموت عن الذات صلب الجسد. وعرفت أيضاً أن مخاوف دونا من الألفة قد تقوم يوماً ما. وأن القوى الروحية التي تمسك بشخص ما في قبضتها لا تختفي ببساطة ولا تموت.

ما الذي أود أن أدفنه؟ سألت نفسي، وإذا ذهبت إلى عيادة لعلاج الأمراض الروحية وهرولت إليها كل يوم، كم لوحة من لوحات القبور سوف أتركها عبر الطريق؟ وكيف ستغيرني لأفهم أن القوة العليا هي فعلاً قوة داخلية، وهي تعيش داخلي في هذا اللحظة؟ هل قوة الروح القدس تستطيع أن تُميت فيّ هذه الأمور: الكبرياء، الشك، الأنانية، عدم الإحساس بالظلم، الشهوة… التي حاولت أن أصلبها وأدفنها مرات عديدة من قبل؟

يحاول “ريتشارد موو” أن يتذكر اجتماعه مع عالم الاجتماع “بيتر برجر”، يقول “موو” إن كل مؤمن مدعو لأن يشارك في طاعة برنامج الله للعدالة، والبر، والسلام. ويقول:

“أجاب “برجر” على كلامي بالقول: بأنني أعمل طبقاً لفكرة مبالغ فيها عن الطاعة. ويضيف: إنه في احدى بيوت المسنين كانت هناك سيدة مؤمنة كان خوفها الكبير والعظيم في الحياة هو أن الناس قد يعتبرونها حمقاء، لأنها لا تتمكن من التحكم في المثانة وهي في الكافتيريا. وبالنسبة لهذه المرأة فإن أعظم عمل لطاعة الرب يسوع هي أن تضع نفسها بين يدي إله محب في كل مرة تذهب فيها للغداء.

لقد كانت وجهة نظر “برجر” عميقة. إن الله يدعونا لأن نتعامل مع التحديات التي أمامنا، ومن أعظم تحدياتنا الأساسية “أمور صغيرة للغاية. والدعوة هذه للخضوع والطاعة قد تعني الاستماع بصبر إلى شخص ما قد يكون متعباً أو مزعجاً، أو الإحسان إلى شخص خاطئ هو في حاجة إليه، أو تقديم نصيحة في أمر قد يبدو تافهاً لكل شخص، ولكنه مهماً للشخص الذي يطلب هذه النصيحة”.

اندهش س. إس. لويس عندما عرف أن حياته بعد التجديد تشتمل على عمل نفس الأشياء التي كان يعملها من قبل، ولكن بروح جديدة. وفي النهاية توصل إلى أن المؤمن العملي “يعني ان كل عمل وشعور، وكل اختبار سواء كان ساراً أم غير سار يجب أن يُنسب إلى الله”. فالمهم في الأمر هو أن تعيش لا لنفسك بل “لشخص آخر وبنفس الطريقة، فقد يكرس رياضياً لعب مباراة من أجل مدرب مات بالسرطان، أو لشخص يحبه.

في مسرحية أو في فيلم قد تكون معظم الأحداث العادية كـ: تخرج لشراء جريدة، تركب سيارة، تجيب على التلفون – لها مدلولات هامة. وقد تدور الفكرة الرئيسية حول هذه التفاصيل، ويشاهد الحضور باهتمام هذه التفاصيل لأنهم لا يعلمون أياً منها هو المهم، والذي به مفتاح كل الفكرة الرئيسية. تشبه الحياة مع الله هذا الأمر، لأن حضور الله يعطي قوة وأهمية جديدة لك حدث.

سواء كنت أعاني من سلاسة في البول، أو متاعب في الأكل، أو مخاوف في الصداقة، أو انجذاب للشهوة، أو عدم أمانة، أو روح المرارة والتوبيخ، فالأخبار السارة لي هي أنني لست بحاجة إلى “تنقية نفسي” قبل الاقتراب من الله، بل على العكس: في الروح، وجد الله طريقه لكي يعيش داخلي، لكي يعتني من الداخل. إن الله لم يعدنا بحالة من السعادة الدائمة او العيش بلا مشاكل، بل وعد بأن يحضر ويوجد في الظلام في داخلنا بجانبنا ومن أجلنا.

تربيت على الثقافة الإنجيلية التي تؤكد على قوة الله. وكطفل كنت أعيش في خوف من الله – كيهوه في العهد القديم – الذي قد يستخدم البرق، والمرض، أو أية أسلحة أخرى من ترسانته ليعاقبني على خطيتي. وبعد أن فاز أخي في مسابقة للعزف على البيانو قال لي في تقوى شديدة: “لست أن، إنه الرب الذي أعانني على الفوز”. وأنا الذي أمارس العزف بكل اجتهاد، بنصف الموهبة، أتساءل دائماً لماذا لا يقود الله أصابعي بمهارة لكي أفوز.

ففي بعض الأحيان، في اجتماعات الصلاة، أسمع طلبات مثل هذه: “يا رب لا تسمح لأن تكون لنا أفكارنا الخاصة، ولا أعمالنا الخاصة، بل اعمل أنت كل شيء من خلالنا”. يقول أحد الأصدقاء تعليقاً ساخراً على هذه الصلوات التي غالباً ما تُجاب: “إن هؤلاء الناس يبدون كمن ليس لديهم أفكار خاصة بهم”.

أخيراً وجدت ان التأكيد الدائم على قوة الله قد يؤدي إلى مجرد الإيمان بالقضاء والقدر، الذي يؤمن به المتشددين من الديانات الأخرى، الذين يقولون بأننا كبشر لا نحتاج لأن نفعل شيئاً لأن إرادة الله هي التي تفعل كل شيء. أما الأمر الأكثر تأثيراً هو معجزة تنازل الله ورغبته المتواضعة ليشاركنا قوته، ويعرض علينا المشاركة الكاملة في خدمة وارسالية تغيير العالم.

اعتدت أن أشعر بضعف مستواي الروحي لأنني لم أختر الظهور المثير للروح القدس، ولم تحدث لي معجزة في حياتي. بل أنني قد وجدت أن ما أهتم به وأقيمه يختلف كثيراً عم يُقيّمه الله. ويسوع – الذي كان يُعزف عن اجترح المعجزات – اعتبر صعوده للسماء وتركه للأرض نوعاً من التقدم، لأنه أوكل الخدمة والارسالية لتلاميذه. كمثل الوالد الفخور بأولاده والذي يُسر أكثر بمتابعة الإنجازات الصغيرة لأولاده المراهقين، أكثر من أي عمل معجزي يفعله هو.

من وجهة نظر الله، فإن التاريخ الإنساني قد يكون هو ما حدث في يوم الخمسين، الذي استعاد التواصل المباشر بين الروح الإنساني وروح الله، هذا الذي فُقد في جنة عدن. إنني أريد أن يعمل الله بطريقة مباشرة ومؤثرة ولا تقبل الجدل. إنه يريد أن يشاركني قوته ليحقق عمله من خلال الناس، وليس بدونهم.

كانت صيحة كل مراهق: “يا رب تعامل معي بجدية، وعاملين كشخص ناضج، وليس كطفل”، إن الله يحترم مثل هذه الطلبة. إنه يجعلني شريكه في العمل، ويمنحني الحرية في معرفة كاملة، حتى لا أُسيء استخدامها. إنه يتخلى عن قوته إلى الحد الذي يطلب مني أن لا “أحزن” أو “أطفئ” روحه. ويفعل الله كل هذا لأنه يريد شريكاً محباً وناضجاً، وليس مراهقاً غير مسؤول.

ذكرت سابقاً التشبيه الجزئي بين الزواج وعلاقتنا مع الله، فالزواج الذي هو أكثر العلاقات “نضوجاً وقوة” ويتمتع بها معظم الناس. ففي الزواج يمكن للشريكين أن يحققا الوحدة معاً، وفي ذات الوقت يحتفظون بحريتهم واستقلالهم.

إن شيئاً جديداً يحدث، هوية مشتركة يشارك فيها كل من الزوج والزوجة. عندما أخطط أنا وزوجتي للقيام برحلة تقوم هي بعمل بعض الترتيبات، وأقوم أنا بترتيبات أخرى، ونادراً ما نختلف على من سيقوم بهذا أو ذاك، لأننا نعلم أن مجهوداتنا تتجه نحو شيء سيستفيد منه كلانا.

ومع ذلك – كما يعلم كل زوجين – فإن وجود جنسين مختلفين في الزواج يُبرز اختلافات قد تأخذ منهما طوال حياتيهما معاً حتى يتوائما. كما أن اندماج كائن إنساني مع الله يتضمن نوعاً جديداً تماما من التعارض والتناقض. شريك غير منظور، ذو سلطان وكامل في كل شيء، والشريك الآخر منظور، ضعيف ومعرّض للخطأ. كيف يمكن للإثنين أن يسيرا معاً؟

بطريقة ما، يقوم الروح القدس بعمل “المشورة الزوجية” بيني وبين الله. وقد يصعب علينا فهم هذا التشبيه، ولكن تذكر كلمات العهد الجديد التي تصف الروح القدس على أنه المعزي والمرشد والمعين. فالروح يعزي في أوقات الحزن، ويهدئ في أوقات الاضطراب، ويعطي النصرة على الخوف. ويقدم الكتاب الروح القدس كالقوة الداخلية غير المرئية، والوسيط بين الله الذي يساعدنا لكي نتواصل مع الآب المتنازل.

مثال كل زوجين جديدين مملوئين بالأحلام والتفاؤل عرفت أنا وجانيت أن الزواج هو مجرد بداية عملية لإقامة علاقة حب بيننا. وهذا لا يعني أنه كان خالياً من المشاعر السلبية، أو أنه مكان دائم للهدوء. بل على العكس من ذلك، كنا نُعبر عن مشاعر الغضب واليأس لبعضنا البعض أكثر من أن نشكو لآخرين. والزواج الحي ليس مكاناً خالياً من المشاكل، ولكن يمكن أن يكون مكاناً آمناً.

إننا نعرف أننا نحب بعضنا اليوم، وسنحب بعضنا غداً، وبالرغم من الضغوط حولنا، فإن حبنا سوف يضمد الجراح التي تسببت فيها هذه المشاعر في المقام الأول.

عندما أقرأ المزامير، وأيوب، وأرميا، أحس بنفس الشعور يتفاعل بداخلي. لنلاحظ كمية الغضب والشكوى، والاتهامات ضد الله، التي تشتمل عليها هذه الأسفار. إن الله يقدم لنا “مكاناً آمناً” لنعبر عن أنفسنا، حتى عن الجوانب السيئة فينا.

لقد سمعت قليلاً عن الأمانة عديمة الحس التي تنمو في الكنيسة، والتي اعتبرها عيباً روحياً وليس نوعاً من القوة. وقد لاحظت أن المؤمنين ليست لديهم الحصانة ضد الظروف التي قد تؤدي إلى الانفجار، كما نرى في أيوب والمزامير. لماذا نحاول أن نخبئ عواطفنا العميقة عن الله الذي يسكن داخلنا، الروح الذي وعد بأن يشفع فينا “بأنات” لا ينطق بها.

لن أتمكن من تقليص وتلخيص حياتي مع الله إلى صيغة محدودة لنفس السبب إذ أنني لا أستطيع أن أختصر زواجي إلى صيغة محدودة أيضاً. إنها علاقة حية متنامية مع كائن آخر حي

إن أولئك الذين يقولون إنهم يؤمنون بالله، ومع ذلك لا يحبونه أو يخشونه، هم في الحقيقة لا يؤمنون به بل أولئك الذين علموهم بأن الله موجود. وأولئك الذين يعتقدون أنهم يؤمنون بالله ولكن ليست لديهم أية عاطفة في القلب، أو معاناة في الذهن، أو عدم تأكد، أو شك، أو عنصر لليأس حتى في مواساتهم، مثل هؤلاء يؤمنون فقط بفكرة لله، وليس بالله نفسه”.

ميجيل دي أناموند

وحر، يختلف عني كثيراً ومع ذلك فبيننا صفات مشتركة كثيرة. فليست هناك علاقة أقوى من الزواج. أحياناً يُغريني تفكيري في الرغبة في زواج “تقليدي قديم”، والذي فيه يعرف كل طرف دوره بوضوح دون الحاجة لمناقشته. وأحياناً أشتاق إلى تدخل من الخارج يغير بحسم إحدى الصفات التي تجلب الألم لي أنا وزوجتي. وحتى الآن؛ لم يحدث هذا. إننا نستيقظ كل يوم ونواصل رحلتنا التي يزداد أساسها صلابة كل يوم.

إنه الحب الذي يصنع للشريكين “المرئي” و”غير المنظور”

خارج نطاق السيطرة – فيليب يانسي

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !