أبحاث

فاعلية الثالوث في حياتنا في رسائل القديس بولس الرسول (1) د. موريس تاوضروس

فاعلية الثالوث في حياتنا في رسائل القديس بولس الرسول (1) د. موريس تاوضروس

فاعلية الثالوث في حياتنا في رسائل القديس بولس الرسول (1) د. موريس تاوضروس

فاعلية الثالوث في حياتنا في رسائل القديس بولس الرسول (1) د. موريس تاوضروس
فاعلية الثالوث في حياتنا في رسائل القديس بولس الرسول (1) د. موريس تاوضروس

فاعلية الثالوث في حياتنا في رسائل القديس بولس الرسول (1) د. موريس تاوضروس

الثالوث وحياة الصلاة:

إننا عندما نتوجه إلى الله فيجب أن نضع في ذهننا أن الله الذي نتكلم إليه هو الآب والإبن والروح القدس. فإذا صلينا “يا أبانا” فنحن هنا نصلي إلى الآب بكلمته وروحه. أن الآب الذي نصلي إليه هو الله الذي له تاريخ معنا، الله الذي تعامل معنا وتعاملنا معه. الله الذي خلقنا ووهبنا نعمته وعرّفنا الخير من الشر، وأوصانا لنسير ونسلك في طريق الكمال، ولكن نحن عصينا الله وخالفنا وصاياه، وكان لابد أن نُعاقب ولكن في رحمته وفي حبه لنا بذل إبنه الحبيب من أجل غفران خطايانا وتجسد السيد المسيح وصلب وتألم ومات وقام لكي يعود بنا إلى حالتنا الأولى التي كُنا عليها قبل السقوط. (عندما نصلي) يجب أن نضع أمامنا تاريخ الخلاص الذي دبره الله. أي أننا يجب أن نصلي في الثالوث. ولو رجعنا إلى الصلاة الربانية التي علمها لنا السيد المسيح لرأينا أنها صلاة خلاصية وتشير إلى فاعلية الأقانيم الثلاثة في حياتنا.

فعندما نقول “أبانا الذي في السموات” فنحن هنا لا نخاطب الله كمجرد خالق ولكننا نخاطبه كأب ونحن في وضع الأبناء. إن لفظ “خالق” لا يتضمن البنوة. فنحن نقول الله “خالق العالم”، لكننا لا نقول الله أبو العالم وإذن فهنا وضع متميز لنا يضعنا فوق المخلوقات. ولفظ الآب أيضًا يذكرنا، بأننا حصلنا على امتياز لم يكن لدينا في حالة الخطية، فقد كنا في وضع العبيد، وأما الآن فنحن في وضع الأبناء. إذن نتذكر كيف حرَّرنا الآب من العبودية ووهبنا مرتبة البنوة. وهذا ما شهد به الرسول بولس في قوله: ” ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله إبنه مولودًا من إمرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني. ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب. إذن لستَ بعدُ عبدًا بل إبنًا، وان كنت إبنًا فوارثٌ لله بالمسيح” (غلا4:4ـ7).

ونحن نلاحظ في هذه الآية (أن الرسول بولس يشير إلى الثلاثة أقانيم). ومن أجل هذا فإننا نقول أن الرسول بولس يصلي في الثالوث.

فالرسول بولس يشير إلى إرسالية الله الآب للإبن وللروح القدس في زمن الخلاص. وما ترتب على هذه الإرسالية من آثار ونتائج. فإرسالية الإبن تشير إلى التجسد. ويقول الرسول بولس أيضًا إن الله أرسل روحه ويسميه “روح الإبن”. وروح الإبن يصرخ في قلوب المؤمنين “يا أبا الآب”، وهذا دليل على ظهور الله في حياة البشر ودليل أيضًا على أننا نلنا أحقية البنوة لله. والبرهان على أننا أبناء الله هو حلول روح الله في قلوبنا.

 

الثالوث وعطية التبني:

عطية التبني أكدها أيضًا الرسول بولس في (رو14:8ـ17) حيث قال ” لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنا أولادًا فإننا ورثة أيضًا، ورثة الله ووارثون مع المسيح“. والبنوة التي يُشار إليها هنا ليست البنوة الجسدية ـ بل البنوة الروحية ـ والميراث الذي يرتبط بهذه البنوة ليس الميراث الأرضي، بل الميراث الروحي السماوي.

هذه البنوة لا يحظى بها إلا الذين قبلوا المسيح وآمنوا به. هي بنوة لا ترجع إلى تناسل طبيعي. هي بنوة لم نكن نحن فيها أولاً ولكننا صرنا إليها، إكتسبناها.

قال عنها الرسول يوحنا في إنجيله: ” وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون بأسمه” (يو12:1). عندما قال السيد المسيح عن يوحنا المعمدان: “لأني أقول لكم إنه من بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان”. فإن القديس كيرلس الأسكندري يفسر هذه الآية على النحو التالي: “إن يوحنا المعمدان وكثيرين من الذين سبقوه هم مولودون من النساء ولكن الذين نالوا الإيمان لا يعودوا يدعون مواليد النساء بل مولودون من الله”[1] “كما جاء في يو13:1 “الذين وُلدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل، بل من الله” فالمؤمنون ولدوا ثانية وصاروا بالتبني أبناء لله. كما يقول أيضًا الرسول بطرس      ” ليس من زرع يفنى بل بكلمة الله الحي الباقي إلى الأبد” (1بط23:1). فأولئك الذين ليسوا من زرع يفنى بل بالعكس ولدوا من الله هم أعظم من أي مولود من إمرأة. والذين ولدوا من النساء لهم فقط أباء أرضيون، أما المؤمنون الذين ولدوا الميلاد الثاني بالمعمودية، فلهم الآب السماوي. وهكذا صارت لنا بنوة جديدة وأبوة جديدة ومن خلال هذا نفهم قول السيد المسيح للمؤمنين الذين يجب أن يرتبطوا بالآب السماوي. يقول السيد المسيح ” لا تدعو لكم أبًا على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات وأنتم جميعًا أخوة” (مت9:23). إن السيد المسيح لا يدعونا أن ننكر الأبوة الأرضية، ولكن أن نخضع هذه الأبوة السماوية وفقًا لما قاله الرسول بولس في رسالته إلى أفسس ” أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق” (أف 1:6). فطاعتنا لوالدينا في الأرض يجب أن تكون في إطار طاعتنا للآب السماوي.

وعن هذه البنوة الروحية التي وهبها لنا الثالوث القدوس قال الرسول بولس ” ثم بما إنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب” (غلا6:4). أن روح الإبن هنا هو الذي أعطانا أن نخاطب الله كأب لنا ونصرخ إليه قائلين “يا أبا الآب”. فالرسول بولس هنا يؤكد أن السيد المسيح حقيقي قام من الأموات وفتح لنا الفردوس. حينئذ أعطى روح التبني لأولئك الذين آمنوا به. ونفس هذا التعليم هو ما أكده القديس يوحنا الرسول في إنجيله. فلم يكن هناك روح تبني من قبل قيامة المسيح وصعوده إلى السماوات حيث يقول ” لأن الروح لم يكن قد أعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد” (يو39:7)، أي أن يسوع لم يكن قد قام من الأموات وصعد إلى السموات. لذلك فروح التبني لم يكن موجودًا في الناس بعد. ولكن حينما صعد كلمة الله الوحيد إلى السماء أرسل المعزي الروح القدس ليمكث فينا بواسطة المسيح. والروح القدس هذا هو الذي أعطانا روح التبني. وكذلك قال السيد المسيح ” إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي. ولكن إن ذهبت سوف أرسله إليكم” (يو7:16). روح التبني إذن الذي أخذناه بالإيمان بالمسيح، هو الذي يعطي أن يكون الأصغر في ملكوت السماوات أعظم من يوحنا المعمدان. لأننا بالإيمان بالمسيح نستطيع أن نحقق ما قاله السيد المسيح “إن لم يزد بركم عن الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت الله”. بالإيمان بالمسيح إذن، وبروح التبني التي نأخذها بالروح القدس، يفتح أمامنا الثالوث القدوس الطريق إلى الملكوت السماوي.

لكن هذه البنوة التي أخذناها بالتبني. بلا شك ترتبط بالتزامات نحو الآب السماوي. فالأبناء بلا شك يجب أن يسلكوا بما يرضي آباءهم ولا يحيدوا عن وصاياهم. ولأجل هذا يوصينا الرسول بطرس ” إن كنتم تدعون أبًا الذي يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد. فسيروا زمان غربتكم بخوف” (1بط17:1).

 

البنوة والحرية:

البنوة بالطبع ارتبطت بمعنى الحرية. إنتقالنا من العبودية إلى البنوة يعني إنتقالنا إلى الحرية. نحن إذن الآن أحرار في بيت أبينا السماوي ولا يجب أن لا نفتكر في شيء أو نقول شيئًا لا يتناسب مع هذه الحرية التي منحت لنا. يجب أن لا نتصرف كما يتصرف بعض الأبناء الأرضيين. فيعْصون أباءهم ويتمردون عليهم. لقد إتخذ الله إسرائيل شعبًا له في البداية. ولقد أعطاهم لقب البنوة. لقد حرَّرهم، ولكنهم استغلوا هذه الحرية فيما يسيء إلى الله ولذلك خاطبهم الرب قائلاً: ” ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا علىَّ. الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه. إما إسرائيل فلا يعرف، شعبي لا يفهم” (اش2:1، 3).

لقب أبناء الله يطلق على الساعين نحو تحقيق السلام كما قال السيد المسيح في عظته على الجبل ” طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدْعَوْن” (مت9:5). ويطلق على الذين يتعاملون مع الآخرين وعلى الأخص مع الأعداء بمحبة كما يقول السيد المسيح أيضًا ” بل أحبوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجو شيئًا فيكون أجركم عظيمًا وتكونوا بني العلى فإنه منعم على غير الشاكرين والأشرار” (لو35:6)، ويمارس أبناء الله حياة روحية حقيقية غيرهم عن أبناء العالم. يقول الرسول يوحنا ” كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطيء لأنه مولود من الله. بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس. كل من لا يفعل البر فليس من الله. وكذا من لا يحب أخاه” (1يو9:3، 10).

إن إبن الله يشارك الله في حياة البر والقداسة من الآن كما يقول الرسول بطرس   ” لكي تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة” (2بط1).

على أن انتقالنا من العبودية إلى البنوة الروحية، لا تعني أننا صِرنا بلا قيود وبلا التزامات عندما كنا في الخطية كنا عبيدًا للخطية وإذ انتقلنا إلى حياة البر فنحن قد صرنا عبدًا للبر. كيف أفهم حرية أبناء الله؟

يقول الرسول بولس: ” وإذ أعتقتم من الخطية صرتم عبيدًا للبر” (رو18:6). الخطية كانت تفقدنا بنوتنا لله وكانت تجعلنا نتصرف كأبناء للشيطان، أما الآن فقد صِرنا بالتبني أبناء الله. وأبناء الله الذين تقدسوا بفاعلية الروح القدس في حياتهم يجب أن يسلكوا في بر وقداسة. يجب أن ننتقل من عبودية الخطية إلى عبودية البر. عندما كنا أبناء الخطية كنا نحرر أنفسنا من مطالب البر والتزاماته. أما الآن وقد صِرنا أبناء البر فعلينا أن نحرر أنفسنا من أهواء الخطية ونزواتها ونسلك في حياة القداسة.

 

حياة القداسة:

السلوك في حياة القداسة هو السلوك الذي يرضي الله ويتفق مع مشيئته لأنه ـ كما يقول الرسول بولس ” هذه هي إرادة الله قداستكم” (1تس3:4). وفي نفس الرسالة يقول   ” لأن الله لم يَدْعنا للنجاسة بل في القداسة” (1تس7:4). ويوصي الرسول بولس بحياة القداسة في رسالة إلى العبرانيين فيقول ” أتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب” (عب14:12).

كأبناء لله نحن مدعوون لأن نشترك في قداسة الله، كما يقول الرسول بولس في عب10:12، أن الله يؤدبنا لأجل المنفعة ” لكي نشترك في قداسته” (عب10:12)، ويقول أيضًا ” فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله” (2كو1:7).

وفي (1تس13:3) يقول الرسول ” لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه“.

 

يتبع هنا: فاعلية الثالوث في حياتنا في رسائل القديس بولس الرسول (2) د. موريس تاوضروس

1 القديس كيرلس الأسكندري، تفسير إنجيل لوقا، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، الطبعة الثانية 2007م، ص172.

تقييم المستخدمون: 4 ( 1 أصوات)