آبائياتأبحاث

قانون الإيمان – عظة للقديس أغسطينوس للرد على اليهود والوثنيين والاريوسيين

قانون الإيمان - عظة للقديس أغسطينوس للرد على اليهود والوثنيين والاريوسيين

قانون الإيمان – عظة للقديس أغسطينوس للرد على اليهود والوثنيين والاريوسيين

قانون الإيمان - عظة للقديس أغسطينوس للرد على اليهود والوثنيين والاريوسيين
قانون الإيمان – عظة للقديس أغسطينوس للرد على اليهود والوثنيين والاريوسيين

قانون الإيمان – عظة للقديس أغسطينوس للرد على اليهود والوثنيين والاريوسيين (2)

CONTRA JUDAEOS, PAGANOS ET ARIANOS

SERMO DE SYMBOLO

سامح فاروق حنين[1]

وسوف ُتكشف أعمالُ وأسرارُ كل إنسان[2]،

ويكشفُ اللهُ مكنونات القلوب[3]،

هناك يكونُ البكاءُ وصريرُ الأسنان[4]،

وتظلمُ الشمسُ، وتقفُ النجومُ فى مداراتها[5]،

ويغيبُ القمرُ[6]، وتنحلُ السمواتُ[7]،

ويمتلئ كلُ واد وكل جبل وأكمة ينخفض[8]،

وتزولُ من بين البشر كلُ فروق الرفعة والوضاعة[9]،

وتصيرُ الهضابُ أرضًا سهلة[10]، وتختلط ُالسمواتُ بالبحار،

يا لها من نهاية مريعة! حيث تتحولُ الأرضُ إلى حطام[11]،

ويجرى اللهبُ والينابيعُ معـًا إلى الأنهار،

عندما ُيبوق من السماء بصوتٍ مدوٍ[12]،

ويئنُ الأشرارُ على خطاياهم[13]، وعلى بليتهم،

وتنشقُ الأرضُ بدوى ويظهرُ الجحيمُ،

ويقفُ جميعُ ملوك الأرض فى حضرة الله للدينونة[14]،

ويهبط ُمن السماء أنهارُ نارٍ وكبريت[15].

 

 

ويعلّق القديس أغسطينوس على هذه النبوات العجيبة قائلاً إنها تشير إلى ميلاد المسيح وكذلك إلى المجئ الثاني والدينونة[16]. وقبل أن نشير إلى تعليق القديس أغسطينوس إلى أكروستيخيذا السيفيلا نشير أولاً إلى معنى الأكروستيخيذا.

الأكروستيخيذا Ακροστιχίδα هى كلمة يونانية مكونة من مقطعين άκρον بمعنى”طرف” وστίχος بمعنى “سطر”، وهى قصيدة اذا جُمعت أوائل أبياتها أو أواخرها شكلت كلمة أو عبارة. أي أن كل سطر من سطور القصيدة يكون مرتبًا على الحروف الهجائية اليونانية، حيث الكلمة الأولى من السطر الأول تبدأ بحرف الـ A، والكلمة الأولى من السطر الثاني تبدأ بحرف B، حتى ينتهي آخر سطر بحرف w.

وفي بعض الأحيان كان ناظمو القصائد يبدأون السطور بطريقة عكسية حيث تبدأ الكلمة الأولى من السطر الأول بحرف w والثاني بحرف y والثالث c وهكذا حتى يصلوا إلى السطر الأخير الذي يبدأ بحرف A. وثمة طريقة ثالثة لنظم القصائد وهي أن يبدأوا السطور بحروف أبجدية غير مرتبة بحيث إننا لو جمعنا كل الحروف الأولى من كل السطور ُتكَون عبارة مثل “هذه القصيدة لفلان المرنم الفقير المسكين”، أو يُكتب اسمُ المؤلف في هذه الأرباع كحرف في كل سطر من سطور القصيدة، أو الحرف الأول من كل مجموعة أرباع مرتبةً تدريجيًا.

وفي هذه الحالة يُقرن اسمُ الكاتب بصفة ما مثل “العبد المسكين” أو “الخاطيء الفقير”، طالباً الرحمة ومغفرة الخطايا، ويمكن أن يُضمن اسمه صراحة في سياق الكلام مثلما نرى في آخر ربع من أرباع إبصالية “أريبسالين” الشهيرة، حيث يقول المؤلف إنه سركيس: “كذلك عبدك المسكين سركيس، اجعله بغير دينونة..إلخ..”. والفائدة من هذه الأكروستيخيذا كان كمُذَكِّر للمنشدين بحيث ينشدون الترنيمة كاملة دونما حذف أو نسيان، أو كما يقول عالم البيزنطيات الشهير كارل كرومباخر، إنها كانت لحفظ النصوص الشعرية من التزوير والتزييف[17].

وإننا، والكلام لأغسطينوس، إذا جمعنا الحروف الأولى لهذه السطور، فســوف نجد خمس كلمات يونانية وهى عبارة “Ἰησοῦς Χριστὸς Θεοῦ Υἱὸς Σωτήρ”، والتى تعنى “يسوع المسيح ابن الله المخلص”. فى عمله الشهير “مدينة الله ” يشـرح القديس أغسطينوس معنى هذه العبارة هكذا :

“Si primas litteras iungas, erit Ἰχθύς, id est piscis, in quo nominee mystice intellegitur Christus, eo quod in huius mortalitatis abysso velut in aquarum profunditate vivus, hoc est sine peccato, esse potuerit .[18] “

“لأنك إذا جمعت الحروف الأولى فسوف تتكون كلمة Ἰχθύς أى “سمكة” والتي يُفهم منها أنها تشير إلى المسيح نفسه لأنه عاش بإنسانيته في العالم بدون خطية مثل سمكة في أعماق المياه”[19].

ولتوضيح هذه الجزئية نشير إلى الأسطر الستة الأولى من النص اليوناني لنبوة سبلة الحكيمة، وليلاحظ القارئ الأحرف الستة التي تبدأ بها الأسطر الستة والتي تكون معًا اسم ΙΗΣΟΥΣ = يسوع، وفى النص اللاتيني نجد اسم يسوع IESUS.

الأسطر الستة الأولى من النص اليوناني لنبوة سبلة الحكيمة
الأسطر الستة الأولى من النص اليوناني لنبوة سبلة الحكيمة

والنص الذي يورده القديس أغسطينوس في هذه العظة هو الترجمة اللاتينية لهذه النبوة، والتي يقال إن شيشرون، الخطيب الروماني المفوه(106-43 B. C.) ، هو الذي قام بترجمتها من اليونانية إلى اللاتينية[20].

I  Iudicii sigum, tellus sudore madescet,

E E caelo rex adveniet per saecla futurus,

S Scilicet in carne praesens ut iudicet orbem,

U Unde deum cernent, incredulus atque fidelis,

S Sic animae cum carne aderunt, quas iudicat ipse[21].

ويشير القديس أغسطينوس إلى أن ثمة نبوات سبلية أخرى عن المسيح وآلامه:

Alios versus Sibyllinos Christi passionem apertius demonstrantes[22].

والتي نصها يجرى على النحو التالي :

ثم يُسَلّم الله إلى أيدي الأشرار[23]،

فيضربونه بأيديهم الفانية[24]،

ويبصقون عليه بأفواههم القذرة[25]،

أما هو فبوداعة سوف يسلمُ ظهرَه للسياط[26]،

وديعـًا أثناء لطمه[27]،

حتى لا يعرفه أحد،[28]

وسوف ُيكللُ بإكليل من شوك[29]،

ويعطونه مرارة ًبدل الطعام، وفى عطشه يسقونه خلاً[30]،

هذه هى مائدة القساة،

وأنت كجاهل لا تعرف أن إلهك قد ضلّل عقول البشر،

حتى كللوه بالشوك ومزجوا له المر،

وسوف ينشقُ حجابُ الهيكل[31]،

وفى منتصف النهار تكون ظلمة ٌعلى الأرض لمدة ثلاث ساعات[32]،

وبنومه لمدة ثلاثة أيام سوف ُيبطلُ الموتَ[33]،

ويعود من الجحيم إلى النور[34]،

ويدعى باكورة الراقدين[35].

ملحوظة: نود أن ننبه ذهن القارئ إلى أننا في هذا المقام لا نؤكد صدق هذه النبوات أو عدمه، ولكننا عرضنا لها في سياق الأدلة التي ساقها القديس أغسطينوس إلى اليهود بهدف إثبات ألوهية المسيح ليس إلا. ونضيف كذلك أن صدق هذه النبوات أو تلفيقها لا يزيد أكثر ولا يقلل من إيماننا بالرب يسوع المسيح، لأن ما ورد فيها نعرفه من الكتاب المقدس.

بعد أن قدّم القديس أغسطينوس كل الأدلة والبراهين والشهادات من الكتب المقدسة بأن المسيح الذي جاء إلى العالم هو المسيا المنتظر الذي تنبأ عنه أنبياء اليهود، وكذلك شهادات من كتب الوثنيين والشعراء ونبوات سبلة الحكيمة، يشير أخيرًا إلى بعض الأدلة الأخرى من الطبيعة، والسماء، والبحر، والأرض، والجحيم.

يقدّم أغسطينوس testimonia شهادات من نوع آخر، هذه المرة ليست من أقوال البشر، بل من المخلوقات الطبيعية، لأن:

Suo Creatori universa creatura testimonium se dixisse proclamet, quod elementum servum Christi.[36]

” كل الخليقة تقدم شهادة عن خالقها، لأنها هى أيضا عنصر خادم للمسيح “[37].

يبدأ أغسطينوس براهينه من النجم الذي ظهر للمجوس في المشرق وقت ميلاد المسيح، الذين عندما رأوه أدركوا أن ميلاده فى بلاد اليهودية. هذا ُيظهر أن ليس الملائكة فقط بل وهذه الخليقة غير الحية بشرّت أيضًا بميلاد المسيح[38]. وهذا النجم هو الذي قاد المجوس إلى مكان المسيح المولود ” فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبي” (مت2 :9). ويتساءل أغسطينوس

None coelum testimonium dixit, quando novum sidus in nova hominis progenie, quo potuit, natum Deum hominem gentibus demonstravit?[39]

” ألم تنطق السماءُ بشهادة (عن المسيح) عندما أظهرت نجمـًا جديدًا علامة ًعلى نسلٍ جديد، وأعلنت للناس الإله المولود؟ “.

وكذلك البحر أيضًا، كخليقة الله، قدم هو الآخر نبوة عن المسيح، وذلك عندما تغيّرت طبيعته من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة، وحمل المسيح عندما مشى عليه ” ورآهم معذبين في الجذف لأن الريح كانت ضدهم ونحو الهزيع الرابع من الليل أتاهم ماشيًا على البحر وأراد أن يتجاوزهم، فلما رأوه ماشيـًا على البحر ظنوه خيالا فصرخوا” (مر6: 49). ويشير أغسطينوس إلى قول المزمور ” في البحر طريقك وسبلك في المياه الكثيرة وآثارك لم تعرف” (مز77: 19). هذه المعجزة، كما يشرحها أغسطينوس، توضح العلاقة بين الخالق وخليقته، لأن بطرس عندما أراد أن يسير على الماء، ” فأجاب بطرس وقال يا سيد إن كنت أنت هو فمرني أن آتي إليك على الماء” (مت14: 28)، ابتدأ يغرق. وهذه الحادثة تُظهر سلطان المسيح الفائق على الطبيعة.

والأرض أيضا قدّمت شهادة عن المسيح وذلك عندما تفل الرب عليها وصنع من التفل طينًا وطلى به عيني الأعمى: ” قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طينـًا وطلى بالطين عيني الأعمى” (يو9: 6)، وهكذا أعطى للأعمى نورًا جديدًا فأبصر. فالمسيح، كما يقول القديس أغسطينوس، من تراب الأرض أعد خلقة جديدة، فهو الذي خلق الإنسان من تراب، وهو السيد الرب الذي أبدع فردوس النعيم من البدء ووضع فيه الإنسان الذي خلقه.

وحتى العالم السفلىInferna في رأى أغسطينوس يقدّم شهادة عن الرب؛ لأنه عندما نادى الربُ لعازرَ من القبر، بعد أربعة أيام من موته، سمع وأطاع. ” ولما قال هذا صرخ بصوت عظيم لعازر هلم خارجـًا، فخرج الميت و يداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب” (يو11 :43).

بعد هذا الدليل الدامغ يوبخ أغسطينوس اليهود، لأن العالم السفلى سمع صوت الرب فأطاع، وهم أنفسهم رفضوا ابن الله! ” هؤلاء الذين هم إسرائيليون ولهم التبني والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد” (رو 5:9).

ويذكّر أغسطينوس اليهود بما جرى وقت آلام المسيح وصلبه، عندما وقعت ظلمة على الأرض لمدة ثلاث ساعات، من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة، وكذلك انشقاق حجاب الهيكل إلى نصفين، وزلزلة الأرض، وانشقاق الصخور، وانفتاح القبور، الشئ الذي يبرهن على أن “كل الخليقة تقريبًا قد شاركت المسيح موته”:

Omnis pene creatura expavescit mortem Christi.[40]

أخيرًا يوجه القديس أغسطينوس حديثه إلى اليهود قائلا ” إن الشياطين الذين يملكون على قلوبكم قالوا للمسيح: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا“[41] (مت8: 29)، أما أنتم فقلتم له ” أنت تشهد لنفسك شهادتك ليست حقًا” (يو8 :13).

في الفصل الأخير من هذا المقال يقدم أغسطينوس لليهود الآن بعض الأدلة من أحداث صلب المسيح. ومع أن اليهود لم يدركوا فداحة أعمالهم، وساقوا أسبابهم الخاصة، إلاّ أن شرورُ اليهود قد ساهمت في خلاصَ البشر[42].

يشير أغسطينوس إلى أحداث عدة كلها تشهد للمسيح، ويسأل اليهودَ عما لاقوا من عناء حتى يتمموا فى المسيح كل ما أرادوه؛ فاليهود رفعوا أصواتهم قائلين أن يُصلب، ودفعوا مالا ليهوذا حتى يسلمه، وفعلوا كل ما استطاعوا ليجعلوا بيلاطس أن يغسل يديه من قضية المسيح حتى يتمموا مشيئتهم، وتعبوا كذلك حتى ُيقبض على المسيح ويُصلب، وُيكلّل بإكليل من شوك، وُيعلّق على الصليب، وُيطعن في جنبه.

فكل هذه الأحداث تمت بأصوات اليهود وعرقهم وعنائهم. ولكن كل هذا العناء من جانب اليهود صار لنا، نحن المسيحيين، سببَ فرح ٍوخلاص. فالمسيح هذا الذي أنكره اليهود وقتلوه قام لأجلنا، وذلك الذي علقوه على خشبة أعطانا مفتاح لملكوت السموات بصليبه، والتلاميذ الذين بسبب الخوف من اليهود غلقوا الأبواب ظهر لهم المسيح نفسه.

فكل هذه الأحداث وكل أفعال اليهود قد آلت إلى فرح للرسل خاصةً وللمسيحيين عامةً حتى أن المال الذي أعطاه اليهود للجنود ليقولوا إن تلاميذه أتوا ليلا وسرقوا الجسد صار دليلاً على قيامة الرب التي انتشر الإيمان بها في كل المسكونة. وذاك الذي أرادوا له الموت قام من بين الأموات في اليوم الثالث وصعد إلى السموات وجلس عن يمين أبيه الصالح. وهكذا تمت النبوات عن ميلاد المسيح وآلامه وقيامته وصعوده إلى السموات، وتمت كذلك نبوات تشتت اليهود في كل العالم. فداود النبي يقول عنهم: ” لا تقتلهم لئلا ينسى شعبي، تيههم بقوتك واهبطهم يا رب ترسنا” (مز11:58). وقد تحققت نبوة داود هذه وتشتت اليهود، وهذا يعنى أن كل النبوات التي قيلت عن المسيح هى حقيقية، وحتى هذا التشتت، في رأى أغسطينوس، يُعد شهادةً عن المسيح:

Dispersio ergo haec vestr testimonium perhibet Christo.[43]

يشير كذلك القديس أغسطينوس إلى تلك التهمة الباطلة التي اُتهم بها المسيح وهى أنه كان يجترح عجائبه بقوة السحر. ويجيب أغسطينوس متعجبا :

Proferte codices propheticos, o Judaei Christi inimici, ut ex ipsis alii Pagani convincantur inimici. Numquid si magicis artibus fecit ut colletur et mortuus, magnus erat antequam natus.[44]

“فلنفرض أن المسيح كان يجترح عجائبه بقوة السحر وأنه بهذه القوة كان يجذب الناس إلى عبادته، فكيف يمكن أن يستعمل السحر قبل تجسده وولادته ويضع في أفواه الأنبياء أن ينطقوا بنبوات عنه، تلك النبوات التي تمت بالفعل؟ وخصوصـًا أن في كتب اليهود والوثنيين، أعداء المسيح، توجد نبوات عن المسيح، وهو نفسه موضوع هذه النبوات؟”.

ويصف أغسطينوس اليهود بأنهم “حاملو مصباح الناموس”، يضيئون للآخرين ولكنهم هم أنفسهم لا ينتبهون لهذا النور، ولا زالوا يتوقعون مجيء ذاك الذي قد أتى. هذا يشبه قول القديس استفانوس أول الشهداء الذي وبَخَ هو أيضًا اليهود قائلاً: ” أنتم الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه” (أع7: 53).

وسوف يأتي المسيح، والكلام لأغسطينوس، ولكن ليس كما جاء أول مرة فى تجسده، بل سيظهر كإلهٍ وكقاضٍ عادل. ويتساءل أغسطينوس :

Qualis erit tunc vestra conscientia, cum vobis ille nullam jam exhibebit patientiam, quia vos invenit in anima mortuos, qui venturus est judicare vivos et mortuos? [45]

بأى ضمير سوف تلقون المسيح حينذاك فى مجيئه الثاني؟ لأنه سوف لا يُظهر لكم أى نوع ٍمن الرحمة، وسوف يدين الأحياء والأموات بالعدل.

ختام

كما رأينا بعاليه إن طبيعة هذه العظة ليست هجومية, بل قبل كل شئ ذات طبيعة إقناعية، ليس فقط لليهود بل لكل المسيحيين. ولهذا نستطيع أن نقول إن هذا العمل لم يوجهه القديس أغسطينوس إلى شخص ما بالتحديد مثلما فعل في بعض رسائله السابقة الموجهة إلى أشخاص بعينهم، بل كان موجهًا إلى جمهور شعب اليهود كله، وكذلك إلى جمهور من الشعب داخل الكنيسة أيضًا ولذا فهذا العمل يُعتبر مزدوج المنفعة، فهو من جهة يشهد ويؤكد لليهود أن المسيح هو الله، ومن جهة أخرى يقوى إيمان المسيحيين ضد الكثير من الهرطقات التي ظهرت في ذلك الوقت، وعلى الأخص الهرطقة الآريوسية. ولهذا اضطر القديس أغسطينوس أن يقدم ردًا حاسمًا في مواجهة أفكار اليهود, مستخدمـًا كل وسيلة وبرهان ليقنع قراءه وبذا يجذبهم إلى الإيمان كما كان دأبُ آباء الكنيسة في الكثير من أعمالهم الدفاعية.

وهكذا استطاع أغسطينوس أن يبرهن بُطل أفكار اليهود, مضيفًا براهين أخرى عن ألوهية المسيح وكذلك عن صحة أقواله، مجردًا بهذه الطريقة عدواً للمسيحية من كل أسلحته. ونلاحظ كذلك أن ترتيب الأدلة والبراهين التي قدمها القديس أغسطينوس يتفق مع المنطق العقلي، فأولاً يقدم أدلة وبراهين من العهد القديم، مثل نبوات أنبياء اليهود العظام مثل إشعياء، وإرميا، ودانيال وموسى وداود، ثم شهادات من أنبياء العهد الجديد مثل شهادة سمعان الشيخ، وزكريا الكاهن، وأليصابات ويوحنا المعمدان، ثم في النهاية أدلة من كتب الوثنيين، ومن أشعارهم، ونبواتهم، ثم أخيرًا شهادات من الطبيعة، والسماء، والبحر، والأحداث.

 

[1] مدرس مساعد بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية بآداب القاهرة.

[2] قارن ” يكشف العمائق من الظلام ويخرج ظل الموت إلى النور” (أي12: 22). وقارن أيضا ” ويكشف الرب خفاياك  ويصرعك في المجمع” (سيراخ1: 39).

[3] قارن ” إذا لا تحكموا في شيء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب” (1كو4: 5).

[4] قارن ” هناك يكون البكاء وصرير الأسنان” (لو13: 28).

[5] قارن ” وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس ……..والنجوم تسقط من السماء ” (مت24: 29).

[6] قارن ” وأما في تلك الأيام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم والقمر لا يعطي ضوءه ” (مر13: 24).

[7] قارن ” لكن سيأتي كلص في الليل يومُ الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها ” (2بط3: 10).

[8] قارن ” كل واد يمتلئ وكل جبل و اكمة ينخفض” (لو3: 5).

[9] قارن ” ليكون الجميع واحدًا” (يو17: 21).

[10] قارن ” وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقا سهلة ” (لو3: 5).

[11] قارن ” وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها ” (2بط3: 10).

[12] قارن ” ثم بوق الملاك الثالث فسقط من السماء كوكب عظيم متقد كمصباح ووقع على ثلث الأنهار وعلى ينابيع المياه” (رؤ8: 10).

[13] قارن ” وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع ” (رؤ16: 10).

[14] قارن ” ليصنع دينونة على الجميع ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم التي فجروا ” (يه1: 15).

[15] قارن ” وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني ” (رؤ21: 8).

[16] J. Geffcken, Oracula Sibyllina [Die griechischen christlichen Schriftsteller 8. Leipzig: Hinrichs, 1902], Section 8, 217. Contra Judaeos……, PL.Vol. 42, Cap. XVI, C.1126.

[17] K. Krumbacher, Ἱστορία τῆς Βυζαντινῆς Λογοτεχνίας, Τομ. B΄, (Ἑλλην. Μετάφ), Ἀθήνα 1897, σ. 602.

[18] See Loeb Classical Library, Vol. V, Book XVIII, Chap.XXIII, De Sibylla Erythraea, P. 446.

[19] قارن قول المسيح لليهود “من منكم يبكتني على خطية” (يو8 :46)، وقارن أيضًا ” الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر” (1بط23:2).

[20] E. Gibbon, Τhe History Of The Decline And Fall Of The Roman Empire, Vol. 2, P. 198.

[21] Contra Judaeos……, PL.Vol. 42, Cap. XVI, C.1127.

[22] Contra Judaeos……, PL.Vol. 42, Cap. XVI, C.1127.

[23] قارن ” ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا هوذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة ” (مت26: 45).

[24] قارن ” وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ” (مر 15 : 19).

[25] قارن ” ويبصقون عليه ثم يسجدون له جاثين على ركبهم ” (مر15: 19).

[26] قارن ” بذلت ظهري للضاربين وخدي للناتفين وجهي لم استر عن العار والبصق ” (إش5:50).

[27] قارن ” ُظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه ” (إش7:53).

[28] قارن “نبت قدامه كفرخ وكعرق من أرض يابسة لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه” (إش53: 2).

[29] قارن ” وضفروا إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه” (مت27: 29).

[30] قارن ” أعطوه خلاً ممزوجًا بمرارة ليشرب ولما ذاق لم يرد أن يشرب” (مت27: 34).

[31] قارن ” فانشق حجابُ الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل” (مر15: 38).

[32] قارن ” وكان نحو الساعة السادسة فكانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة” (لو23: 44).

[33] قارن ” وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت ” (2تي1: 10).

[34] قارن ” فإن المسيح أيضا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله مماتـًا في الجسد ولكن محيىً في الروح الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن” (1بط3: 18ـ19).

[35] قارن ” ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين ” (1كو15 :20).

[36] Contra Judaeos……, PL.Vol. 42, Cap. XVI, C.1127.

[37] قارن ” السماوات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه ” (مز19: 1).

[38] Ἀπόστολος Μακράκης, Ἑρμηνεία του κατὰ Ματθαῖον κατὰ σύγκρισιν πρὸς τὰ λοιπά, σ. 61.

[39] Contra Judaeos……, PL.Vol. 42, Cap. XVI, C.1127.

[40] Idem.

[41] وفى حادثة أخرى اعترفت الشياطين للمسيح بأنه ” قدوس الله”: ” ما لنا ولك يا يسوع الناصري أتيت لتهلكنا أنا أعرفك من أنت قدوس الله (مر1: 24).

[42] يشير القديس بولس إلى نفع اليهود الذي قدموه إلى الأمم برفضهم المسيح قائلا ” فإن كانت زلتهم غنى للعالم ونقصانهم غنى للأمم فكم بالحري ملؤهم (رو11: 12).

[43] Contra Judaeos……, PL.Vol. 42, Cap. XVI, C.1128.

[44] Idem.

[45] Idem.

قانون الإيمان – عظة للقديس أغسطينوس للرد على اليهود والوثنيين والاريوسيين

تقييم المستخدمون: 4.3 ( 1 أصوات)