أبحاث

المحبة Αγάπη – د. وهيب قزمان

المحبة Αγάπη - د. وهيب قزمان

المحبة Αγάπη – د. وهيب قزمان

المحبة Αγάπη - د. وهيب قزمان
المحبة Αγάπη – د. وهيب قزمان

المحبة Αγάπη – د. وهيب قزمان

الله محبة وتظهر طبيعته في قدرته على المحبة، والبذل بغير حدود، حتى الموت فى سبيل أحبائه، بل والذين صلبوه. والمسيحى لا يؤمن بإله قدير فقط، بل وبآب قدير. بإله محب وبثالوث محب هو الآب والابن والروح القدس. فالقول بأن الله محبة والقول بأن الله ثالوث هو شئ واحد.

 

سر الثالوث هو سر الحب[1] :

نحن المسيحيين لا نخترع الإيمان ولا نبتدع الحق بل نناله كهبة من الله. ونحن سمعنا أولاً الرب يسوع ينادى الآب قائلاً: ” آبا ـ أيها الآب“. وقد دعانا حين نصلى أن نقول مثله ” آبا ـ أبانا الذى فى السموات” (مت9:6) حتى فى منتهى الألم على الصليب صرخ الابن  قائلاً: ” يا أبتاه فى يديك أستودع روحى” (لو46:23).

 

لا يمكن معرفة سر الله بدون سر الحب، أو بطرق غير طرق الحب، هذه الطرق نختبرها فى الحب الأخوى والبنوى والصداقة وحياة الشركة فى الكنيسة. إن أمنية الحب أن أصير الآخر، وأبقى أنا فى آنٍ واحد. ويقتضى الحب التمايز والوحدة فى نفس الوقت. أما فى الله الثالوث، فإن خيار الحب محقق فيه منذ الأزل. هذا هو سر الثالوث: فإن الآب والإبن والروح القدس يتمايزون الواحد عن الآخر تمايزًا حقيقياً بدون أي انفصال.

 

وحين يطالبنا الكتاب المقدس أن ” نكون متمثلين بالله” (أف 1:5) كأولاد أحباء، وحين نعرف أن الله محبة نرى أنه من واجبنا أن نسعى جاهدين لكى نتمثل بالله، بأن نحب وأن تكون الحياة كلها حباً. فالحياة هى الحب والحب هو الحياة. والشخص المسيحى هوذلك الكائن الذى يُضيَّع نفسه ليجدها، يبذلها ليؤكد وجودها، يعطيها ليأخذها، لا يسعى وراء نفسه بل يجد نفسه فى الآخر. الله وهب لنا الحياة لنتجه بها إلى الآخرين فنهب أنفسنا لهم، تماماً مثلما يفعل الأقانيم الثلاثة. ليس للإستيلاء على الآخرين أو تملكهم، بل لغناهم الشخصى ولمجدهم ورفع  شأنهم.

 

ملامح الحب الإلهى[2] .

للحب الإلهى كما يُظهره الرب يسوع، خمس خصائص رئيسية هى :

 

1 ـ المحبة الإلهية تلقائية:

فهى تلقائية لا تبحث عن أى إستحقاق لدى الإنسان. وهى مجردة إذ لا يحكمها ما فى داخل الإنسان بل هى محكومة بطبيعه الله نفسه. وهى نفس المحبة التى تدفع الرب أن يخلص ويطلب الخطاة، ويجلس ليأكل ويشرب مع “العشارين والخطاة”، عالمين أن الرب يسوع بهذه المحبة إنما يتمم عمل الآب ويكشف عن فكره ومشيئته. ففى المسيح يُستعلن حب إلهى يتجاوز كل الحدود ويحطم كل القيود، فالحب الذى له “دافع” هو حب بشرى، أما الحب التلقائى فهو إلهى.

 

2 ـ المحبة الإلهية لا تفرق بين الأبرار والخطاة:

فهي لا تهتم بإستحقاقات الإنسان وسلوكياته؛ فحين يحبنا الله كخطاة فإنه لا يحبنا بسبب الخطية ـ حاشا. إذ ونحن بعد خطاة قد أحبنا الله. وإذا أحب الله الأبرار فلا يمكن أن يكون برهم هو الدافع على محبته، فالمحبة الإلهية تستبعد أى إستحقاق إنسانى أو أية قيمة لديه، لأن محبة الله غير محدودة، ولا يليق أن نحصرها فى أسباب خلاف طبيعته كإله محبة، ” يشرق شمسه على الأشرار والأبرار” (مت 45:5).

 

3 ـ المحبة الإلهية خلاَّقه:

الحب الإلهى حب خلاق لأن الله خالق، وحين يحب الله الإنسان فهو يخلق فيه قيمة غائبة إذ يحبه حتى يخلقه على صورته، فتكون قيمته فى كونه ” محبوبًا عند الله“. فالإنسان هو عديم القيمة فى حد ذاته إلى أن تصبح “قيمته” الوحيدة هي أن الله يحبه. وحتى عندما أخطأ الإنسان فإن الحب الإلهى جعل الابن يخلّص الإنسان ويعيده إلى أحضان الله . 

 

4 ـ المحبة الإلهية حافز على الشركة مع الله:

ولأن محبة الله خلاقة فهى بطبيعتها تحفّز الإنسان على تأسيس علاقة مع الله. وكل محاولات الإنسان عاجزة تماماً عن إيجاد مثل هذه الشركة، فما من طريق يقودنا إليها إلا طريق المحبة الإلهية، من جانب الله وحده، فالله هو الذى يتنازل إلى واقع الإنسان وبؤسه ويقيم معه شركة حياة بالحب والغفران الإلهى، فيحفز الإنسان ويجعله يحبه ” نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً ” (1يو19:4)، فالأغابى هى طريق الله إلى الإنسان.

 

5 ـ المحبة الإلهية سر:

هذا السر يكمن فى شخص يسوع ابن الآب الكلمة الذى بذله الآب “لأجلنا نحن البشر، ولأجل خلاصنا “، فهو ” محبة ” لأنه بذل نفسه عنا. والرب يسوع هو إله حق من إله حق، كإبن وحيد لله الآب. وقد صار فى تجسده إنساناً كاملاً، فيه وحده كمال الإنسانية لأن فيه كمال الحب… ونحن بالنسبة له سائرون على الطريق إلى الإنسانية الكاملة.

 

نحن والمحبة:

للمحبة علاقة وثيقة بالشركة مع الله. لأن أخلاقياتنا كمسيحيين هى أخلاق من يحيون مع الله. ومفهوم المحبة فى المسيحية يمثل ملمحاً أساسياً يرتبط بالوصية الأولى والعظمى أن:     ” تحب الرب إلهك من كل قلبك” وأن ” تحب قريبك كنفسك” (مت 40:22، مر28:12) وهى وصية تتميز بالفرادة فى علاقتنا مع الله، فما الذى يشكل مثل هذه الخصوصية؟ يقول الرب يسوع ” لم آت لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة” (مر17:2). هكذا غيَّر الرب كل موازين القيم اليهودية. فالبر فى حياة الرجل اليهودى، “قيمة” مستمدة من حب البار لناموس الله وشريعته، ومثل هذا البار يكرِّمه الله. وحافظ ناموس الرب يفرح به، ويجعله مقبولاً لدى الله (راجع مزمور1). لكن يأتى الرب يسوع يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة، متمماً مشيئة الآب الذى أرسله ليقيم به علاقة مع الخاطئ لا يحكمها الناموس بل تضبطها المحبة.

 

محبة الله كما كشف لنا عنها هى محبة تلقائية، غير محدودة، وبلا شروط. وحين يختبر الإنسان محبة الله، فإن الله يضمه اليه فى شركة معه برغم عدم إستحقاقه وعدميته، الأمر الذى يؤكد على أننا خاصة الله.

 

وتتطلب طبيعة هذا الحب غير المشروط والتى يختبرها الإنسان أن يسلم كل حياته لله بغير شروط أيضاً. وهو ما تطالبنا به وصية المحبة أن ” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك” (مر30:12) وهى كلمات تتضمن التسليم المطلق لله والتكريس الكامل له.

 

وتنبع الوصية الثانية للمحبة، والخاصة بالقريب من محبة الله كالوصية الأولى. أى من الشركة مع الله وإختبار المحبة الإلهية. ومحبة الله لنا هى محبة تلقائية لها قدرة خلاقة فى تأسيس علاقة جديدة بين الناس. ويفرِّق الرب يسوع تفريقاً واضحاً بين الحب الإلهى والحب البشرى. فالأول بغير دوافع خارجية، والثانى مدفوع عادة بغرض أو مصلحة  أو شعور ما. فإذا قيس الحب بين البشر بالحب الإلهى فهو ليس حباً على الإطلاق، بل هو شكل من أشكال الحب الذاتى والأنانى: .. إن أحببتم الذين يحبونكم، فأى فضل لكم، إذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم، فأى فضل لكم، إن أقرضتم الذين ترجون أن تستردوا منهم فأى فضل لكم، فإن الخطاة أيضاً يفعلون ذلك. بل أحبوا أعداءكم، وأحسنوا، وأقرضوا، وأنتم لا ترجون شيئاً فيكون أجركم عظيماً وتكونوا بنى العلى…(لو32:6 ـ 35).

 

ونحن إن أعطينا حبًا صافيًا بغير مقابل يصبح حبنا بحسب وصية المسيح حبًا مسيحيًا، بغير دافع وتلقائياً. وهكذا ينتقل الحب من مجرد رد فعل طبيعى لسلوك الجار معى ” إن أعطانى حبًا أحببته. أن أقرضنى أقرضته. إن أحسن إلى أحسنت إليه“. إلى حب تلقائى حتى دون أن يحدث هذا كله من جانب الجار والقريب.

 

الرب يسوع والمحبة[3]

1ـ المحبة: كوصية جديدة

أ ـ محبة الله ومحبة القريب:

يلخص الرب يسوع معنى البر قديماً وحديثاً فى عبارتين هما محبة الله ومحبة القريب: ” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. ومن كل قدرتك، تحب قريبك كنفسك” (مر30:12، 31، مت37:22ـ40) وكلاهما معروف جيداً فى العهد القديم، بل إن الربيين كمعلمين لليهود كانوا يؤكدون عليهما مراراً وتكراراً. فما الجديد الذى أتى به الرب يسوع هنا؟ الجديد هو تعريف الجار والقريب، بمفهوم إيجابى، لأن الرب يسوع لا ينقض تقليد شعبه القديم،  بل يطلب المحبة كوصية جديدة تماماً، باتساع أكثر من باقى الوصايا، بمعنى أن كل الوصايا الأخرى إنما تقودنا إلى المحبة، وكل البر إنما يجد فى هذا الحب معياره وأساسه. والمحبة بالنسبة للرب هى أيضاً محبة بالإرادة والفعل. على أن تكون المحبة أولاً حاسمة وكاملة بالنسبة لله، ولله وحده بغير قيد أو شرط. (مت37:22) ” أن تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك“. وأن تحب الله هو أن تكون بالنسبة له كعبد بالنسبة لسيده (انظر لو7:17). والعبودية هنا تعنى الخضوع التام لسلطان الحب بأن يصغى الإنسان بأمانة لكل ما يقوله الرب، وأن يطيع كل أوامره، وأن يضع أهمية تنفيذ ما يطلبه منه سيده فوق كل  إعتبار (انظر مت 33:6) ” اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره“.

 

وتعنى أن يضع الانسان كل كيانه تحت سلطان الله، وأن يثق فيه ثقة لا حدود لها، وأن يلقى على الرب كل همه وأن يترك لله المسئولية المُطلقة. وأن يحيا منقاداً بروح الرب. وأن يرفض كل ما يبعده عن خدمة الله، بل أن يقطع كل ما يمكنه أن يعوق خضوعه للسيد الرب (انظر مت29:5، 30) (مثل قلع العينين وقطع اليد)، بمعنى أن يقطع كل الروابط ماعدا تلك التى تربطه بالله وحده.

 

وقد ذكر الرب يسوع شيئين على الانسان أن يقاومهما وينبذهما ليحب الله، وهما المال والمجد الباطل، وقد أعلن المسيح الحرب عليهما وبشده، فمن يجمع ثروات طائلة هو وثنى قليل الإيمان لا نفع منه فى ملكوت الله (انظر مت24:6، 30). كما أعلن حربًا على الفريسيين وويلات ضدهم (انظر لو43:11) لحبهم للمجد الباطل والمجالس الأولى فى المجامع والتحيات فى الأسواق. فإن محبة المظاهر لا تتفق ومحبة الله. وثمة خطر ثالث يهدد هذه المحبة نحوالله، هو ثقل الإضطهاد وعنفه، فالرب يرى أن الهجمات الشرسة والضيقات والإهانات والآلام، والتى ستحل لا محالة على التلاميذ ستكون إختباراً حاسماً وشديداً لولائهم لله (انظر مت17:10، 10:5، 11). وحين تحلّ بالبشرية أيام الضيق (انظر مت21:24). حينئذ تظهر محبة الله بشكل حاسم، بقوة فائقة لحماية القطيع الصغير. وتظل هذه المحبة ثابتة  وأمينة إلى النهاية، رغم شدة كل الصعوبات والتهديدات، ورغم محاولات التشكيك، التي يتعرض لها القطيع حتى يظهر المسيح ثانية في مجده لكل الذين أحبوه.

ب ـتحب قريبك كنفسك” (مت39:22):

إن كان الرب يسوع قد تحدث عن محبة القريب كمحبة النفس، فإنه بهذا يكون قد حَّرر محبة القريب تحريرًا كليًا من كل معوقاتها، مثل قرابة الجسد أو السبط كما جرى فى التقليد اليهودى، لتصبح المحبة التى تهتم بذلك الانسان العاجز الذى قد نصادفه فى الطريق (مثل السامرى الصالح) (لو25:10ـ37).

 

وفى كلمات الرب يسوع الموجزة فى (مت 43:5، لو32:6) يوصينا بوصية محبة الأعداء ببعديها الجديدين:

أولاً: إنها وصية جديدة لعصر جديد  تصل إلى حد الكمال ” سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل..، تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم” (مت 21:5، 50).

ثانياً: هى وصية المحبة الجديدة للذين لا يحبوننا، بل يضمرون لنا العداء (انظر لو27:6) وهى أيضًا المحبة التى تخص الخطاة (انظر مت46:5ـ48).

 

ومحبة الأعداء التى يوصينا بها الرب يسوع هى حالة أبناء شعب الله الجديد (حرفياً    أطفال الشعب الجديد )، شعب المستقبل الجديد، بالنسبة لأبناء هذا الجيل، لأن أبناء الملكوت مطالبون أن يقدموا للناس محبة دون مقابل، وأن يقرضوا الناس وهم يعلمون أنهم قد لا يستردون الدين أبدًا، يعطون بسخاء وبلا حدود، يقابلون عداوة العالم بدون مقاومة، وببذل (انظر لو28:6). عليهم بالحق أن  يقدموا الخير للذين يكرهونهم، يباركون الذين يلعنونهم، يصلون لأجل الذين يضطهدونهم (انظر لو27:6، مت44:5).

 

وبرنامج المحبة الذى وضعه الرب يسوع هو برنامج كامل شامل لا يمكن أن يقارن بما كان فى وسط الربيين، حتى لو كان البعض يزعمون أن الرب لم يأتِ بشئ جديد، فحتى شهداء اليهودية لا يوجد من بينهم من يساوى حبه هذا الحب حتى الموت الذى يطلبه الرب يسوع من أبناء الجيل الجديد؛ جيل النعمة. فالشهيد فى المسيحية يتشفع بالحب لأجل العالم المعادى الذى يكره الله ويضطهد شعبه المؤمن، وهذه هى خدمة الشهيد أن يحب بلا حدود، أن يحب حتى بذل النفس كسيده. لكننا هنا أمام الواحد الوحيد الذى يصنع الحب دون خداع، ويعطى حباً خالصاً يحمل نموذج حب القريب كحب النفس، وهو الوحيد الذى ترجم هذا القول فعلاً واقعيًا معاشاً. فهو يتحدث عن مطالب تبدو مستحيلة بنفس القدروالنبرة التى تحمل منتهى الجدية والحسم الذى يطالب به كل إنسان، فى مجتمع توافر فيه دائماً المتحمسون للحب الأخوى من أجل عالم أفضل، لكنه هنا ينقلنا من حب الإخوة إلى حب الغرباء والأعداء. ويعرف الرب يسوع هذا العالم جيداً ـ لهذا يدعونا أن نحيا فيه حياة، مؤسسة بالكامل على المحبة. وهو يفعل ذلك بواقعية رصينة.

 

ويكمن سر الحب الذى هو سر المسيح فى كونه غير مألوف للناس، من جهة مطلبه الجديد للحب.

 

2ـ خلق عالم جديد:

أ ـ وصية جديدة تخلق عالم جديد:

فحقيقة أن وصية الرب يسوع  للمحبة هى مطلب جديد وبديهى، إنما تبرهن على أن لدى الرب  شيئاً أكثر من مجرد مطلب جديد. فهو يخلق عالم جديد. و يدعو إلى رحمة الله، لا بإعتبارها ميلاً يظهره الله دائماً وأبداً، وبكل السبل الممكنة، بل كحدث لم يسمع عنه العالم من قبل، له أساسه وإمكانية حدوثه فى الله وحده، وهو يضع الانسان الآن فى حالة مختلفة تماماً. فالرب يسوع يأتى بغفران الخطايا، ويضع فى الذين يختبرون هذا الغفران محبة جديدة فياضة، وبهذا المفهوم يتحدث عن المرأة الخاطئة التى نالت الغفران قائلاً : ” غفرت لها خطاياها الكثيرة لأنها أحبت كثيرًا ” (لو47:7).

 

وبفضل المغفرة فإن الله قد أسس للبشرية نظاماً جديداً يزيل ويمحو النظام القديم، فيخلق العديد من الإمكانات الجديدة، وتقوم العلاقة الجديدة بين الانسان وأخيه على أساس هذه الشركة الجديدة بين الانسان والله (لو36:6  قابل مت2:5). ويدعى صانعو السلام بأبناء الله (انظر مت9:5)، أما الذين يدينون الآخرين فإنهم يقعون تحت دينونة الله التى بلا رحمة (انظر لو 38:6، قابل مت 22:5)، وطلب غفران الخطايا يتطلب منا مسبقاً إستعداداً دائماً لغفران خطايا الآخرين ” واغفر لنا خطايانا، لأننا نحن أيضًا نغفر لكل من يذنب إلينا” (لو4:11 قابل أيضًا مت7:5 ، 21:18 ).

 

ب ـ محبة الله محبة غافرة باذلة:

إن محبة الله  لعالم البشر هى محبة غافرة. لكن الرب يسوع يعرف أيضاً نوعاً أخر من المحبة ، أعنى المحبة التى تتضمن قبول الدعوة الخاصة  لمحبة تتجه بشكل مباشر للرب يسوع نفسه. وبهذا المعنى يتحدث الرب فى مثل الكرامين الأردياء عن الابن الحبيب υˆÒς ¢γαπητός  (مر5:12 قابل مت38،37:21)، ثم دعوة الابن الوحيد لنا هى دعوة لكى نطأ حتى النهاية الطريق الذى وطأه الأنبياء ولقوا حتفهم عليه. والابن الحبيب هو الشهيد الأوحد، فى نقطة تحول الأزمان الذى يعد موته بمثابة دينونة للعالم أجمع، ووضع أساس نظام جديد للأمور كلها (مت8:12). ومن هنا يصبح الرب يسوع  نفسه هو مؤسس شعب الله الجديد. حتى أنه بالعلاقة معه، تتقررعضوية العالم الآتى. فيصبح الحب المستعد لمساعدة أصغر الإخوة مساوياً للإستعداد لمساعدة ابن الإنسان نفسه، بينما يكون غياب المحبة بمثابة إحتقار له، وهذا سيدينه ابن الانسان فى يوم مجيئه (مت40:10، 31:25). ولهذا السبب يمكن للمخلص أن يدعو التلاميذ بالمباركين حين يتألمون ويتحملون الإضطهادات لأجل إسمه (لو22:6). ولنفس السبب يدعونا إلى محبته أكثر من الجميع، وبالاتحاد به اتحادًا غيرمشروط حتى الموت (مت37:10ـ39 ، قابل لو26:14ـ27).

 

وأخيرًا، فإن كل ما يقوله الرب يسوع  بخصوص المحبة يتضح فى النهاية ويتجلى. فالله يرسل ابنه الحبيب إلى العالم، ويأتى الابن بغفران الخطايا، للإنسان الذى يستجيب لهذا الغفران بالحب والشكر الذى يقر بالجميل والعرفان، فيستجيب الانسان لدعوة الرب له بلا شروط فى إستعداد خالص وفورى لمساعدة الآخرين وغفران خطاياهم نحوه. والابن المتجسد يدعونا لاتخاذ قرار بغير شروط لأجل الله، ويجمع حوله هؤلاء المستعدون للقيام باغتصاب الملكوتstorm- troopers  الذين يسميهم الأنجيل (بالغاصبين المختطفين للملكوت) (مت12:11). الذين يتركون كل شئ ليتبعوا الله ويحبونه فى تكريس كامل (من ملء القلب).

 

ويخلق الرب يسوع شعبًا جديدًا لله ينبذ كل مشاعر الكراهية والقوة بميل للحب لا ينهزم يطأون طريق التضحية وبذل الذات فى مواجهة كل مقاومة. والرب يسوع نفسه يموت حبًا من أجلنا، كما يخبرنا التقليد القديم، بناء على طلب العالم العدائى (لو34:24).
ـــــــــــــــــــــــــ

[1] فرح الإيمان بهجة الحياة، الأب فرانسوا فاريون، ترجمة صبحي حموى، بيروت سنة 1988، ص25ـ27، 135ـ140.

[2] المرجع الرئيسى:

 Agape & Eros by : Anders Nygren SPCK, London, 1982. p. 75-80.

[3] المرجع الرئيسى:

G.Kittel, Theological Dictionary of the N.T. translated by G.Bromiley, vol.1 pp.44-49.

المحبة Αγάπη – د. وهيب قزمان

تقييم المستخدمون: 4.35 ( 1 أصوات)