آبائيات

الروح والحرف 10 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف 10 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف 10 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف 10 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية
الروح والحرف 10 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

الروح والحرف 10 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

 الفصل (51): الإيمان هو أساس كل بر

 

          اقترح بر الناموس في تلك النصوص التي كل من يفعلها يحيا فيها؛ ويكون الغرض هو أن عندما يكتشف كل فرد ضعفه لا يقدر بقوته الذاتية ولا بحرف الناموس (الذي لا يقدر أن يفعله) ولكن بالإيمان جامعا بين الله الذي يبرر، فيدركه، ويفعله، ويعيش فيه.

إذ أن العمل الذي يعيش فيه من يقوم يفعله لا يتم إلا بواسطة الشخص الذي تبرر ومع ذلك فإن تبريره قد حصل عليه الإيمان ومكتوب بخصوص الإيمان “وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء أي ليحد المسيح أو من يهبط إلى الهاوية أي ليصعد المسيح من الأموات.

لكن ماذا يقول. الكلمة قريبه منك في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو10: 6-9)

          وكلما خلص كلما كان بارا لأن بهذا الإيمان نثق أن الله سيقيمنا من الموت حتى الآن في الروح لكي يمكننا في هذا العالم الحاضر أن نعيش بتعقل وبر وتقوى في تجديد نعمة الله وعما قريب في جسدنا الذي سيقوم ثانية للخلود

          وهو في الحقيقة ثواب الروح الذي يسبقه قيامة تخص الله ويكون هذا بالتبرير “لأننا دفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جده الحياة” (رو6: 4)

          لذلك فإننا ننال الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح سواء المسيح سواء كان هذا بالحقيقة في داخلنا وفي حد ترقب إتمامه: “لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص” (رو10: 13) ويقول المرتل: “ما أعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك وفعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر” (مز31: 19″). بالناموس نخاف الله وبالإيمان نرجو في الله.

          ولكن النعمة تختفي في الذين يخافون العقاب- والنفس التي تعمل تحت هذا الخوف بما أنها لم تتغلب على شهوتها الشريرة والتي لم يختف منها هذا الخوف الذي يشبه سيدا قاسيا- ليتها تلتجيء إلى رحمة الله لكي يعطيها ما يأمر به ملهما فيها عذوبة نعمته بروحه القدوس يجعل النفس تبتهج أكثر بما يعلمها الله مما تبتهج بما يعارض إرشاداته بهذه الطريقة تكون أن عذوبة الله الوفيرة التي هي ناموس الإيمان- محبة الله التي هي في قلوبنا، ومنسكبة فيها ويكون الرجاء في الله كاملا فيها- هذا الصلاح يمكن أن تصنعه النفس- لا يبرأ بالخوف من العقاب ولكن بمحبة الب

 

 الفصل (52): النعمة تثبت الإرادة المطلقة

 

          أفنبطل إذاً الإرادة المطلقة بالنعمة؟ حاشا كلا فإننا نثبت الإرادة المطلقة لأنه حتى ناموس الإيمان لا يبطل الإرادة المطلقة بل يثبتها. لأنه لا يتم الناموس إلا بإرادة مطلقة ولكن بالناموس معرفة الخطية، بالإيمان إحراز النعمة ضد الخطية، بالنعمة شفاء النفس من مرض الخطية، بصحة النفس حرية الإرادة، بالإرادة الحرة محبة البر، بمحبة البر إتمام الناموس.

وبناءاً على ذلك فإن الناموس لم يبطل بل أثبت بالإيمان لأن الإيمان ينال النعمة التي بها يتم الناموس لذلك فإن الإرادة الحرة لا تبطل بالنعمة بل تثبت لأن النعمة تعالج الإرادة التي بها يصبح البر محبوبا جدا.

          والآن فكل المراحل التي جمعتها مما في ربط متوالٍ لها أصواتها الخاصة في الكتب المقدسة: يقول الناموس “لا تشته” (خر20: 17) ويقول الإيمان “اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك” (مز 41: 4) ويقول النعمة: “ها أنت قد برئت فلا تخطيء أيضا لئلا يكون لك أشر” (يو5: 14) وتقول الصحة: “يا رب إلهي استغثت بك فشفيتني” (مز30: 2) وتقول الإرادة المطلقة: “أذبح لك منتدبا” (مز54: 6)

          وتقول محبة البر: “المتكبرون قد كروا لي حفائر ذلك ليس حسب شريعتك ” (مز119-85). إذاً كيف يجرأ هؤلاء الناس المساكين أن يفتخروا إما بإرادتهم الحرة قبل أن يتحرروا أو بقوتهم الذاتية لو كانوا قد تحرروا؟

          أنهم لم يدركوا أن مجرد ذكرهم للإرادة الحرة ينطقون اسم الحرية. ولكن “حيث روح الرب هناك حرية” (كو3: 17) فلذلك لو كانوا عبيدا للخطية فلماذا يفتخرون بالإرادة الحرة؟ لأنه ما انغلب منه أحد فهو لو مستعبد أيضا (2بط2: 19) ولكن إذا تحرروا لماذا يفتخرون بأنفسهم كما لو كان هذا من فعلهم ويفتخرون كما لم يأخذوا؟ أو هل يتحرون لدرجة أنهم لا يختارون الله رباً لهم الذي يقول لهم: “بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً” (يو15: 5)

          “وإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا”؟ (يو8: 36)

 

 الفصل(53): الإرادة والمقدرة

 

          بيسأل البعض هل الإيمان نفسه الذي يبدو منه أن يكون إما بذاته الخلاص أو بداية لتلك السلسلة التي تقود إلى الخلاص التي ذكرتها سابقا- يكون في مقدرتنا يمكننا أن نرى ذلك بسهولة إذا درسنا جيدا معنى كلمة “مقدرتنا” إذاً يوجد شيئان: الإرادة والمقدرة..

من المتبع أن ليس كل من عنده الإرادة عنده بناءاً عليها المقدرة أيضا لأننا أحيانا نريد شيئا لا نقدر أن نفعله وكذلك أيضا أحيانا يمكننا عمل شيء لا نريده وعندما نتأمل جيدا الكلمات نفسها سنكتشف أن كلمة “volition” مشتقة من willingness –

وكلمة “ability” مشتقة من “ableness” [that is, in the Latin “volutes” choice, will, volition comes from “velle” (to wish, desire, determine) and patestas (power, ability) from posse” (to be able).-w] ” بناءاً على ذلك فإن الإنسان الذي يرغب له الإرادة، كذلك أيضا الذي يقدر له المقدرة- ولكن لابد أن توجد الإرادة لكي يتم فعل شيء بالمقدرة.

إذ أن عادة لا يفعل أي إنسان شيئا بمقدرته لو فعله كرها بالرغم من، في نفس الوقت، لو لاحظنا بأكثر تدقيقا- حتى الشيء الذي أجبر الإنسان أن يفعله كارها فهو يفعله بإرادته؛ إلا أنه يدعي فاعل غير راغب أو يفعل ضد إرادته لأنه يفضل شيئا آخر. أنه بالحقيقة مجبرا ببعض التأثير السماء أن يفعل ما يفعله تحت إجبار راغبا في تخلصه أو إزالته من طريقة. لأنه لو كانت إرادته قوية جدا حتى أنه يفضل أن لا يفعل هذا لكي لا يعاني من تلك وفوق كل شك فإنه يعارض النفوذ الإجباري ولا يفعله.

وبناءاً على ذلك لو فعله فلا يكون بإرادة كاملة وحرة. ولا يقبله أيضا بدون إرادة وبما أن الإرادة يتبعها تأثيرها فلا نقدر أن نقول أنه يحتاج إلى المقدرة على فعله- وإذا رغب في الحقيقة أن يفعله مستسلما للإجبار ولكنه لم يستطع بالرغم من أننا لو سمحنا بوجود إرادة مجبرة فسوف نقول أيضا أن المقدرة لم تكن موجودة.

ولكن عندما لم يفعل الشيء لأنه كان غير راغب إذاً بالطبع كانت المقدرة موجودة ولكن الإرادة لم تكن موجودة لأنه لم يفعله بصده للتأثير المجبر. لهذا فإن حتى الذين هم يجبرون أو يقنعون اعتادوا أن يقولوا لماذا لم تفعل ما في مقدرتك، لكي تتجنب هذا الشر؟

بينما الذين هم غير قادرين تماما أن يفعلوا ما أجبروا على عمله لأنهم افترضوا أن يكونوا قادرين دائما ويجيبون مشتكين أنفسهم ويقولون كنت أحب أن أفعله لو كان ذلك في مقدرتي. فماذا نطلب أكثر لأننا نسمي المقدرة عندما تضاف إلى الإرادة كفاءة العمل؟ بناءاً على ذلك يقال أن كل فرد يفعل ما في مقدرته إذا أراد- وأن لا يفعل إذا لم يرد.

 

 الفصل (54): هل الإيمان في مقدرة الإنسان

 

          أصغ الآن إلى النقطة التي نطرحها للمناقشة: هل الإيمان في مقدرتنا؟

          نحن نتكلم عن ذلك الإيمان الذي نستعمله عندما نصدق أي شيء وليس ذلك الذي نعطيه عندما نصنع وعدا، لأن هذا يسمى إيمان.

          نحن نستعمل الكلمة بمعنى عندما نقول: “ليس عنده ثقة فيَّ” وبمعنى آخر عندما نقول:”لا يحفظ الثقة معي” وتعني الجملة الأولى” أنه لا يصدق ما أقوله” وتعني الجملة الثانية “أنه لم يفعل ما وعد به”

          بموجب الإيمان الذي نؤمن به فإننا نكون أمناء لله ولكن بموجب ذلك الذي به يمر الشيء الذي يتعهد به الله نفسه يكون أمينا لنا، لأن الرسول يصرح: “الله أمين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون” (1كو10: 13)

          إن الأول هو الإيمان الذي نسأل عنه هل هو في مقدرتنا؟ حتى الإيمان الذي به نصدق الله أو نؤمن بالله إذ أنه مكتوب عن هذا: “آمن إبراهيم بالله فحسب له براً” (رو4: 3-تك15: 6)

          تأمل الآن إذا آمن أي شخص وكان كارها أو إذا لم يؤمن وكان يرغب ذلك مثل هذا الوضع في الحقيقة يعتبر غير معقول (لأن الذي يعتقد بل راضيا بصدق ما قيل؟ وهذا الرضى هو بكل تأكيد إراديا) لذلك فإن الإيمان هو في مقدرتنا. ولكن مثل ما يقول الرسول: “لأنه ليس سلطان إلا من الله” (رو13: 1) فماذا يكون السبب إذاً لماذا لم يقل لنا حتى عن هذا: “لماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟” (1كو4: 7) لأنه حتى الله هو الذي يعطينا أن نؤمن. ومهما كان فإننا نجد أصلا هذا التصريح في الكتاب المقدس مثل: ليست مشيئة إلا وتأتي من الله.

          وبالحقيقة لم تكتب كذلك لأنها ليست صادقه. وإلا سيكون الله منشيء الخطايا (حاشا!) وإذا لم تكن هناك إرادة أخرى سوى التي تأتي من الله نظرا لأن أي إرادة شريرة هي وحدها خطية إذا كانت بدون سبب- بمعنى آخر إذا لم تكن لها المقدرة. ولكن إذا أخذت الإرادة الشريرة المقدرة على إتمام غرضها فإن هذا يصدر عن حكم الله الذي به لا يوجد شر (رو9: 14) ويعاقب الله على هذا النمط، ولا يكون قصاصه غير عادل لأن هذا سرا

          مع أن الإنسان الشرير لم ينذر بأنه سيعاقب إلا عندما يكتشف بغير إرادته بعقاب مكشوف كم ارتكب الشر بإرادته كثيرا.

          هذا تماما ما قاله الرسول عن بعض الناس: “أسلمهم الله في شهوات قلوبهم…. ليفعلوا ما لا يليق” (رو1: 24، 28)

          لذلك قال الرب أيضا لبيلاطس: “لم يكن لك علىَّ سلطان البتة لو لم يكن قد أعطيت من فوق” (يو19: 11) ولكن أيضا عندما تعطى المقدرة، فبكل تأكيد ليست هناك ضرورة مفروضة.

لذلك مع أن داود أخذ المقدرة على قتل شاول إلا أنه فضل مصارعته عن ضربه (1صم24: 7، 26: 9) لذلك أن الناس الأشرار يأخذون المقدرة لأجل الدينونه على إرادتهم الدنيئة بينما يأخذ الناس الصالحين المقدرة لكي يختبروا إرادتهم الصالحة.

 

 الفصل (55): ما هو الإيمان الحميد

 

          بما أن الإيمان إذاً هو في مقدرتنا نظراً إلى أن كل فرد يؤمن عندما يريد وعندما يؤمن يكون ذلك طوعاً ويكون تحقيقنا التالي الذي يجب أن نجريه بعناية: ما هو الإيمان الذي يمدحه الرسول بغيرة كبيرة؟ إذ أن الإيمان الذي لا يميز لا يعتبر صالحا.

          لذلك نجد هذا التحذير: “أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله” (1يو4: 1) ولا يجب أن عبارة مدح المحبة “التي تصدق كل شيء” (1كو8: 7) تفهم كذلك كما لو كنا تستخف بمحبة أي إنسان إذا رفض أن يصدق ما يسمعه في الحال لأن نفس المحبة تحذرنا أنه لا يجب علينا أن نصدق بسرعة أي شيء يقال على الأخ. وإذا قيل شيء من هذا النوع عنه فهل عدم تصديقه هذا يحسب مناسبا جدا لسجيته؟ أخيرا نفس المحبة “التي تصدق كل شيء” لا تصدق كل روح.

          بناءاً على ذلك فإن المحبة تصدق كل شيء بدون شك ولكن تثق في الله. لاحظ أنه لم يقل أنها تثق في كل الأشياء لذلك لا يمكن أن يشك في أن الإيمان الذي يمدحه الرسول هو الإيمان الذي به نثق في الله (رو4: 3)

 

 الفصل (56): يختلف إيمان الذين تحت الناموس من إيمان الآخرين

 

          ولكن مع ذلك يوجد اختلاف آخر يجب أن نلاحظه

          بما أن الذين هم تحت الناموس كل يسعى ليعمل بره خلال الخوف من العقاب، ويفشلون في عمل بر الله لأن هذا تم بواسطة المحبة للذي يسر فقط بما هو ليس شرعياً، وليس بالخوف الذي يجبر بأن يكون في عمله الشيء الشرعي- بالرغم من أنه عنده شيئاً آخر في إرادته الذي يفضله إذا كان هذا ممكنا أن هو ليس شرعياً يصبح شرعياً.

هؤلاء أيضاً يثقون في الله لأنهم لو لم يكن عندهم إيمان بالله بالطبع أيضاً لا يكون عندهم أي خوف من عقاب ناموسه ومع ذلك فليس هذا هو الإيمان الذي يمدحه الرسول فهو يقول: ” إذا لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبانا الآب” (رو15:8)

          إذاً فالخوف الذي نتكلم عنه هو استعبادي ولذلك مع وجود إيمان بالرب إلا أنه لا يحب البر به بل يخاف العقاب. مع ذلك ينادي أولاد الله: “أبانا الآب” إحدى الكلمات التي ينطق بها الختان، والأخرى إحدى كلمات الغرلة. اليهودي أولا ثم اليوناني (رو9:2) “لأن الله واحد هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والغرلة بالإيمان” (رو30:3)

          وفي الحقيقة عندما نطقوا هذا النداء فإنهم يطلبون شيئاً، وماذا يطلبون غير ذلك الذي يجوعون ويعطشون إليه؟ وماذا يكون هذا غير ذلك الذي قيل عنهم: “طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون” ؟ (مت6:5) –

دع إذاً هؤلاء الذين تحت الناموس يجتازوا إلى هنا ويصبحوا أبناء بدل العبيد، وأيضاً لا يبطلون أن يكونوا عبيداً فقط بل أيضاً بينما هم أبناء مازالوا يخدمون ربهم وأبيهم بحرية لأن Only begotten : “وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه” (يو12:1) وقد نصحهم الله أن يسألوا ويطلبوا ويقرعوا لكي يعطوا ويجدوا ويفتح لهم (مت7:7)

          لذلك فإن ذلك الناموس الذي هو قوة الخطية يشعل شوكة الموت وحتى الخطية وهي متخذه فرصة بالوصية أنشأت كل شهوة فيهم، فمن الذي يجب أن يطلبون منه عطية العفة تسوى الله الذي يعرف كيف يعطي أولاده عطايا صالحة؟

          ربما مع ذلك يكون إنسان في حماقته غير دارٍ بأن لا أحد يستطيع عفيفاً إلا إذا أعطاه الله هذه العطية وفي الحقيقة لكي يعرف هذا فهو يطلب الحكمة نفسها (الحكمة 21:8) لماذا إذاً لم ينصت لروح أبيه متكلما على لسان رسول المسيح أو حتى المسيح نفسه الذي يقول في إنجيله ” اطلبوا تجدوا ” (مت7:7) والذي يقول أيضاً بواسطة رسوله:

” إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطي له ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة” (يع 5:1، 6) هذا هو الإيمان الذي يحيا به البار (رو 1: 17) هذا هو الإيمان الذي به يؤمن بالذي يبرر الفاجر (رو5:4) – هذا هو الإيمان الذي بواسطته انتفى الافتخار (رو27:3) إما بتقهقر ذاك الذي به نصبح منتفخين بأنفسنا أو بقيامة ذاك الذي معه نتمجد في الرب.

هذا أيضا هو الإيمان الذي به ننال هبة “الروح” الذي قيل عنها: “فإننا بالروح من الإيمان نتوقع رجاء بر” (غلا5:5) ولكن هذا يسلم أيضا بسؤال إذا قصد “برجاء بر” ما يرجوه البر أو الذي به يكون البر هو نفسه ما نرجوه؟ لأن البار الذي يحيا بالإيمان يرجو الحياة الأبدية دون أدنى شك وكذلك الإيمان الذي يجعل الجياع والعطاش إلى البر يتقدمون به بتجديد الداخل يوما فيوما (2كو16:4) ويرجو أن يشبع به في الحياة الأبدية. حيث يتحقق ما قيل عن الله في المزمور: “الذي يشبع بالخير عمرك” (مز5:103).

          وأيضا هذا هو الإيمان الذي به خلصوا والذين قيل عنهم: “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد. لأننا نحن مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها”(أف8:2-10) وهذا باختصار هو الإيمان الذي لا يعمل بالخوف بل بالمحبة (غلا6:5) ليس بالخوف من العقاب ولكن بمحبة البر.

لذلك من أين تنشأ هذه المحبة – أي الود – بأي إيمان تعمل إذا لم يكن من نفس المصور الذي يأخذ منه الإيمان نفسه؟ لذلك لا يمكن أن يكون داخلنا حتى تتسع فينا إلا إذا انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا (رو5:5).

          والآن “محبة الله” وقد انسكبت في قلوبنا ليس لأن الله يحبنا ولكن لأنه جعلنا أحباء له بالضبط مثل “بر الله” (رو21:3) تستعمل بمعنى أننا نصير أبراراًَ بواسطة عطية الله.”وأيضاً خلاص الرب” (مز3: 8) بمعنى أننا به نخلص وأيضاً “الإيمان بيسوع المسيح” (غلا16:2) لأنه يجعلنا مؤمنين به – هذا هو بر الله الذي لا يعلمنا إياه فقط بوصية ناموسه بل أيضا يمنحنا إياه بروحه القدوس.

 

 الفصل (57): من أين تأتي الإرادة التي تجعلنا نؤمن

 

          باختصار يبقى لنا أن نسأل, هل الإرادة التي بها نؤمن تكون نفسها عطية من الله أم إنها تنشأ من تلك الإرادة المطلقة التي غرست طبيعيا فينا؟

          إذا قلنا إنها ليست عطية من الله فلابد إذاً أن نتعرض للخوف من افتراضنا إننا اكتشفنا بعض الإجابة على نداء الرسول التوبيخي: “لأنه من يميزك وأي شيء لم تأخذه. وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟ (1كو7:4) وحتى مثل هذه الإجابة: “انظر أن لدينا الإرادة أن نصدق الذي لم نأخذه انظر في أي شيء تفتخر حتى فيما لم نأخذ!

          ومع ذلك سيكون سخيفا لو قلنا أن هذا النوع من الإرادة لا يعتبر شيئا بجانب عطية الله كي لا يستطيع الغير المؤمنين والفجار أن يجدوا بعض العذر لعدم إيمانهم في حالة رفض الله إعطائهم هذه الإرادة والآن هذا الذي يقوله الرسول:

“لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” (في13:2) يخص تلك النعمة التي يحميها الإيمان لكي تكون الأعمال الصالحة في مقدرة الإنسان حتى الأعمال الصالحة التي يتممها الإيمان بالمحبة التي تنسكب في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا إذا آمنا إنه يمكننا أن ننال هذه النعمة (وطبعا نؤمن اختياريا) حينئذ يظهر السؤال. من أين نحصل على هذه الإرادة؟ إذا كانت من الطبيعة فلماذا لا تكون تحت أمر كل إنسان لأن الله هو وحده خلق كل الناس؟

          وإذا كانت من عطية الله, فلماذا إذاً لم تتح (تمنح) هذه العطية للجميع لأن: “الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون”؟ “(1تي4:2).

 

 (الفصل 58): إرادة الإنسان الحرة هي قوة متوسطة

 

          دعنا أول كل شيء نطرح هذا الاقتراح ونرى هل يكفي الموضوع الذي هو أمامنا: الإرادة الحرة التي هي طبيعيا أعطاها الله لعقلنا السديد في مثل هذه القوة المتوسطة مثل استطاعتها أما أن تميل ناحية الإيمان أو تتحول إلى عدم الإيمان ونتيجة لذلك فلا يمكن أن يقال أن الإنسان له تلك الإرادة التي بها يؤمن بالله دون أن يأخذها لأن هذا صور في نداء الله بعيدا عن الإرادة الحرة الذي يأخذها الإنسان طبيعيا عندما خلق.

لأن الله بدون شك يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تي4:2) ولكن مع ذلك لا ينتزع منهم الإرادة المطلقة لأن الاستعمال الصالح أو السيئ لما يستطيعون عمله لابد أن يقدر على أساس من البر وتكون هذه هي حالة من لا يؤمنون الذين يفعلون ضد إرادة الله عندما لا يؤمنون بإنجيله ومع ذلك لا يخضعون لإرادة ولكن يسلبون أنفسهم من الصلاح العظيم بل الأعظم ويومتون أنفسهم في استحقاقات العقاب وبالخبرة مقضي عليهم بسلطان الله في العقاب الذين استهانوا برحمته في عطاياه.

          وهكذا فإن إرادة الله لا تقهر على الأبد ولكن تقهر إذا لم تدبر ماذا تفعل مع مثل هؤلاء الذين يستهينون بها أو إذا استطاع هؤلاء المستهينون بأي طريقة الهروب من العقاب الذي رسمه الله لمثل هؤلاء وعلى سبيل المثال. افترض أن سيدا جاء يقول لخدامه أريدكم أن تعملوا في كرمي. وبعد إتمام العمل ستعيدون وتأخذون الراحة.

ولكن الذي في نفس الوقت يستدعى آخر رفض أن يعمل في المعصرة على الدوام. من الواضح أن الذي أهمل مثل هذا الأمر سيتصرف عكس (ضد) إرادة السيد, ولكنه سيفعل أكثر من ذلك ويقهر تلك الإرادة إذا هرب من المعصرة.

ومع ذلك فإن هذا لا يمكن أن يحدث تحت تدبير الله لذلك كتب “الكلمة كان عند الله” وهذا لا ينقض بالرغم من أن العبارة يمكن أن تشير إلى “كلمة الله الواحدة” (يو1:1) وحينئذ يضيف ما نطقه الله والذي لا ينقض قائلا: “مرة واحدة تكلم الرب وهاتين الاثنتين سمعت أن العزة لله ولك يارب الرحمة لأنك تجازي الإنسان كعمله” (مز12,11:62).

          وبناءاً على ذلك سيكون مذنبا عند دينونة الله تحت سلطانه, من يفكر بازدراء لرحمة الله لكي يؤمن به. ولكن كل من يثق في الله ويخضع له لأجل غفران كل خطاياه, لأجل شفاء كل فساده, لأجل تحسين وإضاءة نفسه بحرارة الله ونوره سينال أعمالا صالحة بنعمته وبهذه الأعمال (Exquilus) سوف يكون متخلصا من فساد الموت حتى في جسده, راضيا بالبركات ليس وقتيا بل أبدياً. أكثر مما يطلب أو يدرك.

الروح والحرف 10 للقديس أغسطينوس – ترجمة راهب من الكنيسة القبطية

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !