آبائياتأبحاث

التبني للآب عند القديس أثناسيوس الرسولى اعداد د. وهيب قزمان

التبني للآب عند القديس أثناسيوس الرسولى اعداد د. وهيب قزمان

التبني للآب عند القديس أثناسيوس الرسولى اعداد د. وهيب قزمان

التبني للآب عند القديس أثناسيوس الرسولى اعداد د./ وهيب قزمان
التبني للآب عند القديس أثناسيوس الرسولى اعداد د./ وهيب قزمان

التبني للآب عند القديس أثناسيوس الرسولى اعداد د./ وهيب قزمان

 

مقدمة:

التبني عقيدة أساسية محبوبة للغاية عند القديس أثناسيوس ، وهى حصيلة وثمرة أساسية للاتحاد بالله عن طريق المعمودية ، التى بها نصير أبناء الله بالتبني:

[ لأن الله أمرنا أن نعتمد ” بأسم الآب والابن والروح القدس ” لأنه بهذا… نصير فى الحال أبناء الله ، مع كوننا من خليقته ] (ضد الأريوسيين 34:1).

وهذا التبني لله فى المعمودية هو برهان وثمرة مباشرة للاهوت المسيح ومساواته بالآب ، وأيضًا برهان لقيامته من الأموات التى أكملها فى جسم بشريته لحسابنا.

فالإيمان عند القديس أثناسيوس كلٌ واحد لايتجزأ: التجسد ، ولاهوت المسيح ، واتحاد الإنسان بالله (أى تأليه الإنسان وتبنى الله له). وهذا الإلهام فى الحقيقة لم يجارِه فيه أى أب من الآباء ولاأى لاهوتى من بدء الكنيسة حتى اليوم ، والخلاصة فإن هذا كان إيمان القديس أثناسيوس الذى يعيشه فى المسيح ، ومضمون خلاصه الذى كان يُبشر به ويدافع عنه ضد الهراطقة.

1- أزلية محبة الله وتبنيه للبشرية بالنعمة:

تبدأ العقيدة عند القديس أثناسيوس بلاهوت المسيح ، وتنتهى عند التبني ـ أى صيرورة الناس أبناء الله الحى ـ وارثين لأبوة الله فى المسيح ابن الله!!! ولكن إرادة الله من نحو تبنى الإنسان كانت منذ البدء وقبل إنشاء العالم:

[ إن هذه النعمة كانت قد أُعدت قبل أن يخلقنا (الله) بل حتى من قبل أن يخلق العالم ] (ضد الأريوسيين 75:2).

وعقيدة التبني عند القديس أثناسيوس ليست أمرًا يكتسبه الإنسان من الخارج ، بل هى وجود وسكنى واتحاد دائم للروح القدس و” الكلمة”. سكنى الروح القدس الذى يتكلم فينا ويخبرنا بأمور المسيح ويُمجّد المسيح فينا وبنا ، وكذلك سكنى الابن “الكلمة ” فينا واتحاده بنا فبهذه السكنى وهذا الاتحاد ننال نعمة وحق البنوة ، ونخاطب الله قائلين ” ياآبانا “:

[ لأن هذا هو حب الله لبنى البشر ، أنه أراد أن يكون لهم أبًا بالنعمة، هؤلاء الذين سبق أن خلقهم ، وهذا (التبني) إنما يحدث عندما يتّقبل الناس ، وهم مجرد خليقة ، روح الابن فى قلوبهم صارخين ” ياأبا الآب ” (غلا 6:4). نعم هؤلاء عندما يقبلون ” الكلمة ” ينالون به القوة التى يصيرون بها أولاد الله. ولأنهم أصلاً مجرد خلائق ، فإنهم لايمكن أن يصيروا أبناء إلا إذا قبلوا روحه ، أى روح الابن الذى هو من جوهره… ولهذا فإن كان الكلمة قد صار جسدًا ، فذلك لكى يجعل الإنسان مؤهلاً لقبول اللاهوت ] (ضد الأريوسيين 59:2).

2- الإنسان الأول كان غير مؤهل للتبنى بسبب طبيعته:

يؤكد القديس أثناسيوس إنه كان يستحيل على الإنسان الحصول على التبني ، ليس بسبب الخطيئة فى الأساس ، ولكن بسبب أن طبيعته المخلوقة غير مؤهلة للتبنى من تلقاء ذاتها ، لأنها من تراب أو من عدم على حد قوله:

 

[ الله فى خلقه للإنسان من العدم كسائر الكائنات الأخرى بواسطة اللوغوس ، قد تراءف على الجنس البشرى بصفة خاصة. إذ وهبه نعمة أخرى أضافية ، إذ رأى ضعفه ـ بطبيعة تكوينه ـ عن أن يبقى فى حالة واحدة ].

 

صحيح أنه يتحتم أولاً أن تُرفع الخطية ـ التى أقتحمت طبيعة الإنسان ـ ويُبطل فعلها القاتل للنفس ، قبل أن يحصل الإنسان على التبني ، وترفع الخليقة من حالة العبودية والموت إلى حالة الشركة فى الطبيعة الإلهية وبلوغ حرية البنين ، وذلك فىالابن الحقيقى الوحيد الجنس:

 

[ لايوجد تبنى بدون ” الابن الحقيقى “. لأنه هو نفسه يقول ” لاأحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يُعلن له ” (لو22:10) ، وعلى ذلك فإن كل الذين يُدعون أبناء الله وآلهة (أى نالوا الاتحاد بالله) ـ بالنعمة ـ سواء فى الأرض أو فى السماء قد نالوا التبني والتأله فى ” الكلمة ” ولأن الكلمة هو الابن الحقيقى فواضح أنه مصدر كل بنوة ، لأنه ابن قبل الكل ، وأنه حقًا الابن الوحيد الجنس (مونوجنيس) وأنه إله حق من إله حق ] (ضد الأريوسيين 39:1).

 

3- التبني ثمرة التجسد الإلهى:

المسيح هو الكرمة الحقيقية الذى وُلد لكى يحول أصلنا إلى نفسه ـ أى يصبح هو أصلنا الجديد بدلاً من آدم ـ لنصير أعضاء فيه وهكذا يحملنا إلى السماء. أى أن التبني ثمرة التجسد الإلهى ، تلك الثمرة التى تتجلى فى ثلاث مراحل رئيسية: ميلاد المسيح ، وموته وقيامته ، وميلادنا من الماء والروح. فالتجسد هو الذى كشف لنا عن ذات الله الواحد الآب والابن والروح القدس ، فالأبوة هى صفة ذات الله الجوهرية بالنسبة لأبنه ، وهذه الأبوة ، فى ذات الله هى التى انتقلت إلينا بالتبني فى المسيح بواسطة التجسد الإلهى ، وما ترتب عليه من موتنا وقيامتنا مع المسيح وميلادنا فى المعمودية بأسم الآب والابن والروح القدس. أى أننا بها ارتفعنا من مستوى المخلوقات العامة إلى مستوى البنين باتحادنا بالابن ـ وخاصة فى موته وقيامته ـ تأهلنا أن نرتفع من ادراك الله كخالق بالمستوى الفكرى ، إلى ادراك الله كأب بالمستوى السرى كشركة حياة:

[ وحين وُلِدَ (الكلمة) بالجسد من مريم والدة الإله (الثيؤطوكوس) قيل عنه أنه وُلِدَ مع أنه هو (الكلمة) الذى خلق كل الأشياء ، أى الذى يمنح الآخرين أصل وجودهم. ففى الحقيقة هذا هو ميلادنا نحن الذى أخذه لنفسه ، لكى يحول أصلنا إلى نفسه ، ولهذا لم نعد بعد مجرد تراب تعيّن لنا أن نعود إلى التراب ، ولكننا صرنا متحدين ” باللوغوس ” الكلمة من السماء كالأغصان بالكرمة ، الذى سوف يأخذنا إلى السماء…

أما الموت الذى كان ميراثنا بسبب ميلادنا الأول فقد بَطُل. فميلادنا وكل ضعفات الجسد قد تحولت عنا وصارت وحُسبت على ” الكلمة”. أما نحن فقد ارتفعنا عن التراب وأُزيلت عنا لعنة الخطية بواسطته وهو الكائن فينا ومن أجلنا.

وكما كنا بالحق مخلوقين من تراب ، وفى آدم قبلنا الموت جميعًا، هكذا نحن إذ نُولد من فوق من الماء والروح فإننا فى المسيح نحيا جميعًا. فلا يعود جسدنا فيما بعد أرضيًا بل يصير إلهيًا كالكلمة (has been made Word) وذلك بسبب الكلمة الذى صار جسدًا لأجلنا ] (ضد الأريوسيين 33:3).

 

 

4- التبني بالطبيعة والتبني بالكلمة:

يتحدث القديس أثناسيوس عن نوعين من البنوة لله:

(1) بنوة بالطبيعة: تخص الكلمة ـ ابن الله الوحيد الجنس وحده.

(2) بنوة بالنـعمة: تقبلها المخلوقات من الله.

ويوضح القديس أثناسيوس أن أولئك الذين يدعون أبناء الله بالنعمة ليسوا أبناء بالطبيعة مثل اللوغوس الابن الحقيقى ـ فالأبناء بالنعمة قد نالوا نعمة كونهم أبناء بالإكتساب وهم يختلفون عمن أعطى لهم:

ونحن لسنا أبناء لله بالطبيعة ، ولكن ابن الله الذى فينا هو ابن الله بالطبيعة، وكذلك فإن الله ليس آبانا بالطبيعة ، ولكنه أبو ” الكلمة ” الذى فينا ، الذى فيه وبه نصرخ: يا أبا الآب ” (رو15:8) ، حتى إن الآب حينما ينظر أولئك الذين يرى فيهم ابنه يقول ” لقد ولدتكم ” (مز7:2) ويدعوهم أولاده…

لهذا فإننا خُلقنا أولاً كما هو مكتوب (لنصنع الإنسان…) ثم بعد ذلك ” وُلدنا “ بواسطة قبولنا نعمة الروح وقيل أننا نُولد. لهذا فإن موسى العظيم قال هذا المعنى بوضوح فى أنشودته: إذ قال (عن الله) أنه أولاً أوجدنا (أى خلقنا) وبعد ذلك ولدنا. لئلا عند سماع (الناس) لفظ (وَلد) ينسون طبيعتهم من البداية وبهذا يعرفوا أنهم مخلوقات منذ البدء ، ثم عندما يُقال أن الناس يُولدون كأبناء بالنعمة ، فإنهم مع ذلك يجب أن يدركوا أنهم مصنوعات بالطبيعة ” (ضد الأريوسيين 59:2).

 

5- الإيمان الصحيح شرط لنوال نعمة التبني فى المعمودية:

وهناك نقطة شيقة يعرضها القديس أثناسيوس فى رده على الأريوسيين، وهى الارتباط الضرورى بين الإيمان الصحيح ونعمة البنوة التى تنتقل من خلال حميم المعمودية المقدس فى المسيح.

وحيث ينكر الأريوسيون الإيمان الصحيح بخصوص لاهوت الابن ، فإن هذا الانكار يحرمهم تمامًا من نعمة المعمودية التى هى نعمة التبني لله ، إذ أنهم لن يتحدوا مع الآب طالما ليس فيهم الابن الذاتى النابع منه بالطبيعة ، بل يظلوا مُقفرين وعراة من اللاهوت:

[ فليس من يقول ببساطة يارب هو الذى يُعطى المعمودية ، بل هو ذلك الذى مع الأسم الذى يدعوه ، عنده أيضًا إيمان مستقيم. لهذا السبب فإن المُخلص لم يأمر فقط بالعماد ، بل قال أولاً ” تلمذوا ” ثم بعد ذلك قال ” عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس ” (مت 19:28) ، لكى يأتى الإيمان المستقيم من التعليم ومع الإيمان يأتى اتمام المعمودية.

إن المعمودية التى يعطيها الهراطقة عديمة الجدوى ، وتعوزها التقوى حتى أن من يعمدونه يتلوث بإلحادهم بدل من أن يُفتدى… فإنهم لن يتحدوا مع الآب طالما ليس لهم الابن الذاتى النابع منه بالطبيعة… وحيث أن هؤلاء (المُعَمدين) التعساء خُدِعوا من هؤلاء الهراطقة فقد ظلوا عراة مُقفرين من اللاهوت] (ضد الأريوسيين 43:2).

6- التبني لله يعنى التمثل به فى فعل الخير Eupia ونقله إلى الآخرين Diakonia:

يوضح القديس أثناسيوس أن البنوة لله ، هى نعمة تُمنح من الله للبشر ، وهذه البنوة بالنعمة لاتتضمن أى تطابق فى الطبيعة مع الله ، بل تمثلاً أو (محاكاة) لله الآب وابنه اللوغوس فى فعل الخير (Eupia) ، ونقل ما وهبنا الله من خير للآخرين (Diakonia). وهذان العملان أى التشبه أو التمثل بالله فى فعل الخير (Eupia) وصنعه للآخرين (Diakonia) مرتبطان ارتباطًا وثيقًا أحدهما بالآخر ، فهما عبارة عن قبول البشر لفعل الله الخيِّر من جهة ، وتقديم ذلك العمل الإلهى الخيِّر من جهة أخرى:

[ إذ أن ابن الله الواحد الوحيد بالطبيعة والحق هو كائن بذاته ، فنحن أيضًا نصير أبناء لمن دعانا ، ليس كما هو بالحق والطبيعة بل بالنعمة… هكذا أيضًا فإننا وإن كنا عطوفين مثل الله ولكننا لانبلغ المساواة بالله. ولانصبح فاعلى خير بالحق ، لأن كوننا فاعلى خير ليس من صُنعنا نحن بل من صُنع الله ، حتى أنه يمكن لنا نحن أيضًا أن ننقل كل ما يعطيه لنا الله ذاته من نعمة الحب للآخرين (Diakonia) دون أن نميز بينهم، بل ببساطة نمتد بأعمال الخير (Eupia) إلى الجميع. لأننا بهذه الوسيلة نصير إلى حد ما متمثلين بالله ، أى نقوم بتوصيل ما يأتى إلينا من عطايا إلى الآخرين.] (ضد الأريوسيين 19:3).

 

7- نعمة التبني لله هى سلطان مُعطى للإنسان به نبلغ الكمال:

يوضح القديس أثناسيوس أنه لايكفى الحصول على نعمة التبني لله بالمعمودية فقط ، بل يجب أن نمارس الإيمان ونستثمر هذه النعمة فى حياتنا اليومية ، حتى بالممارسة العملية نصير أولاد الله بالنعمة وبالفعل معًا. إن نعمة التبني هى عطية الله المجانية للبشرية ” أما كل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله ” (يو12:1) ولهذا فإنها لاتفرض بالقوة على البشر بل تتضمن استجابتهم الحرة.

إن نعمة الله هنا هى فى الحقيقة الابن المتجسد ذاته ، الذى به يصير البشر أبناء لله بالتبني بالنعمة بواسطة شركة الروح القدس الذى هو روح الابن. كما أن استجابة البشر فى هذه الحالة تتضمن قبول الابن المتجسد كما هو وعلى ما صار عليه. أى إن الابن المتجسد هو القياس والنموذج الذى يُقتَدى به فى الحياة.

والقديس أثناسيوس يتجاسر ويستنطق ” الكلمة المتجسد ” موضحًا الكمال الذى حصلنا عليه بالتجسد والتبني ، ذلك الكمال الذى أسسه ابن الله فى جسده أولاً لحسابنا:

[ أنا حكمتك (أيها الآب) وأنت فىَّ ، ولكنى أنا فيهم بالجسد ، وبك قد أُكمِل خلاص البشرية فىَّ ، لذلك أسأل أن يكونوا واحدًا بحسب الجسد الذى فىَّ ، وبحسب الكمال الذى لهذا الجسد ، حتى إذ يتحدون بهذا الجسد ويصيرون واحدًا فيه ، يصيرون كاملين ، حتى يكونوا جميعًا جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا ، وإنسانًا كاملاً ، كإنما احملهم جميعًا فى ذاتى ، لأنه من حيث إننا نشترك فى المسيح الواحد، ونملك فى داخلنا الرب الواحد ، نصير جميعًا جسدًا واحدًا ] (ضد الأريوسيين 22:3).

ويلاحظ أن ” الكمال ” الذى يبلغه الإنسان فى المسيح هو نتيجة اتحاد المؤمنين بجسد المسيح ، الأمر الذى يعتبر احدى خصائص اللاهوت عند القديس أثناسيوس.

التبني للآب عند القديس أثناسيوس الرسولى اعداد د. وهيب قزمان

تقييم المستخدمون: 4.2 ( 1 أصوات)