آبائياتأبحاث

القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد (30 - 110م) - القمص عبد المسيح بسيط

القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد (30 – 110م) – القمص عبد المسيح بسيط

القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد
القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد

القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد (30 – 110م)

كان القديس أكليمندس الروماني (30 -110م)، أحد رفقاء القديس بولس والذي قال عنه أنه جاهد معه في نشر الإنجيل (في4 :3). كما يقول عنه القديس إيريناؤس أسقف ليون (120 – 202م)، أنه كان الأسقف الثالث لروما وخليفة رسل المسيح: ” أسس الرسل الطوباويون الكنيسة (كنيسة روما) وبنوها وسلموا الأسقفية للينوس 000 ثم خلفه اناكليتوس، وبعده صارت الأسقفية لأكليمندس والذي كان الثالث من الرسل. هذا الرجل رأى الرسل الطوباويين وتحدث معهم وكانت كرازتهم لا تزال تدوي في أذنيه وتقاليدهم ماثلة أمام عينيه. ولم يكن هو وحده في هذا لأنه كان يوجد الكثيرون الباقون من الذين تسلموا التعليم من الرسل “[1].

كما قال عنه العلامة اوريجانوس (185 – 254م) ” أكليمندس الذي رأى الرسل حقاً “[2]. وقال أوريجانوس[3] أيضاً، ويوسابيوس (حوالي 340م)[4]، وكذلك القديس جيروم سكرتير بابا روما (343 – 420م)[5]، أنه الذي قال عنه بولس الرسول: ” أكليمندس هذا هو الذي كتب عنه الرسول بولس في الرسالة إلى فيلبي: أكليمندس أَيْضًا وَبَاقِي الْعَامِلِينَ مَعِي، الَّذِينَ أَسْمَاؤُهُمْ فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ ” (في4 :3). ويضيف يوسابيوس: ” وكان أكليمندس، الذي أقيم ثالث أسقف على كنيسة روما، زميلاً لبولس في العمل ومجنداً معه كما يشهد بولس نفسه “[6].

وقال العلامة ترتليان أن الذي كرسه هو القديس بطرس نفسه[7]، وأكد ذلك ابيفانيوس أسقف سلاميس والذي قال عنه: ” أكليمندس معاصر بطرس وبولس والذي يذكره بولس في الرسالة إلى الرومان “[8]. وأيضاً: ” أكليمندس المسمى برفيق بطرس في الرحلات “[9].

وقد كتب رسالة لكنيسة كورنثوس[10] بسبب مشاكل قامت بين المسيحيين فيها حوالي

 سنة 95 أو 96م، ويرى كواستن أن إرسال هذه الرسالة من رومية إلى كورنثوس يدل على أنه كان يتبع كنيسة روما عدة كنائس أخرى[11]، وهي واحدة من أقدم الوثائق الكنسية بعد العهد الجديد، واقتبس فيها بعض آيات العهد الجديد سواء من الذاكرة أو النص المكتوب[12]. وقد أشار فيها إلى تسليم الرب يسوع المسيح الإنجيل للرسل ومنحهم السلطان الرسولي فقال ” تسلّم الرسل الإنجيل من الرب يسوع المسيح، وأُرسل المسيح من الله. إذن المسيح من الله، والرسل من المسيح، وفي كليهما تتمّان إرادة الله بترتيب منظم. وقد تسلّم الرسل طقسهم واقتنوا الأمان الكامل بقيامة ربّنا يسوع المسيح، وتثبّتوا في كلمة الله بكل تأكيدات الروح القدس، فخرجوا يكرزون باقتراب ملكوت الله. وإذ نادوا في المدن والقرى رسموا بالروح القدس بكور عملهم أساقفة وشمامسة على الذين يؤمنون فيما بعد “[13].

وقد كتب لنا عن جهاد واستشهاد القديس بطرس: ” بسبب الغيرة الشرّيرة احتمل بطرس الآلام ليس مرّة واحدة ولا مرّتين بل مرارًا، وأخيرًا إذ استشهد (حمل شهادة) رحل إلى موضع المجد المعيّن ” (5 :4)، ويقول عن القديس بولس: ” استطاع بولس بسبب الغيرة والحسد أن يقتني جعالة (في٣: ١٤) الاحتمال بصبر. فقد أُلقي في السجن سبع مرات[14]، ونفي[15]، ورجم. وبعد ما كرز في الشرق والغرب[16] ربح بإيمانه صيتًا حسنًا. علَّم العالم كلّه البرّ، حتى بلغ إلى حدود الغرب، وأخيرًا حمل شهادة أمام الحكام[17]، وهكذا انطلق إلى الموضع المقدّس مقدّما نفسه مثالاً للصبر ” (5 :5-7).

كما عبر فيها عن سلطان تعليم الرب يسوع المسيح وسيادته في الكنيسة الأولى[18]والذي كان بالنسبة له وللكنيسة الأولى سفر مقدس وكلمة الله النازلة من السماء[19]: ” لذلك فلنتواضع أيّها الاخوة، طارحين جانبًا كل عجرفة وكبرياء وحماقة وغضب، ولنعمل بما كُتب (إذ يقول الروح القدس[20]: لا يفتخرن الحكيم بحكمته، ولا يفتخر الجبّار بجبروته، ولا يفتخر الغني بغناه، وأمّا من يفتخر بالرب، يطلبه باجتهاد صانعًا حكمًا وبرًا). لنذكر على وجه الخصوص كلمات الرب يسوع التي نطق بها معلّمًا إيّانا الوداعة وطول الأناة، قائلاً هكذا[21]: ارحموا تُرحموا، اغفروا يُغفر لكم، كما تفعلون بالناس يُصنع بكم، وكما تدينون تدانون، وما تظهرونه من حنو تنالونه حنوًا، بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم. لنثبّت في هذه الوصيّة وتلك الأحكام، حتى نسلك بكل تواضع في طاعة كلماته المقدّسة، إذ تقول الكلمة المقدّسة[22]: إلى من انظر ألاّ إلى الرجل الوديع الهادئ الذي يرتجف أمام كلماتي؟! “[23].

كما أشار إلى ما جاء في الأناجيل الثلاثة الأولى وأقتبس منها على أساس أنها أقوال الرب يسوع المسيح، وكلمة الله التي يجب أن تطاع فقال: ” لماذا نمزّق ونقطع أعضاء المسيح ونثور ضدّ جنسنا، ويستولي علينا جنون مطبق كهذا فننسى إنّنا أعضاء بعضنا البعض؟ أذكروا كلام ربّنا يسوع المسيح. تذكروا أقوال الرب يسوع كيف قال: ويل لذلك الإنسان (الذي به تأتى العثرات) كان خير له أن لا يولد من أن يكون حجر عثرة أمام مختاري، كان خيراً أن يعلق (في عنقه) حجر رحى ويغرق في أعماق البحر من أن يعثر أحد مختاري[24] “[25].

كما اقتبس من متى ومرقس قوله: ” ويل لذلك الإنسان! كان خير لو إنّه لم يولد عن أن يعثر أحد مختاريّ. نعم خير له لو طُوق بحجر رحى وأُلقى في لجّة البحر من أن يعثر أحد صغاري “[26].

واقتبس معظم ما جاء في الإصحاح الأول من الرسالة إلى العبرانيين: ” الذي هو بهاء مجده، صار أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث أسما أفضل منهم. فقد كتب: الصانع ملائكته أرواحًا، وخدّامه لهيب نار “. ويقول الرب عن ابنه ” أنت ابني وأنا اليوم ولدتك، اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا وأقاصي الأرض ملكًا لك “، ويقول له أيضًا: ” اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت قدميّك “[27]. وكذلك قوله: ” فلنتشبّه أيضًا بأولئك الذين: طافوا في جلود غنم وجلود معز ” (عب11 :37)[28]. ويأخذ نص قوله: ” لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ ” كما هو حرفياً(عب12 :6)[29].

واستشهد أيضاً برسائل القديس بولس الأخرى؛ رومية في ف 35، و1 كورنثوس في ف47، وأفسس في ف 46، و1 تيموثاؤس في ف 7، وتيطس في ف 2[30]، واقتبس من أعمال الرسل ورسالة يعقوب ورسالة بطرس الأولى، كما يدل ما كتبه على معرفة واضحة بالإنجيل للقديس يوحنا.

ثم يؤكد لنا بصورة مطلقة إيمان الكنيسة بوحي كل أسفار العهد الجديد فيقول عن رسالة القديس بولس الرسول التي أُرسلت إليهم من قبل ” انظروا إلى رسالة بولس الطوباوى. ماذا كتب لكم في بداية الكرازة بالإنجيل؟ في الواقع كتب لكم بوحي من الروح القدس رسالة تتعلق به وبكيفا (أي بطرس) وأبولوس “[31].

وهنا يشهد هذا الرجل تلميذ الرسل، في رسالته القصيرة للإنجيل وللرسائل وأن القديس بولس كان يكتب رسائله بوحي الروح القدس، كما تكلم عن التسليم المباشر من المسيح للتلاميذ ومنهم لخلفائهم. بل، كما يقول ويستكوت: ” أنه وضع (التعاليم المسيحية) كلها جنباً إلى جنب, وهي تشهد للوزن المستقل لأجزاء القانون “[32].

 إقرأ أيضاً:

[1] Ag. Haer.b.3:3.3.

[2] Origen De Principiis iii .6.

[3] Comm. 6 :36.

[4] ” وفي السنة الثالثة عشرة من حكم نفس الإمبراطور (فاسبسيان الذي حكم من أول يولية سنة 69م إلى 24 يونية سنة 79م) تولى أكليمندس أسقف كنيسة روما خلفاً لأنتيلكتس الذي ظل فيها اثنتي عشرة سنة . ويخبرنا الرسول بولس في رسالته إلى أهل فيلبي أن أكليمندس هذا كان عاملاً معه (في3:4) “. يوسابيوس ك 3 ف 15 .

[5] مشاهير الرجال ص 37.

[6] يوسابيوس ك 3 ف 4 :10.

[7] Johannes Quasten, Vol. 1. P. 42.

[8] The Panarion of Epiphanius of Salamis, B. 1m sec. 6.1.

[9] Ibid. 15.1.

[10] وُجدت الرسالة في عدد من المخطوطات؛ المخطوطة الإسكندرية (450م)، ينقصها (57 :7-63 :4)، ومخطوطة الترجمة اللاتينية للرسالة وترجع للقرن الثاني أو الثالث، ومخطوطتين في الترجمة القبطية ترجع الأولى للقرن الرابع والثانية للقرن السابع، مخطوطة سريانية ترجع لما بين 1169 – 70م، ومخطوطة Hierosolymitanus (1056).

Holmes, M. W. The Apostolic Fathers : Greek texts and English translations p.26.

[11] Quasten, Vol. 1. P. 42.

[12] Bruce M. Metzger The Canon Of The New Testament Its Origin, Development, and Significance p.41.

[13] أكليمندس42 :1 – 4.

[14] لم يرد ذلك في سفر أعمال الرسل ولا غيره من بقية رسائل العهد الجديد.

[15] يترجمها البعض “هرب” ربّما قصد بها هروبه من دمشق (٢كو١١: ٢٢) أو من أورشليم إلى طرسوس (أع٩: ٣٠).

[16] أي في آسيا وأوروبا.

[17] رأى البعض أنه يقصد تيجيلينوس وسابتون في السنة الأخيرة من حكم نيرون، وآخرون هيلوس وبولبيكيتوس، وآخرون رأوا أنها عبارة عامة لا يقصد بها أشخاصاً معيّنين.

[18] Lee Martin McDonald The Biblical Canon Its Origin Transmission and Authority p.271.

[19] Ibid. 273.

[20] إر٩ :٢٣، ٢٤؛ ٢كو١٠ :٧.

[21] مت٥ : ٧؛ ٦ :٢٤؛ ٧ :١؛ ٣ :١٢؛ لو٦ :٣١، ٣٦ – ٣٨.

[22] إش٦٦ : ٣.

[23] أكليمندس ف 13 :1-3.

[24] أكليمندس ف 46 :7، 8.

[25] قارن مع مت٢٦: ٢٤؛ ١٨: ٦؛ مر٩: ٤٢؛ لو١٧: ٢. 

[26] أكليمندس ف 46: 8 مع مر9 :42؛ لو17 :1 و2.

[27] أكليمندس ف 36.

[28] أكليمندس ف 17 :1.

[29] أكليمندس ف 56 :4.

[30] Westcott, P. 49.

[31] أكليمندس ف 47 :1-3.

[32] Brooke Foss Westcott, A General Survey Of The History Of The Canon Of The New Testament. Vol. 1. P.28.

القديس أكليمندس الروماني وقانونية العهد الجديد (30 – 110م) – القمص عبد المسيح بسيط

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !