آبائياتأبحاث

بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد
بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد

بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد

  يقول عنه القديس إيريناؤس أنه كان تلميذاً (سامعاً) للقديس يوحنا ورفيقاً للقديس بوليكاربوس، وأنه ألف خمسة كتب[1]، كما يقول عنه القديس جيروم ” بابياس تلميذ يوحنا وهو أسقف هيرابوليس، كتب خمس مجلدات فقط في تفاسير أقوال الرب (of the Lord (lo`gia` ta) Exposition of Oracles)، يقول في مقدمته أنه لم يبتدع تعاليم مختلفة لكنه تسلم من الرسل أنفسهم “[2]. وكان أسقفاً لهيرابوليس فريجية بآسيا الصغرى، هذه الكنيسة التي تأسست بجهود ابفراس رفيق القديس بولس والعامل معه: ” يسلم عليكم ابفراس الذي هو منكم عبد للمسيح مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله. فاني اشهد فيه أن له غيرة كثيرة لأجلكم ولأجل الذين في لاودكية والذين في هيرابوليس ” (كو4 :12و13).

  وكان بابياس شغوفا بمعرفة التقليد الحي أو الصوت الحي للرب يسوع المسيح المنقول مباشرة عن طريق تلاميذه ومساعديهم. وقد جمع بابياس التقاليد الشفوية عن أفواه الرسل ووضع كتاباً من خمس مقالات في تفسير كلام الرب.

وكان يهتم بكلام الرسل الحي المنقول عنهم بنفس درجة الكلام المكتوب، ، يقول عنه يوسابيوس القيصري نقلا عن إيريناؤس[3]: ” هو أحد الأقدمين، أستمع ليوحنا، وكان زميلا لبوليكاربوس … لأنه كتب خمسة كتب “، ويضيف يوسابيوس: ” أما بابياس نفسه، فأنه في مقدمة أبحاثة لا يصرح بأي حال من الأحوال أنه كان مستمعاً للرسل المباركين، ولكنه بين في كلماته أنه تلقى تعاليم الإيمان من أصدقائهم فيقول: ” ولكنني لا أتردد أيضا أن أضع أمامكم مع تفسيري كل ما تعلمته بحرص من الشيوخ (تلاميذ الرسل)، وكل ما أتذكره بحرص ضامنا صحته، لأني لم التذ – كما الكثيرين – بمن يقدمون وصايا غريبة، بل بمن يقدمون وصايا الرب للإيمان الصادر عن الحق نفسه.

وكلما أتى أحد ممن كان يتبع المشايخ سألته عن أقوالهم، عما قاله اندراوس أو بطرس، عما قاله فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو متى، أو أي أحد آخر من تلاميذ الرب أو عما قاله أريستون أو القس يوحنا أو تلاميذ الرب. لأنني لا أعتقد أن ما تحصل عليه من الكتب يفيدني بقدر ما يصل إلى من الصوت الحي من الصوت الحي الدائم “[4].

  كما يؤكد يوسابيوس أنه، بابياس، استمع لبنات فيلبس الرسول الذي سكن في هيرابوليس مع بناته، فيقول: ” ولكن يجب هنا ملاحظة أن بابياس معاصرهم قال بأنه سمع قصة عجيبة من بنات فيلبس، لأنه يقول أن واحد قام من الأموات في عصره. ويروي رواية عجيبة عن  برسابا الملقب يوستس (أع1 :23) إنه شرب سما مميتا ولكنه بنعمة الرب لم يؤذى “[5].

  وهذا يوضح لنا انه عندما كتب مجلداته الخمسة في أقوال الرب لم يعتمد فقط على الوثائق المكتوبة بل على التسليم، التقليد، الشفوي أيضا الذي أخذه عن مساعدي تلاميذ المسيح، كما يؤكد لنا هنا أيضاً وجود الإنجيل الشفوي، من خلال تلاميذ الرسل ومن استمعوا إليهم وحفظوا ما تسلموه منهم مع الإنجيل المكتوب جنباً إلى جنب  مما يؤكد استحالة التفكير في مجرد تغيير أو تعديل حرف واحد في كلمة الله المكتوبة، أو في العقيدة التي تسلمها آباء الكنيسة من الرسل.

  كما قال عن الإنجيل للقديس متى: ” وهكذا كتب متى الأقوال الإلهية (lo`gia` ta – Logia) باللغة العبرية (اللهجة الآرامية) وفسرها كل واحد على قدر استطاعته “[6]. ويبدو أنه قصد من قوله باللغة العبرية، إما العبرية نفسها أو اللهجة الآرامية. ويقول عالم النقد الكتابي بروس متزجر: ” هذه الرواية المبهمة تشير إلى أنه من المفترض بصفة عامة أنه يشير إلى أحد المصادر المعروفة لنا اليوم بالإنجيل الذي بحسب متى، وقد يتضمن ذلك جمع أقوال المسيح المنسوبة لمتى بحسب خبرته السابقة كجامع ضرائب مما يؤكد لنا انه كان قادرا على مثل هذه الكتابة “. ويضيف: ” الإشارة إلى تدوين متى باللهجة العبرية تعني بشكل عادي لغة سامية أما العبرية ذاتها أو اللهجة الآرامية “[7].

  وقال عن الإنجيل للقديس مرقس ” إن مرقس إذ كان هو اللسان الناطق (المتحدث) لبطرس كتب بدقة، ولو من غير ترتيب كل ما تذكره عما قاله المسيح أو فعله، لأنه لا سمع الرب ولا اتبعه ولكنه فيما بعد – كما قلت – اتبع بطرس الذي جعل تعاليمه مطابقة لاحتياجات سامعيه، دون أن يجعل أحاديث الرب مرتبطة ببعضها، ولذلك لم يرتكب أي خطأ إذ كتب – على هذا الوجه – ما تذكره. لأنه كان يحرص على أمر واحد؛ أن لا يحذف شيئاً مما سمعه، وأن لا يقرر أي شيء خطأ  “[8].

  ولكن العلماء لا يتفقون مع بعض مما قاله هنا عن القديس مرقس من جهة قوله أنه لا سمع الرب ولا تبعه، لأن القديس مرقس، بحسب أغلبية العلماء كان هو الشاب الذي تبع المسيح في البستان وقت القبض عليه وهرب عارياً: ” وتبعه شاب لابسا أزارا على عريه فامسكه الشبان. فترك الازار وهرب منهم عريانا ” (مر14 :51و52). لأنه الوحيد الذي ذكر هذه الحادثة.

كما كان منزل والدته، مريم أم يوحنا الملقب مرقس، تلميذة المسيح، في أورشليم، هو مقر الكنيسة الأولى والذي كان يجتمع فيه التلاميذ: ” بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلّون” (أع12 :12)، وابن أخت برنابا ” ومرقس ابن أخت برنابا ” (كو4 :10). وقد خدم مع كل من القديسين بولس وبرنابا: ” ورجع برنابا وشاول من أورشليم بعد ما كمّلا الخدمة وأخذا معهما يوحنا الملقب مرقس ” (أع12 :25)، وبعد ذلك فارقهما في بمفيلية (أع13 :13)، وكرز مع القديس برنابا في قبرس بعد أن انفصلا عن القديس بولس: ” وبرنابا اخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرس ” (أع15 :39). ثم عاد القديس بولس وطلبه ليخدم معه: ” لوقا وحده معي.

خذ مرقس واحضره معك لأنه نافع لي للخدمة ” (2تي4 :11). وكان من الخدام العاملين معه: ” ومرقس وارسترخس وديماس ولوقا العاملون معي ” (فل1 :24)، وأوصى أهل كولوسي أن يقبلوه: ” يسلم عليكم ارسترخس المأسور معي ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا. أن أتى إليكم فاقبلوه ” (4 :10). كما كان يعمل مع القديس بطرس الذي وصفه بابنه: ” تسلم عليكم التي في بابل المختارة معكم ومرقس ابني ” (1بط5 :13). هذا التاريخ الطويل للقديس مرقس في الخدمة وكونه أحد الذين شاهدوا المسيح وكان بيت والدته مقرا للكنيسة الأولى يؤكد أن ما قاله عنه بابياس لا يوفيه حقه وكونه ناظر الإله الإنجيلي كما تسميه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

  ويضيف يوسابيوس أيضا عن بابياس: ” ويستقي نفس الكاتب (أي بابياس) بعض الشهادات من رسالة يوحنا الأولى ورسالة بطرس أيضاً “[9].

  ويضيف عالم النقد الكتابي بروس متزجر قائلاً: ” توجد أدلة أخرى مبعثرة ومحفوظة عن طريق يوسابيوس وجيروم وفيليب أسقف صيدا وأيضا آباء كثيرين متأخرين تؤكد أن بابياس كان يعرف الإنجيل الرابع ورسالة بطرس الأولى ورسالة يوحنا الأولى وسفر الرؤيا “[10]. وعلى الرغم من أنه لم يذكر شيئاً عن رسائل بولس أو الإنجيل للقديس لوقا فهذا لا يعني أن لا يعرفهم، لأن كتاباته مفقودة ولا نعرف كل ما جاء بها، كما أن طبيعة مجلداته الخمسة في أقوال الرب ركزت على ما جاء في الإنجيل للقديس متى وتفسيره لها، وهذا ما كان في بؤرة اهتمامه.

 إقرأ أيضاً:

 

 

[1] Ag. Her. V.33,4.

[2] مشاهير الرجال ف 18 .

[3] يوسابيوس ك3:39.

[4] آباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى أسد رستم ص 42 . 

[5] يوسابيوس ك ف 39 : 9.

[6] يوسابيوس ك3 ف 39: 16 .

[7] B M Metzger, 54.

[8] يوسابيوس ك 3 ف 15:39.

[9] يوسابيوس ف 3 :39 ،16.

[10] B M Metzger, 54.

بابياس أسقف هيرابوليس وقانونية العهد الجديد – القمص عبد المسيح بسيط

تقييم المستخدمون: 4.45 ( 1 أصوات)