أبحاث

المسيح القيامة والحياة – دكتور نصحي عبد الشهيد

المسيح القيامة والحياة – دكتور نصحي عبد الشهيد

المسيح القيامة والحياة - دكتور نصحي عبد الشهيد
المسيح القيامة والحياة – دكتور نصحي عبد الشهيد

المسيح القيامة والحياة – دكتور نصحي عبد الشهيد

1ـ إنجيل قداس سبت لعازر : يُقرأ إنجيل يوحنا (1:11ـ45).

هذا الفصل من الإنجيل يتحدث عن مرض لعازر وعن موته، ثم عن إقامة الرب يسوع له بعد أربعة أيام.

نلاحظ فى هذا الفصل أن يسوع هو أول من تحدث عن الموت على أنه نوم عندما قال للتلاميذ ” لعازر حبيبنا قد نام لكنى أذهب لأوقظه. فظن التلاميذ أنه نوم عادى بمعنى نوم المرض، ولكن يسوع كان يتحدث عن موته” (يو11:11ـ14).

          وفى الحوار الذى جرى بين مرثا أخت لعازر وبين الرب يسوع قال لها يسوع سيقوم أخوكِ. فظنت مرثا أنه يقصد القيامة فى اليوم الأخير، لذلك قالت له : ” أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير” (يو23:11ـ24). لذلك أعلن يسوع في هذه المناسبة أنه هو القيامة والحياة , أي أن قوة القيامة ـ التي سيقوم بها الأموات في اليوم الأخير ـ نابعة منة هو لأنه هو القيامة . فالأموات لا يستطيعون أن يقوموا من أنفسهم , بل يقيمهم من له سلطان القيامة , أو بالحرى من هو القيامة ذاتها .

          وبعد ذلك قال يسوع جملتين في غاية الأهمية . الجملة الأولي ” من أمن بي ولو مات فسيحيا” (يو25:11). وهذه الجملة تعني أن لعازر آمن بالمسيح قبل أن يموت والآن سيحيه المسيح أي سيحي جسده بعد أن مات . كما أنها تعني أن كل من يؤمن بالمسيح فبعد أن يموت بالجسد فإن جسده سيقوم في القيامة . ولكن لو أراد المسيح أن يقيمه في وقت قبل القيامة فإنه يستطيع أن يقيمه كما حدث مع لعازر, مع أبنه يايرس رئيس المجمع, وابن أرملة نايين وغيرها.

          أما الجملة الثانية وهي ” وكل من كان حياً وأمن بي فلن يموت إلى الأبد ” (يو26:11). وهذه الجملة تعني أن كل من ينال حياة من المسيح في داخله أي حياة أبدية للنفس، فهذه النفس التي نالت حياة من المسيح بالإيمان به لن تموت إلي الأبد .وهذه هي الحياة الأبدية التي تبدأ من الآن والمؤمن لا يزال موجودا ًفي الجسد. وهذه الحياة التي ينالها المؤمن الآن، قال عنها الرب في (يو25:5). ” الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت أبن الله والسامعون يحيون” ويسمعون صوت أبن الله أي يؤمنون به فينالون الحياة التي لا موت فيها .

وبهذا نستطيع أن نقول أن المسيح يُحيّ النفس من الداخل لأنه هو القيامة والحياة ,كما أنه يقيم أجساد من يؤمنون به في الميعاد الذى يحدده هو.

          وبهذا السلطان نادي يسوع علي لعازر بعد أن أنتن وصرخ بصوت عظيم ” لعازر هلم خارجاً ” فقام في الحال.., فقال لهم يسوع ” حِلوه ودعوه يذهب

2ـ إنجيل قداس سبت الفرح : يقرأ إنجيل متي (1:28ـ20)

          يحدثنا البشير متي عما حدث في فجر الأحد الذي بعد السبت ويذكر أن زلزلة عظيمة حدثت عند القبر لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن باب القبر وجلس عليه . وواضح من سياق الحديث في هذا الفصل أن المسيح قام قبل أن ينزل الملاك ويدحرج الحجر. لأن الملاك يقول للمرأتين : مريم المجدلية ومريم الأخرى : ” لا تخافا أنتما فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب ليس هو هاهنا لأنه قام كما قال“. وكأن الملاك يؤكد أني دحرجت الحجر لأكشف لكما أن المسيح قد قام قبل أن أدحرجه. ودعاهم الملاك أن يأتوا لينظروا الموضع الذي كان الرب مضجعاً فيه. وأوصاهم أن يذهبوا سريعاً ويقولوا لتلاميذه أنه قد قام من الأموات .

          أما المرأتين فخرجنا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم لتخبرا تلاميذه .والخوف الممزوج بالفرح العظيم هذا ناتج عن رهبة ظهور الملاك مع الفرح بخبر قيامة يسوع. ويخبرنا الإنجيل بعد ذلك، أن الرب يسوع لاقاهما في الطريق وأعطاهما السلام ” وامسكتا بقدميه وسجدنا له. وقال لهما يسوع لا تخافا “.

          يظهر في هذا الفصل أن يسوع هو القيامة والحياة بطريقة عجيبة تفوق العقل لأنه قام بقوة لاهوتية وخرج من القبر بجسده الحي والقبر مغلق. وهذا هو سر القيامة. والمسيح الحي  بظهوره يعطي الفرح والسلام للذين يحبونه . ويطمئن المؤمنين ” لا تخافوا ” وفي نهاية الفصل يخبرنا البشير متي عن ظهور يسوع للأحد عشر في الجليل علي الجبل . وذهابه إلي الجليل طبعا ًكان بعد فترة ظهوراته في أورشليم التي حدثت منذ يوم القيامة ولأسبوع علي الأقل بعدها.. وفي ختام الفصل حدّث يسوع التلاميذ: بأن كل سلطان في السماء والأرض  قد دفع إليه وأوصاهم أن يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم ويعمدوهم… وهذا يعني أن السلطان بأمر تلاميذه بالكرازة يتبع من القيامة. والإيمان بالمسيح الحي يعطي حياة أبدية لمن يؤمن كما ورد في مواضع عدة من الإنجيل .

 

3 ـ أحد القيامة: باكر : مرقس (2:16ـ11)

          وهذا يَرِد فيه نفس الخبر عن رؤية المريمات للملاك بعد دحرجتة الحجر . ولكن يضيف علي ما ورد في إنجيل معلمنا متي أن يسوع بعدما قام باكرا ًفي أول الأسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية وفي هذا يتفق معلمنا مرقس مع يوحنا البشير في رواية ظهورات المسيح بعد القيامة .

4 ـ إنجيل قداس أحد القيامة : يوحنا (1:20ـ18)

          يتحدث هذا الفصل عن مجيء مريم المجدلية إلي القبر باكرا ًوالظلام باق. فلما وجدت الحجر مرفوعاً عن القبر ركضت وجاءت إلي سمعان بطرس وإلي التلميذ الأخر (يوحنا) وأخبرتهما بأن الرب غير موجود في القبر .فلما جاء بطرس ويوحنا إلي القبر وأنحني ونظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل ثم جاء سمعان بطرس ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان علي رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفا ًفي موضع رجله وبعد ذلك دخل يوحنا الذي كان قد دخل أيضاً ورأي فأمن . وكل هذا الوصف التفصيلي يعطيه معلمنا يوحنا لوضع الأكفان والمنديل لكي يبين أن المسيح الرب قام بقوته الذاتية ولم يقمه أحد من الناس لأن الأكفان موضوعة أي مثل قالب مجوف فارغ. فقد كانت هذه الأكفان ملفوفة حول جسم يسوع وحول رجليه ممزوجة بالأطياب فصنعت قالباً حول جسم المسيح . وما رآه يوحنا استدل منه علي أن يسوع انسحب من الأكفان من عند الرأس وظلت الأكفان موضوعة مكانها. أما المنديل الذي كان علي الرأس فلم يكن مع الأكفان وهذا يدل علي أن لما خرج بحركة واحدة سقط المنديل في موضع رجله. ويوحنا آمن نتيجة هذه الملاحظة علي شكل الأكفان . وفي هذا يقول القديس كيرلس ” رغم أنهما لم يتقابلا بعد مع المسيح قائماً من الأموات إلا أنهما استدل من وضع اللفائف والكتان أنه تسلل وقام من بينها وأنه مزق رباطات الموت “.

(شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس إصحاح 20 عدد 8)

          ومن هنا تظهر قوة المسيح الذي هو القيامة والحياة في إقامة جسده من الموت وخروجه من وسط الأكفان ثم خروجه من القبر وهو مغلق دون أن يرفع الحجر وهذا سر قيامة المسيح.

ونجد المسيح في القيامة يستطيع أن ينفذ في الأجسام المادية دون أن يكسرها أو تؤذيه، ولكن بسر فائق هو يجوز فيها أو يدخل ويخرج كما سنري في الأحد الأول من الخماسين.

وبعد ذلك يُخبرنا الإنجيل عن مريم المجدلية وحديثها مع الملائكة عند القبر وكيف أنها نظرت يسوع واقفاٌ خلفها عندما التفتت إلى الوراء ولم تعلم أنه يسوع. ولما كلمها يسوع وقال لها من تطلبين ظنت أنه البستاني ولم تعرف يسوع إلا عندما ناداها بإسمها وقال لها “يا مريم ” ويقول القديس كيرلس ” لماذا لم تعرفه مريم المجدلية  يقول ربما يكون الرب أخفي نفسه عنها ولم يسمح لها أن تتعرف عليه بسهولة ” ويمكننا أن نلمح هنا في ظهور المسيح لمريم المجدلية أن المسيح بعد القيامة لا يُعرف بالحواس الطبيعية، مثلما كان قبل القيامة ولكن يحتاج الأمر أن يعلن المسيح نفسه لكي يعرفه الشخص. وهذا ما حدث مع مريم المجدلية التى لم تعرفه إلا عندما ناداها باسمها. ونفس الأمر حدث مع تلميذي عمواس فلم يعرفا يسوع طوال رحلة السفر ويقول إنجيل لوقا 24 ” أُمسكت أعينهما عن معرفته” (لو16:24) وأنهما لم يعرفاه إلاّ بعد أن اتكأ معهما وبارك الخبز وكسر وناولهما. (لو 30:24ـ31).

          وهكذا يمكننا أن نري أن المسيح الذى هو القيامة والحياة، هو في حالة تفوق حالة العالم الطبيعي، أى عالم الحواس. ولذلك يذكر إنجيل يوحنا في إصحاح 21 أن يسوع هو الذي يُظهر نفسه بعد القيامة ” بعد هذا أظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ علي بحر طبرية ” (لو1:21).

ولما حاولت مريم المجدلية أن تلمس يسوع أو تمسكه قال لها لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلي أبي . ويرفض القديس كيرلس بشدة الرأي الذي يقول ” الرب رفض أن تلمسه المرآة حتي لا يتدنس بلمستها . ويقول إن من يعتقد هكذا يجب أن يوصف بالغباء والجنون , لأن طبيعة الله لا يمكن أن تتدنس ” ونري أن المسيح نفسه يذكر السبب في عدم لمسها له إذ يقول لأني لم أصعد بعد . وهذا يمكن أن يعني أن المسيح كان في طريقه للصعود للأب عندما قابل مريم المجدلية ولم يرد أن تعطله من إتمام عمل الفداء بالصعود للآب بعد القيامة، لكي بدخوله إلي الأقداس كرئيس كهنة يَكمُل عمل الفداء. وهو يريد أن يعطله أحد عن تكميل الخطوات المتتابعة حتي أخرها وهي الصعود. وهذا معناه أن المسيح صعد إلي الآب أكثر من مرة لأن الإنجيل يذكر لنا بوضوح فقط عن صعوده بعد أربعين يوماً من القيامة . ولا يجب أن يكون في هذا الأمر غرابة لان المسيح الحي القائم بجسده الممجد إنما ينتمي إلي السماء أكثر من انتمائه للأرض في فترة الأربعين يوماً. إن كان يظهر خلال هذه الفترة آتيًا من العالم السماوي قبل أن يستقر نهائياً في العرش بعد صعوده الأخير, وأمر مريم المجدلية أن تذهب للتلاميذ تقول لهم ” إني أصعد إلي أبي وأبيكم وألهي وألهكم “.

          يقول القديس كيرلس لا تعثر إذا سمعته يدعوا الله ” إلهي”, بل تأمل كلماته بروح مستعدة أن تقبل التعاليم وأبحث عن معانيها الحقيقية. وعندما يقول عن الله أنه آباه وإلهه فكلا اللقبين حقيقي. فإن إله هذا العالم هو الآب الخاص بالمسيح. وهو ليس أبانا بالطبيعة , بل هو إلهنا لأنه الخالق والسيد والرب . ولكن الابن نزل إلينا وأتحد بنا عندما تجسد فأعطي لطبيعتنا المقام الفريد الخاص به , ودعا الأب الذي ولد منه هو أب مشترك له ولنا. وكذلك أيضاً عندما أخذ شكلنا وطبيعتنا أصبح يدعو أباه معنا “إلهى”. هذا يعنى أنه بسبب محبته ورحمته لم يرد أن يحتقر شكلنا الذى أخذه. (شرح إنجيل يوحنا 17:20).

5 ـ إنجيل الأحد الأول من الخماسين المقدسة : (يو19:20ـ31)

فى هذا الفصل يخبرنا الإنجيل عن ظهور الرب للتلاميذ فى مساء أحد القيامة وأنه بينما كانت الأبواب مغلقة جاء يسوع ووقف فى الوسط.

          يقول القديس كيرلس ” إن المسيح بشكل معجزى فائق يظهر لهم والأبواب مغلقة لأنه بقوته الإلهية الخارقة يعمل ما يراه مناسباً. فهو يستطيع وله جسد مادى أن يدخل دون أن تفتح له الأبواب. فالإنجيلى لا يتحدث عن واحد مثلنا بل عن الجالس عن يمين الآب الذى له القدرة أن يفعل ما يشاء. ” فيقول أيضاً أن المسيح يؤكد للتلاميذ أنه هو نفسه الذى عاش معهم لأنه يكشف لهم عن جنبه الجريح ويظهر لهم آثار المسامير فى رجليه. وبهذا أعطانا البرهان الكامل أنه قام بجسده أى الهيكل الذى عُلق على الصليب. وأنه أحيا ذلك الجسد الذى لبسه وبذلك سحق الموت.

          المسيح الحى يهب السلام بقيامة بظهوره حياً ويملأ تلاميذه بالفرح “قال لهم سلام لكم”. (يو19:20). ” ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب ” (يو20:20).

ولما قال للتلاميذ ” كما أرسلنى الآب أرسلكم نفخ وقال اقبلوا الروح القدس “، ويقول القديس كيرلس عن هذا الأمر ” وهكذا اشتركوا فى الروح عندما نفخ قائلاً اقبلوا الروح القدس، ومن المستحيل أن يكذب المسيح، ومن المستحيل أن يقول اقبلوا دون أن يعطى، أما فى أيام العنصرة المقدسة فقد أعلن الله نعمته علانية وأظهر مجئ الروح القدس للكل وليس للتلاميذ فقط، ولذلك ظهر الروح القدس بشكل ألسنة نارية. ولم يكن هذا بالنسبة للتلاميذ هو بداية نعمة الروح القدس الذى سكن فى قلوبهم ولكن بداية نعمة التكلم بألسنة. وهذا يعنى بداية التكلم بألسنة وليس بداية التقديس. لأن العنصرة هى بداية عمل المواهب المتنوعة (لاسيما الألسنة المختلفة) “. (شرح إنجيل يوحنا 22:20).

ثم قال لهم : ” من غفرتم خطاياه تُغفر له ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت” يقول القديس كيرلس ” لقد دبر الرب أن الذين مُنحوا الروح القدس تصبح لهم القوة على أن يغفروا ويمسكوا الخطايا… والذين لهم روح الرب يغفرون أو يمسكون الخطايا بطريقتين :

أولاً :إنهم يدعون الناس للمعمودية الذين يستحقون المعمودية بسبب التوبة ونقاوة حياتهم بعد اختبار التصاقهم بالإيمان ينالون المغفرة. ولكن فى نفس الوقت يمنعون بل يطردون الذين لا يستحقون هذه النعمة الإلهية وهكذا يمسكون الخطايا.

ثانياً : إنهم يغفرون الخطايا أو يمسكونها عندما ينتهرون أبناء الكنيسة الذين يخطئون ويمنعون الصفح عمن لا يتوب. كما فعل بولس عندما سَلم الذى زنى فى كورنثوس لهلاك الجسد لكى تخلص الروح. (1كو5:5) وبعد هذا أعاده إلى الشركة لكى لا يُبتلع من فرط الحزن (2كو7:2) (شرح إنجيل يوحنا 23:20).

وبعد ذلك بثمانية أيام ظهر الرب للتلاميذ وتوما معهم ودعا توما ليبصر يده وبإصبعه وأن يضع يده فى جنبه وعندما قال له هذا صرخ توما قائلاً : ” ربى وإلهى” وهنا أعلن الرب يسوع أهمية الإيمان بدون رؤية ” لأنك اليوم رأيتنى يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا ” (يو29:20).

ويختم هذا الفصل بهذا التصريح كل الآيات التى صنعها أمام تلاميذه بما فيها القيامة نفسها، هدفها أن يؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله وأن الذين يؤمنون به تكون لهم حياة أبدية باسمه.