أبحاث

مدخل إلى قانونية العهد الجديد 1 – أ/ أمجد بشارة

مدخل إلى قانونية العهد الجديد 1 – أ/ أمجد بشارة

مدخل إلى قانونية العهد الجديد 1 - أ/ أمجد بشارة
مدخل إلى قانونية العهد الجديد 1 – أ/ أمجد بشارة

مدخل إلى قانونية العهد الجديد 1 – أ/ أمجد بشارة

القانونية أو “canon” من الأصل اليوناني “κανών ” وتعني عصا أو شئ مُستقيم يُستخدم في القياس.[1] جائت الكلمة أكثر من مرة في العهد الجديد،[2] فنجدها في (في3: 16) “فلنسلك حسب ذلك القانون عينه”. وأيضًا في (غلا6: 16) “فكل الذين يسلكون بحسب هذا القانون”.[3]

نفس الكلمة قد أستخدمها آباء الكنيسة على مرّ العصور للتعبيرعن النصوص التي تعتبرها الكنيسة نصوصًا مُقدسة وموحى بها، أو بمعنى آخر لها طابع الإلزام.

  • فنجد إيرينيئوس وترتليان يستخدمان مُصطلح “قانون الحق” للتعبير عن إحدى أمرين: إما الكتب المُقدسة ذاتها التي قبلتها الكنيسة، أو كيفية تفسيرها بحسب الإيمان الراسخ داخل أسوار الكنيسة ووسط جماعتها المُصلية.
  • إكليمندس السكندري يكتب عن المصريين، قائلاً: “إنهم لم يتبعوا شيئًا، بقدر ما أتّبعوا الأناجيل القانونية الحقيقية”.[4]
  • يوسابيوس القيصري يكتب في كتابه “تاريخ الكنيسة” عن أوريجانوس، أنه في مُقدمة تفسيره لإنجيل متى، قدم قائمة بالكتب التي تؤمن الكنيسة بقانونيتها.
  • نفس الأمر يتكرر مع أثناسيوس وجيروم وأغسطينوس وذهبي الفم، وفي مجامع مثل: مجمع لادوكية ومجمع قرطاجنة.

الخلاصة؛ إن كلمة القانونية، بمفهومها الذي نراها عليه الآن، كانت معروفة منذ فجر المسيحية.

ما هي أهمية دراسة قانونية العهد الجديد؟

  • الكتاب المُقدس هو أحد الركائز الرئيسية التي نعتمد عليها في التعّرف على إيماننا المسيحي، فمن الهام جدًا أن نتأكد أن ما وصلنا هو بالفعل ما كتبه الرسل أنفسهم، وهو المُعبر الأهم عن إيمان الكنيسة، ودراسة قانونية الأسفار هي أحد الأدوات التي من شأنها أن تُساعدنا في ذلك.
  • من الهام جدًا التعرّف على المراحل التي مرت بها أسفار العهد الجديد حتى تم تقنينها وجمعها في كتاب واحد بالشكل الذي نراه اليوم. فمن المعروف أن كتبة الأسفار كتبوها بشكل مُستقل كلٍ على حدى، وتم تداولها أيضًا بشكل غير نظامي بين الكنائس، فكيف تم تجميع كل هذه المادة في كتاب واحد؟
  • التشكيك والإعتراضات على الإيمان المسيحي وصلت إلى كل ركن فيه، فالإيمان المسيحي هو كغابة مُتشابكة الأطراف، ومجال رحب لمن يرغبون في دراسة مُشبعة دسمة، وجميع نقاط ارتكازه متصلة بعضها البعض، وكلٍ منها ينفذ على الآخر. لذا، ففي محاولات المُشككين المُتعددة لضرب الإيمان المسيحي فهم يجدون أنفسهم تائهين وسط تلكة الغابة المُتشابكة الأطراف، محاولين التخبط هُنا وهُناك، لاهثين عبثًا نحو القضاء على تلك الغابة، ولا يُصيبهم غير خيبة الأمل. ووسط هذه المُحاولات البائسة وصل بعضهم إلى حد اختراع الأساطير، فنجد شخصًا مثل “دان بروستين” يقول بأن الأسفار قد تمّ تجميعها والاعتراف بقانونيتها من خلال عملية طويلة مُعقدة انتهت في القرن السادس![5] أو إن الكتب قد اختارتها الكنيسة في القرن الثالث في مجمع نيقية! فهل هذا صحيح؟
  • لماذا اختارت الكنيسة أسفارًا بعينها بينما رفضت أسفارًا أُخرى؟! لماذا ترفض الكنيسة مثلاً إنجيلي توما وبطرس الذين ترجع أصولهما الأولى إلى ما قبل نهاية القرن الأول؟!

كل هذه نقاط ستنفتح أمامنا واضحةً جلية حين نتعرّف على المراحل التي انتقل خلالها نص العهد الجديد حتى وصل إلينا في وقتنا الحالي..

مبادئ يجب أن نبني دراستنا على أساساتها:

  • قد وضعت الكنيسة معايير في اختيار الأسفار القانونية، ولم يكن هذا الاختيار عشوايًا أو اعتباطيًا.
  • من الطبيعي أنه قد حدث بعد الجدل حول قانونية بعض الأسفار أثناء عملية التقنيين، وهذا أمر طبيعي لا يمس جوهر الأسفار القانونية أو نسبها الرسولي.
  • قانونية العهد الجديد قد بدأ تفعيلها منذ العصر الرسولي، فنجد في (2بط3: 15- 16) شهادة عن رسائل بولس ككتب مُقدسة “كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ.” في رسالتي كولوسي وتسالونيكي أيضًا هُناك إشارات لتداول الرسائل والكتابات الرسولية بين الكنائس: “وَمَتَى قُرِئَتْ عِنْدَكُمْ هذِهِ الرِّسَالَةُ فَاجْعَلُوهَا تُقْرَأُ أَيْضًا فِي كَنِيسَةِ الّلاَوُدِكِيِّينَ، وَالَّتِي مِنْ لاَوُدِكِيَّةَ تَقْرَأُونَهَا أَنْتُمْ أَيْضًا” (كو4: 16)، “أُنَاشِدُكُمْ بِالرَّبِّ أَنْ تُقْرَأَ هذِهِ الرِّسَالَةُ عَلَى جَمِيعِ الإِخْوَةِ الْقِدِّيسِينَ” (1تس5: 27).
  • عشرون كتابًا من العهد الجديد لم يكن هُناك أي خلاف بين الكنائس حول قانونيتهم، والخلاف كان حول سبعة أسفار فقط من العهد الجديد، وقد ذكر يوسابيوس القيصري خمسة منهم وهم: “رسالة يعقوب- رسالة بطرس الثانية- رسالتي يوحنا الأولى والثانية- رسالة يهوذا”، ويُضاف إليهم: “رسالة العبرانيين- سفر الرؤيا”.

الأسباب التي أدت بالكنيسة إلى تقنين الأسفار:

  • نبوية الكتب: بمعنى نسبة هذه الكتب لنبي أو رسول، فهي من الناحية الدينية ثمينة جدًا لدى الكنيسة والمؤمنين.
  • الخدمة الكنيسة: في الليتورجيات تُقرأ أجزاء من الكتاب المُقدسة، فكان حتميًا على الكنيسة أن تُعين ما هي الأسفار التي يُمكن قراءتها ضمن الأسفار المُقدسة.
  • دافع لاهوتي: انتشار الهرطقات وضع الكنيسة في حاجة إلى تجميع الكتب المُقدسة المُعبرة عن إيمانها والتي ترجع أصولها إلى الرسل، في قانون واحد.

مُصطلح قانونية في تاريخ الكنيسة الأولى:

  • أكثر المُصطلحات استخدامًا في الكنيسة الأولى كان قاعدة الإيمان “Rule of Faith”، وتعني أن قبول أي شئ داخل الكنيسة من عدمه يتم على أساس مدى مطابقته للإيمان الراسخ في الكنيسة ووسط جماعته المُصلية، وكثيرًا ما نادى به واستخدمه ترتليان وإيرينيئوس.
  • مُصطلح آخر تم استخدامه للتعبير عن القانونية بحسب الكنيسة الأولى وهو قانون الحق “the Canon of Truth” أو “the Rule of Truth”، أكثر من استخدموه من آباء الكنيسة هم: ديونسيوس الكيرونثي، اكليمندس السكندري، هيبوليتوس الروماني، نوفاتيان. والمقصود منه أنه لا يُمكن قبول شئ داخل المجتمع المسيحي، ما لم يُحكم عليه من خلال الحقيقة المُعاشة داخل المجتمع المسيحي، من عبادة، وتعاليم مُستلمة. فالمجتمع المسيحي هو مقياس الحقيقة مثله مثل الناموس الموسوي لليهود.
  • مُصطلح آخر وجِدَ فقط لدى الكُتَّاب اليونان، وهو: “القانون الكنسي”، نجده أول شئ في (رسالة استشهاد بوليكاربوس 2). يتحدث هذا المُصطلح باختصار عن التقليد الكنسي، الممارسات الكنيسة، والقراءات الكنسية، كمعيار لقانونية وقدسية أي شئ حتى يصبح مقبولاً لدى المسيحيين.[6]

المصادر التي نعتمد عليها في تحديد الكتابات القانونية:

  • آباء الكنيسة: الكثير من آباء الكنيسة قد وضع قوائم بأسماء الكتب التي تعتبرها الكنيسة في عصره وفي داخل منطقته التي يعيش فيها قانونية، وذلك بدأ بشكل كامل مع أوريجانوس. لكن الأمر لا يتوقف فقط عند قوائم الكتب التي عرضها الآباء، بل أيضًا الكتابات التي أعتبرها الآباء قانونية من خلال الاستشهاد بها دون ذكر قائمة كاملة تضم العهد الجديد بأكمله.
  • قرارات المجامع: بعض المجامع سواء المكانية أو المسكونية قد أرفقت من ضمن قراراتها الكتب التي تعتبرها الكنيسة كتبًا ذات سلطان رسولي، ويجب اتبّاعها والاسترشاد بتعاليمها.
  • القراءات الكنيسة والمخطوطات: مخطوطات الكتاب المُقدس الكثير منها يضم العهد الجديد بالكامل، وهذا يُعد مصدر هام لمعرفة الكتابات القانونية للعهد الجديد.

قانونية أسفار العهد الجديد، لماذا لدينا 27 سفر؟

[1] Spiros Zodhiates, The Complete Word Study Dictionary : New Testament, electronic ed. (Chattanooga, TN: AMG Publishers, 2000, c1992, c1993), G2583.

[2] Archibald Alexander, The Canon of the Old and New Testaments Ascertained, or the Bible Complete Without the Apocrypha and Unwritten Traditions (Philadelphia: Presbyterian Board of Publication, 1851), 17.

[3] Norman L. Geisler and William E. Nix, A General Introduction to the Bible, Includes Indexes. Includes a Short-Title Checklist of English Translations of the Bible (Chronologically Arranged)., Rev. and expanded. (Chicago: Moody Press, 1996, c1986), 204.

[4] Strom. Lib. iii. p. 453.

[5] Secrets of the code: the Unauthorized Guide to the Mysteries behind the Da Vinci code, (new York: cds books, 2004), 116.

[6] Bruce m. Metzger, the canon of the new testament (new York: oxford, 1987) 251- 253.

مدخل إلى قانونية العهد الجديد 1 – أ/ أمجد بشارة

تقييم المستخدمون: 4.85 ( 2 أصوات)