عام

فاطمه ناعوت تكتب المسيحيون يدعون لنا في صلواتهم، وبعضنا يدعو عليهم في صلواتنا! فلا يأبهون للسفهاء المراهقين منا، ويزيدون من دعائهم لنا نحن جميع المسلمين

فاطمه ناعوت تكتب المسيحيون يدعون لنا في صلواتهم، وبعضنا يدعو عليهم في صلواتنا!

فاطمه ناعوت تكتب المسيحيون يدعون لنا في صلواتهم، وبعضنا يدعو عليهم في صلواتنا!
فاطمه ناعوت تكتب المسيحيون يدعون لنا في صلواتهم، وبعضنا يدعو عليهم في صلواتنا!

فاطمه ناعوت تكتب المسيحيون يدعون لنا في صلواتهم، وبعضنا يدعو عليهم في صلواتنا! فلا يأبهون للسفهاء المراهقين منا، ويزيدون من دعائهم لنا نحن جميع المسلمين.

ليست المشكلةُ فى الأوطان، بل فى البشر الذين يسكنون الأوطان.

ليست المشكلة فى مساحة الوطن، فالأوطان واسعةٌ دائمًا مهما صَغُرت، تتسع للجميع، المشكلةُ دائمًا فى مساحة القلوب التى تعمّر تلك الأوطان. الأوطانُ دافئةٌ، لكن القلوب الباردة إن سكنت الوطنَ الدافئ، صار الوطنُ صقيعًا وقفرًا موحشًا، لا يليق إلا بالوحوش الضوارى.

تضاربتِ الأقوال حول قانون بناء الكنائس الجديد الذى يعدّه صنّاع القرار فى الحكومة المصرية. وذهب البعضُ إلى أن هناك نيّة مُخجلة لنزع الصلبان والأجراس عن الكنائس، حتى يُجازُ بناؤها. واستقصيتُ الأمرَ من أولى الأمر، فعلمت أن بالقانون شيئًا مريبًا كان السبب وراء تلك الفكرة التى انطلقت فأغضبت المصريين مسلمين ومسيحيين. القانون يحدّد بدقة بالغة كل مليمتر فى الكنيسة: شكلها، وارتفاعها، والسور الذى يحدّها، وحتى محتوياتها الداخلية من هيكل ومذبح وصحن وجُرن معمودية وبيت صناعة القُربان والقلّاية وخورس المرتلين وحضن الآب واللوح المقدس والنوافذ وعلام تُطلّ، وغيرها من تفاصيل قد يبدو ذكرها كوصف الماء بالماء وتحصيل الحاصل، ثم لا يأتى أبدًا أى ذكر للجرس والصليب!

هنا بدا الأمر مثيرًا للريبة والتشكك. ومن هنا انطلق خوف المصريين، من أن يأتى فى مقبل الأيام متشددٌ يعمل فى تراخيص المبانى مثلا، وينجعص على مقعده قائلا: “طالما مش مذكور فى القانون صليب، يبقى مفيش صليب، وما دام القانون لم ينصّ على وجود جرس، يبقى بلاها جرس”! ووقتها لن يستطع أحد فتح فمه أمام غباء ذلك الموظف، “المشرعن” بحكم القانون الذى أغفل ذكر بديهيات، رغم ذكره أمورا أقل أهمية.

والحقّ أن تلك النية، لو صحّت، فإننا نكون بصدد كتابة أسوأ سطر فى كتاب تاريخ مصر. كنتُ أحسبُ أن أسوأ سطر فى تاريخها، كتبه الإخوانُ فى عامهم التعس الذى حكمونا فيه، وكادوا يدمّرون حاضر مصر وغدها. لكن يبدو أن الشاعر الذى كتب: “إن أجمل القصائد لم تُكتب بعد”، نسى أن يقول: “أسوأ السطور لم تُخطُّ بعد”! وها نحن الآن نخُطّه بأياد ثابتة، وقلوب باردة وعيون جوفاء لا بصر فيها ولا بصيرة.

أيها السادة، يا كل مواطن مصرى يحيا الآن فوق هذه الأرض المباركة، لن أقول لكم كلام شعارات من قبيل: “التاريخ لن يغفر لكم!” بل أقول: “لن نسمح لكم!” مَن نحن؟ نحن العاقلون الذين نرفض أن يُشوّه تاريخُ مصر بأيدينا. نحن الأمهات والآباء الذين نرفض أن يقف أبناؤنا على قبورنا يلعنوننا لأننا سمحنا بأن يُشوّه تاريخ مصر وحاضرتها المعمارية الثرية بالكنائس والمساجد. لأننا سمحنا بأن يُظلم مصريون فى مِصرهم ظلمًا خسيسًا مخجلا، لمجرد أنهم قومٌ مسالمون لا يحملون سيوفًا ولا خناجر ولا مدافعَ ولا رشاشاتٍ.

إنْ يحملون كتابًا يقول لهم: “باركوا مُبغضيكم”، هم محكومون بكتابهم فلكم منهم مباركتهم. أما نحن فلا يحكمنا ما يحكمهم، بل يحكمنا العدلُ الذى هو صفةٌ من صفات مَن نعبد. هو الذى حرّم الظلمَ على نفسه إذ يقول: “يا عبادى إنى حرّمتُ الظلمَ على نفسى وجعلته بينكم محرّمًا” نحن المسلمون المصريون أحفاد من قالوا: “يحيا الهلال مع الصليب” فى ثورة ١٩، نرفض أن يُسقطوا الصلبان والأجراس من فوق كنائس أشقائنا. لم يقل منهم أحدٌ: أسقطوا المآذن والميكروفونات عن مساجدنا، فبأى قلب بارد تطالبون بأن يُصلّوا صلواتهم دون جرس ودون صليب يمثّل لهم جوهر إيمانهم وصُلب عقيدتهم؟!

هاجت الدنيا وماجت حين قررت سويسرا بناء مساجدها دون مآذن! أرغينا وأزبدنا حول العنصرية واضطهاد المسلمين، ونسينا أن المسلم وافدٌ على بلاد الغرب، وإن حمل باسبورها. مهاجر وليس صاحب أرض أصيل، مثلما “القبطى” المسيحى صاحب أرض مصر قبل دخول الإسلام فيها بستة قرون وبضعة عقود. فمن أين تأتون بتلك الجسارة و”البجاحة” لتضيّقوا على أصحاب البيت وتجعلوا عيشتهم ضنكًا”! يدعون لنا فى صلواتهم، وبعضنا يدعو عليهم فى صلواتنا! فلا يأبهون للسفهاء المراهقين منا، ويزيدون من دعائهم لنا نحن جميع المسلمين. لا يعرفون القصاص لأن كتابهم يعلّمهم أن القصاص من المسىء لا يكون إلا بالمحبة والمباركة والصلاة من أجل سلام قلبه! ففيمَ تزعجكم الكنائس وأجراسها وصلبانها وهى تدعو لكم وتعلّم من يدخلها أن قلبه إن مسّه بُغضٌ لإنسان، فلن تُقبل صلاتُه.

هى الأجراسُ التى قرعت وقت أذان المغرب فى رمضان يوم ٢٦ يوليو ٢٠١٣، لكى تجتمع صلواتُ المسلمين والمسيحيين وتُرفع إلى الله فى لحظة واحدة لكى يبارك مصر وينجيّها من الإرهاب. يومها كسرتُ صيامى على حبّة تمر قدّمتها لى يدٌ كان فى معصمها صليب أزرق. كان هذا يوم تفويض الشعب للجيش لينزع شوكة الإرهاب من أرض مصر. لكننا. نسينا يومها أن نطلب منه أن ينزع شوكة الإرهاب الفكرى من صدور الباردين.

أيها البرلمان السعيد، أيتها الحكومة السعيدة، نحن شعبُ مصر، وأسمح لنفسى بأن أتكلم نيابة عن شرفاء مصر لأننى أعرف معدنهم النبيل، نرفض أن تُسقطوا الصليب من فوق هامات الكنائس، لكيلا يحيا الهلالُ وحيدًا وغريبًا فوق أرض لم تعرف منذ منشأها إلا التعددية والجمال والتحضر.

تعلّمتُ فى قاعات التصميم بكلية الهندسة قسم العمارة أن جامعًا دون مئذنة ليس جامعًا، وأن كنيسة دون جرس وصليب، ليست كنيسة. وتعلمت من التاريخ أن دولة دون عدل وشىء من الحياء والأدب، هى كيان هشُّ آيل للسقوط. ارتقوا ارتقوا ارتقوا فإن القاع ازدحم.

المصدر: مبتدأ