الردود على الشبهات

ايرمان بين التاريخ و النقد النصى | فادى اليكساندر


ايرمان بين التاريخ و النقد النصى
قراءة سريعة فى كتاب ايرمان الأخير
“Jesus, Interrupted”
فادى اليكساندر

 


وصلنى كتاب إيرمان الأخير “يسوع أُعتِرض” Jesus, Interrupted، منذ شهرين و قد قرأته فى خلال إسبوع. و إنتهيت منذ عدة أيام من القراءة الثانية له
[1].

الكتاب يحمل العنوان:

Jesus, Interrupted: Revealing the Hidden Contradictions in the Bible and Why We Don’t Know About Them, HarperOne 2009, Pp. 292 + xii

كانت أول المشكلات التى واجهتنى فى القراءة، هى فِهم العنوان. فهل الفعل “أعترض” فعل ماضى، أم مبنى للمجهول؟ لم أستطع حل هذه المشكلة حتى بعدما أنتهيت من الكتاب. و لكن من شكل غلاف الكتاب، يبدو أن المقصود هو بناء الفعل للمجهول، فيكون العنوان بالعربية:

يسوع، أُعتِرض: كشف التناقضات المخفية فى الكتاب المقدس (و لماذا لا نعرف شىء عنهم)، إصدار دار هاربر وان، 2009، 292 صفحة بالإضافة إلى 12 صفحة فى المقدمة.

ايرمان بين التاريخ و النقد النصى | فادى اليكساندر
ايرمان بين التاريخ و النقد النصى | فادى اليكساندر


الكتاب بشكل عام من أسوء ما قرأت لإيرمان، خاصةً أنه ينسب المادة المذكورة إلى جميع علماء النقد الكتابى. بالإضافة إلى ذلك، فمن المُفترض أن هذا الكتاب يدور حول تناقضات يدعى الكاتب وجودها فى الكتاب المقدس. غير أن ما نُلاحظه، أنه من بين ثمانية فصول، هى فصول الكتاب، فصلان فقط (الثانى و الثالث) يتحدثان حول عنوان الكتاب. أما بقية فصول الكتاب، فتتضمن حديثاً مُختصراً عن كل موضوع يُمكنك تخيله فى الإيمان المسيحى! من الفصل الرابع حتى الفصل السابع، تمت مُناقشة الموضوعات التالية: من هم كتبة الأسفار؟ كيف تمت عملية تقنين الأسفار؟ كيف إنتقل نص الأسفار؟ كيف وُجِدت الكتب الأبوكريفية؟ هل يسوع هو الله حقاً؟ هل آمنت الكنيسة الأولى بالثالوث؟ هل إعتقد متى و مرقس و لوقا أن يسوع هو الله حقاً؟ هل كان المسيحيين الأوائل يعتقدون أن يسوع هو المسيا فعلاً؟ هل قام يسوع بعمل معجزات و عجائب؟ هل قام يسوع ثانيةً بعدما صُلِب؟ هل نستطيع الثقة فى شاهد العيان؟ هل كانت الأرثوذكسية فى سباق مع فرق أخرى؟ هل كانت المسيحية مُعادية لليهودية و مُضادة للسامية؟ هل إخترعت الكنيسة فى مرحلة ما إلوهية المسيح؟ هل إعتقد المسيحيين الأوائل بوجود سماء و جحيم؟ و موضوعات أخرى كثيرة، تمت مُناقشتها فى مائة و خمسين صفحة!

بشكل عام، لم أرى فى الكتاب ما يدعو للإزعاج. نقطتين هامتين فقط، لفتتا نظرى جداً فى أثناء قراءتى للكتاب.

أولاً: كُتَّاب الأناجيل “مجهولين”.

فى الصفحات 102 – 112، يُناقش ايرمان هذه المسألة، أن كتبة الأناجيل مجهولين. و عبر هذه الصفحات، نرى الصورة التى يُقدمها ايرمان كالتالى: هذه الأناجيل كُتِبت فى القرن الأول الميلادى، و لم يكن كاتبها معلوم، بل مجهول anonymous، و فى وقت لاحق، تم إلحاق الأسماء التقليدية: متى، مرقس، لوقا، و يوحنا، لهذه الأناجيل المجهولة الكاتب. لهذا، فهذه الأناجيل لم تُكتَب بواسطة شهود عيان.

هذه الرؤية غير أمينة على الإطلاق فى عرض الحقائق. فنعم، كتبة الأناجيل مجهولين anonymous، لأنهم لم يُعرفوا بأنفسهم فى كتبهم. أى أن أى كتاب لا يُعرِف فيه المؤلف بنفسه، هو كتاب “مجهول” الكاتب

[2]. لكن هل هذا يعنى أننا لا نعرف حقاً من هم الكتبة؟ و هل لمجرد أن هؤلاء المؤلفين لم يُعرِفوا بأنفسهم فى كتبهم، نستطيع أن نقول بأنهم لم يكونوا شهود عيان للأحداث التى دونوها؟ لا أعتقد أن هذه أمانة فى العرض. فحتى لو سَلمنا بأننا لا نعرف من هم مؤلفى هذه الأناجيل، فبحسب قول ايرمان:”أقدم و أفضل المعلومات عنهم (أى التلاميذ) تأتى من الأناجيل نفسها، بجانب كتاب أعمال الرسل” (ص، 104)، نستطيع أن نبنى على هذا الإدعاء، صحة الزعم بأن مؤلفى الأناجيل كانوا بالفعل شهود عيان. تماماً كما تثور الشكوك حول نص العهد الجديد، بهدف إثبات بُطلان ما يشهد له من أحداث و عقائد، فكذلك الشكوك حول مؤلفى الأناجيل، بهدف نفى شهادتهم الحقيقية و الواقعية للأحداث التى جرت فى القرن الأول فى فلسطين. المشكلة الآن هى أن الأناجيل تُصرِح بأن مؤلفيها، أى كانوا، هم شهود عيان. و دون الدخول فى تفاصيل هذا الموضوع الطويل جداً، فالشهادة الجوهرية الرئيسية بشكل عام للأحداث، و الإتفاق حول جوهر هذه الأحداث، يشهد بصحة هذا الإدعاء المُتَضمن فى الأناجيل.

و من ضِمن ما قاله ايرمان لتأييد قضيته، هو أن نَسب هذه الكتب لمؤلفيها، يعود لمائة عام بعد كِتابة هذه الكتب (ص، 102). رغم أنه يعود بعد ذلك لمُناقشة كتابات بابياس، الذى كَتب بعد أقل من نِصف قرن، و حتى إيريناؤس، كَتب بعد أقل من قرن. ثم يُلقى التصريح و كأنه حقيقة:”بعكس الدليل على أن احداً من التلاميذ لم يكتب إنجيلاً، فيجب علينا أن نتعامل مع تقليد الكنيسة الأولى الذى يوضح ان بعض التلاميذ كتبوا” (ص، 107). أنا أريد الآن أن أُشدد على قوله “الدليل على أن احداً من التلاميذ لم يكتب إنجيلاً”. إيرمان لم يعرض أى أدلة مُطلقاً على زعمه. حسناً هناك فرق بين أن يطرح الفرد مجموعة من الدلائل و القرائن و يبنى عليها، ثم يتم بعد ذلك تقييم هذه الأدلة، و بين ألا يطرح أى أدلة تماماً على إدعاؤه. إن الأساس الذى يبنى عليه إيرمان، هو مُقارنة بين ما تقوله الأناجيل عن التلاميذ (طبقة مُنخفضة من المجتمع، غير مُتعلمين، و متحدثين بالآرامية) و ما نستطيع إستنباطه عن شخصيات كتبة الأناجيل (مُتعلمين، مُتحدثين باليونانية). و لكن و بغض النظر عن هذه المقارنة التى يشوبها الكثير من العيوب، و هى تأتى كمُقارنة بين قدرات شاب فى العشرين، و قدرات رجل ناضج فى الخمسينات من عمره، و تصل الى التسعينات

[3]! و لكن حتى قبل زمن بابياس، نرى تصريح المُستلمين بمعرفتهم لكاتب الإنجيل، بل و شهادة من المُعاصرين لتلك الأحداث، فنقرأ:”هَذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَذَا وَكَتَبَ هَذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ” (يو 21 : 24). فهؤلاء الذين إستلموا الإنجيل اولاً، يعرفون من هو الكاتب، و هؤلاء الذين عاصروا الأحداث التى شهد بها، أقروا أنه يُخبر الحق.

و فى نقده لشهادة بابياس، يقول بأن تصريح بابياس متأخر، لأنه جاء بعد أن كان “الإنجيل ينتقل بشكل مجهول لعقود” (ص 108، 109). المشكلة فى هذا التصريح، أنه لا دليل عليه. ببساطة، لا يوجد دليل على أن الإنجيل إنتشر بين الجيل الأول دون أن يعرف هذا الجيل من هو الكاتب. ثم يُحاول مُلاحظة أن الإنجيل الذى تكلم عنه بابياس غير إنجيل متى الحالى! أسبابه فى ذلك أن إنجيل متى كُتِب بالعبرية، بينما الإنجيل الحالى باليونانية. هذا الخلط لا داعى له ابداً، لأن قضية مصادر الأناجيل الإزائية محسومة بالفعل فى رؤيتين: أولية مرقس، أو أولية متى. و قد حَسم العلماء المُعتقدين فى أولية متى قصة النص العبرى للإنجيل، بما لا يتعارض مع أولية مرقس. و بالتأكيد ايرمان على دراية بهذا الأمر، و هو ما يدعو للإندهاش فعلاً. و ماذا كان النقد المُوجه لشهادة بابياس عن إنجيل مرقس؟ أن مرقس آراد أن يجمع “كل شىء” سمعه من بطرس عن الرب، بينما قراءة إنجيل مرقس اليوم لا تستغرق الساعتين. فهل يُعقل أن “كل شىء” يُمكن قراءته فى ساعتين؟ هكذا هو الإعتراض، دون الإشارة حتى إلى الطرق العديدة و الكثيرة التى يُمكن أن يُفهم بها التعبير “كل شىء”. منطقياً، لا يُوجد شىء إسمه حصر تام. لا يُمكن لأى مؤرخ اليوم أن يذكر كل تفاصيل الحياة المصرية فى عهد الرئيس الحالى. بل سيحاول كل مؤرخ أن يضع التفاصيل الخاصة بمنظور يود أن يعرضه. و فى العالم القديم، العالم اليونانى – الرومانى، لم يكن الفرد يهتم بكل التفاصيل، بقدر ما كان يهمه أن يصل لجوهر المُحتوى. هذه الحقيقة لا جدال فيها، و بالتأكيد ايرمان يعرف ذلك جيداً. لكن هذه الحقيقة تُحتِم أن “كل شىء” تعنى كل شىء “لازم” للقارىء فى هذا العصر. هذا مجرد معنى واحد من عدة معانى مُحتملة. لكن السر وراء هذا النقد، هو نفسه الذى يقف خلف نقد بابياس فى إنجيل متى؛ و هو أن إنجيل مرقس الحالى، شىء آخر مُختلف عن الإنجيل الذى آشار له بابياس! للأسف، دائماً ما يتعدى إيرمان البرهان، و يحاول فرض رغبته الخاصة على البيانات المتوفرة. بالرغم من أنه يقول بأنه مؤرخ يتعامل مع الإحتمالات و يُقيم أى الإحتمالات ممكنة بالأكثر، فيبدو أنه قد عكس الوضع فى هذا النص، لصالح إحتمالية ضعيفة جداً

[4].

ثانياً: النقد النصى و العقيدة.

كانت فترة ظهور كتاب “مشكلة الله” لإيرمان، بمثابة فترة هدنة بينه و بين العلماء الإنجيليين. فقد سبقه ظهور كتاب “سوء إقتباس يسوع”، و تلاه ظهور الكتاب محل المُناقشة. و كانت الفرصة سانحة لإيرمان كى يتعامل مع الردود الإنجيلية المُوجهة لكتابه “سوء إقتباس يسوع”، فى كتابه الحالى؛ و هو ما قد تم فعلاً. يتعامل إيرمان مع نص العهد الجديد فى جزء من الفصل السادس، الصفحات 181 – 189. لم أكن أتوقع أن يكون ايرمان أكثر جرأة على النص بعد سيل الردود الإنجيلية التى انهالت عليه. يُصر إيرمان على نفس الإسلوب المُستفز فى التعبير عن الحقائق. حسناً، الإختلافات بين مخطوطات العهد الجديد أكثر من عدد كلمات العهد الجديد؛ و لكن الغالبية العظمى من هذه الاختلافات لا معنى لها، ولا تساوى شىء، مما يعنى أن هذه الجملة لا معنى لها. لكنها الجملة المُفضلة لدى ايرمان، و كررها كثيراً فى كتبه. الكثير من العبارات المستفزة و التى تُصوِر الدليل بشكل مُغالى فيه جداً، مازالت تظهر فى الكتاب الجديد. أكثر ما لاحظته فى كتابات إيرمان، أنه لا يتعرض لوجود النص الأصلى فى الشواهد المتوفرة؛ رغم أنه فى مناظرته مع بيتر ويليامز، حينما واجهه ويليامز بهذه الحقيقة و أصر عليها، لم يقم بنفيها إطلاقاً. أشعر كأن ايرمان يريد تقديم نصف الحقيقة فقط للقارىء. للأسف، كان هذا هو الشكل العام لكتابه السابق “سوء إقتباس يسوع”، حيث تم ذكر الكثير من الحقائق المبتورة، و التى تُسبب خوفاً لدى القارىء، و إستفزازاً لدى الباحث.

يُخاطب ايرمان إنتقادين تم توجيهما له (ص 185 – 186): الأول هو أنه لم يُشدد على أن الغالبية العظمى من القراءات لا تستحق الإلتفات لها، و الثانى أنه ولا قراءة نصية تجعل أى عقيدة رئيسية فى خطر. شخصياً، أتفهم موقفه من الإنتقاد الأول. النقد النصى كعلم بطبيعته سلبى، أى أن كل تركيزه على الصعوبات و ليس على الأمور البسيطة. هذه هى طبيعة العلم بشكل عام، و حتى نحن فى الشرق نُعانى من هذه المشكلة. لأن التركيز شديد و مُكثف على التغييرات الهامة فى النص و تاريخ إنتقاله، هذا يجعلنا كثيراً ما ننسى أن كل ما نعمل فيه فى النقد النصى، هو أقل من واحد بالمئة من نص العهد الجديد. لهذا أشعر بتعاطف معه فى هذه النقطة. و لكن الإنتقاد الثانى كان هو السبب فيه. ايرمان لم يقل أن هناك عقيدة ما مُعرضة للخطر فى العهد الجديد بسبب القراءات النصية، و لكن الإنطباع الذى تركه لدى القارىء هو أننا لا نستطيع الثقة فى أى شىء فى العهد الجديد بسبب القراءات النصية. مع مُلاحظة أن ايرمان نفسه، مؤلف الكتاب، لا يرى أن هذا صحيح إطلاقاً. حتى أنه فى الطبعة التى صدرت فى عام 2007 لكتاب سوء إقتباس يسوع، أُلحِق بالكتاب حوار مع إيرمان، أكد فيه قناعته بأن الإختلاف فى المخطوطات لا يؤثر فى العقيدة إطلاقاً. لكن ايرمان هو السبب فى ذلك، لأن لغة الكتاب متميعة تُعطى الكثير من الإنطباعات الغير مقصودة.

لكن الوضع تفاقم الآن، فأكثر ما إستفزنى فى الكتاب الحالى، هو المقطع التالى:

“أنه أمر غير صحيح أن الخلافات النصية لا تتضمن العقائد الهامة. هذا مثال رئيسى على ذلك: المكان الوحيد فى العهد الجديد بالكامل، الذى يُعلِم عن عقيدة الثالوث بوضوح، هو نص فى ترجمة الملك جيمس (1 يوحنا 5 : 7 – 8)، و لكنه غير موجود فى الغالبية العظمى من مخطوطات العهد الجديد. أعتقد أن الثالوث عقيدة مسيحية هامة. و الإجابة النموذجية لهذه البَيِنة، هى أن عقيدة الثالوث موجودة فى الكتاب المقدس دون الإعتماد على 1 يوحنا 5 : 7 – 8. و ردى على هذا الكلام هو أنه حقيقى بالفعل لكل عقيدة مسيحية. بحسب خبرتى، فاللاهوتيين لا يُسلمون بأى عقيدة لأنها موجودة فقط فى نص واحد؛ فأنت تستطيع أن تجد أى عقيدة مسيحية فى مكان ما فى أى نص إذا فحصته بإجتهاد” (ص، 186).

حينما قرأت هذا المقطع لأول مرة، كان تعليقى فى داخل نفسى، هو قول أشهر قضاة مصر:”نورت المحكمة”! فبالفعل، لم أفهم نقطته من رده على الرد الإنجيلى. حسناً، نحن نعلم أن الثالوث موجود مئات النصوص، فما هو الرد بالضبط؟ هذا ما جعلنى أراسله لأستفهم منه، لعل شىء ما فاتنى. فكان رده: أنه يقصد أن القراءات النصية تؤثر على العقيدة، لأن القراءات النصية تشتمل على نصوص تتعلق بالعقيدة. دار بعد ذلك حوار مُوسع، و لكن أضع هنا مُوجز لردى الأول. فى الحقيقة، مادمنا نستطيع أن نجد تعليماً عن طبيعة الله، جوهره الواحد، و أقانيمه الثلاث، فالعقيدة لم تتأثر. و هنا أنتهز الفرصة لأشير الى تفريق هام بين العقيدة و النصوص العقيدية. لا أعتقد أن بولس كتاب مُخاطباً تلميذه تيموثاوس قائلاً:”الله ظهر فى الجسد”، بل أعتقد أنه كتب:”الذى ظهر فى الجسد” فى 1 تيموثاوس 3 : 16. هذا نص عقيدى، لأنه يتناول إعتقاد المسيحيين بتجسد الله، و هو سيتأثر بالتأكيد بالقراءات النصية. لكن هل هذا يعنى ضمناً او صراحةً أن العقيدة نفسها، ظهور الله فى الجسد، غير حقيقية، و تسقط بتغيير قراءة النص؟ بالتأكيد لا، و ايرمان مقتنع بهذا. لذا العقائد المسيحية الرئيسية، تبقى خارج إطار المناقشة بسبب النقد النصى. و هنا يجب أن أُشير إلى أننا بهذا لا نعنى أنه لو تأثرت العقيدة بالنص، سوف تتغير عقيدتنا؛ و لكن بقولنا هذا نُصرح بما يقوله البرهان. فى النهاية، الكتاب المقدس مجرد شاهد للإيمان، و ليس أساساً للإيمان.

مشكلة أخرى رئيسية تتعلق بنص العهد الجديد فى رؤية ايرمان، أنه مازال يُكرر وجود قراءات نصية تؤثر على تفسير سفر كامل من العهد الجديد. هذه النقطة تحتاج إلى توضيح.

نحن ندرس النقد النصى للعهد الجديد، لنستطيع تفسير النص بشكل صحيح. هذا هو الهدف الأول و الرئيسى من العودة إلى النص الأصلى. بغض النظر عن أسباب دراستنا له فى الشرق، فهذا هو الهدف الرئيسى للعودة إلى النص الأصلى. نحن لا نستطيع تفسير ما قصده الكاتب، دون أن يكون لدينا ما كتبه الكاتب. لذلك نحن بحاجة إلى النقد النصى. ايرمان كان دائماً ما يسأل والاس، سؤال مُستفز قائلاً: إذا ما كنت تعتقد بأن هناك أى أهمية للقراءات النصية، فلما تجول بلاد العالم مُصوِراً المخطوطات، مُستخدماً بذلك ملايين الدولارات؟ هل تقوم بذلك لأجل لا شىء؟ و دائماً ما كان يرد والاس بأنه يقوم بذلك لكى يُعيد تكوين النص الأصلى، بما يسمح له بفهم صحيح لما أراد الكاتب أن يقوله. لكن، و مرة أخرى، يُخبرنا الدليل أنه لا يوجد تفسير تُقدمه القراءات النصية و التفضيل بينهم، غير موجود فى نصوص ثابتة لا شك فيها. فكما أن العقيدة ثابتة دون الحاجة إلى النصوص المشكوك بها، كذلك التفسير ثابت دون الحاجة إلى النصوص المشكوك بها. بكلمات أوضح، صورة يسوع فى الأناجيل لن تتغير بأى قراءة نصية، و تفسيرنا للاهوت المسيحى لن يتغير بوجود أى تغيير فى النص. هذه النقطة كررها كثيراً والاس فى ردوده على إيرمان، و رغم ذلك، مازال يكررها ايرمان (ص، 187)، رغم أنه لم يوضح نقطته اولاً، و لم يبنيها ثانياً، و لم يؤكدها ثالثاً.

للأسف، ايرمان إنحدر لمستوى عميق جداً من الليبرالية، و أصبح باؤر الجديد. حقاً، لقد حزنت عليه جداً، بعدما رأيت الحال الذى وصل إليه فى هذا الكتاب. و للأسف ثانياً، هذا الكتاب لا يحتوى على أى يُسبب قلق جدير بالذكر لحقائق الإيمان المسيحى؛ مما يعنى أن ايرمان لا يملك أى تبرير لعرض ما يعرض.

فى إحدى المرات، أخبرنى والاس أنه يكتب كتاباً للرد على هذا الكتاب، و قد أبديت إعتراضى، لأن الكتاب لا يُوجد به ما يستحق أن يُكتب رداً عليه. إيرمان يتكلم فى مناطق خارج إختصاصه، مما جعل الكتاب يظهر على مستوى ضعيف جداً.

قام العالم الاميركى بين ويزرينجتون بكتابة رد من عدة أجزاء على مدونته، على الكتاب:

الجزء الأول
الجزء الثانى
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس

الجزء السادس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

[1] كنت قد عودت نفسى على قراءة كتاباته أكثر من مرة، حتى أدرسها جيداً.
[2] أريد التأكيد هنا على هذه النقطة. لو قمت أنا الآن بتأليف كتاب و لم يحتوى على إسمى كالمؤلف للكتاب، فهذا يعنى أن الكتاب “مجهول” الكاتب. لكن هل هذا يعنى أنه من غير الممكن معرفة من هو الكاتب؟ لا. و بالمثل، أى كتاب لا يُذكر فيه من هو مؤلفه.
[3] هذا الزعم، يعنى أن جابى الضرائب لم يكن يعرف الكِتابة (متى)، و أن الصياد الذى يعيش من التجارة لم يكن يعرف الكتابة (بطرس و يوحنا)، و أن المُترجم لم يكن يعرف الكتابة (مرقس) و أن الطبيب لم يكن يعرف الكِتابة (لوقا)! حتى إستشهاده بنص أعمال 4 : 13:”فَلَمَّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ تَعَجَّبُوا. فَعَرَفُوهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا مَعَ يَسُوعَ”، فلا يقصد أنهما لا يعرفون القراءة و الكتابة، بل أنهما لم يتلقيا تعليماً لاهوتياً فى مدارس الرابيين اليهودية، و هو ما يُشير إليه سياق النص من إعتراف بطرس و يوحنا بمجىء المسيا.
[4] من المُهم هنا أن أُشير إلى ضرورة المُقارنة بين التحليل المُوجه لبارت إيرمان، و التحليل الأمين لريتشارد بوخام، من جامعة القديس أندراوس بالمملكة المُتحدة، حول مقدار قيمة الشهادة التى يُقدمها بابياس عن كتبة الأناجيل. لم يتسع الوقت فى هذه المقالة القصيرة نقل تحليل بوخام، و لكن فى الوقت الحالى بدأت بالإهتمام بالنقد الأعلى، و بنعمة الرب سأتعرض لموضوع كتبة الأسفار و الشهادة التاريخية لهم، بما لها و ما عليها، قريباً جداً. أنظر:


Richard Bauckham, Jesus and The Eyewitnesses: The Gospels As Eyewitnesses Testimony, P. 202-239 & P. 412-437.