الرد على أحمد ديدات

السيد ديدات وتَعَمُّد عدم الفهم – موت السيد المسيح

السيد ديدات وتَعَمُّد عدم الفهم – موت السيد المسيح

المحتوى

ديدات
ديدات

السيد ديدات وتَعَمُّد عدم الفهم – موت السيد المسيح

عَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ” (أم 3: 5)

 رغم أن كل ما قدمناه سابقًا، كافٍ ليؤكد إصرار ديدات على اختلاق أخطاء غير موجودة، وتمسكه بإظهاره عدم الفهم، وذلك من خلال أساليب مختلفة يقوم بها، من تحريف مفهوم النص، وما بينهما من قطع الآيات وزيادتها؛ إلخ…حسب ما يقتضيه الموقف الذي يريده…إلا أنني أبقيت بعض الموضوعات لسردها في هذا الباب.

موت السيد المسيح (تثنية 18: 20)

 

    تحت عنوان (المسيح يبكي من أجل شعبه) ص15 كتب ديدات “ذلك إنهم “أي اليهود” لو نجحوا في قتل أي المسيح لكان هذا “أي إمكان قتله” دليلاً على أنه دعي دجال. لأن الله العلي القدير لم يكن ليسمح أبدًا بقتل المسيح الحق كما ورد بسفر (التثنية 18: 20) ومن هنا “أي لو صح قتل اليهود للمسيح فعلاً” لصح اليهود بأن عيسى بن مريم ليس هو المسيح الذي وعدوا به وهو الرفض الخالد الدائم لا يكفون عنه”.

 

    بالتأكيد أنا أعرف السبب الذي من أجله لم يكتب ديدات النص التوراتي الذي أشار له…وفقط كتب ديدات الشاهد هكذا (التثنية 18: 20)، غير أن المترجم* إلى العربية كتبه، ظنًا منه بأنه نص مهم ويخدم القضية…ولا يعرف لو أن ديدات شعر للحظة بأنه نص مهم سيخدم قضيته..لكتبه عشرات المرات.

 

    أولاً: كتابة النص: إذن لنبدأ بكتابة التوراتي الذي استشهد به ديدات، يقول الوحي المقدس ” وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيّ” ( تثنية 18: 20).

 

       نأتي الآن لفهم هذه الوصية، وأيضًا نطبقها على المسيح، لندرك الجهد الكبير الذي يبذله ديدات، لتطبيق نصوص على المسيح وغيره، لا علاقة لها أساسًا بالمسيح ولا غيره من الأنبياء الأتقياء، إنه إصرار على تشوية، ويدعي أنه يفهم كتابنا المقدس…

   1- النص هنا يتكلم عن الأنبياء الكذبة؛ والوصية واضحة تقول  “فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى

 

* في النهاية هذا الكتاب هناك باب خاص للمترجم الذي قام بترجمة كتاب لا يعرف أبجديات موضوعه.

 

وليس عن مجرد نبي صالح يظلمه شعبه ويقتله…فقتل الأنبياء ليس دليلاً-من خلال هذا النص- على أنهم أنبياء كذبة…هذا هو ديدات يؤلف كما يريد…ورغم أن هذا يكفي للرد على شبهته، إلا أننا سنواصل لتوضيح أكثر…

 

   2- بالنسبة للنبي الذي يقتل، ليس حكم الناس هو المقياس في صدقه أو كذبه، وإنما حكم السماء وطبيعة رسالته التي يجب أن تتماشى مع روح الحق..فقد لا يفهم الناس رسالة نبي صادق ويقتلونه، بينما هو في نظر السماء نبي صادق…أرسله الرب القدير للنداء بالتوبة في الأرض…

 

    3- لم يقل النص التوراتي الذي أورده ديدات: بأن أي نبي صالح من الله، لن يقتل إطلاقًا…وإلا:

 

+ماذا نقول عن قتلهم لأعظم مواليد النساء يوجنا المعمدان؟ (متى 14: 11، مرقص 6: 28) فهل كان نبيًا كاذبًا؟ بالتأكيد لا، فقد قتلوه لأنه أصر على التمسك بالحق…إذن وحسب منظومة ديدات، كيف قتلوه؟

 

+ماذا نقول أيضًا عن قتلهم زكريا الكاهن والنبي؟ الذي وقف بكل شجاعة ةتكلم عن خطورة عبادة الأوثان، فماذا فعلوا به؟ جاء بالوحي الإلهي “وَلَبِسَ رُوحُ اللهِ زَكَرِيَّا بْنَ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنَ فَوَقَفَ فَوْقَ الشَّعْبِ وَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا يَقُولُ اللهُ: لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصَايَا الرَّبِّ فَلاَ تُفْلِحُونَ؟ لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمُ الرَّبَّ قَدْ تَرَكَكُمْ فَفَتَنُوا عَلَيْهِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ بِأَمْرِ الْمَلِكِ فِي دَارِ بَيْتِ …عِنْدَ مَوْتِهِ قَالَ: «الرَّبُّ يَنْظُرُ وَيُطَالِبُ”

 

   هذه مجرد أمثلة؛ فهناك الكثير من الأنبياء الصادقين الذي تم قتلهم…وفي هذا الإطار لا ننسى كلام المسيح له كل المجد؛ فقد قال “يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا” (متى 23: 37 ولوقا 13: 34)…

 

  إذن: المقياس الذي وضعه ديدات؛ هو مقياس فاسد؛ وأصلاً النص التوراتي لا يتكلم عن أن مجرد قتل الأنبياء دليل على كذبهم..ولا أن الأنبياء الصادقين لا يتم قتلهم…هذا خيال ديدات فقط….كعادته…

4- كما أن منظومة ديدات التي أقنع بها نفسه؛ ستطرح كل الشهداء في جهنم…فطالما تم قتلهم-حسب نظريته- فهم كذبه….

5- وعندما نأتي لنطبق خرافة ديدات على السيد المسيح، نجد أن كل المقاييس تخجل وتنحني أمامه…فالمسيح هو الوحيد الذي لم يفعل ولا خطية واحدة…ولذلك اضطروأن يقيموا شهود زور ضده؛ وقد فشلوا كفشل ديدات (مرقص 14: 56)…

 

   وقد قبل المسيح الموت من أجلنا؛ وهذه هي رسالته الخالدة، وموت النبي من أجل رسالته هو شرف وامتياز له ولرسالته؛ وليس علامة على كذبه..إذن فالنص التوراتي لا علاقة له، لا بالمسيح ولا بغيره من الأنبياء الصالحين الذين تم قتلهم…

ثانيًا: قطع ديدات للنص: لا أظن أن القارىء بات يستغرب هذا الأسلوب الذي تخصص فيه ديدات …فإن الوحي الإلهي وضع دليلاً لمعرفة النبي الكاذب قبل قتله…وهذا الدليل قطعه ديدات؛ فهو يعرف أنه مع وجود هذا الدليل، يعجز تمامًا عن تطبيق هذا النص على المسيح…

 

   لقد أشار ديدات فقط إلى (تثنية 18: 20)، حتى لم يجسر أن يكتبه..مع أن النص يبدأ (من 20 إلى 22)…ولنضع الآيات كاملة؛ لنرى الدليل الذي حاول ديدات فاشلاً ومتعمدًا طمسه….

وَأَمَّا النَّبِيُّ الَّذِي يُطْغِي، فَيَتَكَلَّمُ بِاسْمِي كَلاَمًا لَمْ أُوصِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، أَوِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِاسْمِ آلِهَةٍ أُخْرَى، فَيَمُوتُ ذلِكَ النَّبِيُّ وَإِنْ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: كَيْفَ نَعْرِفُ الْكَلاَمَ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ؟ فَمَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ بِاسْمِ الرَّبِّ وَلَمْ يَحْدُثْ وَلَمْ يَصِرْ، فَهُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الرَّبُّ، بَلْ بِطُغْيَانٍ تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ، فَلاَ تَخَفْ مِنْهُ

 

 

أعتقد أن هذا الدليل الذي شرطه الوحي الإلهي لمعرفة النبي الكاذب من الصادق خنق ديدات لدرجة الموت؛ ففضل قصه وقطعه، ولكن هذا هو الموت الحقيقي الذي ماته ديدات….

 

    إذن فالسيد الرب لم يترك الناس يتخطبطون في استنتاجاتهم الشخصية عن أي نبي، وهل هو من الله أم لا؟ بل أعطاهم علامة ودليلاً…فإن تحقق كلام هذا النبي الذي تكلم به باسم الرب، فمعنى أنه مرسل من الله، والعكس لو أنه لم يتحقق، فهو كاذب…

 

   وفي المسيح العطيم، نجد أنه لم تسقط ولا كلمة واحدة من كلامه…حتى في وعده للتلاميذ؛ بأنه سيصلب ويموت ويدفن ويقوم في اليوم الثالث…تحقق هذا الأمر..وماذا أقول: لو أردت أن أتحدث عن خراب أورشاليم؟ بل وطريقة خرابها؟

 

      فإن المسيح عندما اقترب من أورشاليم قبل الصلب بوقت قصير…بكى على أورشاليم، وقال فيها نبوته المشهورة “إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ” (لوقا 19: 41-44). هذا عن خراب أورشاليم. واما عن الهيكل اليهودي فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُب الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا  وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ وَلاَ فِي سَبْتٍ” (متى 24: 16-20)…فقد تكلم المسيح بكل هذه؛ وتحقق كل كلامه؛ والتاريخ العالمي يشهد بهذا…

 

    وأمثال هذه الأقوال كثيرة؛ وقد نطق بها المسيح وتحققت…بل ماذا أقول: لو اردت أن أتكلم عن أمره للبحر أن يسكت ويهدأ ويبكم؟….أو انتهاره للشياطين فتخرج في الحال؟…أو الأمراض الكثيرة التي شفاها بكلمة؟….وماذا أقول: لو أردت أن أتحدث عن انتهاره للموت؟ وكيف أن الموتى قاموا في لحظة أمر المسيح لهم بالقيامة من الأموات؟…

 

    هذه هي العلامة التي تميز النبي الصادق من الكاذب في أعين الناس، وقد خجل ديدات من أن يضعها أمام المسيح العطيم، فهو يعرف أنها ستسجد له…فكان بين خيارين، إما أن يقصها؛ أو يلغي كتابه…وكالعادة، فضل قصها وقطعهت، فقطع حياته للأبد..لأنه أصر على التشوية؛ وإظهار عدم الفهم، أمام نصوص ساطعة كالشمس في رابعة النهار.