أبحاث

متطلبات وشروط تفسير الكتاب المقدس

متطلبات وشروط تفسير الكتاب المقدس

متطلبات وشروط تفسير الكتاب المقدس
متطلبات وشروط تفسير الكتاب المقدس

متطلبات وشروط تفسير الكتاب المقدس

رغم أن الله يرغب في التواصل مع كل إنسان، إلا أنه ليس كل إنسان يمكنه أن يفهم الكتاب المقدس. الكتاب المقدس واضح في هذا الأمر. إذ أن الإيمان هو شرط الفهم الحقيقي لكلمة الله. فالشخص الذي يقرأ بدون إيمان قد يفهم بعضاً من الحق المعلن، ولكن لا يمكن أن نتوقع أنه سيفهم بالكامل أي حق معلن في الكتاب المقدس. هناك عدة عناصر للإيمان، جميعها أساسية بالنسبة للدارس الذي يريد أن يفسر معنى الكتب المقدسة.

التجديد

الإيمان الأولي هو أمر ضروري، لأن غير المؤمن لا يمكنه أن يفهم أمور الروح. لذلك فالتجديد هو أمر ضروري. يتم شرح هذا الأمر بوضوح في (1كورنثوس 2: 6-16)، وفي (2كورنثوس 2: 15-18).

“لأن مَنْ مِنَ الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه هكذا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله… ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً. لأنه من عرف فكر الرب فيعلمه. وأما نحن فلنا فكر المسيح” (1كور 2: 11-12، 14، 16).

الروح القدس هو المفسر الأعظم (يوحنا 16: 13). فبدونه يقضي بالفشل على كل مجهوداتنا التي نبذلها لكي نفهم بالكامل كلمة الله.

الالتزام

التجديد أمر أساسي، ولكنه وحده لن يؤهل المؤمن لفهم حق الله. يجب على المؤمن أن يكون لديه ثقة في الكتاب المقدس، لأن الإيمان ليس مجرد اتفاق فكري، لكن الإيمان يعني الالتزام والاستسلام للكتاب المقدس، ولرسالته، ولمعناها، ولمؤلفه الإلهي. الإيمان يجعل الفرد متأهباً لاكتشاف المعنى الذي قصده الكاتب، وليس لأن يُقحم على سطور النص المعنى الذي يرغب في فهمه. فقط الشخص الذي لديه الثقة التامة في الكتاب المقدس، هو الذي يكون لديه الالتزام الضروري لكي يفهم المعنى بالكامل.

“إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي” (يوحنا 7: 17)

يجب أن يصمم الشخص على أن يطيع الكلمة إن كان يريد أن يفهمها. والالتزام بالطاعة له سمة أخرى، وهي العمل باجتهاد. إن الشخص الذي يلتزم حقاً بأن يطيع الله سيدرس لكي يظهر نفسه مقبولاً لدى الله، كعامل جاد لا يحتاج أن يخجل من صنعته. “الإيمان” لا يعني أن يترك دارس الكتاب المقدس عقله ويتكل على مشاعره أو على دوافعه الذاتية لفهم الكتاب المقدس. كلا، فإن نوع الإيمان الذي يؤمن أن الكتاب المقدس هو كلام الله، يدفع الدارس لأن يستخدم كل الموارد التي أعطاه الله إياها لكي يفهم الكتاب المقدس حتى يتمكن من طاعته.

الصلاة

الإيمان بمؤلف الكلمة (الله)، وسكنى الروح القدس، يجب التعبير عنهما بطريقة فعالة. والصلاة هي دليل الإيمان الحقيقي، وهو الجو الوحيد الذي يمكن أن يحدث فيه الفهم الكامل لقصد الله. ليس كافياً أن يسكن الله فينا بالإيمان، وأن نكون منفتحين لإرادته بقلب طائع، بل يجب أن نسأل ونطلب ونقرع بنشاط. ويجب أن يكون هناك اعتماد إيجابي فعال على الروح القدس، المفسر الأعظم.

“عبدك أن فهمني فأعرف شهاداتك” (مزمور 119: 125).

“وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير فسيعطي له” (يعقوب 1: 5).

شرط فهم الكتاب المقدس هو الإيمان. فالشخص الذي يسكن فيه روح الله، والذي له علاقة صحيحة مع الله بقلب طائع، والذي يسعى باجتهاد ونشاط لطلب الحكمة التي من فوق، هو فقط الذي يمكنه أن يعرف الحق. الكتاب المقدس وحده هو المعصوم من الخطأ، ولسنا نحن أو تفسيراتنا. إن الروح القدس يعطينا الاستنارة، وليس الوحي، من خلال الكلمة. لهذا السبب، يوجد عنصر رابع ضروري في الإيمان اللازم لفهم كلمة الله.

الاتضاع

الاتضاع هو أمر ملائم حيث أننا نتعامل مع كلمة الله. كما أنه ملائم أيضاً لطبيعتنا، فنحن كائنات محدودة ومعرضون للخطأ. الأكثر من ذلك، فنحن ساقطون، ونرى الحقيقة فقط بطريقة غير مباشرة، إذ أن الخطية تضع برقعاً على وجوهنا. لذلك فإن اتجاه الاتضاع أمام كلمة الله هو أمر أساسي إذا أردنا أن نتوصل إلى معرفة الحق. بهذه الطريقة يمكننا التمييز بين الأمور الأكيدة في الكلمة وبين ما قد يكون من تفسيرنا غير المعصوم أو المشوه بالخطية.

 

قبل أن نفحص المبادئ المبنية على الافتراضين اللذين كان يعتنقهما المسيح والرسل – بأن الكتاب المقدس إلهي وبشري في آن واحد – يجب أن نشير إلى عدة طرق تم بها تشويه هذين الافتراضين وإساءة تطبيقهما. هناك أربعة مناهج خاطئة في التفسير الكتابي سائدة اليوم.

الأول: المنهج الطبيعي، والذي يحد معنى وأهمية الكتاب المقدي في العناصر التي تتفق مع العمليات الطبيعية، والفهم البشري. فإمكانية التأليف الإلهي والأحداث فوق الطبيعية تكون مستبعدة منذ البداية.

 الثاني: المنهج فوق الطبيعي، هو يفسر كل أحداث الكتاب المقدس من وجهة نظر فوق طبيعية. وبالتالي تكون مهمة المفسر هي البحث عن عدة معاني أو عن معاني خفية، يجب أن تكتشف من خلال الحدس والخبرة الروحية. وبذلك فإن المعنى “الطبيعي” للنص يتم التقليل من شأنه او تجاهله تماماُ.

الثالث: المنهج الوجودي، هو محاولة لدمج المنهجين الأولين معاًز فهو يقبل المنهج الطبيعي، ولكنه يذهب إلى ما هو أبعد منه عن طريق تعيين الحقيقة الكتابية عن طريق التلاقي بين استجابة المفسر، وشهادة المؤلف الكتابي لاختبار ديني مماثل.

الرابع: المنهج العقائدي، وهو الأخير، وفيه يتم توفيق أي تفسير لكي يتلاءم مع نظام عقائدي محدد مسبقاً أو مع سلطة خارجية. يتم استخدام هذا المنهج غالباُ بواسطة أولئك الذين ينادون بواحد من المناهج الثلاثة السابقة. بالإضافة لذلك، بعض المؤمنين، الذين يتبنون مناهج أخرى سليمة، قد يخطئون بأن يستبعدوا عقائدياً المعنى الواضح للنص ليك يجعلوه متفقاً مع نظام معين للمبادئ، أو مع سلطة بشرية ما، أو حتى مع اختبار شخصي. القليلون هم الذين يعترفون بتبنيهم لهذا المنهج، ومع ذلك فهو شديد الانتشار، وجميعنا معرضون للسقوط في التجربة.

من الواضح أن هذه المناهج لفهم الكتاب المقدس تختلف بصورة أساسية بحيث أن المعنى الذي يجده الشخص في الكتاب المقدس يختلف بصورة جذرية من منهج لآخر. فعلى سبيل المثال، خذ مثلاً قصة غزو يشوع لأريحا (يشوع 6). المنهج الطبيعي قد يرى الرواية على أنها قصة قديمة تم اختلاقها (حيث أن الأسوار لا تسقط عادة نتيجة لأصوات الأبواق) لكي تعلمنا عن انتصار الخير على الشر، بما يخالف التوقعات.

وحيث أن المنهج فوق الطبيعي يبحث عن معنى خفي، فقد يرى في السير حول الأسوار في صمت دعوة للمسيحيين لكي يشهدوا “بسيرهم” في صمت لمدة ستة أيام في الأسبوع إلى أن يتمكن القائد (الواعظ) في يوم الأحد من إعلان البشارة، وعندها تنهدم أسوار عدم الإيمان وتسقط ويتجدد الناس. أما المنهج الوجودي فقد يركز على الدعوة إلى الإيمان الديني الشخصي الذي كان في محور اهتمام الكاتب. فالقصة بالنسبة للشخص الذي يعتنق المنهج الوجودي قد تكون مجرد أسطورة فقط، لا تحمل التفاصيل فيها أية أهمية.

أما بعض من أصحاب المنهج العقائدي فسيواجهون مشكلة خاصة بقتل أهل أريحا بحسب أمر الله – فالإله المحب لا يمكن أن يأمر أبداً بقتل أناس أبرياء. بينما آخرون منهم قد لا يواجهون مشكلة في ذلك على الإطلاق، إذ يؤمنون بأن أهل أريحا قد خلقوا لأجل اللعن والدينونة على أية حال.

تقوم الفصول من الثاني وحتى الخامس من هذا الكتاب بمناقشة، بالترتيب، العناصر الدقيقة وتلك غير الدقيقة في تفسير الكتاب المقدس، باستخدام المناهج الطبيعية، وفوق الطبيعية، والوجودية، والعقائدية. من المهم أن نبدأ بهذه النظرة الشاملة، حيث أن العديد من المفسرين اليوم يميلون نحو واحد من هذه المناهج.

إن ميزان هذا الكتاب يحدد منهجاً أساسياً لفهم وتطبيق الكتاب المقدس، بطريقة يعطي قيمة كاملة لكل من تأليفه البشري والإلهي. البعض أطلق على هذا، منهج “دراسة القواعد – التاريخي”، لكن هذا المصطلح يفترض فقط بعضاً من المبادئ الكثيرة اللازمة لفهم أساليب التواصل البشري. وهو لا يشمل على الإطلاق بُعد التواصل الإلهي الذي يعدل، في بعض النواحي، المنهج الطبيعي لفهم اللغة البشرية.

ربما يمكننا أن نطلق على هذا المنهج الاسم الذي أطلقه عليه الكتاب المقدس، والذي سنسعى لأن نتبعه، وهو منهج “تحليل أسلوب التواصل البشري/الإلهي”. لكن دعونا أولاً نفكر في تلك المناهج التي تخطئ في فهم وتطبيق الكتاب المقدس عن طريق تركيزها الزائد على سمة واحدة من الكتاب المقدس على حساب سمات أخرى.

 

متطلبات وشروط تفسير الكتاب المقدس

تقييم المستخدمون: 4.77 ( 3 أصوات)