الردود على الشبهات

ولكن بعضهم شكّوا، فيمَ شكّوا؟ | هل عبد التلاميذ يسوع؟

“وَلكن بَعْضَهُمْ شَكُّوا”

فيما شكوا؟

هل عبد التلاميذ يسوع؟

ولكن بعضهم شكّوا، فيمَ شكّوا؟ | هل عبد التلاميذ يسوع؟

 

“وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذاً فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ. وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا. فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلاً: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ»” (مت 28 : 16 – 20).

 

يسرد النص مقتطفات من أحداث اللقاء الأخير بين يسوع و التلاميذ و هو على الأرض. كان يسوع قد أمرهم أن ينطلقوا إلى جبل الزيتون، و قد فعلوا. و بمجرد أن رأى التلاميذ الرب يسوع “سجدوا له”. ثم يذكر البشير بعد ذلك نصاً مُكوناً من ثلاث كلمات فقط، و لكن لهم معنى كبير جداً.

 

لم يكن شك التلاميذ أن يسوع قد قام حقاً من الموت، لأن فى كل مرة كان التلاميذ يشكون فى قيامة يسوع، كان يدعوهم للتأكد بأنفسهم أنه جسد من لحم و دم، فأنظر كمثال لو 24 : 38 – 43 و يو 20 : 27. و لكن الربط بين سجود التلاميذ، و شكهم، و رد فعل يسوع لهذا الشك، يحمل الكثير ليخبرنا عن شك التلاميذ. فقد قام يسوع من الموت، و تأكدوا بذلك بأنفسهم مرات عديدة، و هذا هو لقاءهم الأخير معه. و بترتيب النقاط الثلاث فى ضوء ثقتهم أن يسوع قد قام من الموت:

 

1- سجود التلاميذ ليسوع.

2- شك البعض منهم.

3- رد فعل يسوع.

 

نستطيع أن نكون صورة واضحة. فسجود التلاميذ ليسوع لم يكن سوى إعتراف منهم بإلوهية السيد المسيح له المجد، و سيادته فوق الخليقة بأكملها. يظهر هذا بشكل واضح، خاصةً فى ضوء قول المتقدم بين الرسل القديس بطرس بعدما سجد له كرنيليوس:”وَلَمَّا دَخَلَ بُطْرُسُ اسْتَقْبَلَهُ كَرْنِيلِيُوسُ وَسَجَدَ وَاقِعاً عَلَى قَدَمَيْهِ. فَأَقَامَهُ بُطْرُسُ قَائِلاً: «قُمْ أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ»” (أع 10 : 25 – 26). و نقرأ فى سفر الرؤيا أن حتى الملاك لا يُسجد له:”فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ لِلَّهِ. فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ” (رؤ 19 : 10)، و أيضاً:”وَأَنَا يُوحَنَّا الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ وَيَسْمَعُ هَذَا. وَحِينَ سَمِعْتُ وَنَظَرْتُ، خَرَرْتُ لأَسْجُدَ أَمَامَ رِجْلَيِ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُرِينِي هَذَا. فَقَالَ لِيَ: «انْظُرْ لاَ تَفْعَلْ! لأَنِّي عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الأَنْبِيَاءِ، وَالَّذِينَ يَحْفَظُونَ أَقْوَالَ هَذَا الْكِتَابِ. اسْجُدْ لِلَّهِ»”. إذن، فإن تعليم العهد الجديد واضح كل الوضوح: لا سجود لإنسان قط، ولا لملاك، ولا لأى من كان؛ إنما السجود لله فقط. بل و يظهر بكل وضوح لكل من يدرس الخلفية اليهودية لمفهوم السجود. فسجود التلاميذ فى الحقيقة، هو عبادة ليسوع. بل إن كلمة “سجدوا” προσκυνέω فى العهد الجديد، لا تُشير إلا للعبادة. ففى ستين مرة وردت هذه الكلمة فى العهد الجديد، لم ترد إلا عن تقديم العبادة (1). لذلك، نجد كافة الترجمات الإنجليزية، ترجمت الفعل “سجدوا” إلىWorshiped، أى “عبدوا”.

 

من هذا السياق، نفهم أن التلاميذ الذين شكوا، شكوا فى كون يسوع مستحق للعبادة! و هذا واضح تماماً بالقرينة. بذلك نستطيع فهم تصريح يسوع المباشر و القوى:”دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ”، على أنه رد فعل لشك بعض التلاميذ فى كونه مستحقاً للعبادة. فحينما رآهم قد شكوا، صرح لهم أنه هو الذى يملك السلطان على كل شىء فى السماء و على الأرض. بكلمات أخرى، ثبت إيمانهم، و أكد لهم أنه يستحق بالفعل العبادة و السجود.

 

فى هذا النص نصل إلى حقيقتين: أن يسوع أعلن عن لاهوته، و أن التلاميذ عبدوه.

 

لم تكن هذه هى المرة الوحيدة التى عبد فيها التلاميذ يسوع، بل فى أحداث كثيرة، و أوقات متعددة، قدم التلاميذ ليسوع العبادة. فيما يلى بعض النصوص التى عبد فيها التلاميذ يسوع، و التى تُرجِمت فى كافة الترجمات الإنجليزية إلى الفعل Worship”عَبد”:

 

“وَالَّذِينَ فِي السَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: «بِالْحَقِيقَةِ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ!»” (مت 14 : 33).

“وَفِيمَا هُمَا مُنْطَلِقَتَانِ لِتُخْبِرَا تَلاَمِيذَهُ إِذَا يَسُوعُ لاَقَاهُمَا وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمَا». فَتَقَدَّمَتَا وَأَمْسَكَتَا بِقَدَمَيْهِ وَسَجَدَتَا لَهُ” (مت 28 : 9).

“فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ” (لو 24 : 52).

 

فى كل هذه النصوص، أستُخدِمت نفس الكلمة اليونانية، و تُرجِم الفعل فى الإنجليزية إلى Worship بتصريفاته المختلفة.

 

هنا يجب أن نتذكر كلام يسوع للشيطان حينما جربه:”اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ” (مت 4 : 10). فمن هذا النص، يتبين لنا أن يسوع كان محافظاً على تقليد العهد القديم، أن السجود لا يكون سوى للرب الإله، و أنه هو وحده مستحق العبادة. و لكن حينما سجد التلاميذ ليسوع، لم يوبخهم، و لم ينتهرهم، و لم يمنعهم. لقد كان رد فعل يسوع هو قبول عبادتهم الحقيقية، بل و حينما شكّوا فيه، كان رد فعله أن شجعهم و ثبت إيمانهم، بتصريحه أنه هو الذى يملك كل سلطان فى السماء و الأرض! رغم أننا نلاحظ فى الأناجيل، أن يسوع كان دائم التوبيخ للتلاميذ حينما يخطأون، حتى أنه لم يتردد أن يلقب بطرس بـ “الشيطان” لأنه اخطأ (مت 16 : 23؛ مر 8 : 33). هذا يعنى أن صمت يسوع كان موافقة حقيقية، بل و حتى تأكيد و إثبات و تسليم بحقيقة سجودهم و عبادتهم له.

 

إذن، فنحن أمامنا عدة نقاط ثابتة و واضحة:

 

1- تعليم العهد الجديد ثابت و واضح: لا سجود إلا لله.

2- السجود فى العهد الجديد هو العبادة فقط.

3- التلاميذ سجدوا ليسوع فى العهد الجديد أكثر من مرة.

4- يسوع لم يوبخ التلاميذ لأنهم سجدوه و عبدوه.

5- يسوع شجع التلاميذ حينما شكو فى مدى إستحقاقه للسجود و العبادة، و أعلن لهم لاهوته.

 

إذن فنحن أمام حقيقة لا تقبل التشكيك موجودة فى العهد الجديد:

 

أن التلاميذ عبدوا الرب يسوع المسيح و سجدوا له…

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

(1) أنظر:

فيرلين فيربروج، القاموس الموسوعى للعهد الجديد، ص 589 – 590

رهبان دير أنبا مقار، قاموس يونانى عربى، ص 113

Thayer, Greek-English Lexicon Of The New Testament, P. 548

Liddel & Scott, A Greek-English Lexicon, 9th ed., P. 1518

Lampe, A Patristic Greek Lexicon, P. 1174-1176