الردود على الشبهات

مهما؟ ولاهوت المسيح

مهما؟ ولاهوت المسيح

مهما؟ ولاهوت المسيح
مهما؟ ولاهوت المسيح

 

“فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ” (يو 5 : 19).

 

الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا، مع الإصحاح العاشر، هما تاج إعلان يسوع عن لاهوته. كنت أحب أن أضع تعليقاً كاملاً على الإصحاح الخامس، و لكن سأكتفى هنا بهذا النص، و الذى تناوله الأخ egoemi فى سؤاله فى المناظرة.

 

تصريح يسوع بأنه لا يقدر أن يفعل من نفسه شيئاً، ورد مرتين فقط فى العهد الجديد، و كلاهما فى الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا. النص الأول هو هذا النص محل النقاش. أما المرة الثانية فهى العدد الثلاثين. فى المرة الثانية التى نطق فيها المسيح بهذا التعبير، كان يتكلم عن يوم الدينونة، يوم ستقف أمامه كل الخلائق ليدينها، و هو فى هذا الوقت سيحاسب كل فرد بحسب ما فعل، ولا يقدر أن يقدم شىء لأى إنسان، لأن عمل الإنسان هو الذى سيحكم عليه. فى هذا السياق، فإن قوله:”أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي”، فهو لا علاقة له بقدرته و قوته أبداً، بل أنه يقول ببساطة أنه لن يقدر أن ينقذ إنسان بعد موته و إنتهاء فرصته، بل كما سيسمع من الإنسان سيحاكمه. و لأنه عادل و دينونته عادلة، فلن يستطيع أن يُدِخل من عمل شراً و نشر الفساد فى الأرض إلى ملكوته الأبدى. هو لا يستطيع أن يفعل ذلك، لأنه إله عادل. فى سياق النص يتضح لنا المعنى الصحيح للنص

.

أما النص الثانى، و هو محل دراستنا، فهو يتحدث عن مفهوم آخر تماماً.

 

إن قول المسيح عن نفسه أنه لا يقدر أن يفعل من نفسه شيئاً، لا يُمكِن أن يُفهَم إلا بالقرينة التالية. فالإبن لا يستطيع أن يفعل إلا ما يرى أن الآب يعمله، ليس إلا لسبب واحد، أن ما يفعله الإبن هو ذاته ما يفعله الآب. و هذا كله لا يُفهم مغزاه إلا فى سياق النص الكامل. فى الحقيقة، لو تأملنا هذه العبارة، سنجد أنها جاءت كرد فعل لطلب اليهود أن يقتلوا يسوع، لأنه قال “أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ” (ع 17)، مما جعل اليهود يفهمون أن الله “أبوه” معادلاً نفسه بالله. و قد أشار الأخ egoemi على أن سبب فهم المعادلة بالله، رغم أن من اليهود من دُعِى بلقب “إبن الله”، هو أن المسيح هو الوحيد الذى كان ينادى الآب بـ “أبى”. يعلق كريج س. كينر قائلاً:”هنا يعدل يسوع فهمهم بتطبيق إستعارة أخرى، فكانت الحكمة الشائعة أن الأبناء يقلدون أبائهم، لكن الهجوم مازال بعد هذا مستمراً، حيث أن المسيح يدعى أنه إبن الله بمفرده، بطريقة فريدة لا تتضمنهم معه” (الخلفية الحضارية للكتاب المقدس، المجلد الأول، ص 244).

 

لذلك جاء النص محل الدراسة، كتحدى لليهود، و إعلان صريح عن تمايز الآب و الإبن أقنومياً، و هو ما يظهر فى كونهم اثنين، و وحدانيتهما فى الذات و الجوهر، و هو ما يظهر فى ضرورة إلتزامهما بذات العمل، لأنهما لا يستطيعان الإنفصال جوهرياً و ذاتياً. لذا فحينما يقول المسيح ” مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ”، فهو يتكلم عن جوهر واحد، لا يُمكن أن ينفصل أقانيمه عن بعض أبداً.

 

لاحظ أقوال المسيح التالية:

“لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ” (ع 20)

 

“كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ” (ع 21)

 

“لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ” (ع 23)

 

“كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ كَذَلِكَ أَعْطَى الاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ” (ع 26)

 

كل نص من هذه النصوص التى نطق بها المسيح، هو سهم نارى يُشع بلاهوت المُخلص. لا يُوجد أحد يقول أن إنجيل يوحنا لا يشهد للاهوت المسيح إلا إثنين: شهود يهوه، و المسلمين. لا أعرف كيف يفهمون هذه النصوص، و كيف هناك من يستطيع أن يعاند بأن المسيح لم يعلن عن لاهوته رغم وضوح و قوة هذه النصوص الدامغة. فـ “مهما” عمل الآب، فالإبن يفعله أيضاً. كل شىء يعمله الله الآب، يفعله إبن الله.

 

النص واضح لا يقبل التشكيك، و كل من ينكره يخدع نفسه و يسير على هواه، فينتقى ما يريد و ينتخب ما يحب من الكتاب المقدس!

 

السؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل يُوجد إنسان يستطيع أن يفعل كل ما يفعله الله؟! هل يوجد إنسان يستطيع أن يقول أن “مهما” عمل الله، فإنه أيضاً يستطيع أن يعمله؟! هل يوجد نبى سواء كان حقيقى أو كاذب، إدعى هذا الأمر؟!

 

يسوع المسيح إدعى ذلك، يسوع المسيح إدعى أنه الله، و عمل أعمال الله، و قيامته من الموت هى برهان حقيقة ما إدعاه…