الردود على الشبهات

هل خلق الله الإنسان لكي يموت؟ ولماذا لم يخلقه منذ البداية خالداً وغير مائت؟

هل خلق الله الإنسان لكي يموت؟ ولماذا لم يخلقه منذ البداية خالداً وغير مائت؟

هل خلق الله الإنسان لكي يموت؟ ولماذا لم يخلقه منذ البداية خالداً وغير مائت؟
هل خلق الله الإنسان لكي يموت؟ ولماذا لم يخلقه منذ البداية خالداً وغير مائت؟

هل خلق الله الإنسان لكي يموت؟ ولماذا لم يخلقه منذ البداية خالداً وغير مائت؟

ج 92 – لم يخلق الله الإنسان أصلاً لكي يموت، بل لكي يحيا ويشاركه أبدياً في حياته الأبدية الخالدة. ومع أن الإنسان خُلق من العدم – أي من طبيعة ليس عندها الحياة في ذاتها – إلا أن مشاركة الإنسان “بطبيعة الله الإلهية” (2بطرس 1: 4)، الذي عنده وحده الحياة في ذاته (يو 5: 26)، كان من الممكن أن تمنحه الخلود وعدم الموت. لكن شرك هذه المشاركة – والتي يسميها الآباء بالتأله – هو أن يكون الإنسان قديساً “كما أن الله قدوس” (لا 11: 45؛ 19: 2). وهو ما أوضحه بولس الرسول: «اختارنا فيه (في المسيح يسوع) قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة» (أفسس 1: 4).

بكلمات أخرى، إن خلق الله الإنسان على صورته ومثاله (تك 1: 6)، ما هو – بحسب الآباء – سوى إعطائه الإمكانية لتحقيق القداسة والكمال على مثال الله، وبالتالي دعوته للحصول على الخلود والحياة الأبدية. وعليه، إن وضع الإنسان الأول «في جنة عدن ليعملها ويحفظها»، وإعطاءه وصية لكي يعمل بها، وإنسانة «معينة له نظيره»، لكي يتعاون معها…. – بحسب التعابير الرمزية لرواية التكوين (تك 2: 15-) – هو بالذات الإطار الملائم لتدريب الله له على حياة القداسة والكمال، من أجل إيصاله إلى مشاركته، بالنعمة، في طبيعته الإلهية، مما يعطيه الخلود والحياة الأبدية.

على عكس ما أراده الله – وكما أشارت رواية التكوين ذاتها المفعمة بالمعاني العميقة – فالإنسان لم يختر أن يطيع الله، رغم عنايته المحبة وتحذيراته الواضحة، وانساق بكامل حريته وإرادته لمشورة «الحية القديمة المدعو إبليس» (رؤ 12: 9). لهذا، لم يتوصل أن «يأكل من شجرة الحياة في وسط الجنة (الفردوس)» (تك 2: 9). وهو ما يعني عدم تحقيقه دعوته، لذا «طرد من جنة عدن»، أي توقفت شركته مع الله، فتوقف مرور نسغ الحياة الإلهية إليه. وبهذا تحقق تحذير الله المسبق للإنسان: «لأنك يوم تأكل منها (من شجرة معرفة الخير والشر) موتاً تموت» (تك 2: 17).

وهنا نلفت الانتباه إلى أننا استعملنا كلمة “تحذير” ولم نستعمل كلمة “تهديد” أو “توعد”، لأننا لا نتقف مع اللاهوت الغربي في موقفه الرسمي بصدد الموت، إذ قال حرفياً في مجمع تريدنت (1546)، وهو من أهم المجامع المسكونية البابوية: «إذا لم يعترف أحد بأن الإنسان الأول آدم قد استحق، بسبب تعديه الوصية، غضب الله وسخطه، وبالتالي الموت الذي توعده به قبلاً، فليكن محروماً». فالله لفائق محبته للبشر – وهو ما يشدد عليه اللاهوت الآبائي – حذر الإنسان مسبقاً كي يمنع عنه مصير الموت الرهيب، الذي سيسببه لذاته، في حال مخالفته وصاياه. من أقوال الآباء القديسين الذين عبّروا عن موقف الكنيسة، المتسلم عن الرسل، من دخول الموت إلى العالم، نقتطف:

«لو أن الله منذ البداية خلق الإنسان خالداً، لكان قد صنع الله ذاته. أيضاً لو كان قد خلقه مائتاً لكان قد بدا بأن الله هو مسبب موته. لم يخلقه، إذاً، لا خالداً ولا مائتاً… بل قابلاً للاثنين، لكي يتجه إلى ما هو متعلق بالخلود فيحفظ وصية الله، ويأخذ من لدن الخلود ويصير إلهاً. لكنه، لو على العكس، تحول إلى ما هو متصل بالموت، مخالفاً لله، لأصبح هو لنفسه مسبباً للموت، لأن الله أبدع الإنسان حراً وذا سلطان ذاتي». (القديس ثيوفيلوس الأنطاكي).

«الله حياة وفقدانه موت، حتى أن آدم هو الذي صنع الموت لنفسه بابتعاده عن الله، بحسب المكتوب أنه “هوذا البعداء عنك يبيدون” (مز 73: 27). (القديس باسيليوس الكبير).

«كإله، لم يصنع لا موت النفس ولا موت الجسد، ولم يقل من قبل محدداً مسبقاً: موتوا (سوف أميتكم) في أي يوم تأكلون، ولا حتى الآن قال: عد إلى الأرض، بل سوف تعود، معلناً مسبقاً ومحذراً، وليس مانعاً النتيجة العادية». (القديس غريغوريوس بالاماس).

أما سماح الله بموت الإنسان – بعد المخالفة – وعدم منعه له، فلم يكن سببه غضبه وسخطه، بل رحمته الإلهية:

«حدث هذا (السماح بالموت) لأن الله قد وهب للإنسان إحساناً عظيماً، كي لا يبقى إلى الأبد في الخطيئة» (القديس ثيوفيلوس الأنطاكي).

«لم يمنع (الله) الانحلال (انحلال الجسد) … كي لا يحافظ لنا على المرض (مرض الخطيئة) غير مائت» (القديس باسيليوس الكبير). (الأبد د. جورج عطية).

++++

«إلى درجة أن (الإنسان) وقف بمعزل عن الحياة، بالمقدار نفسه اقترب أيضاً من الموت. لأن الحياة هي الله والحرمان من الحياة هو موت. هكذا، أعد آدم الموت لنفسه بواسطة انسحابه من الله، كما كتب: “إن الذين فصلوا أنفسهم عنك هم ضائعون”. لهذا، لم يخلق الله الموت، لكننا جلبناه على أنفسنا بغايتنا الشريرة. ولا منع (الله) الفناء، بسبب الأسباب المذكورة سلفاً: بحيث لا يبقى المرض فينا بدون موت» (القديس باسيليوس الكبير).

«أنت وحدك غير المائت، يا من صنعت الإنسان وجبلته. فنحن البشر إذاً قد خلقنا من الأرض وإلى الأرض سنذهب كما أمرت يا جابلي، وقلت لي: إنك أرض أنت، وإلى الأرض تعود، حيث نذهب نحن البشر جميعاً صانعين مراثي التجنيز بتسبحة هللويا» (خدمة جناز العلمانيين)