عام

ويليامز مع الإيمان العلمى وشهادته عن نص العهد الجديد

 ويليامز مع الإيمان العلمى

 ويليامز مع الإيمان العلمى
ويليامز مع الإيمان العلمى

 

القراء الاعزاء،

 

معنا اليوم في حوار حصري للإيمان العلمي، العالم بيتر ج. ويليامز. ويليامز هو ناظر تيندال هاوس، و يُدرّس فى جامعة كامبردج، و من أكبر المتخصصين في اللغة السيريانية القديمة. له الكثير من الأعمال المرتبطة بالنقد النصى للعهد الجديد، من ضمنها الكثير من الدراسات حول الترجمات السيريانية القديمة للعهد الجديد. يعرفه الكثيرون منكم من خلال مدونته “النقد النصي الإنجيلي“. من أبرز ما قام به في الرد على بارت إيرمان، هو مراجعته الشاملة و التى ستُنشر قريباً بالعربية، بالإضافة إلى مناظرته مع إيرمان في أحد البرامج الإذاعية البريطانية.

د. ويليامز، نحن سعداء بوجودك معنا اليوم، و دعني ابدأ ببعض الأسئلة الحيوية و التى تقع في صلب اختصاصك:

1- بصفتك متخصص في اللغة السريانية القديمة، هل تعتقد أن البشيرين حرفوا رسالة يسوع أثناء ترجمتهم لها لليونانية؟

بعد زمن الإسكندر الأكبر، أصبح الكثيرون في الشرق الأوسط يعرفون اليونانية. وفي زمن خدمة يسوع، كان الكثير من اليهود في اليهودية و الجليل يتكلمون اليونانية، حتى أنه كان هناك مجامع يهودية تتحدث باليونانية. و قد كانت الآرامية هى لغة الكلام في المنازل، و لكن اليونانية هى لغة الوثائق الرسمية. و كان هناك كثير من الناس يعرفون اللغات، و يعرفون كلاً من اليونانية والآرامية، و كان بمقدرتهم أن يتأكدوا أن رسالة يسوع لم تُفقد حينما كُتِبت باليونانية.

2- كيف ترى النص الأصلي للعهد الجديد؟

النص الأصلي للعهد الجديد هو الصياغة التى أعطاها الله من خلال المؤلفين البشريين.

3- ما الذى يعنيه أن الكتاب المقدس هو كلمة الله المُوحى بها؟

يعنى أن كل كلمة في الكتاب المقدس أُعطِيت من الله وأنه مؤلف الكتاب المقدس بأكمله. غير أن الإعتقاد المسيحي أن الله أوحى الكتاب المقدس، يختلف بشكل تام عن الاعتقاد الإسلامي في القرآن. يعتقد المسلمون أن القرآن هو كلمة الله و ليس كلمة البشر. بينما يعتقد المسيحيون أن الكتاب المقدس هو كلاً من كلمة الله وكلمات البشر، و لكن بطريقة تجعل الكتاب المقدس محمي من الخطأ البشرى. هذا يعني أن المسيحيين يستطيعون الكتابة حول كيفية إختلاف أسلوب مؤلف بشري ما من آخر. في الحقيقة، إن المسيحيين يستخدمون حتى هذا الأمر كاحتجاج لحقائقية الكتاب المقدس: فالأمر المدهش هو أن رغم وجود مؤلفون كثيرون كتبوا عبر زمان طويل، فإنهم يتفقون. ولابد أن هذا هو عمل الله.

4- هل هناك أية أدلة على أن متى، مرقس، لوقا، و يوحنا، كتبوا أناجيلهم؟

متى ويوحنا كانوا تلاميذ ليسوع. مرقس ولوقا لم يكونا كذلك، لكنهما كتبا معتمدين على معلومات أُعطِيت من شهود عيان وتلاميذ يسوع. الأمر المدهش حول مرقس ولوقا، هو أنهما كانا ليكونا غير معروفين في حالة عدم وجود إنجيليهما. بكلمات أخرى، لم يكونا مشهورين ليتمكن أي شخص من تزوير كتاب باسميهما. لا أحد كان سينسب كتاب ما لهما لأن بدون هذين الكتابين كانا سيكونان شخصين ثانويين. و الشواهد المبكرة تقول بأن متى كُتِب بيد متى وأن يوحنا كُتِب بيد يوحنا. في الحقيقة، أحد تلاميذ يوحنا يُدعى ايريناؤس كان أمامه نُسخة لإنجيل يوحنا، ويصف ما بداخلها، ثم يقول أنه كُتِب بيد يوحنا. هكذا نحن لدينا ارتباط قريب مدهش جداً بين محتويات الإنجيل وشخص ما يقول أن يوحنا كتبه بالفعل. و عادةً مع الكتابات القديمة، لا توجد شهادة جيدة مثل هذه عن المؤلفين.

5- هل يمكننا أن نثق أننا نمتلك التاريخ الحقيقي ليسوع في الأربع أناجيل؟

الأناجيل الأربعة تضع أدلة كثيرة على حقيقتها. الأناجيل تُشير إلى أماكن، بشر، مجموعات، فن العمارة، الزراعة، الطقس، العملات، أسماء شخصية، و الدين، بطريقة تعكس زمان يسوع بشكل موثوق. أي شخص يخترع قصة ويكتبها بعد زمن طويل متأخر، لن يكون باستطاعته وصف تصميم أورشليم كما كانت قبل أن تُدمر في عام 70 م. و أيضاً أي شخص يخترع قصة لن يستطيع أن يعطي أسماء صحيحة، ومع ذلك فالأناجيل تضع نفس نوعية الأسماء للرجال اليهود والسيدات في القرن الأول.

6- هل كان كتبة الأناجيل معتقدين بواقعية ما يكتبوه؟

بالتأكيد كتبة الأناجيل اقتنعوا أنهم كتبوا الواقع. فلم يظهروا أي شك نحو ما كتبوه و المسيحيون الأوائل كانوا مقتنعين جداً بحقيقة ما كتبوه وكانوا مستعدين أن يموتوا لأجله.

7- يعتقد المسلمون أن يسوع لم يُصلب، فماذا تعتقد في هذا كمؤرخ؟

ليس المسيحيين فقط الذين يقولون أن يسوع صُلب. المؤرخ الرومانى تاسيتوس في كتابه الحوليات، الكتاب 15 و الفصل 44 يقول أن يسوع مات أثناء فترة حكم الإمبراطور طيباريوس على يد الحاكم بيلاطس بونتيوس. كل الناس الأقدمين الذين كتبوا عن يسوع اعتقدوا أنه مات. و المؤرخين لا يجب أن يفضلوا مصادر متأخرة، بعيدة جداً عن الأحداث، بدلاً من الشهادة المشتركة للمصادر الأقدم.

8- هل ادعى يسوع أنه الله؟ إذا كان كذلك، فكيف أثبت ادعاؤه؟

كان يسوع حريصاً ألا يدعي أنه المسيا أمام اليهود على العام. و كان ذلك لأن اليهود توقعوا مخلص سياسي. لو كان يسوع ادعى أمام العامة أنه المسيا، لكانوا فهموه خطأ، و لظن الناس أنه سيخلصهم من الرومان بالقوة. لكن يسوع علّم صراحة أنه هو الخالق، الديان، وغافر الخطايا. وقد تحدث أيضاً عن كونه واحداً مع الآب (الله). و لذلك فإن ادعاءاته كانت ستكون لعنة لو كانت غير حقيقية. ومعجزات يسوع تبين أنه هو الله، لأنه فعل أشياء بسلطته الخاصة والتي يقدر أن يفعلها الله فقط، مثلما قام بتهدئة العاصفة وأقام رجل مات قبل أربعة أيام.

9- ماذا تعتقد حول كتاب “سوء اقتباس يسوع” كناقد نصي؟

أحد الأصدقاء قال لي أن هذا الكتاب في الحقيقة يجب أن يُسمى “سوء اقتباس المخطوطات”. بالنسبة لى، فإن أقسى شيء هو أننا لدينا هنا خبير مؤهل جداً في نص العهد الجديد، يقوم بعمل أفضل ما يمكن من منظور متشكك ليثبت أن المسيحيين غيروا عن قصد أجزاء من العهد الجديد، ليلائم ما أرادوا أن يؤمنوا به. الآن فكر في هذا لدقيقة: إذا كان هذا هو أفضل ما يُمكن أن يقال، فإن الأمر المفاجئ هو مدى قلة النصوص التى تثبت هذا. حيث أن بارت إيرمان يدعي أنه قادر على تحديد أقل من 200 مثال فقط لهذه التغييرات عبر كل المخطوطات لكل العهد الجديد بالكامل، فإن هذا ليس رقماً كبيراً على الإطلاق. بل إن ما يعنيه هذا هو أن هناك متشكك رئيسي عليه أن يعترف بأنه لا يملك دليل على أن أجزاء أخرى، و هى الغالبية العظمى من العهد الجديد، لم تتغير. بعد ذلك حينما نبدأ في النظر في الأمثلة التى يعطيها، سنجد أن هناك مشكلات كثيرة في أمثلته. فهو غالباً ما يقول أن هناك مخطوطة بها عادة للتغيير بطريقة ما، حينما يكون هذا التغيير في المخطوطة هو ببساطة تغيير عفوي، و ليس تغيير مُتعمد. بالإضافة إلى ذلك، فهو إنتخابى في الدليل. ففي كل الأمثلة التى يطرحها ويدعي أن النُساخ أزادوا من مكانة يسوع، نستطيع أن نجد أمثلة مقابلة حيث يحدث العكس تماماً. و مع ذلك، فهو يتجاهل هذا الوجه الآخر للدليل. وأنا أتخيل أنه في خلال العقد القادم، سيبدأ العلماء الشك في كل اتجاه في قضية بارت إيرمان، كما هي معروضة في كتاب سوء اقتباس يسوع، و بأكثر تفاصيل في كتاب الإفساد الأرثوذكسي للكتاب المقدس.

10- كيف تعامل آباء الكنيسة مع القراءات النصية في عصورهم؟ هل شعروا بأى خطر بسبب هذه القراءات؟

يخبرنا بارت إيرمان أننا لا نمتلك أصول العهد الجديد، بل فقط نُسخ عن نُسخ عن نُسخ. تخيل الآن أنك ذهبت للقديس أغسطينوس (354 – 430 م) وقلت له أن مخطوطات الكتاب المقدس التي يمتلكها هي مجرد نُسخ عن نُسخ. سيقول لك:” بالطبع أنها نُسخ. هل هناك خيار آخر؟” فلأكثر من ألف وأربعمائة عام كانت كل الكتب المقدسة هي نُسخ مكتوبة بخط اليد. كل المسيحيون عرفوا هذا وكانوا أيضاً مدركين أن النُساخ قد يقعوا في أخطاء. غير أنه لم يعتقد أحداً “أبداً” أن هذا يجعل الإعتقاد المسيحي الأساسي – وهو أن الله تكلم و أعطى هذه الكتب والتي يجب أن تُسمع و تُطاع – محل شك أبداً. إذا قال أحدهم للقديس أغسطينوس أنه لن يطيع كلمة الله في الكتاب المقدس لأن النسخة التي لديه في المنزل بها خطأ من الناسخ، كان سيُعتبر غبي تماماً. النُسخة المطلقة لم تكن ضرورية حتى يكون من الضروري طاعتها. و البشر لا يستطيعون أن يعذروا أنفسهم من إتباع وصايا الله بالقول أن هناك أشياء صغيرة لم يسمعوها أو لم يفهموها.

11- هل كان النُساخ يقومون بعملهم بحرص واهتمام؟

هناك بعض الأدلة، بالتحديد من التوافق بين البردية 75 والمخطوطة الفاتيكانية، أن الناسخ المسيحي كان حريص جداً و مهتم بحفظ أصغر التفاصيل حتى التهجئة. وبالمثل، قدم ديفيد باركر دليل في مؤتمر العهد الجديد البريطاني بجامعة أبيردين في 4 سبتمبر 2009 أن نُساخ المخطوطة السينائية عملوا معًا كفريق عمل، يعني أنهم كانوا قادرين على إزالة كل أخطاء النسخ بشكل أساسي عبر كل صفحة كاملة ضخمة. لكن كان هناك ممارسات مختلفة بالطبع. لكن لا يوجد أى دليل أن أقدم النُساخ المسيحيون وقعوا في عدد أكبر من الأخطاء، أكثر مما قد يفعله أى ناسخ معاصر.

12- ما الذى يعنيه مصطلح إيرمان “المسيحيات المفقودة”، وكيف تجيبه؟

يُعرّف إيرمان كل التيارات على أنها أشكال من المسيحية. و هذا يتضمن بالطبع المسيحيون الأرثوذكس، و لكن أيضاً كل أشكال المجموعات التي رأتها الأرثوذكسية على أنهم هراطقة، مثل الغنوسيين. وبالتأكيد هذه المجموعات دعت نفسها مسيحية ببعض الأحيان. و حينما ينظر إيرمان لهذه المجموعات، فهو يعتقد بإخلاص أنه ينظر لأشكال متساوية الشرعية للمسيحية. أكبر مشكلة في ذلك هي أن الكل يجتمع على أن المسيحية بدأت من اليهودية. اليهود، المسيحيون، والمسلمون، يعتقدون أنه هناك إله واحد فقط، وبما أن المسيحية قد تولدت من اليهودية، فالمسيحيون الأوائل اعتقدوا في إله واحد فقط. هذا يعنى أن هذه المجموعات مثل الغنوسيين الذين دعوا أنفسهم مسيحيون و لكن آمنوا بأكثر من إله واحد، لا يمثلون الإيمان المسيحي الأصلي.

13- ما الذى تقوله لأى مسيحي قد يكون قلق حول تاريخ المسيحية؟

إن أقدم التسجيلات التي لدينا للمسيحية قريبة جداً من الأحداث بشكل لا يُصدق. نعرف من رسائل بولس، التي كُتِبت بعد 20 – 25 عام من بداية المسيحية، أن الإعتقاد المسيحي القديم جداً هو أن يسوع مات و قام ثانيةً. المسيحية إنتشرت جداً و بشكل سريع جداً لدرجة أنه من غير الممكن أبداً للمسيحيين أن يقوموا بأي تغييرات هامة للرسالة بعد أن بدأت في الانتشار.

14- ما الذى تقوله لأي مسلم يعتقد بتحريف الكتاب المقدس؟

أنا أشجع أي مسلم أن يقرأ الكتاب المقدس بنفسه. فليتذكر دائماً أن الكتاب المقدس لم يصل لنا عن طريق مجموعة واحدة في مكان واحد مثل روما. هناك مخطوطات قديمة من أجزاء من الكتاب المقدس في المتاحف في كل العالم. و هذه النُسخ غالباً نُسِخت بيد مسيحيون، أو يهود في حالة العهد القديم، لم يعرفوا بعضهم البعض، أو لم يكتبوها معاً. نُسخ من العهد القديم تأتى من مصر، فلسطين، سوريا، اليمن، روسيا، إسبانيا، وإيطاليا، كمجموعة صغيرة من البقية. هل مِن المرجح تاريخياً، أن جميع هؤلاء الناس من كل هذه الدول، اجتمعوا معاً ليفسدوا الكتب المقدسة؟ نفس الأمر ينطبق على الانتشار الجغرافي للعهد الجديد أيضاً. ببساطة، لا يوجد شخص في التاريخ، لا بطريرك، ولا امبراطور، ولا ملك، أو أي شخص آخر إمتلك أو يمتلك القوة ليغير الكتاب المقدس أبداً.

15- أخيراً، كعالم كتابي، هل تأثر إيمانك بالبحث العلمي؟

لقد وجدت أن البحث العلمي يُمكن أن يكون دعم عظيم للإيمان، والإيمان يمكن أن يكون تشجيع حقيقى للبحث العلمي.

شكراً لك د. ويليامز، و أتمنى لك المزيد من الإنجازات التى تفيد البحث العلمي في الكتاب المقدس.