أبحاثإلحاد

من كتب قوانين الطبيعة؟ – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

من كتب قوانين الطبيعة؟ – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

هناك إله - كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ - أنتوني فلو
هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

من كتب قوانين الطبيعة؟ – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

Who Wrote Laws of Nature

لعل أكثر الحجج الداعمة لوجود الإله شهرة وقبولاً من الناحية الحدسية ما تسمى بحجة التصميم Argument form design. وفقاً لهذه الحجة فإن التصميم الواضح في الطبيعة يدل على وجود مصمم للكون. كثيراً ما أكدت على أن الحجة الغائية تنبثق في الواقع من حجة النظام، لأن هذه الحجة مستمدة من النظام المشاهد في هذا العالم، ومن خلال التصميم نتعرف على المصمم، على الرغم من أنني كنت منتقداً للحجة الغائية فإنني منذ ذلك الوقت بدأت أقتنع بأنه إذا ما تم صياغة هذه الحجة بطريقة صحيحة فإنها تمثل حجة مقنعة لإثبات وجود إله. التطورات التي حدثت في مجالين بالخصوص جعلتني أغير وجهة نظري. الأول هو السؤال عن أصل قوانين الطبيعة والأفكار ذات الصلة بالعلماء البارزين، أما المجال الثاني فهو السؤال عن أصل الحياة والتكاثر.

ماذا أعني بقوانين الطبيعة؟ ببساطة أنا أعني بالقانون الاطراد والتماثل في الطبيعة. بعض أمثلة الكتب الدراسية قد توضح ما أقصد:

ينص قانون بويل على أن حجم عينة غازية عند درجة حرارة ثابتة يتناسب عكسياً مع الضغط الواقع عليها.

ووفقاً لقانون نيوتن الأول للحركة:

يظل الجسم في حالته الساكنة (إما السكون التام أو التحرك في خط مستقيم بسرعة ثابتة) ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغير من هذه الحالة.

طبقاً لقانون الحفاظ على الطاقة:

في أي نظام معزول، الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم ولكن يمكن تحويلها من صورة لأخرى.

النقطة المهمة ليست في أن هناك اطرادات في الطبيعة، ولكن المهم أن هذه الاطرادات كلها دقيقة من الناحية الرياضية، وهي كونية وشاملة ومترابطة فيما بينها، اعتبر أينشتين بأن هذه القوانين تمثل “السبب المتجسد”.

السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو كيف جاءت هذه القوانين كحزمة واحدة، هذا هو السؤال الذي بالتأكيد طرحه العلماء من نيوتن إلى أينشتين إلى هيزنبرغ وأجابوا عليه، وجوابهم كان عقل الإله. لم يقتصر هذا النوع من التفكير على العلماء القدماء أمثال إسحاق نيوتن Newton وجيمس ماكسويل James Maxwell، بل امتد ليشمل العددي من العلماء البارزين في العصر الحديث الذين اعتبروا أيضاً أن قوانين الطبيعة عبارة عن أفكار لعقل الإله.

ختم ستيفن هوكنج Stephen Hawking كتابه “التاريخ المختصر للزمن” A Brief History of Time وهو من أكثر الكتب مبيعاً بالفقرة التالية:

“إذا اكتشفنا نظرية كاملة فإنه ينبغي أن تكون مفهومة من قبل الجميع، وليس من قبل بعض العلماء، ولذا علينا جميعاً كفلاسفة وعلماء وأناس عاديين أن نشارك في نقاش السؤال التالي: لماذا نحن والكون موجودون؟ وإذا استطعنا الوصول إلى إجابة لهذا السؤال فإن ذلك يعد بمثابة نصر كامل للعقل البشري، وعندها سوف نتعرف على عقل الإله”. وفي الصفحة التي تسبق الفقرة السابقة تساءل هوكنج “حتى لو كانت هناك فقط نظرية موحدة واحدة ممكنة فإنها سوف تكون عبارة عن قوانين ومعادلات، ولكن ما الذي يمكّن هذه القوانين من أن تصف العالم؟”[1].

كان لدى هوكنج المزيد ليقوله في المقابلة التي تلتها[2]:

“الانطباع الطاغي هو أن هناك نظام، وكلما ازداد اكتشافنا لهذا الكون كلما ازددنا قناعة بأن الكون محكوم بقوانين الطبيعة، ولكن يظل السؤال قائماً لماذا وجد العالم؟ وإن أحببت، فبمقدورك أن ترى الله هو الجواب على هذا السؤال”[3].

من الذي كتب كل تلك الكتب؟

Who Wrote All Those Book?

قبل زمن طويل من هوكنج، استخدم أينشتين اللغة ذاتها، حيث كتب “أريد أن أعرف كيف خلق الإله العالم…. أريد أن أعرف أفكاره أما الباقي فمجرد تفاصيل”[4]. في كتابي “الإله والفلسفة”، كتبت بأننا لا نستفيد كثيراً من هذه الفقرات، فقد قال أينشتين أنه يؤمن بإله سبينوزا Spinoza’s God[5].

يعتبر باروخ سبينوزا Baruch Spinoza أن الإله والطبيعة مترادفان، ويمكن القول دون تردد بأن أينشتين بالنسبة لليهود والمسيحيين والمسلمين كان ملحداً، بل أنه كان “الأب الروحي لجميع الملحدين”. ولكن صدر حديثاً كتاب بعنوان “أينشتين والدين” Einstein and Religion لماكس جامر Max Jammer وهو أحد أصدقاء أينشتين، يقدم صورة مختلفة تماماً عن تأثير سبينوزا على قناعات أينشتين الشخصية.

في الكتاب، بين جامر أن أينشتين كان يعرف القليل عن سبينوزا، وأن أينشتين لم يقرأ لسبينوزا سوى كتاب الأخلاق Ethics، وقد رفض مرات عدة طلبات للكتابة عن فلسفة سبينوزا[6]. وفي رده على إحدى الطلبات، قال أينشتين (إنه لا يملك معرفة مخصصة ليكتب مقالة علمية عن سبينوزا”. رغم أن أينشتين يشترك مع سبينوزا في الإيمان بالحتمية Determinism، إلا أن جامر يعتبر أن لا مسوغ للقول إن أفكار سبينوزا أثرت على فكر أينشتين. لاحظ جامر أيضاً أن أينشتين شعر بأنه قريب من سبينوزا لأنهما يشتركان في حاجتهما إلى الانعزال، وقدرهما بأن يعاد قراءتهما في الإرث اليهودي وأن يتم تجاهلهما في الإرث الديني، ورغم أن أينشتين أشار إلى إيمان سبينوزا بوحدة الوجود فإنه عبر عن نفيه أن يكون مؤمناً بوحدة الوجود أو بالإلحاد[7].

“أنا لست ملحداً، ولا يمكن أن أعتبر نفس مؤمناً بوحدة الوجود. نحن في موقف طفل صغير يدخل مكتبة كبيرة مملؤة بكتب بلغات مختلفة، والطفل يعرف أن هناك من كتب هذه الكتب، ولكنه لا يعرف كيف. هو لا يفهم اللغة التي كُتبت بها هذه الكتب. الطفل يظن بأن هذه الكتب مرتبة بطريقة معينة ولكنه لا يعرف هذه الطريقة، وهذا ما يبدو لي موقف أذكى شخص فيما يخص الإله. نحن نرى العالم منظماً بطريقة رائعة، ويتبع قوانين معينة ولكننا لا نعرف هذه القوانين، وعقولنا المحدودة لا تستطيع استيعاب القوة الغامضة التي تحرك هذه الكويكبات”[8].

في كتاب “وهم الإله” The God Delution، شاطرني دوكنز في موقفي القديم بأن أينشتين كان ملحداً، وبذلك فهو يتجاهل كلام أينشتين المشار إليه أعلاه بأنه ليس ملحداً ولا مؤمناً بوحدة الوجود، وهذا محير لأن دوكنز استشهد في إحدى المرات بجامر، ولكنه ترك عدداً كبيراً من عبارات جامر المهمة عن أينشتين في هذا الشأن.

لاحظ جامر على سبيل المثال رفض أينشتين المستمر اعتباره ملحداً، وقد أعلن في محادثة مع الأمير هيبرتس أمير لونشتين Hubertus of Lowinstein “ما يجعلني أشعر بالغضب أن الناس الذين يقولون بأن الإله غير موجود يستشهدون بكلامي لتأييد آرائهم”. نفى أينشتين اعتناقه الإلحاد لأنه لم يجد أن إنكاره للإله الشخصي[9] Personal God يعني أبداً إنكاره لوجود إله. من المؤكد أن أينشتين لم يؤمن بالإله الشخصي[10] ولكنه قال: “إنه سؤال مختلف إذا ما كان الاعتقاد بالإله الشخصي محل نقاش. دعم فرويد هذا الرأي في آخر مؤلفاته، ولن أدخل أبداً في تفاصيل هذا الموضوع، لأن هذا الاعتقاد بالنسبة لي يفتقر لأية نظرة متعالية للحياة، وأشك أن ينجح أحد في تقديم وسائل عظيمة للبشرية تلبي حاجاتهم الميتافيزيقية”[11].

كملخص ينتهي جامر إلى أن أينشتين كما هو الحال مع ميموندس Maimonides وسبينوزا يرفض بشكل قاطع أي نوع من التجسيد في الفكر الديني. ولكن على خلاف سبينوزا الذي رأي أن النتيجة المنطقية لنفي الإله الشخصي جعل الإله في هوية مشتركة مع الطبيعة، في حين أصر أينشتين على “أن الإله يظهر نفسه في قوانين الكون كروح أعظم من تلك التي للإنسان، وأن على المرء بما يملك من قوى هزيلة أن يشعر بالتواضع”. اتفق أينشتين مع سبينوزا على أن من يعرف الطبيعة يعرف الإله، ولكن ليس لأن الطبيعة هي الإله، ولكن لأن استخدام العلم في دراسة الطبيعة يقود إلى الدين[12].

عقل أينشتين المتفوق

Einstein’s “Superior Mind”

من الواضح أن أينشتين يعتقد بمصدر متعالي لعقلانية العالم، وهو ما يسميه “العقل الفائق”، “الروح الفائقة”، “القوى المنطقية الفائقة” و”القوة الغامضة التي تحرك الكويكبات”، وهذا كان واضحاً في عدد من عباراته: “لم أجد على الإطلاق تعبيراً أفضل من تعبير “إيماني” Religious للوثوق بالطبيعة العقلانية للحقيقة والقدرة الخاصة في الوصول للعقل البشري، في حين أن العلم يفتقر لهذه الثقة، إذا كان المبشرون يريدون أن يستفيدوا من ذلك فهذا شأنهم، فليس هناك علاج لذلك”[13].

بالتأكيد هي القناعة القريبة من الشعور الديني لعقلانية وذكاء هذا العالم التي تتجاوز العلم العلمي نوعياً، هو الاعتقاد الراسخ المرتبط بشعور عميق بأن هناك عقل متفوق يتجلى في عالم التجربة وهو ما يمثل تصوري عن الإله. أي شخص مر بتجربة مكثفة وناجحة في الحقل العلمي سوف يشعر باندفاع من التقديس العظيم للعلانية التي تتبدى في الوجود…. عظمة السبب المتجسد في الوجود[14].

“تديني يتضمن تقديراً متواضعاً للروح المتفوقة اللانهائية التي تظهر نفسها في أدق التفاصيل التي تستطيع إدراكها بعقول واهية وضعيفة. هذه القناعة العاطفية العميقة بوجود القوة المنطقية المتفوقة التي تتبدى في الكون الذي لا يمكن الإحاطة به هو الذي شكل فكرتي عن الإله”[15].

قفزات كوانتمية (جبارة) تقود نحو الإله

Quantum Leaps Toward God

أينشتين، وهو مكتشف النظرية النسبية ليس هو العالم الوحيد الذي ربط بين قوانين الطبيعة وعقل الإله.

رواد فيزياء الكوانتم وهم عظماء المكتشفين في الزمن الحديث من أمثال ماكس بلانك Max Planck، ورنر هيزنبيرغ Werner Heisenberg، أرون شرودنجر Erwin Schrodinger وبول ديراك[16] Paul Dirac، كل هؤلاء صدرت عنهم عبارات بخصوص الربط بين قوانين الطبيعة وعقل الإله سأورد بعضاً مما قالوه لاحقاً.

ورنر هيزنبيرغ Werner Heisenberg وهو مشهور بمبدأ عدم اليقين وميكانيكا المصفوفات Uncertainty Principle and Matrix Mechanics قال: “خلال مسيرة حياتي اضطررت بشك متكرر إلى التأمل في العلاقة بين حقلين من الحقول الفكرية: الحقل العلمي والحقل الديني، ولم أكن قادراً على الإطلاق على الشك بذلك الواقع التي يشيرون إليه”[17]. وفي موضع آخر يقول “لقد سألني أحدهم على نحو مفاجئ: هل تؤمن بالإله الشخصي؟ …. فقلت له هل لي أن أعيد صياغة سؤالك، شخصياً أفضل صياغة السؤال على النحو التالي: هل يمكنك أو أي شخص آخر أن تصل إلى النظام المركزي للأشياء والأحداث التي لا يبدو أن وجودها محل شك بنفس القدر الذي يمكنك الوصول إلى روح soul إنسان آخر؟ وأنا أستخدم لفظة روح soul بشك متعمد حتى لا يساء فهمي. إذا وضعت سؤالك على هذا النحو فإن جوابي سيكون نعم…. إذا كانت القوة المغناطيسية هي التي وجهت البوصلة فمن سيكون مصدر ذلك سوى النظام المركزي؟! إذا كان مقرراً لنا أن ننقرض فإن أموراً فظيعة يمكن أن تحدث للجنس البشري أكثر من مخيمات الغاز أو القنبلة الذرية”[18].

إرون شرودنجر، وهو رائد آخر من رواد الكوانتم وهو الذي اكتشف الموجات الميكانيكية. يقول “إن الصورة العلمية للعالم من حولي ناقصة جداً. إنها تعطيني الكثير من المعلومات الواقعية وتضع كل خبراتنا في نظام رائع الاتساق، ولكن الصمت الرهيب الذي يحيط بقلوبنا هو ما يهم حقاً. إنها لا تستطيع أن تقول كلمة واحدة عن الإحساس باللون الأحمر والأزرق، عن المر والحلو، عن مشاعر البهجة والحزن، إنها لا تعرف شيئاً عن الجمال والقبح، عن الخير والشر، عن الإله والخلود”. تتظاهر العلوم بقدرتها على الإجابة على الأسئلة في هذه الأبعاد، ولكن الإجابات غالباً ما تكون سخيفة جداً بحيث أنها تجعلنا نميل إلى عدم أخذها على محمل الجد. العلم متحفظ أيضاً عندما يكون السؤال عن الوحدة العظيمة التي تنتمي إلى جزء منها، والاسم المشهور في زماننا لهذه الوحدة هو “الإله”. يوصف العلم في العادة على أنه إلحادي، وبعدما قلناه فإن هذا لن يكون مفاجئاً. إذا كانت صورة العالم لا تحتوي حتى على الجمال والبهجة والحزن، فإذا اتفقنا على أن نقتطع منها الشخصية Personality فكيف يمكن لهذه الصورة أن تحتوي على أعظم فكرة عندما تعرض نفسها لعقل الإنسان”[19].

ماكس بلانك، كان أول من عرض لفرضية الكوانتم، وهو يعتقد بطريقة لا لبس فيها بأن العلم يكمل الدين، وهو يؤكد على أنه “ليس هناك أي تعارض بين العلم والدين، لأن كل واحد منها مكمل للآخر”، ويقول بأن “العلم والدين يقاتلان في المعركة ذاتها في حرب صليبية متواصلة ضد مذهب الشك[20] Skepticism وضد الدغمائية[21] Dogmatism وضد الكفر والخرافات… وكنتيجة يقاتلان من أجل الإله[22].

بول ديراك، والذي أكمل عمل هايزنبيرغ وشرودنجر بصياغة ثالثة لنظرية الكوانتم، لاحظ أن “الله هو رياضي بمرتبة عالية جداً، وهو يستخدم الرياضيات المقدمة في بناء الكون”[23]. وقبل أجيال من هؤلاء العلماء، أكد تشارلز داروين Darwin Charles على الفكرة ذاتها بقوله “العقل يقول لي أنه من الصعب بدرجة كبيرة بل من المستحيل أن ندرك هذا الكون الهائل والرائع، بما في ذلك الإنسان مع قابلياته على النظر إلى الماضي البعيد والذهاب بذهنه إلى المستقبل البعيد، ليقول بعد ذلك بأن هذا الكون حدث بالصدفة العمياء أو الضرورة.

عندما أتأمل بذلك أجد نفسي مضطراً للميل إلى السبب الأول الذي يمتلك عقلاً ذكياً يشابه بدرجة ما الإنسان: عندها أستحق أن أوصف بالموحد”[24].

استمر هذا القطار من الأفكار في المسير من خلال كتابات مجموعة من كبار الباحثين العلميين في وقتنا الحاضر، وهؤلاء يتراوحون ما بين علماء من أمثال بول ديفيز Paul Davies، وجون بارو John Barrow، وجون بولكنغهور John Polkinghorne، وفريمان دايسون Freeman Dayson، وفرانسيس كولينز Francis Collins، وأوين جنجريتش Owen Gingerich، وروجر بنروز Roger Penrose، إلى فلاسفة العلوم من أمثال ريتشارد سوينبرن وجون ليزلي John Leslise.

ديفيز وبارو، على وجه الخصوص قاما بتطوير أفكار أينشتين وهايزنبرغ. وغيرهم من العلماء بخصوص العلاقة بين عقلانية العالم وعقل الإله. كلاهما حصل على جائزة تمبلتون على هذا الاكتشاف، وقد صححت أعمالهم الكثير من التصورات الخاطئة الشائعة، كما سلطت الضوء على المواضيع التي نناقشها هنا.

قوانين من؟

Whose Laws?

في كلمته في حفل جائزة تمبلتون، أشار بول ديفيز إلى نقطة وهي “أن العلم يمكن أن يتقدم فقط عندما يملك العلماء نظرة كونية لاهوتية”. لا أحد يسأل من أين جاءت قوانين الفيزياء، ولكن حتى أكثر العلماء إلحاداً يقر كحقيقة إيمانية بوجود نظام في الطبيعة قائم على القوانين، وهذا النظام من جانب منه على الأقل قابل للإدراك من قبلنا”. وقد رفض ديفيز اثنتين من نقاط سوء الفهم الشائعة. يقول ديفيز بأن “الفكرة القائلة بأن نظرية كل شيء ستظهر أن هذا العالم هو العالم المتسق الوحيد منطقياً “هي فكرة خاطئة برهانياً”، لأنه لا يوجد أي دليل على أن العالم ضروري من الناحية المنطقية، وفي الحقيقة من الممكن تخيل وجود عالم بديل متسق منطقياً”. ثانياً، يقول: “من الهراء بكل ما للكلمة من معنى” افتراض أن قواني الفيزياء هي قوانيننا وليست قوانين الطبيعة. سوف لن يصدق علماء الفيزياء أن قانون نيوتن للجاذبية هو صناعة ثقافية. وهو يصر على أن قوانين الطبيعة هي “موجودة واقعياً”، وعملنا هو اكتشافها وليس صنعها.

يلفت ديفيز الانتباه إلى حقيقة أن قوانين الطبيعة التي تحكم الظواهر لم يتم استخلاصها من خلال الملاحظة المباشرة، وإنما تم استخلاصها من التجارب والحسابات الرياضية. القوانين كتبت بشفرة الكون بحيث أن على العلماء التنقيب لفك “رسالة الطبيعة”، رسالة الله وليست رسالتنا”. السؤال الملح كما يقول ديفيز ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

– من أين جاءت الحياة؟

– لماذا لدينا هذه القوانين وليس حزمة أخرى من القوانين؟

– كيف لنا أن نمتلك مجموعة من القوانين التي تحول غازات ساكنة إلى حياة ووعي، وذكاء؟

هذه القوانين “تبدو مبدعة ومحكمة كما يقول بعض المعلقين، ومنها نشأت الحياة والوعي”. ويخلص ديفيز إلى أن هذه “الطبيعة المفتعلة للوجود الفيزيائي بالنسبة لي مجرد معطى، وهي تشير إلى معنى أعمق للوجود”. هذه الكلمات من قبيل الغاية والتصميم – كما يقول ديفيز – تبين بنحو غير كامل ما عليه الكون، “ولكن لا بد أنها تحكي عن شيء ما، ولا شك في ذلك مطلقاً”[25].

في كلمته في حفل تمبلتون لاحظ جون بارو، بأن التعقيد غير المتناهي والبنية الرائعة للكون محكومة بقوانين قليلة بسيطة متماثلة وواضحة. في الحقيقة، “هناك معادلات رياضية، تتمايل على الورق، تخبرنا كيف يسلك هذا الكون بأسره”. على غرار ديفيز، رفض بارو فكرة أن نظام الكون تم رفضه من عقولنا. وعلاوة على ذلك، فإن “الانتخاب الطبيعي لا يتطلب فهم الجسيمات الأولية quarks والثقوب السوداء التي تحمل من أجل بقاءنا على قيد الحياة وتكاثرنا”.

يلاحظ بارو أن هناك في تاريخ العلم نظريات جديدة توسع أو تعيد صياغة نظريات قديمة، على الرغم من أن نظرية نيوتن للميكانيكا والجاذبية قد تم استبدالها بنظرية أينشتين وسيعقبها نظرية أخرى في المستقبل، لكن بعد ألف سنة ما زال المهندسون حالياً يعتمدون على نظريات نيوتن. وبالمثل – كما يقول بارو – فإن التصورات الدينية عن الكون تستخدم التشبيهات والتقريب إلى الأذهان للمساعدة في فهم الأمور النهائية، “إنها ليس الحقيقة الكاملة، ولكن ذلك لا يمنع من كونها جزءًا من الحقيقة”[26].

صانع القوانين الإلهي

The Divine Lawmaker

قلة من الفلاسفة كتبوا عن المصدر الإلهي لقوانين الطبيعة. في كتابه “الصانع اللاهوتي: محاضرات في الاستقراء، قوانين الطبيعة، وجود الإله” ادعى الفيلسوف الأكسفوردي جون فوستر John Foster وجود اطرادات regularities في الطبيعة، ورغم قدرتنا على وصفها، إلا أن أفضل من يفسرها هو العقل الإلهي. إذا كنت تقبل فكرة وجود قوانين، فلا بد أن يكون هناك اطراد في الكون. من هو الفاعل (أو الفاعلين) الذي قام بذلك؟ يرى فوستر أن الخيار التوحيدي هو الخيار الوحيد الجدي كمصدر، ولذلك “فإن هناك ما يبرر الاستنتاج بنحو عقلاني بأن الإله – إله الوحدانية – هو الذي خلق القوانين من خلال فرضه الاطرادات على العالم بوصفها اطرادات”. وحتى لو كنت تنكر وجود قوانين، فإن هناك ما يؤيد تفسير الاطرادات استناداً إلى الله”[27].

في رده على نقد دوكنز لحجته في الغائية، قدم سوبنبيرن رؤية مشابهة: “ما هو قانون الطبيعة؟ (وهذه مسألة لم تواجه أي من نقادي). أن تقول بأن هناك قانوناً طبيعياً هو أن تقول أن كل الأجسام تسلك بنحو معين (مثال: تنجذب إلى بعضها البعض وفقاً لمعادلة معينة)، وهذا بالنسبة لي كأنك تقول أن كل جسم في الطبيعة الضرورية يتصرف بهذه الطريقة (مثال: أن ينجذب كل جسم ما في طريقه)، ولعله أكثر بساطة أن نقل أن هذا التناغم مصدره كيان واحد جعل هذه الأجسام تسلك بهذه الطريقة بدلاً من افتراض أن كل الأجسام تتصرف بطريقة معينة بحكم حقيقة نهائية عمياء”[28].

الحجة المركزية لسوينبرن هو أن الإله الشخصي مع صفاته التقليدية التي له يقدم لنا شرحاً أفضل لعمل قوانين الطبيعة. رفض ريتشارد دوكنز هذه الحجة على أساس أن الإله كحل هو معقد جداً لشرح الكون وقوانينه. هذا الكلام صدمني باعتباره شيئاً غريباً أن تقول ذلك عن تصور كائن روحي على كل شيء قدير. ما هو المعقد في فكرة الإله كامل القدرة وكامل المعرفة، وهي الفكرة التي لبساطتها تم استيعابها من قبل أتباع الأديان الثلاثة العظيمة: اليهودية والمسيحية والإسلام؟ وقد علق بلانتينغا مؤخراً على كلام دوكنز، بالإشارة إلى أنه وفقاً لتعريف دوكنز الخاص، الإله بسيط – ليس معقد – لأنه روح، وليس جسماً مادياً، وبالتالي ليس له أجزاء.

بالعودة إلى مثال التلفون الفضائي الذي طرحته في الفصل السابق، نجد أن قوانين الطبيعة تمثل مشكلة للملحدين لأن صوت العقلانية يسمح من خلا آليات المادة Mechanisms of matter. كتب بول ديفيز “العلم يقوم على فرضية أن الكون عقلاني ومنطقي على كافة المستويات”. وديفيز هو أكثر مفسري العلم الحديث تأثيراً في العصر الراهن، كتب قائلاً: “يزعم الملحدون أن قوانين الطبيعة توجد دون منطق، وأن الكون مناف للعقل. وأنا كعالم، أجد صعوبة في قبول ذلك، يجب أن يكون هناك أساس عقلاني غير متغير يقوم عليه هذا الكون المنظم والمنطقي”[29].

هؤلاء العلماء الذين يشيرون إلى عقل الإله لا يقدمون مجرد سلسلة من الحجج أو عمليه استدلال منطقية. ولكنهم يقدمون رؤية للواقع تنبثق من جوهر تصورات العلم الحديث وتفرض نفسها على الذهن العقلاني. وهي الرؤية التي أجد شخصياً أنها مقنعة ولا يمكن دحضها.

[1] Stephen Hawking. A Brief of Time (New York: Bantam, 1988), 175, 174.

[2] Gregory Benford, “Leaping the Abyss: Stephen Hawking on Black Holes, Unified Field Theory and Marilyn Monroe, “Reason 4.02 (April 2002): 29.

[3] كان هذا هو موقف الفيزيائي هوكنج السابق، ولكن بعدما نشر كتابه الأخير “التصميم العظيم” The Grand Desing الذي حاول فيه تفسير نشأة الكون دون الحاجة لافتراض وجود إله تغير موقفه بنحو واضح، ترجم كتابه الجديد أيمن أحمد عياد، دار التنوير، بيروت، 2013.

[4] Albert Einstein, quoted in Timothy Ferris, Coming of Age in the Milky Way (New York: Morrow, 1988), 177.

[5] Antony Flew, God and Philosophy (New York: Dell, 1966), 15.

[6] Max Jammer, Einstein and Religion (Princeton, NJ: Princeton University Press 1999), 44.

[7] Jammer, Einstein and Religion, 45.

[8] Jammer, Einstein and Religion, 45-46.

[9] الإله الشخصي هو شخص كالإنسان، لكن من دون جسم، ويتفوق عليه في صفاته الكيفية والكمية.

[10] Jammer, Einstein and Religion, 48.

[11] Jammer, Einstein and Religion, 150-218.

[12] Jammer, Einstein and Religion, 148.

[13] Albert Einstein, Letters a Maurice Sclovine reproduits en tacsimile et traduits en trancais (Paris: Gauthier-Vilars, 1956), 102-3.

[14] Jammer, Einstein and Religion, 93.

[15] Albert Einstein, The Quotable Einstein, ed, Alice Calaprice (Princeton, NJ: Princeton University Press, 2005), 195-6.

[16] For the most part, these quotations are taken form Roy Abraham Varghese, The Wonder of the World (Fountain Hills, AZ: Tyr, 2003).

[17] Werner Heisenberg, Across the Frontiers, trans. Peter Heath (San Francisco: Harper & Row, 1974), 213.

[18] Werner Heisenberg, Physics and Beyond (San Francisco: Harper & Row, 1971), excerpted in Timothy Ferris, ed, The World Treasury of Physics, Astronomy and Mathematics (New York: Little, Brown, 1991), 826.

[19] Erwin Schrodinger, My View of the World (Cambridge: Cambridge University Press 1964). 93.

[20] الشكوكية أو مذهب الشك هو اتجاه فلسفي يقول بأن المعرفة الحقيقية في حقل معين هي معرفة غير محققة أو مؤكدة.

[21] الدوغماتية (أو الدوغمائية) هي التعصب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته أو كما هي لدى الإغريق الجمود الفكري. وهي التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي، أو موضوع غير مفتوح للنقاش أو للشك. يعود أصل الكلمة إلى اليونانية ## والتي تعني “الرأي” أو “المعتقد الأوحد”.

[22] Max Planck, Where is Science Going? Trans. James Murphy (New York: Norton 1977), 168.

[23] Paul A. M. Dirac, “The Evolution of the Physicist’s Picture of Nature” Scientific American 208, no 5 (May 1963). 53.

[24] Charles Darwin. The Autobiography of Charles Darwin 1809-1882. Ed. Nora Bartow (London: Collins, 1958). 92-3.

[25] Paul Davies, Templeton Prize Address, May 1995, http://aca.mq.edu.au/paulDavies/prize_address.htm. See also Davies’s “Where Do the Laws of Physics Come From?” (2006). .

[26] John Barrow, Templeton Prize Address, March 15, 2006. .

[27] John Foster, The Divine Lawmaker: Lectures on Induction, Laws of Nature and the Existence of God (Oxford: Clarendon. 2004). 160.

[28] Richard Swinburne, “Design Defended,” Think (Spring 2004): 14.

[29] Paul Davies, “What Happened Before the Big Bang?” in God for the 21st Century, ed. Russed Stannard (Philadelphia: Templeton Foundation Press, 2000).