أبحاثإلحاد

إيجاد مساحة للإله – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

إيجاد مساحة للإله – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

إيجاد مساحة للإله – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو
إيجاد مساحة للإله – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

إيجاد مساحة للإله – هناك إله – كيف غير أشهر ملحد رأيه؟ – أنتوني فلو

Finding Space for God

في المشهد الأول من مسرحية ماكبث Macbeth لشكسبير، وهي إحدى أشهر مسرحياته، يواجه ماكبث وبانكو Banquo وهما إثنان من الجنرالات في الجيش الملكي ثلاثة من الساحرات، حيث تتحدث إليهما الساحرات ثم يختفين. يقول بانکو «الأرض لها فقاعات كما أن للماء فقاعات، وهؤلاء فقاعات كذلك، أين اختفين؟ يرد ماكبث: «في الهواء، ما بدا لك أنه جسد تبخر كهواء في الريح». إنه مسرح ترفيهي وأدب جميل، وفكرة الشخص الذي يختفي «كما الهواء في الريح» نادرا ما تشكل مشكلة لمشاهدي المسرح والأدب، ولكنها في السابق، مثلت عقبة حقيقية للفلاسفة في سعيهم إلى «إتباع الدليل أينما قادهم».

 

لا يوجد أحد هناك There’s No One There

في كتابي «الإله والفلسفة»، وفي منشورات لاحقة له، ذكرت بأن تصور الإله غير متماسك، لأنه يفترض أن الإله روح معنوية حاضرة في كل مكان وزمان، ووجهة نظري كانت مباشرة. الإنسان كما نفهمه بالمعنى المعتاد مكون من لحم ودم، ولذلك فإن قولنا إن «شخص من دون جسد يبدو بلا معنى له مثل قافية الأبيات المنسوبة إلى هنز ميرنز Hughes Mearns:

وأنا أسيرفوق الدرج

قابلت شخصا لم يكن هناك

ولم يكن هناك اليوم أيضا

أه كم أتمنى أن يذهب بعيدا

 أن تقول بأن هناك شخص من دون جسد» مشابه جدا لقولك «هناك شخص ما ليس موجودا هناك». إذا كنا نريد التعرف على شخص من دون جسد، فلابد أن نمتلك وسائل مناسبة للتعرف على ما نسميه «شخص». أستمر الفلاسفة المتأخرون من أمثال بيتر ستراوسن Peter Strawson وبيدي راندل Bede Rundle في تطوير هذا النقد. وفي الآونة الأخيرة، وجدنا نسخة من هذه الحجة في أعمال جون غاسكين John Gaskin أستاذ الفلسفة والزميل في كلية الثالوث بدبلن. فقد كتب غاسکین «غياب الجسد ليس فقط مبرر واقعي للشك في أصل وجود الشخص (لا شخص هناك)، بل هو أيضا مبرر للشك في أن هذا الكيان غير المادي يمكن أن يكون فاعلا[1]. تم الرد على هذا النقد من قبل الموحدين، وقد شهدت فترة الثمانينات والتسعينات صحوة للتوحيد في أوساط الفلاسفة التحليليين. قام العديد من هؤلاء المفكرين بدراسات مطولة عن الخصائص المرتبطة بالإله مثل مفهوم الخلود.

تم الرد على هذا النقد من قبل الموحدين. وقد شهدت الثمانينات والتسعينات نهضة إيمانية في التوحيد في أوساط الفلاسفة التحليليين. قام العديد من هؤلاء المفكرين بدراسات مطولة عن الصفات المرتبطة تقليدية بالإله مثل الخلود.

تصدى اثنان من هؤلاء المفكرين، وهما توماس تريسي Thomas Tracy وبراين ليفتو Brian Leftow بمنهجية المسؤولية الدفاع عن تماسك فكرة «روح معنوية حاضرة في كل زمان ومكان». ففي حين تناول تريسي السؤال عن كيفية تعريف كائن لا مادي، حاول ليفتو أن يبين أن الإله يجب أن يكون خارج المكان والزمان وكيف يمكن أن يتصرف الكائن غير المادي في الكون.

 

كمال الفاعلية The Perfection Of Agency

في كتابه «الإله والفعل والتجسيد» و«الإله الفاعل»، أجاب تريسي باستفاضة على سؤالي كيف يمكن أن يكون هناك شخص دون جسد وكيفية تعريف شخص كهذا. أعتبر تريسي أن الأشخاص (البشري والإلهي) الفاعلين يفعلون عن قصد. وهو يرى الإنسان كفاعل عضوي، كجسد قادر على الفعل القصدي. ولكن على الرغم من أن كل الفاعلين المتجسدین (كأشخاص البشر) يجب أن يكونوا وحدات نفسية (وليست عقول زائد أجساد)، وأنه لا يجب أن يكون كل الفاعلين غير متجسدين.

لا توجد حجة مضادة للثنائية تبين أن الجسد هو شرط ضروري لكينونة الفاعل، طالما أن الشرط الوحيد لكينونة الفاعل هو أن يكون ببساطة قادرة على الفعل القصدي. يرى تريسي أن الإله فاعل، لأن كل أفعاله قصدية. التحدث عن الإله كشخص، هو تحدث عن فاعل يقوم بأفعاله عن قصد. قدرة الإله على الفعل متميزة، والأفعال التي تعزى إلى الإله لا يمكن من حيث المبدأ أن تنسب للفاعلين الأخرين. على سبيل المثال، الإله عبر فعله القصدي، فهو الفاعل الذي يمنح الوجود لكل الكائنات.

لاحظ تريسي أنه يمكن تعريف الإله من خلال النمط الفريد لطريقة فعله. «إذا تصورنا الإله باعتباره الفاعل الكامل، فإنه يمكن القول إن الإله هو فاعل موجد لذاته، وتتبدى حياته كوحدة كاملة من القصد، وهو خالق كل شيء وعلى كل شيء قدير». «أن نقول إن الله يحب، فكأننا نقول إن الله يظهر هذا الحب في أفعاله، وهذه الأفعال تمثل هويته كفاعل. ولكن الله فاعل بحيث أن نمط حياته وقدرته تختلف بشكل جوهري عنا. «بما أن نطاق ومحتوى فعل الإله مميز، فكذلك ستكون خاصية حبه وصبره وحكمته». هذا الفهم للأفعال الإلهية يساعد في إعطاء محتوی لوصفنا للإله بأنه محب أو حكيم، ومع ذلك لا بد أن نعترف بأن فهمنا محدود للغاية[2].

 

التجهيزات الحقيقة للعالم The Real Furniture Of The World

براين ليفتو، وهو أستاذ بجامعة أكسفورد، يعالج هذه الأفكار في كتابه «الزمان والخلود» Time and Eternity. في نقاشي معه، أشار ليفتو إلى أن فكرة الإله الخارج عن الزمان والمكان تتوافق مع نظرية النسبية الخاصة[3] Special relativity. يقول ليفتو «هناك الكثير من الحجج التي يمكن عرضها لبيان أن الإله خارج الزمان. الشيء الذي أثر على أنك إذا أخذت النسبية الخاصة بشكل جاد جدا، فستعتقد بأن كل شيء في الزمان هو أيضا في المكان. إنه مجرد اتصال للأبعاد الأربعة. ليس هناك موحد يقول إن الإله موجود في المكان بالمعنى الحرفي. إذا لم يكن الإله في المكان، وكل من في الزمان هو في المكان، فهذا يعني أن الإله ليس في الزمان. السؤال إذا يصبح هكذا: ما هو المعنى الذي يمكن تصوره لكائن مشابه للشخص خارج عن الزمان؟

يستمر لفتو بالقول «حسنا، الكثير من المحمولات الشخصية لن تنطبق. الإله لا ينسى، أنت تنسى ما هو في الماضي. الإله لا يتوقف عن فعل شيء، أنت تستطيع فقط أن تتوقف عن فعل ما هو في الماضي. ولكن هناك محمولات شخصية، لا يبدو أن مرجعيتها الأساسية: الزمان -الأشياء مثل العلم Knowing، الذي يمكن أن يكون حالة من الميل دون مرجعية زمانية. وسأجادل بأن القصد هو أيضا كذلك. القصد هو حالة من الميل بحيث لو كان شيئا ما سيقع، فإنك ستفعل شيئا ما. ولذلك أنا أميل للاعتقاد بأن هناك أسبابا للاعتقاد بأن الإله خارج الزمان. وأيضا أميل للاعتقاد بأنه يمكننا العثور على معنى من هذا القبيل دون الغوص في مستنقع الوحل.

السؤال الثاني الذي تصدى له ليفتو كان هو: كيف يمكن أن نتكلم عن روح حاضرة بكل زمن ومكان تقوم بممارسة العمل في المكان أو الكون:

«إذا كان الإله غير زماني، فإن أي شيء يفعله سوف يفعله دفعة واحدة[4]، فلا يمكنه أن يفعل شيئا ما أولاً ثم يفعل الثاني بعد ذلك، وإنما هو فعل واحد له تأثير في أزمان مختلفة. قد يقوم الإله بفعل إرادي واحد، بأن يقول بكلمة واحدة أن الشمس سوف تشرق اليوم، وسوف تشرق غداً، إلا أن هذا الشروق يظهر اليوم ثم يظهر غداً. مع ذلك، هذا ليس هو السؤال الأساسي.

السؤال الأساسي هو كيف يمكن أن يكون هناك رابط سببي بين كائن لا زماني ولا مكاني وبين الكون الزماني -المكاني[5]؟ قدرتك على تقديم معنى لذلك يعتمد على تصورك للسببية[6]. إذا كنت تعتقد أن تصور السبب يستبطن بشكل أساسي مرجعية زمانية -مثال: إذا وقع حدث ما، استتبعه حدث أخر وبينهما علاقات معينة-فإن هذا المعنى للسبب سوف يتم استبعاده. ولكن هناك تحليل لا يتضمن مرجعية زمانية أساسية. أنا شخصيا أميل إلى أن تصور السبب لا يحمل تحليلا لأنه مفهوم أولي، والسببية علاقة أولية. إنها جزء من أثاث (تجهيزات العالم. إذا لم يكن لتصور السبب تحليل، فليس ثمة شيء يمكن أن تقتلعه منه عن طريق تحليل ما يستبعد الربط السببي الأولي بين الإله اللازماني والزمان بأسره[7].

إمكانية متماسكة A Coherent Possibility

على أقل تقدير، بينت دراسات تريس وليفتو أن فكرة الروح الحاضرة في كل زمان ومكان ليست غير متماسكة في جوهرها إذا نظرنا إلى هذه الروح خارج الزمان والمكان حيث تقوم بأفعالها القصدية بطريقة خاصة في المتصل الزماني المكاني. السؤال عما إذا كانت هذه الروح موجودة، كما نرى، يقع في صلب حجج وجود الإله.

إما بالنسبة لصلاحية، هذه الحجج فأنا أتفق مع استنتاج كونوي الذي قال فيه: «إذا كان منطق الفصل السابق صحيحا، فإنه لا توجد حجة فلسفية جيدة تنفي وجود الإله لتكون تفسيرا للكون المنظم الذي يظهر لنا. وإن كان الأمر كذلك، فلا يوجد سبب يمنع الفلاسفة للعودة مرة أخرى للتصور الكلاسيكي لموضوعهم، بشرط ألا يكون هناك طريق أخر للظفر بالحكمة»[8].

 

 

[1] John Gaskin, Gods, Ghosts and Curious Persons, unpublished paper.

[2] Thomas F. Tracy, God, Action and Embodiment (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1984), | 147, 153. See also The God Who Acts, ed. Thomas F. Tracy (University Park: Pennsylvania State University Press, 1994)

[3] النظرية النسبية الخاصة أو نظرية التغير the invariant theory، كما كان يسميها أينشتين، وهي التسمية الأكثر دقة، هي نظرية فيزيائية للقياس في إطار مرجعي اقترحها ألبرت أينشتين عام ۱۹۰۵. كبديل عن نظرية نيوتن في الزمان والمكان لتحل بشكل خاص مشاكل النظرية القديمة فيما يتعلق بالأمواج الكهرومغناطيسية عامة، والضوء خاصة. وهي تدعى «خاصة «لأنها تعالج حالة خاصة تتعلق بحركة المراجع المختبرات) بالنسبة لبعضها البعض بسرعة منتظمة وفي خط مستقيم.

[4] يذكرنا هذا بقوله تعالى : وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصرة (سورة القمر، ۵۰).

[5] وهي معضلة تناولها فلاسفة الإسلام ببحث عميق تحت عنوان « ربط القديم بالحادث»، أنظر: «أصول الفلسفة والمنهج الواقعي» للسيد الطباطبائي، وتعليق الشيخ المطهري، المقالة الحادية عشرة، والمقالة الرابعة عشرة.

[6] وهذا بالضبط ما قدمه صدر الدين الشيرازي، عند طرح نظريته في مناط احتياج المعلول إلى العلة، وبين أن مناط تلك الحاجة أن المعلول هو عين الربط والتعلق بالعلة، وليس شيئا يعرض له الربط والتعلق بالعلة.

[7]Brian Leftow, personal conversation with the author, Oriel College, Oxford University, October 2006.

[8] David Conway, The Rediscovery of Wisdom (London: Macmillan, 2000), 134.