نصوص أبائية

العظة الخامسة لوط وبناته – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

العظة الخامسة لوط وبناته – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

عظات أوريجانوس على سفر التكوين
عظات أوريجانوس على سفر التكوين

العظة الخامسة لوط وبناته – عظات أوريجانوس على سفر التكوين

ضيافة لوط

1 كان الملاكان المرسلان لإهلاك سدوم يتوقان إلى الوفاء بما أوكل إليهما في أسرع وقت، معتنين أولاً بمضيفهما لوط لينقذاه، نظراً إلى حسن ضيافته، من النار الوشيكة التي ستدمر كل شيء.

اسمعوا هذا يا من تغلقون بابكم في وجه الغرباء. اسمعوا يا من تتحاشون الضيف كعدو. كان لوط يعيش في سدوم، ولا يذكر الكتاب عنه أي عمل حسن آخر قام به سوى تلك الاستضافة. فقد أفلت من النيران المدمرة، وأفلت من الحريق، لسبب وحيد وهو أنه قد فتح بيته للضيوف. فقد دخل الملاكان إلى بيته المضياف، أما النيران فهي التي دخلت المنازل غير المضيافة.

الكمال الناقص عند لوط

لنتأمل أقوال الملاكين لمضيفهما في مقابل حسن ضيافته: “خلص حياتك عند الجبل لئلا تهلك[1]. كان لوط بالتأكيد مضيافاً، فهو الذي، بشهادة الكتاب المقدس، نجا من الموت لأجل استضافته للملاكين[2]. إلا أنه لم يكن كاملاً لدرجة أن يتمكن من الصعود على الجبل فور خروجه من سدوم، لأنه للكاملين فقط أن يقولوا: رفعت عيني إلى الجبال، من حيث سيأتيني العون”[3]. وإجمالاً فإن لوط لم يكن شريراً لدرجة أن يهلك مع مستوطني سدوم، ولم يكن أيضاً باراً بما فيه الكفاية بحيث يقدر أن يسكن مع إبراهيم على المرتفعات، وإلا ما كان إبراهيم قد قال له: “إن ذهبت يمينا فأنا أذهب شمالا، وإن ذهبت شمالاً فأنا أذهب يميناً[4]“. وما كانت مساكن سدوم لتناسبه. لقد كان لوط إذاً على نحو ما في الوسط بين الكاملين والهالكين، وإذ يعلم أنه لم يكن من القوة ما يجعله يتسلق الجبل، اعتذر باحترام وتواضع قائلاً: “وأنا لا أقدر أن أخلص في الجبل، ولكن هوذا مدينة صغيرة جدا، هناك أنجو. وهي ليست صغيرة تماماً[5]” فدخل إلى مدينة صوغر الصغيرة جداً حيث نجا[6]، وبعد ذلك صعد إلى الجبل مع ابنتيه[7].

هل من الممكن أن تسترد سدوم طهارتها؟

وعند الخروج من سدوم، لم يتمكن [لوط] من الصعود إلى الجبل، على الرغم من أن الكتاب قال عن سدوم قبل هلاكها، حينما اختار لوط أن يسكن فيها، إنها كانت “كجنة الله وكأرض مصر[8]” ولكن، لنخرج قليلاً عن الموضوع: أي تشابه من الممكن أن يكون بين جنة الله وأرض مصر حتى تقارن أيضاً سدوم بهما؟ هذا هو رأيي: قبلما أخطأت، كانت سدوم مثل “جنة الله طالما كانت تحتفظ ببساطة الحياة التي بلا لوم، ولكن حين بدأت تذبل وتظلم في نجاسات الخطايا، صارت “مثل أرض مصر.”

ولكننا نتساءل أيضاً، حيث إن النبي يقول: “أختك سدوم سترجع إلى حالتها القديمة[9]“، إذا ما كان هذا الرجوع يستوجب أن تعود سدوم مثل جنة الله أم فقط مثل أرض مصر؟ إنني أشك من ناحيتي أنه يمكن لخطايا سدوم أن تزال ولجرائمها أن تطهر بشكل كامل بحيث نستطيع أن نقارنها، عقب رجوعها، ليس فقط بأرض مصر ولكن أيضاً بجنة الله، إلا أن هؤلاء الحريصين على تأكيد هذا الأمر سيرهقوننا جداً بإصرارهم على الكلمة التي أضيفت إلى الوعد، لأن الكتاب لم يقل أن “سدوم سترجع بلا زيادة، ولكن أن “سدوم سترجع إلى حالتها القديمة[10]“، وسيؤكدون أن حالتها القديمة ليست أنها كانت مثل “أرض مصر” ولكن “كجنة الله[11].”

امرأة لوط

۲ لكن لنعد إلى لوط، فقد هرب من خراب سدوم مع امرأته وابنتيه، وكان قد أخذ من الملاكين توصية بعدم النظر إلى الوراء[12] وتوجه إلى صوغر. ولكن ها هي امرأته تنسى الأمر وتنظر إلى الوراء” وتخالف الشريعة الموضوعة، وتحولت إلى تمثال ملح[13].” قولوا لي هل كان هناك، من جهة هذه المرأة وفي هذه النظرة إلى الوراء، خطية كافية لتستحق الموت الذي كانت قد نجت منه بفضل الله؟ وبالنسبة لهذه المرأة ذات الروح المضطربة، ما الذي جعل فعل النظر إلى الوراء، حيث زفير النيران العجيب والمرعب، بهذه الخطورة؟ ولكن بما أن “الناموس روحي[14]” وأن ما حدث للقدماء “أصابهم مثالاً[15]“، لنر إذا ما كان لوط الذي لم ينظر خلفه، يمثل العقل والإرادة الصلبة، في حين تمثل زوجته هنا الجسد[16]، لأن الجسد هو الذي ينظر باستمرار ناحية الرذائل، وفي حين تنزع الإرادة نحو الخلاص، ليظلا هو الذي ينظر إلى الوراء ويبحث عن الملذات. لذلك قال الرب: “كل من يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء لا يصلح لملكوت الله[17]“، ويضيف “تذكروا امرأة لوط”[18]. يبدو إذن أن الكتاب ذكر أنها تحولت إلى تمثال ملح ليشير إلى عدم حكمتها، فالملح يرمز إلى الحرص الذي انعدم لديها.

وواصل لوط إذاً إلى صوغر، وهناك، بعد أن استعاد القوة التي لم يستطع أن يحوزها في سدوم، صعد إلى الجبل ومكث هناك، وفقاً النص الكتاب، هو وابنتاه معه[19]“.

التفسير الحرفي لخطية لوط: الثمالة

3 تأتي بعد ذلك هذه القصة الشهيرة، حيث نرى ابنتي لوط تستعدان للاتحاد خلسة مع أبيهما[20]. ولست أدري هنا إن كانت الأعذار التي من الممكن أن نعطيها للوط كافية لإعفائه من أي خطأ، ولا أظن بالأكثر أننا ينبغي أن نحمله ذنوباً لدرجة أن نحمله ذنب زنا بهذه الخطورة، لأنني أعلم أنه لم يعتد لا بالحيلة ولا بالعنف على عفة ابنتيه، ولكنه سقط بالأحرى في الشرك، وتم خداعه من خلال حيلة ماهرة، إلا أن ابنتيه ما كانتا قد خدعتاه لو لم يكن قد ترك نفسه يسكر. لذلك فهو يبدو لي مذنباً جزئياً ومعذوراً جزئياً، معذور لأنه لم يتورط في خطية شهوة وفجور، ولا يمكن أن نوبخه لا على أنه أرادها ولا على أنه جعل شريكاً فيها، ولكنه مذنب لأنه ترك نفسه ليخدع، ولأنه أحب الخمر كثيراً وذلك لمرتين بدلاً من مرة واحدة[21]. ويبدو لي أن الكتاب المقدس نفسه يلتمس له العذر بشكل ما عندما يقول: “ولم يعلم متى اضطجع معهما ومتى قام[22]“، ولم يقل ذلك عن ابنتيه اللتين خدعتا أبيهما بعلم ومهارة. أما لوط، فقد استغرق في النوم تحت تأثير الخمر بحيث لم يتبين أنه قد اضطجع لا مع ابنته الكبرى ولا مع الابنة الصغرى.

اسمعوا عواقب السكر. اسمعوا أية جرائم يسببها السكر اسمعوا واحترسوا، أنتم الذين لا يمثل هذا الشر لديكم خطية ولكن [تعتبروه مجرد] عادة. لقد خدع السكر من لم تخدعه سدوم، وقامت نساء متقدات بحرق من لم تحرقه نيران الكبريت المدمرة. لقد خدع لوط إذن بالحيلة بلا قصد، لذلك فهو يشغل نوعاً من المكانة المتوسطة بين الخطاة والأبرار، هو الذي لكونه من أسرة إبراهيم لم يسكن في سدوم لعند خرابها. لأنه إن كان قد استطاع أن يهرب من سدوم كما يقول الكتاب، فهو يدين بذلك لحكمة إبراهيم أكثر بكثير مما لاستحقاقاته الشخصية. فالكتاب يقول في الواقع: وحدث أنه لما أخرب الله مدن سدوم أنه ذكر إبراهيم، وأخرج لوطا من هذه الدائرة.[23]

 خطأ أبنتي لوط: خطايا الجسد

4 أما بالنسبة إلى نية ابنتيه، فأعتقد أنه لا بد من فحصها عن كثب أكثر، حتى لا ننسب لهما ذنباً أكثر مما يمكن تصوره. يخبرنا الكتاب في الواقع أنهما قالتا الواحدة للأخرى: “أبونا قد شاخ بالفعل، وليس في الأرض أحد ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمراً ولنضطجع معه، ولنحيي من أبينا نسلاً[24]” وبالرجوع إلى ما قاله الكتاب عنهما، يبدو أنه يعذرهما أيضاً بشكل ما. لأننا نرى أن ابنتي لوط كانت لديهما بعض المعرفة عن نهاية العالم التي ستأتي بالنار، ولكن كمعرفة الفتيات، كانت معرفتهما غير كاملة وناقصة.

فهما لم تعرفا أنه إلى جانب بلدة سدوم التي دمرتها النيران، كان هناك أيضاً الكثير من المساحات السليمة في العالم وقد سمعتا أنه في نهاية الدهر سوف تدمر الأرض وكل العناصر من شدة النار[25]. لقد رأتا النار وشاهدنا حريق الكبريت ونظرتا دمار كل شيء، ورأتا أيضاً أن والدتهما لم تنج، فتصورتا أن هناك شيئاً ما يحدث شبيها بما تعرفاه عن زمن نوح، وأنهما قد بقيتا وحيدتين مع أبيهما لضمان ذرية البشر. لذلك أتتهما الرغبة في تجديد الجنس البشري، واعتقدتا أن العالم الجديد لا بد وأن يأتي منهما. ولذلك، وهما يعلمان جيداً أن خداع أبيهما والاتحاد معه هما خطية كبيرة، فقد بدا لهما على الرغم من ذلك أنه إثم أعظم، كما اعتقدتا، أن تبددا الأمل في نسل بشري من خلال الحفاظ على عفتهما. لذلك فقد نفذتا تدبيرهما بذنب هو في رأيي أقل، خاصة وأن الأمل والدوافع هما أكبر. لقد بددتا حزن والدهما وتغلبنا على عناده بواسطة الخمر. وإذ دخلتا كل منهما لليلة واحدة إلى أبيهما، حبلتا منه دون علمه.

ولم تكررا ذلك ولم ترغبا في ذلك مرة أخرى، فهل يمكننا في كل ذلك أن نبرهن لهما عن ذنب فجور أثيم أو عن ارتكاب إجرامي للمحارم؟ هل يمكننا وصف ما لم يحدث سوى مرة واحدة بأنه رذيلة؟ إنني أخشى أن أقول رأيي بصراحة. نعم فأنا أخشى أن يكون ارتكابهما المحارم أكثر عفة من عفة الكثير من النساء.

فلتفحص النساء المتزوجات أنفسهن ولتتساءلن إن كانت لا تلتمسن أزواجهن إلا من أجل إنجاب الأطفال، وإن كانت تتوقف عن ذلك عندما تحمل[26]. إن ابنتي لوط اللتين نعتقد أنهما مذنبتان بارتكاب المحارم، لم تطلبا الاتحاد الزيجي بمجرد أن حملتا. فهناك نساء. ونحن لا نوبخ كل النساء دون تمييز ولكن البعض منهن اللائي لا يتوقفن عن المواظبة على الشهوة بإفراط مثل الحيوانات، ولن أشبههن أيضاً حتى بالبهائم؛ إذ إن أنثى البهائم تعرف على الأقل كيف تمتنع عن الذكور أثناء حملها. هذه الأنواع من الذكور يستنكرها أيضاً الكتاب عندما يقول: “لا تكونوا كالفرس والبغل الذين بلا فهم[27]“، وأيضاً: “صاروا حصنا معلوفة[28].” أما أنتم يا شعب الله، “الذين يحبون المسيح في عدم فساد[29]“، فافهموا كلام الرسول عندما يقول: “سواء كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون أي شيء آخر، فافعلوا كل شيء لمجد الله[30]“. من خلال هذا الجزء من الآية: “أو تفعلون أي شيء آخر الذي يلي الشرب والأكل، أشار الرسول في أسلوب مملوء احتشاما إلى الأفعال غير اللائقة التي للزواج، مظهرا أنها أيضاً تتم لمجد الله، بشرط ألا يتم السعي إليها إلا بقصد النسل.

التفسير الرمزي

إلى هنا نكون قد عرضنا قدر ما استطعنا سواء أخطاء لوط وابنتيه أو ما يجعلهما في المقابل معذورين.

5 ولكن من جهة الرمز، فأعرف بعضاً قد أرادوا أن يعطوا لوط دور الرب، وأن يجعلوا من ابنتيه [رمزاً] للعهدين. وأنا أشك في أن يتمسك أحد ممن يعرف أقوال الكتاب حول الموآبيين والعمونيين، الذين بالنسب هم من نسل لوط، بطيب خاطر بهذا التفسير، لأنه كيف نطبق على المسيح أن الذين من نسله حتى “الجيل الثالث والرابع[31]” “لن يدخلوا في جماعة الرب[32]؟”

لوط: رمز للشريعة

أما بالنسبة لنا، وبقدر ما نستطيع أن نرتئي، فنحن نجعل لوط رمزاً للناموس، ولا يجب أن نري ذلك غريباً لأنه إذا كانت كلمة “ناموس” مؤنثة عندنا، إلا أنها مذكرة في اللغة اليونانية[33]. أما فيما يخص زوجته، فنجعلها رمزاً للشعب الذي خرج من مصر وعبر البحر الأحمر وهرب من ملاحقات فرعون كما لو كانت حرائق سدوم. ولكن هذا الشعب. إذ تحسر على اللحم وعلى “ثوم وبصل وخيار مصر[34]“. نظر إلى الوراء وسقط في الصحراء، صائراً هو أيضاً تذكاراً للشهوة في قلب الصحراء[35]. ويكون الناموس هنا إذاً بالنسبة إلى هذا الشعب الأول، مثل لوط الذي فقد زوجته وتركها لأنها نظرت إلى الوراء.

ومنطلقاً من هناك، جاء لوط ليسكن في صوغر والتي يقول عنها: “هذه المدينة صغيرة جداً، فتنجو نفسي فيها، وهي ليست صغيرة للغاية[36]“. فلنر طبقا للشريعة ما تعنيه “مدينة صغيرة جداً وليست صغيرة للغاية” إن كلمة “مدينة” تطلق من جهة “نمط الحياة التي يعيشها عدد كبير من البشرة، بسبب أن المدينة توحد وتضم حياة كثيرين[37]. وعليه، فإن الذين يحيون في الناموس لهم حياة حقيرة وضعيفة طالما يفهمون الناموس حسب الحرف. لأنه لا يوجد شيء عظيم في حفظ الأهلة والسبت والختان وتمييز الأطعمة جسدياً. ولكن إن فهمناها روحياً، فإن هذه الشعائر نفسها التي كانت بحسب الحرف ضعيفة وقاصرة، لا تكون بعد ضعيفة بل عظيمة.

ابنتا لوط: رمز الشعب المنساق وراء شهوات الجسد

بعد ذلك يصعد لوط إذاً إلى الجبل ويسكن في المغارة”، كما يقول الكتاب هو وابنتاه[38]“. ويمكننا أن نتصور أن الناموس أيضاً قد صعد، لأن الهيكل الذي بناه سليمان قد أضاف له زينة، فقد أصبح [الناموس] هو “بيت الله، بيت صلاة[39]“، ولكن الأشرار الذين كانوا ساكنين فيه قد جعلوا منه “مغارة لصوص[40]“.

سكن لوط إذا في المغارة مع ابنتيه، ومما لا شك فيه أنهما أي الابنتين هما من يشير إليهما النبي عندما يقول إن أهولة وأهوليبة هما أختان. أهولة هي أورشليم وأهوليبة هي السامرة[41]، وإذ انقسم الشعب إلى إثنين، صار كابنتين للناموس. وإذ أرادتا أن يتكاثر النسل الأرضي وأن تتوطد قوات المملكة الأرضية من خلال نسل وافر، فقد أنعسا وأناما أبيهما، أي أنهما أخفتا وأظلمتا حسه الروحي، ولم تحتفظا سوى بالحس الجسدي. لذلك حملتا وأنجبتا بنيناً بحيث يكون ذلك دون علم الأب ودون أن يعرفهما. لم يكن لا روح الناموس ولا إرادته أن يلد نسلاً جسدياً ولكن ينام الناموس حتى يمكن لمثل هذا النسل الذي لن يدخل في جماعة الرب” أن يولد. وفي الواقع يقول الكتاب: “لا يدخل العمونيون ولا الموآبيون في جماعة الرب حتى الجيل الثالث والرابع وإلى الأبد[42]“، مما يعني أن نسل الناموس الجسدي لا يدخل إلى كنيسة المسيح لا إلى الجيل الثالث بسبب الثالوث، ولا إلى الجيل الرابع بسبب الأناجيل الأربعة، ولا إلى آخر الدهر ولكن ربما فقط عقب هذا الدهر الحاضر حين تكون جموع الأمم قد دخلت وهكذا سيخلص جميع إسرائيل.[43]

هذا هو ما وجدناه، عند تعمقنا بقدر استطاعتنا في المعنى الرمزي، حول لوط وامرأته وابنتيه. ولكننا لا ننوي أن نمنع من يستطيعون من أن يجدوا تفسيراً أكثر عمقاً لهذا السر.

عظة أخلاقية

6 أما بالنسبة لشرحنا الذي قمنا به منذ قليل في عرض أخلاقي، والذي فيه جعلنا من لوط [رمزاُ] للعقل والإرادة الصلبة، ومن زوجته التي نظرت للوراء لرمزا للجسد المنكب على الشهوات ومتع الحواس، فأنت يا من تستمع إلي، لا تأخذه [أي الشرح] بتهاون، لأنك يجب أن تكون محترساً: فحين تهرب بعيداً عن نيران الدهر وتنجو من حريق الجسد، حتى حين تتجاوز “مدينة صوغر الصغيرة جداً وهي ليست صغيرة تماماً[44]” مما يمثل مكانة متوسطة وتقدماً بالنسبة لمدينة، وحين تصل إلى ارتفاع العلم[45] كما على بعض قمم الجبال، فحذار عندئذ من إشراك هاتين الفتاتين اللتين لا تتركانك واللتين تصاحبانك حتى عندما تكون قد تسلقت الجبل، أقصد المجد الباطل وأخته الكبرى، الكبرياء. حذار من أن توثق إنك بحبائلهما في حين تظن أنك لا تشعر أو تلاحظ شيئاً؛ إذ تكون غافلاً ونائماً. وإذا كان الكتاب قد دعاهما “ابنتين” فذلك لأنهما لا تأتياننا من الخارج ولكنهما تتولدان من داخلنا وتشكلان بطريقة ما جزءًا مكملاً لأفعالنا. فلتسهر إذا بأقصى جهدك، ولتتحاش أن توجد لهما أبناء، لأن الذين سيولدون منهما “لن يدخلون إلى كنيسة الرب[46]” وبالنسبة لك، إن كنت تريد نسلاً، فأقمه في الروح لأن “من يزرع في الروح فمن الروح يحصد الحياة الأبدية[47]” وإن ابتغيت من تصاحبه، فلتصاحب الحكمة وقل إن الحكمة هي أختك[48]“، حتى تقول الحكمة عنك: “من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي[49]“، فهذه الحكمة هي ربنا يسوع المسيح “الذي له المجد والقوة إلى أبد الآبدين. آمين”.

[1] انظر: تك 19: 17.

[2] انظر: عب ۱۳: ۲.

[3] انظر: مز ۱۲۰: ۱ (بحسب السبعينية).

[4] انظر: تك 13: 9.

[5] انظر: تك 19: 19-20.

[6] انظر: تك 19: 23.

[7] انظر: تك 19: 30.

[8] انظر: تك 13: 10.

[9] انظر: حز 16: 55.

[10] نظر: حز 16: 55.

[11] ترك الإتمام الحرفي لقول الكتاب المقدس أوريجينيس متحيرا، حيث يؤكد سفر التكوين۱۳: ۱۰ أن أرض سدوم، عندما جاء لوط ليقيم فيها، كانت “مثل جنة الله ومثل أرض مصر” وقد قال حزقيال 16: 55 إن سدوم سترجع إلى حالتها الأولى. إلا أنه بعد مضي ما يقرب من ۳۰۰۰ عام، لم ترجع سدوم إلى ما كانت عليه. والحقيقة أن طول الفترة المنقضية هو ما جعل أوريجينيس متحيرا وهو ما دفعه للتساؤل عما إذا كان هذا الرجوع سيحدث بالفعل، ولكنه كان يميل رغما عن ذلك إلى فكرة رجوع سدوم نظرا للتطبيقات الروحية التي كان يستخلصها من هذه الفكرة. انظر عظاته في سفر حزقيال۱۲: 3 ، حيث نلمس نفس نبرة التردد الموجودة هنا.

[12] انظر: تك 19: 17.

[13] انظر: تك 19: 26.

[14] انظر: رو ۷: 14.

[15] انظر: 1كو 10: 11.

[16] أشار فيلو إلى أن امرأة لوط التي صارت عمود ملح ترمز إلى الإحساس عند الإنسان، الذي يترك الفضيلة ويتوجه نحو المجد الباطل والغني والقوة والجمال.

De fuga et inu. 122; Leg. Alleg. 3, 213

[17] انظر: لو 9: 62.

[18] انظر: لو 17: 32.

[19] انظر: تك 19: 30.

[20] انظر: تك 19: 31-38.

[21] حاول المفسرون المسيحيون في عصر أوريجينيس إيجاد الأعذار للوط وابنتيه. وكانت الأعذار التي قدموها هي نفسها لعدة قرون بعد ذلك. فنجد إيرينيوس (ضد الهرطقات 4: ۳۱: ۱) يعذر لوطا “لأنه لم يرتكب هذا الزنا لا بإرادته ولا بشهوة جسدية منه ولم يكن لديه لا رؤية ولا فكر عن هذا الفعل.” أما (ابنتا لوط) فقد تصورتا بسذاجة أن كل البشر قد هلكوا مثل أهل سدوم، و أن غضب الله قد احتدم على الأرض كلها. لذلك يمكن التماس العذر لهما إذ إنهما اعتقدنا أنه لم يبق سواهما مع أبيهما لحفظ الجنس البشري، وأنه لهذا السبب قد خدعتا والدهما. أما أوريجينيس فقد استشهد في (ضد کلسوس 4: 45) بالنظرية الرواقية التي تقول إن الحكيم الذي بقي وحيدا مع ابنته عقب الكارثة العامة، كان مسموحا الله بالاتحاد معها لاستمرار الجنس البشري. إلا أن البعض قد وجد في تصرف الفتاتين فعلا مشيئا. فيضيف أوريجينيس: “إن الكتاب المقدس لم يؤيد بوضوح في واقع الأمر ما فعلتاه ابنتا لوط، ولكنه في نفس الوقت لم يدنهما ولم يلمهما.” وبعد أوريجينيس جاء القديس يوحنا ذهبي الفم (عظات على سفر التكوين 44: 4-5) ليعطي، مع الكثير من الاحتياطات الخطابية، نفس الأعذار للوط وابنتيه. ولم يختلف فيما بعد كل من ثيؤدوریت وأمبروسيوس وأغسطينوس عن تلك الآراء كثيراً.

[22] انظر: تك 19: 35.

[23] انظر: تك 19: 29.

[24] انظر: تك19: 31-32.

[25] انظر: 2بط 3: 12.

[26] انظر: العظة 3: 6.

[27] انظر: مز 31: 9 (بحسب السبعينية).

[28] انظر: إر 5: 8.

[29] انظر: أف 6: 24.

[30] انظر: 1كو 10: 31.

[31] انظر: خر 34: 7.

[32] انظر: تث 23: 3.

[33] من الواضح أن هذه الملاحظة ترجع إلى روفينوس. وكان لأوغسطينوس نفس هذا الفكر بعد قرن ونصف من أوريجينيس في كون لوط هو رمز الشريعة.

[34] انظر: ع 11: 5.

[35] انظر: مز 105: 14 (حسب السبعينية).

[36] انظر: تك 19: 20.

[37] هذا التعريف مستوحى من أفلاطون (الجمهورية ۲: ۱۱): “تجمع كثرة الاحتياجات العديد من البشر في نفس المكان، فيتحدوا ليساعدوا بعضهم البعض: ولقد أعطينا هذا المجتمع اسم مدينة”.

[38] انظر: تك 19: 30.

[39] انظر: إش 56: 7؛ لو 19: 46.

[40] انظر: إر 7: 11؛ مت 21: 13.

[41] انظر: حز ۲۳: 4. لينتبه القارئ إلى أن الكتاب المقدس يجعل أهولة رمزا للسامرة وأهوليبة لأورشليم.

[42] انظر: تث 23: 3؛ خر 34: 7.

[43] انظر: رو 11: 25-26.

[44] انظر: تك 19: 20.

[45] المقصود بالعلم هنا هو الكمال الأخلاقي، علم الحياة الروحية المطبقة، وليس العلم النظري.

[46] انظر: خر 34: 7؛ تث 23: 3.

[47] انظر: غل 6: 8.

[48] انظر: أم 7: 4.

[49] انظر: مت 12: 50.