الردود على الشبهات

النقد التاريخي للمسيحية (ابن بانديرا)

النقد التاريخى للمسيحية

 

النقد التاريخى للمسيحية

ابن بانديرا
كنتُ قد كتبتُ مقال سابق عن موضوع (ابن بانديرا) ، وقد استشهدت بالموسوعة اليهودية أن القصة التى تقول أن المسيح هو ابن علاقة غير شرعية بين العذراء مريم وجندى رومانى يدعى بانديرا ما هى إلا خرافة ، اليوم مع شهادة جديدة ألا وهو شهادة المؤرخ الأمريكى ويل ديورانت Will Durant فى موسوعته الرائعة “قصة الحضارة” وكلاهما غنى عن التعريف سواء الكاتب أو الكتاب ، يقول الدكتور حسن عثمان عن الموسوعة [ وفى سبيل ذلك طاف المؤلف (يقصد ويل ديورانت) فى صحبة زوجته ( يقصد أريل ديورانت Ariel Durant) كثيراً من أنحاء الأرض مرات عديدة متتالية ، ومضيا معاً باحثين منقبين مشاهدين متأملين مستلهمين معارفهما وخبراتهما من شتى الأصول والمصادر والأفاق ، فجاء الكتاب (يقصد قصة الحضارة) وافياً شاملاً ، مع تميزه بالبساطة والسهولة والوضوح والسلاسة والعمق والذوق الرفيع ، فضلاً عن عنايته بذكر فيض من المصادر والمراجع لمن يرغب فى الاطلاع والبحث مزيداً ] [1] وقد حصل بسبب هذه الموسوعة التى أستغرق تأليفها خمسين عاماً على ميدالية الحرية Medal of Freedom من الرئيس الأمريكى فورد Gerald Ford فى 10 يناير 1977 ، لذلك فهو مؤرخ له مكانته المرموقة بلا شك ، ولذلك فإن أحكامه التاريخية هامة بالنسبة لنا فدعونا نرى ما الذى قاله عن قصة الجندى الرومانى بانديرا 
[ أما القصص التى أذاعها سلسس Celsus وغيره فيما بعد عن مريم وجندى رومانى ، فالنقاد مجمعون على أنها افتراء سخيف ] [2] 

العهد الجديد

ويل ديورانت مؤرخ لذلك فأحكامه التاريخية لها وزن أما أحكامه اللاهوتية فيجب أن تراجع فهو فى الأول والأخر مؤرخ وليس لاهوتى ، فأنا أقبل حكمه كمؤرخ على انجيل مرقس بأنه [ تاريخ صحيح ] [3] بل وحتى عندما يقول عن الاناجيل [ أن فيها نقطاً تاريخية مشكوكاً فى صحتها ] [4] فهو يقصد أن هناك حوادث تاريخية مذكورة فى العهد الجديد ولا يوجد دليل تاريخى يؤيدها أو ينقضها ولذلك طبقاً لمنهجيات النقد التاريخى فهذه الحوادث مشكوك فيها (أى لا يمكن للمؤرخ أن يستشهد بها كحدث تاريخى لأنه ليس هناك ما يؤيدها أو ينقضها). وتلك المشاكل التاريخية ربما كانت موجودة عام 1936 العام الذى بدأ ديورانت نشر موسوعته ولكن ليست موجودة الآن بعد العديد من الاكتشافات الأثرية التى جاءت لتؤكد دقة العهد الجديد التاريخية ، يقول الدكتور دونالد ويسمان Donald J. Wisemanأستاذ الأشوريات بجامعة لندن [ الكتاب المقدس لا يتغير ولكن علم الآثار هو الذى يتقدم بالتنقيبات الجديدة والوثائق والتفاسير ][5] وعن مدى توافق علم الآثار مع الكتاب المقدس راجع كتاب جون أرثر (دكتوراة فى الدراسات الشرقية من جامعة كامبردج ومدير معهد علم الأثار باستراليا Australian Institute of Archaeology فى ملبورن) 

John A. Thompson: The Bible and archaeology. Includes indexes. (3rd ed., fully rev. 1982)

الصلب والقيامة

يقول عن القيامة [ وبعد يومين من هذا الحادث (يقصد الصلب) زارت مريم المجدلية ـ وكان حبها ليسوع تمتزج به تلك النشوة العصبية التى تمتاز بها عواطفها كلها ـ قبر المسيح مع مريم أم يعقوب وسالومة فوجدنه فارغاً . فامتلأت قلوبهن خوفاً وسروراً معاً ، وجرين لينقلن ذلك النبأ إلى تلاميذه ، والتقين فى الطريق برجل حسبنه يسوع ، فانحنين احتراماً له ، وأمسكن بقدميه . وفى وسعنا أن نتصور الأمل الذى انبعث فى النفوس الساذجة من هذا النبأ وما لقيه من ترحيب ، لقد قهر يسوع الموت ، وأثبت أنه المسيح المنتظر ابن الله ، وملأ ذلك النبأ قلوب “أهل الجليل” بنشوة جعلتهم على استعداد لأن يصدقوا أية معجزة وأى وحى . ويروى الرواة أن المسيح ظهر فى اليوم نفسه إلى تلميذين من تلاميذه فى الطريق الموصل إلى عمواس ، وتحدث إليهم ، وأكل معهم ، ولكن “أمسكت أعينهما عن معرفته” ثم “أخذ خبزاً وبارك وكسر … فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم أختفى عنهما” ورجع التلاميذ إلى الجليل فلما “رأوه” بعد قليل “سجدوا له ، ولكن بعضهم شكوا” وبينما كانوا يصطادون السمك رأوا المسيح ينضم إليهم ، فألقوا شباكهم ولم يستطعوا أن يجذبوها من كثرة السمك ] [6] 
هو هنا كمؤرخ لم يستطع أن ينكر أن التلاميذ هم الذين أعلنوا قيامة المسيح ، وأن إعلانهم كان يشمل (القبر الفارغ ـ ظهور المسيح لهم ـ صنع المسيح معجزات معهم بعد قيامته) ولذلك يختتم كلامه قائلاً [ ولكن يبدو أن معظم تلاميذه كانوا يعتقدون مخلصين أنه قد وجد معهم بجسمه بعد صلبه ] [7] ما يقولوه عنه ويل ديورانت كمؤرخ هو نفسه ما يقوله العلماء المسيحيين فالعالم وليام لين كريج William Lane Craig يضع لنا أربع حقائق تاريخية عن القيامة هم : 
1ـ الحقيقة الأولى: دُفِن يسوع بعد صلبه بواسطة يوسف الرامى فى قبر.
2ـ الحقيقة الثانية: فى صباح الأحد بعد الصلب، وجدت مجموعة من النساء التابعين ليسوع القبر فارغاً.
3ـ الحقيقة الثالثة: فى مواقف متعددة، و تحت ظروف مختلفة، كان هناك أفراد و مجموعات رأوا يسوع حياً بعد موته.
4ـ الحقيقة الرابعة: التلاميذ تحولوا بشكل مفاجىء و مخلص إلى الإعتقاد بأن يسوع قد قام من الموت، بدلاً من أن يكون لديهم إستعداد تام لقبول العكس. ( بخصوص تلك الحقيقة راجع مقالنا ما الذى غيرهم؟ )
تلك الحقائق التاريخية الأربعة لا خلاف بين المؤرخين عليهم ، فحتى بارت إيرمان أعترف بتلك الحقائق حيث قال 

]There are certain historical “facts” that one can discuss about what happened after Jesus’s death (his burial; the discovery of his empty tomb by a group of women). [[8]

والسؤال الذى يطرح نفسه ما هو التفسير المنطقى لتلك الحقائق ، يرى العالم كريج أنه لا يوجد تفسير منطقى سوى قيامة المسيح ، لم يظهر إنسان واحد يقول أن المسيح لم يصلب حتى القرن السادس ولم يظهر مؤرخ قال أن المسيحيين أتت لحظة كانوا فيها غير مؤمنين بصلب المسيح وقيامته ، لقراءة معالجة تفصيلية لموضوع القيامة راجع كتاب 
لى ستروبل: القضية المسيح ، ترجمة: سعد مقارى ، ص 255 : 366
فرانك موريسون: من دحرج الحجر ، ترجمة: حبيب سعيد
William Lane Craig: Did Jesus Rise fom the Dead, In: Jesus Under Fire. 

انتصار المسيحية الأرثوذكسية

كما اسشهدنا سابقاً ببارت إيرمان أن الأرثوذكسية انتصرت على الهرطقات بحججها القوية التى أقنعت الجميع (راجع شهادات إيرمان (1)) يقول ديورانت أن المسيحية انتصرت على الفلسفة الوثنية بحججها القوية المقنعة حيث يقول [ وهنا كسبت الكنيسة طائفة من المؤيدين كانوا أحصف عقول الامبراطورية ، منهم أغناثيوس أسقف أنطاكية الذى أنشأ أسرة قوية من “الآباء” جاءوا بعد الرسل ، ووهبوا المسيحية فلسفة غلبوا أعداءها بحججها القوية ][9] فالمسيحية انتشرت بقوة الفكر لا بقوة السلاح . 

تاريخية المسيح

يؤكد ويل ديورانت بصفته مؤرخ أن المسيح شخصية تاريخية حيث يقول [ إن من يطلع على هذه المناظر لا يشك فى أن وراءها شخصية تاريخية حقة . ولو أن عدداً قليلاً من الرجال السذج قد اخترعوا فى مدى جيل واحد هذه الشخصية الجذابة ، وهذه المبادئ الأخلاقية السامية ، وهذه النظرية الأخوية الملهمة ، لكان عملهم هذا معجزة أبعد عن المعقول من أية معجزة تسجلها الاناجيل . وإن الخطوط الرئيسية فى سيرة المسيح ، وأخلاقه ، وتعاليمه لتبقى بعد قرنين من النقد الشديدواضحة معقولة ، لتكون أروع ظاهرة فى تاريخ الغربيين وأعظمها فتنة للألباب ][10]

[1] د. حسن عثمان: منهج البحث التاريخى ، دارالمعارف ، الطبعة الثامنة ، ص 15
[2] ويل ديورانت: قصة الحضارة ، المجلد السادس 11/12 ـ قيصر والمسيح ، ترجمة: محمد بدران ، ص 214
[3] المرجع السابق ، ص 208
[4] المرجع السابق ، ص 210

[5] http://www.logos.com/product/3852/th…nd-archaeology
[6] المرجع السابق ، ص 231 : 240

[7] المرجع السابق ، ص 240 

[8] Bart D. Ehrman: From Jesus to Constantine: A History of Early Christianity, lecture:4(Oral and Written Traditions about Jesus)
[9] ويل ديورانت: مرجع سابق ، ص 305

[10] المرجع السابق ، ص 211

نقلا عن مدونة ابن الكلمة