الردود على الشبهات

رئيس كنيسة الله – بكر كل خليقة – نقد الإدعاء بخلق الابن فى العهد الجديد (كو 1 : 15 – رؤ 3 : 14) – فادى اليكساندر

رئيس كنيسة الله – نقد الإدعاء بخلق الابن فى العهد الجديد (كو 1 : 15 – رؤ 3 : 14) – فادى اليكساندر

المحتوى

رئيس كنيسة الله - نقد الإدعاء بخلق الابن فى العهد الجديد (كو 1 : 15 – رؤ 3 : 14) - فادى اليكساندر
رئيس كنيسة الله – نقد الإدعاء بخلق الابن فى العهد الجديد (كو 1 : 15 – رؤ 3 : 14) – فادى اليكساندر
 

إهداء

“هذا الابن الذي وُلِد حقاً من الآب ‘قبل كل الخلائق’، كان مع الآب، وكان الآب يتحدث معه”.

يوستينوس الشهيد [1]

 

إلى الأستاذ المقتدر الذي علمني ماهية ابن الله، egoemi، صديق ورفيق لسنوات من التساؤل والشك، اللذين هما دعامتان البحث العلمي الأمين… 

 

تمهيد

في القرن الرابع عاش كاهن يُدعى آريوس في ليبيا. وصل للبابا الكسندروس أخبارا عن أن هذا الكاهن يُعلم بتعليم منحرف عن طبيعة المسيح. كان هذا التعليم يقول بكل وضوح: أن يسوع المسيح، كلمة الله، هو إله، لكنه إله مخلوق. بحسب تعليم آريوس، كان يسوع هو أول المخلوقات التي خلقها الله الآب. ثم اجتمع رعاة كنيسة المسيح من كل مكان في العالم في مدينة تُدعى نيقية، وقرروا أن التعليم الذي يُعلم به آريوس، هو تعليم مخالف للعقيدة التي أسسها المسيح وكرز بها الرسل، وتسلمها الآباء. بناء على هذا، تم حرم آريوس وفصله من كنيسة المسيح.

ذلك لأن تعليم المسيح عن نفسه هو أنه كلمة الله غير المصنوع بيد، وكرازة الرسل كانت بابن الله القائم من الموت، وتسليم الآباء كان بالمسيح الإله المتجسد. لذلك تحرم الكنيسة آريوس وكل من يتبع فكره من شركة جسد المسيح. ولم تنتهي الأريوسية بموت آريوس، فهي بالفعل كما أطلق عليها أحد العلماء “نموذج مثالي” لكثير من التعاليم المنحرفة التي انتشرت في تاريخ المسيحية، حتى يومنا هذا.

 

في هذه الدراسة سأقوم بمناقشة احتمالية تقول: العهد الجديد يصرح بأن يسوع مخلوق، وبولس أعلن عن المسيح أنه أحد خلائق الله، ويوحنا أعلن نفس الأمر. كلاً من بولس ويوحنا أعلنا أن يسوع هو أول الخليقة، فالأول عبر عن ذلك قائلاً “بكر كل خليقة”، والأخير صاغها قائلاً “بداءة خليقة الله”. استنتج الكثيرين أن هذا يعنى أن يسوع مجرد مخلوق، أي أنه إنسان مجرد، له بداية في النقطة التي خلقه فيها الله. وهذه الدراسة مُخصصة تماماً لتقييم هذا التفسير: هل هو أفضل تفسير للنص؟

 

إن إيماننا المسيحي المستقيم علمنا أن يسوع المسيح هو كلمة الله، ابن الله الذي تجسد في ملء الزمان. وابن الله ليس مخلوق، وليس له بداية بحسب لاهوته المحيي، وأنه واحد مع الآب والروح القدس في الجوهر والطبيعة، ليس بينهم انفصال ولا اختلاف بحسب الطبيعة، إنما تمايز بحسب الأقنوم. وهذا الإيمان هو الذي نثق أنه مبنى على الأساس الصخري لإعلان الله في شخص يسوع المسيح، مبنى ومُؤسس على كرازة الرسل والتلاميذ، ونقلته الكنيسة وسلمته لجيل بعد جيل. يشهد له الكتاب المقدس بكل حذافيره، لا يوجد بند واحد فيه لا نجده في الكتاب المقدس. استشهد الرسل لأجل هذا الإيمان، وضحى الكثيرين من أبناء الكنيسة بحياتهم لأجل نقل هذا الإيمان سالماً.

 

أنا اعتقد للتمام أن الكتاب المقدس يحتوي على هذه العقائد بأكملها، بكل تفاصيلها، منسوجة بالكامل في نص الكتاب المقدس ككل. وأعتقد تماماً أن الكتاب المقدس لا يعلم بأي شيء يخالف هذه العقائد، وأن الكتاب المقدس لا يوجد فيه تناقض بما يعلمه في الإيمان والعقيدة. الكتاب المقدس لا يقول إن يسوع له بداية بحسب لاهوته، ولا يقول إن يسوع مخلوق، ولا يصف يسوع بأنه لم يكن له وجود قبل تجسده. الكتاب المقدس لا يقول إن يسوع هو مجرد نبي لا أكثر، ولا يقول إن يسوع هو مجرد إنسان لا أكثر. الكتاب المقدس يعلم بشكل مباشر أن يسوع هو الله المتجسد.

 

بولس ويوحنا آمنا أن يسوع المسيح هو الله المتجسد. لم يؤمن أحدهما أو كلاهما أن يسوع هو مجرد إنسان، ولم يؤمنا أن يسوع مخلوق، ولم يؤمنا أن يسوع ليس هو الله. كما سنرى، إن بولس ويوحنا لا يوجد أي غبار حول عقيدتهما في يسوع المسيح: الله المتجسد. بولس لم يقل إن يسوع هو أول مخلوق خلقه الله، ويوحنا لم يقل إن يسوع هو أول مخلوق خلقه الله. كلاهما لا يؤمنان أن يسوع له بداية وله نهاية. كلاهما يعتقدان بكل وضوح أن يسوع المسيح هو إعلان الله، هو كلمة الله، هو صورة الله.

 

كتب بولس في رسالته إلى كنيسة كولوسي قائلاً: “اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ” (كولوسي 1: 15). وكتب يوحنا إلى كنيسة لاودكية ناقلاً رسالة الصادق الأمين ملقباً نفسه: “هَذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ” (رؤ 3: 14).

وقد فهم الكثيرون هذين النصين على أنهما تصريح من بولس ويوحنا بأن يسوع مخلوق. البعض فهمهما على أن يسوع مجرد إنسان في نظر بولس ويوحنا، وآخرين فهموهما على أن يسوع هو “إله مخلوق” في نظر بولس ويوحنا. لم يستطيع آريوس أن يأخذ بالخيار الأول، فماذا سيفعل مع بقية نصوص عقيدة بولس، والبعض منها يأتى في النص التالي مباشرةً، لذا أخذ بالخيار الثاني: يسوع هو إله مخلوق! [2]

 

ما الذي اختاره أصدقائنا في الشرق من الخيارين: هل يعتقد بولس ويوحنا أن يسوع هو مجرد كائن بشرى مخلوق، أم يعتقد بولس ويوحنا أن يسوع هو إله مخلوق مثل آريوس؟ لكن آريوس كان ذكياً، فهو يعرف جيداً أن بولس ويوحنا يعتقدان بوضوح في لاهوت المسيح، فوفق الحل في جملة غريبة على الإنسان في يومنا هذا: الإله المخلوق. هل يوجد حل ثالث؟ لا أعرفه، فبحسب هذه المنهجيات، يسوع إما أنه مخلوق، إما أنه إله، أو أنه إله مخلوق.

ولأن خيار الإله المُطلق ليس في الحسبان، فنحن أمام خياران لا ثالث لهما. لا أعرف بعد ما الذي اختاره أصدقائنا في الشرق، غير أننى أعرف أن كل من يستدل بهذه النصوص في الشرق يريد أن يقوى عقيدته: يسوع مخلوق بحسب نص الكتاب المقدس، يسوع مخلوق بحسب عقيدة بولس، يسوع مخلوق بحسب عقيدة يوحنا.

 

هذا إستنتاج باطل، لأننا حتى لو سلمنا بأن بالنتائج التي توصلت لها هذه التفسيرات لهذين النصين محل الدراسة، فلكي تقول عقيدة الكتاب المقدس في يسوع، عليك أن تضع كل ما يقوله الكتاب المقدس. لكي تقول عقيدة يوحنا في المسيح، عليك أن تضع كل ما يقوله يوحنا عن المسيح. لكي تعرف، ثم تعلن، عقيدة بولس في المسيح، عليك أن تضع كل ما يقوله بولس عن المسيح. لذلك، وحتى لو سلمنا بأن هذين النصين يقولان عن المسيح أنه مخلوق، وهو التفسير الذي بقوة الرب سيسقط كما تسقط ورقة الشجر في الخريف في هذه الدراسة، فإن هذا لا يعنى أن عقيدة الكتاب المقدس في يسوع أنه مخلوق، ولا يعنى أن عقيدة بولس أو يوحنا في المسيح أنه مخلوق.

 

آريوس كان ذكياً، فقام بجمع كل ما يقوله الكتاب المقدس عن المسيح، بجانب تفسيره الخاص لنص بولس، وتوصل إلى الإستنتاج النهائى: يسوع إله مخلوق [3]. لكن اصدقائنا في الشرق أغبياء. وأقول أغبياء لأحسن الظن بهم، لأنني لو لم أفعل، فسأقول كاذبين ومزورين. فلماذا هم أغبياء؟ لأنهم ظنوا أن لو النصين يقولان بحق أن يسوع مخلوق، فهذا يعنى أن الكتاب المقدس يقول بحق أن يسوع مجرد مخلوق. بدون حتى الدخول في هذه الدراسة، ومن مقدمتها فقط، سقط الادعاء الذي يقول إن الكتاب المقدس يعلن يسوع مخلوقاً. لا يوجد حل أمام أصدقائنا سوى إعلان أن الكتاب المقدس يقول بأن يسوع إله مخلوق!

 

إلى أي مدى تصل هشاشة الادعاء، ذلك الذي يسقط من تمهيد طرح فقط؟!

كل هذه المقدمة كانت بفرض أن التفسير الذي توصل إليه آريوس والأصدقاء الكثيرين في الشرق حول نص بولس ونص يوحنا سليم. حتى مع افتراض صحة التفسير، سقط الادعاء. لكن هذه ليست سوى مقدمة هذه الدراسة! هذا التفسير الذي يقول بأن هذين النصين يقولان إن يسوع مخلوق، محسوب ضمن الخليقة، له بداية وله نهاية، هو تفسير يقع في احتمال واحد من ثلاثة: المفسر غبي، المفسر جاهل، أو المفسر كاذب.

وأنا اعتقد أن آريوس كاذباً، وقد كان أثناسيوس حريصاً كل الحرص أن يرد على كل ادعاءاته. فماذا عن أصدقائنا في الشرق؟ في أي قائمة نضمهم؟ قال الغزالي وهو يرد على الفلاسفة: البلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء، والعمى أقرب إلى السلامة من بصيرة حولاء. وقد قصد بذلك أن يصف ابن سينا ومن معه بأنهم أنصاف متعلمين. وقد رأى بأن الأعمى سالم أكثر من الأحول، وأن هذا الإنسان الأبله الذي لا يفهم شيء، هو أفضل بكثير من ذلك الذي فهمه مبتور، أي يفهم جزء ولا يفهم آخر.

هذا الإنسان لا يرى الأمور على حقيقتها، فهو يرى النصف الذي تقع عليه عينه المفتوحة فقط، فيتخيله أمر آخر تماماً عن الحقيقة الواقعة. وهذا هو الذي يعرف أنصاف الحقائق فقط، الذي يُفضل عنه الجاهل، بل ويُحترم عنه!

 

قبل أن نبدأ في الخوض في أعماق بعيدة جداً في دراسة النصين، هناك أربع مقدمات لازمة الدراسة، لأننا لن نفهم النص إلا في سياقه.

 

المقدمة الأولى: لاهوت بولس

أحد اللاهوتيين قال لي ذات مرة: بولس = لاهوت المسيح. كنت أتحدث معه حول لاهوت المسيح في الرسالة الأولى إلى تسالونيكي، لأنها أقدم وثيقة مسيحية في التاريخ. كان رد فعله مدهشاً لي، فهو يعرف أن بولس يعتقد في لاهوت المسيح بصراحة، لذا لم يتردد في بيان أن هذه الرسالة تحتوي على عدة نصوص حول لاهوت المسيح. في الحقيقة، عدة نصوص عميقة جداً.

 

لا يوجد خلاف بين العلماء على أن بولس لديه كرستولوجية عالية، أي أنه يؤمن بوضوح وعمق بأن المسيح هو ابن الله الذي جاء في الجسد. ونحن نعرف الكثير عن لاهوت بولس لأنه أكثر مؤلفي العهد الجديد كتابةً. قد كتب الكثيرين عن نظرة بولس للمسيح، لدرجة بالغة التعقيد. أنا لا أهدف هنا إلى وضع مخطط مُفصل، ولا حتى عام، لكريستولوجية بولس. أحد الكتب الحديثة التي تناولت هذا الموضوع بالتفصيل وصل إلى أكثر من 700 صفحة! لكن نستطيع أن نرسم خطوط عريضة حول لاهوت بولس الرسول فيما يخص عقيدته في المسيح.

 

1- “وَلَهُمُ الآبَاءُ وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلَهاً مُبَارَكاً إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ” (رو 9: 8). ورغم وجود ما يتعلق بتحديد علامات الترقيم في هذا النص، إلا أن الأكثر ترجيحاً هو أنه يتكلم عن المسيح بصفته الإله المبارك الكائن فوق الكل والجميع مباركاً إلى الأبد.

2- “لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ وَنَحْنُ بِهِ” (1 كولوسي 8: 6). وفي ضوء سياق النص في العدد السابق، نلاحظ التوازي بين “آلِهَةٌ كَثِيرُونَ وَأَرْبَابٌ”، وهو التوازي الذي يعكس مفهوم واحد ورد في بداية العدد “إِنْ وُجِدَ مَا يُسَمَّى آلِهَةً” [4].

3- “وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ النَّامُوسِ” (غل 4: 4). وضوح تجسد ابن الله لا يحتاج لتأويل، ولا يوجد أي مناظرة أو خلاف تفسيري حول هذا النص من وضوح رسالته.

4- “الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ” (فيلبي 2: 6). هذا النص وحتى العدد الحادي عشر، هو من أقوى أدلة بولس في اعتقاده بلاهوت المسيح. وهو مع النص محل النقاش، ضمن قوانين الإيمان السابقة على العهد الجديد، وهو الموضوع الذي سيتم شرحه في المقدمة الثالثة.

5- “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: هو ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ” (تيموثاؤس الأولى 3: 16). وبغض النظر عن المشكلات النصية في النص، فإنه واضح ومباشر يُعلم بظهور الكلمة في الجسد الحقيقي.

 

هذه مجرد نصوص قليلة جداً تعرض لنا فكرة مُبسطة للغاية عن عقيدة ظهور ابن الله في الجسد. لذا لا يمكننا أن نجد أي شك حينما نعرف أنه لا يوجد أي عالم متخصص في أي فرع من البحث العلمي في العهد الجديد يشكك في لاهوت المسيح في عقيدة بولس.

 

المقدمة الثاني: لاهوت يوحنا

لا يحتاج يوحنا إلى الكثير من الحديث عنه، فكان لاهوته هو الصفة التي ارتبطت باسمه في ذاكرة المسيحية “يوحنا اللاهوتي”. ونحن نعرف جيداً أن إنجيل يوحنا ملئ بالشواهد الكثيرة التي تصرح بلاهوت المسيح، ونفس الأمر في الرسائل [5]. كذلك سفر الرؤيا، حيث يتقابل يوحنا مع المسيح القائم في جزيرة بطمس. فيما يلي نماذج رئيسية لعقيدة يوحنا في المسيح الإله كما تظهر في سفر الرؤيا:

 

1- “لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ” (1: 17 – 18). لغة “الأول والآخر”، أي لغة الكل في الكل، هي أحد الخصائص والسمات اللاهوتية لوصف يوحنا ليسوع في سفر الرؤيا (قا 2: 8؛ 22: 13). لكن أكثر من ذلك، فهذا يعلن أنه الحي إلى أبد الآبدين، وأن الموت بيده هو. تتضح الصورة بكل أعماقها حينما نقرأ الجالس على العرش (الآب) يصف نفسه قائلاً: ” أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ” (21: 6).

2- “هَذَا يَقُولُهُ الْقُدُّوسُ الْحَقُّ، الَّذِي لَهُ مِفْتَاحُ دَاوُدَ، الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلاَ أَحَدٌ يَفْتَحُ” (3: 7). والصياغة المذكورة هنا هي في غاية القسوة من ناحية إطلاقها التام. الحق المُطلق، والقدوس المُطلق. الذي لا يقف أحد أمامه إطلاقاً. ما يزيد معنى هذا الإطلاق، هو أن هذه الكلمات خرجت من فم ابن الإنسان نفسه!

3- “مُسْتَحِقٌّ هُوَ الْحَمَلُ الْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ الْقُدْرَةَ وَالْغِنَى وَالْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْكَرَامَةَ وَالْمَجْدَ وَالْبَرَكَةَ” (5: 12). صياغة التمجيد والمباركة هذه، والتي تبدو أكثر وضوحاً في الترجمة العربية المشتركة “له المجد والحمد”، هي نفس صياغة تمجيد الله في العهد القديم. وهذا المفهوم واضح أكثر في العدد التالي:

” وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ وَتَحْتَ الأَرْضِ، وَمَا عَلَى الْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ الْبَرَكَةُ وَالْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ”، وهو ما يضع الجالس على العرش (الآب) والحمل (الابن) في مكانة متساوية تماماً في: البركة – الكرامة – المجد – السلطان. وتكمل الأنشودة اللاهوتية حينما نعرف أن كل خليقة الأرض هي التي ترنمت للحمل.

4- “هَا أَنَا آتِي سَرِيعاً وَأُجْرَتِي مَعِي لِأُجَازِيَ كُلَّ وَاحِدٍ كَمَا يَكُونُ عَمَلُهُ” (22: 12). وهذه الصياغة هي انعكاس لتكرار المسيح في إنجيل يوحنا بأنه هو ديان الأرض كلها، وسيحاسب كل فرد بحسب جنس عمله.

5- “أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهَذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ” (22: 16). وفي هذا النص ثلاث محاور لألوهية يسوع: الألوهية تتضح في أنه هو مُرسِل الملاك، والأزلية تتضح في أنه هو أصل داود، والحق يتضح في أنه هو كوكب الصبح المنير الذي سقط منه إبليس ابن زهرة بنت الصبح المنير.

 

هذه خطوط عريضة نستطيع رسمها لتحديد ماهية عقيدة يوحنا في لاهوت المسيح، وماهية العقيدة التي يعلم بها سفر الرؤيا في لاهوت المسيح. لا خلاف على أن سفر الرؤيا يعلم بوضوح تام وشامل بأن المسيح هو ابن الله الحامل جوهر لاهوته. أحد السمات الرئيسية في عقيدة هذا السفر في المسيح، هو أنه دائم الجمع بين الجالس على العرش (الآب) والحمل (الابن). فكل ما يُنسب للأول، نجده منسوباً أيضاً للثاني [6]!

 

يمكنني أن الخص لاهوت بولس ولاهوت المسيح في كلمات بارت إيرمان، الذي يقول:

“إن أقدم مصادرنا المسيحية، هي بالتأكيد كتابات العهد الجديد، ونحن نجد فيها بالفعل مقاطع تؤكد ألوهية المسيح. إنجيل يوحنا مثلاً، يقول الأشياء التالية عن المسيح: “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ…وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ” (1: 1، 14). وقال يسوع: “أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ” (10: 30)، وقد اعترف توما وقال له، أي ليسوع: “رَبِّي وَإِلَهِي” (20: 28).

 

يوحنا هو الإنجيل الوحيد الذي يعرّف يسوع صراحةً كإلهي (ففي الأناجيل الإزائية، تسمى يسوع بابن الله، لكن يبدو أنهم فهموا هذا المصطلح بالمعنى اليهودي التقليدي أكثر، وهو أن يسوع هو الإنسان الذي اختاره الله ليقوم بعمله على الأرض). ولكن حتى أقدم مؤلف من مؤلفي كتابات العهد الجديد، بولس، الذي كتب قبل أقدم الأناجيل بعشرين عاماً، يبدو أن يفهم يسوع على إنه إلهي. انظر مثلاً ما يقوله عن المسيح السابق الوجود: الذي إذ كان في شكل الله، لم يحتسب المساواة بالله شيء ما يمكن اغتنامه (فيلبي 2: 6)” [7].

 

هذا هو الاستنتاج العلمي الذي توصل له الكثير من العلماء فيما يخص عقيدة بولس وعقيدة يوحنا في لاهوت المسيح [8]. لا يمكننا أن ننكر ذلك ونسمى أنفسنا باحثين عن الحقيقة!

 

المقدمة الثالثة: قوانين الإيمان (الترانيم) السابقة على العهد الجديد

هذا موضوع غريب على البحث اللاهوتي والكتابي في الشرق، ولكنه وصل لدرجات عميقة جداً في البحث العلمي في الأكاديمية الغربية. ما سأعرضه هنا هو ملخص بسيط، فهذه قضية واسعة جداً، وتشتمل على الكثير من النصوص التي تحتاج إلى تحليل تقني شامل [9].

 

الموضوع يتلخص ببساطة في أن هناك عدد من المقاطع المذكورة في العهد الجديد، وفي رسائل بولس خاصةً، التي تبين للعلماء أنها ليست من تأليف الكاتب نفسه، وإنما هي عبارة عن قوانين للإيمان، أو اعترافات بالإيمان، أو ترانيم، كانت موجودة في المجتمع المسيحي الأول، ويعرفها قراء رسائل بولس، فاقتبسها بولس أثناء كتابة رسائله. بكلمات أخرى، هذه المقاطع كانت موجودة كأحد تعبيرات الإيمان، سواء في شكل قوانين أو ترانيم، قبل أن يكتب بولس رسائله، أي قبل أن يُكتب العهد الجديد تماماً. وهذه القوانين تمثل العقيدة التي كان يؤمن المجتمع بها، وبولس يقتبسها ليذكرهم بعقيدتهم.

 

هناك عدة عوامل تساعد على اكتشاف هذه المقاطع في رسائل بولس، مثل وجود الإيقاع الشعري أو النغم النثري في رسائل لا تمت بأي صلة للنوع الأدبي الشعري Poetry Genre. وقد تطور هذا الفرع الدراسي لدرجة مذهلة في الغرب في القرن العشرين، حتى أن علماء النقد التاريخي يوظفونها في يسوع التاريخي، ولكنه غير موجود تماماً في الأدب العربي [10].

 

هذه المقاطع يصفها جارى هابرماس قائلاً: “هذه القوانين قد تم تداولها حرفياً قبل سنوات من كتابتهم، ولذلك يحتفظون بعض من أقدم التقارير حول يسوع بين السنوات 30 – 50 ميلادياً. لذلك، وبشكل واقعي، هذه القوانين تحفظ لنا مواد تسبق كتابة العهد الجديد، وهي أقدم مصادرنا عن حياة يسوع” [11]. في الحقيقة، لم يكن كلام هابرماس مغالاة، فهو استطاع أن يقوم باستخراج أثني عشر معلومة “مُتفق عليها من كل العلماء النقديين عملياً، أي كانت مدرستهم الفكرية” [12].

 

لماذا تكلمت عن هذه الدراسة هنا؟ ببساطة، لأن نص كولوسي 1: 15 – 20، النص محل الدراسة، هو أحد هذه المقاطع، أحد قوانين الإيمان التي كانت موجودة في المجتمع المسيحي الأول، يترنم بها للرب، ثم بعد ذلك اقتبسها بولس الرسول في رسالته إلى كنيسة كولوسي. هناك خمسة أسباب دفعت العلماء المتخصصين في النقد الأدبي للعهد الجديد، إلى اعتبار هذا المقطع أحد هذه القوانين، وهذه الأسباب يلخصها لنا العالم الإنجليزي الشهير جيمس دن فيما يلي [13]:

 

  • يبدأ المقطع باسم الوصل “الذي”، متحولاً في الكلام من الآب إلى المسيح، دون الإشارة إلى ذلك، مما يفترض وجود سطر أول غير موجود في المقطع يعرف الشخصية التي يدور الحديث عنها. هذه النقطة مُشتركة في الكثير من قوانين الإيمان الأخرى المذكورة في العهد الجديد.
  • وجود الكلمات والعبارات والجمل في أماكن تجعل منها ذات نغم وإيقاع متوازي ومتوازن بين الأجزاء.
  • وجود تكوين واضح لمقطعين شعريين، هما العدد الخامس عشر حتى النصف الأول من العدد الثامن عشر، ثم من النصف الثاني للعدد الثامن عشر حتى نهاية العدد العشرين. وهذا التكوين يوجد به ثلاثة دوافع في توازى شعري تام، هي العبارات “الذي هو البكر”، “لأن فيه”، و”كل الأشياء، من خلاله، وله”.
  • معنى المقطع المستقل عن سياق النص، مما يجعل فِهم هذا النص لا يحتاج إلى قراءة ما قبله أو ما بعده. ولكن مع ذلك نراه تم إدخاله ليكون هو الجوهر، بين المقدمة (ع 12 – 14) والنتيجة التي يتم استنتاجها (ع 21 – 23).
  • وجود عدد من المصطلحات والتعبيرات التي لا نجدها أبداً في كتابات بولس مرة أخرى، مثل: “المنظور”، “عروش”، “يقوم الكل”، “بداءة”، “متقدماً”، “عاملاً الصلح”، و”دم صليبه”. هذه المصطلحات والتعبيرات غير موجودة في كتابات بولس إلا في هذا المكان فقط، مما يقترح أنها ليست بقلمه هو.

 

بشكل عام، غالبية العلماء يتفقون على أن هذا المقطع هو بشكل ما قانون إيمان كان يترنم به المسيحيين في العصور القديمة جداً من هذه الحركة التي بدأت في صباح الأحد. قلة من العلماء ينكرون أن يكون هذا المقطع قانون للإيمان، ولكن غالبية هذه القلة يعتقدون على الأقل في وضوح التكوين الشعري للمقطع الأول (ع 15 – 18) [14]. ليس ذلك فقط، بل بدايةً من ارنيست كاسيمان، ساد بين العلماء أن هذا المقطع كان صياغة خاصة بالمعمودية، أي أنه نص ليتورجي خاص باعتراف المؤمن الجديد المنضم للجماعة المسيحية الأولى، يقر فيه بعقيدته في يسوع المسيح وعمله الخلاص.

 

ما هي أهمية أن نعرف ماهية النص؟ ما هي علاقته بهذه الدراسة؟ لو أنك قرأت أي مدخل للعهد الجديد، أو كتاب في منهجيات ونظريات التفسير، ستعرف أنك لابد أن تفهم طبيعة النص الذي أمامك، حتى تعرف ما الذي يجب أن تتوقعه. في الحقيقة، أحد المناهج الرئيسية في التفسير، هو “المنهج الأدبي”، أي الذي يسعى إلى فِهم النص كما فهمه مستلميه. سنشرح هذا لاحقاً في المقدمة الرابعة. لكن هناك أهمية ثانية لفِهم طبيعة هذا النص. ليس أمراً معتاداً أن تعرف عقيدة المجتمع المسيحي في هذا التوقيت المبكر جداً. في غضون أقل من عشرين عاماً، نشأت هذه القوانين وتم تنظيمها [15].

 

المقدمة الرابعة: المنهج العلمي في تفسير النص

ما الذي كان يفهمه القارئ في القرن الأول حينما كان يقرأ قانون الإيمان (نص كولوسي) والنص النبوي (نص الرؤيا)؟ هذا مسار عام يحدد الخطوط التي ستسير فيها أثناء عملية تفسيرك للنص، ولكن يضمن لك شرعية فِهم المعنى الأصلي للنص. من وجهة نظر تاريخية، دون الدخول في النطاق الروحي، لا يوجد إلا معنى واحد فقط للنص، وهو الذي عبر عنه المؤلف بكتابته للنص. المعنى ليس هو النص، لأنك تستطيع أن تخرج بأي معنى تريده من أي نص تقع يدك عليه.

 

إنما المعنى هو الذي قصده مؤلف النص. بكلمات أخرى، معنى النص هو ليس قراءتنا نحن للنص، إنما قراءة المؤلف الأصلي للنص. البحث عن المعنى الأصلي كان المحرك وراء البحث عن الآليات والأدوات. وُلِد المنهج التاريخي النقدي، أو النقد الكتابي، فقط لأجل تحقيق هذه المهمة. واستطاع العلماء عبر زمن طويل جداً، امتد لقرنين من الزمان، تطوير آليات ومنهجيات جميلة جداً، تساعدنا على فِهم هذا المعنى الأصلي الذي قصده المؤلف وعبر عنه في النص.

 

أحد هذه المناهج، وهي عديدة، هو “المنهج الأدبي”. وهذا المنهج له عدة خطوات، وهي:

  • تحديد طبيعة العمل الأدبي الذي سيتم تناوله في عملية النقد.
  • تحليل هذا العمل الأدبي ومحاولة فك جميع ارتباطاته وتكويناته.
  • قراءة الناقد الأدبي للعمل بعين القارئ في عصر العمل الأدبي.

 

وهذا المنهج سيعطينا ملاحظات بدائية جميلة. قراءة التاريخ ليست مثل قراءة الشعر مثلاً. لذلك يجب أن نطرح بعض الأسئلة التي ستساعدنا على تكوين صورة أولية عن النص، مثل:

  • ما هي طبيعة شكل النص؟ هل هو تاريخ أم شعر أم قصة أم سيرة ذاتية أم ماذا بالضبط؟
  • ما هي البيئة التي خرج منها النص، وما الذي نستطيع أن نعرفه عن مؤلفه حتى نضع النص في ظروف عصره؟
  • ما هو هدف النص؟ هل يهدف إلى تسلية القارئ أم تعليمه أم تقويمه؟

 

هذا نموذج مُبسط لما يجب على الناقد الأدبي أن يفتتح مناقشته لأي نص به، حتى يستطيع أن يتوقع ما يجب عليه أن يقرأه، مثلما كان يفعل القارئ في العصر الذي خرج منه النص. ضرورة محاكاة فِهم القارئ الذي خرج له النص في نفس الزمن، هو أن هذا المؤلف وذلك القارئ عاشا في ثقافة واحدة، والمبادئ المُتبعة في التأليف والقراءة والفِهم بينهما أقرب بكثير بين مؤلف وقارئ يفصل بينهما ألفى عام.

 

هذه هي القاعدة: فِهمك أنت للنص ليس هو قصد المؤلف من النص!

 

هذا قد يبدو غريباً بشكل ما، ولكنك قبل دراسة الكتاب المقدس، كعمل أدبي مجرد، يجب أن تتلقى تدريباً في النقد الأدبي. وكتب مداخل العهد الجديد ومقدمات نظرية التفسير للعهد الجديد، توفر عليك هذا العناء، وتقدم لك هذه المناهج وكيفية ربطها وتطبيقها على العهد الجديد.

واختيار المنهج التفسيري تحتمه ظروف النص. كمثال، نستطيع تطبيق النقد التنقيحي على إنجيلي متى ولوقا كمنهج تفسيري رائع، ذلك لأننا لدينا أحد مصادرهما؛ إنجيل مرقس. لكن كيف سنطبقه على إنجيل مرقس؟ لا يوجد لدينا أي من مصادره.

 

وفي رسائل بولس، أكثر المنهجيات نجاحاً وتأييداً من العلماء، المنهج الأدبي. رسائل بولس كانت غالباً لمواجهة مشكلات (وفي بعضها كان هو نفسه المشكلة!)، فلكي تفهم نص بولس بشكل سليم، عليك أن تحاول معرفة ماهية المشكلة، من خلال رد بولس نفسه، ثم تعيد قراءة الرد لتقرأ الرد نفسه. أنت في البداية تقرأ النص بحثاً عن ما تستطيع أن تجده من قرائن ترشدك إلى المشكلة التي يحاول النص معالجتها. في هذه المرحلة استيعابك الفكري لا ينظر كثيراً لتفاصيل لا علاقة لها بالمشكلة (وهي كثيرة!). لكن في قراءتك للرد نفسه، وهو المرحلة التالية، لفِهم معالجة بولس للمشكلة، فأنت تبحث عن كل التفاصيل.

 

ذكرت هذه التفاصيل لأنني لن أناقش نصاً منعزلاً ومنفرداً عن سياقه. يجب أن نعرف ما هي مشكلة كنيسة كولوسي، ويجب أن نعرف ما هي معالجة بولس للمشكلة، ويجب أن نفهم لماذا استدل بولس بهذا القانون. بعد ذلك نستطيع أن نقول إننا اقتربنا بكل طريقة ممكنة من نص القانون، لنبدأ بعد ذلك في تحليله. عند هذه النقطة فقط، نستطيع أن نقول إننا توصلنا إلى أفضل تفسير لمعنى “بكر كل خليقة” [16].

 

هناك من يتخيل ترجمة قول بولس “πρωτότοκος πάσης κτίσεως” عملية سهلة جداً. لكن المتخصص الحقيقي لن يقول ذلك. أحد العلماء الألمان الذي قام بعمل رسالة الدكتوراه الخاصة به في ثلاثينات القرن الماضي، كتب قائلاً: “أي شخص يريد أن يترجم الرسالة إلى كولوسي سيقابل مشكلة صعبة لها وزنها في 1: 15، وهي بالتحديد كيف سيترجم التعبير بروتوتوكوس باسيس كتيسيوس” [17]. هذه الصعوبة جعلت من جميع العلماء الذين درسوا هذا النص، يتحولون مباشرةً إلى دراسة الرسالة إلى كولوسي بأكملها.

 

العالم لارى هيلير، أستاذ الأدب الكتابي في جامعة تايلور والذي كتب أيضاً رسالة الدكتوراه عن هذا النص، وصف هذا التحول قائلاً:

 

“أحد الصعوبات المتعلقة بفِهم النص هو غموض المصطلحات المنفردة لسياق العبارة (كولوسي 1: 15 – 20)، والتي قد تُفهم من وجهات نظرة مختلفة جداً، مثل: التيارات المتنوعة لليهودية في القرن الأول، أو العالم الهيليني من جانب آخر. ولنضع الصورة في مكانها المُعقد فعلاً، هناك عدد من الكلمات الفريدة الغير متكررة عند بولس في مساحة لا تزيد عن خمسة أعداد فقط. عامل آخر يزيد من صعوبة النص يرتبط بالنوع الأدبي للمقطع محل التساؤل.

 

الكثير من العلماء يميزون في هذه الأعداد تكوين خاصية ترنيمية. وهذا يجعل تساؤل آخر يطفو على السطح حول منشأ هذه الترنيمة. فلو أننا استنتجنا أنها تسبق بولس نفسه، فإلى أي مصدر يمكننا تتبع مفاهيمها ولاهوتها؟ علاوة على ذلك، إذا قررنا أنها ترنيمة تسبق بولس، فما الذي يمكننا أن نقوله حول تنقيح بولس لهذه الترنيمة؟ من الواضح أن المفسر عليه أن يصل إلى قرار حول هذه الموضوعات قبل أن يبنى المحتوى اللاهوتي للترنيمة تحت عنوان اللاهوت البوليسي.

 

ولكن حتى هذا التحقيق اللاهوتي لا يمكن أن نأخذه بمعزل عن مشكلة أخرى مثيرة في دراسات كولوسي، وهي بالتحديد: المشكلة التي سببت كتابة هذه الرسالة، والمعروفة عامةً باسم “هرطقة كولوسي”. هكذا، فإن تفسير الفرد للنص سيتأثر لا محالة إذا كان هناك خلفيات تفترض أن الترنيمة الأصلية تم توظيفها كبيان عقيدي مُتفق عليه لنقد التعليم الخاطئ، وخاصةً إذا كان الفرد يعتقد أن الترنيمة تم تنقيحها لتلقى الضوء أكثر على الهرطقة” [18].

 

نعم، سنتكلم عن كل شيء. سندرس كل تفاصيل كنيسة كولوسي والهرطقة التي واجهتها. ونعم، سنستخدم كل ما يمكننا من آليات النقد الأدبي والنقد التنقيحي لنصل إلى التغييرات التي قام بها بولس في الترنيمة حتى نعرف لماذا غير ما غيره. سنعرف أن بولس قام بتنقيح هذه الترنيمة وهو ينظر للهرطقة التي واجهتها الكنيسة الناشئة في كولوسي. الموضوع ليس سهلاً، وليس بالحماقة التي يتخيلها البعض من كل الأطراف.

 

نترك المقدمة الآن، لندخل في عمق المشكلة!

 

كنيسة كولوسي

الرسالة إلى أهل كولوسي هي أحد رسائل الأسر التي كتبها بولس بينما كان مسجوناً في روما، وهناك خلاف بين العلماء حول من هو كاتب الرسالة. التقليد التاريخي كله يشهد بأن بولس هو كاتب الرسالة، ولكن لعدة اعتبارات داخلية تتعلق بالأسلوب (الصياغة – اللاهوت)، هناك عدد من العلماء لا يعتبرون أن بولس هو كاتبها [19]. والعائق الرئيسي هو اللاهوت، الذي يُوصف بأنه يحتوي على تفاصيل لا نجدها في كتابات بولس الموثوق من صحة نسبها إليه.

 

غير إنني مقتنع مع الكثير من العلماء بأن هذه التفاصيل لها أسبابها تتعلق بأسباب مواجهة المشكلات المختلفة بين رسائل بولس [20]. وعلى كل حال، فإن من ينكر أصالة الرسالة لبولس يرجعها إلى أحد تلاميذه في توقيت لا يتعدى ثمانينات القرن الأول. والرسالة بشكل عام، هي المصدر الوحيد الذي يحدثنا عن كنيسة كولوسي، وكل معرفتنا عن المشكلة التي تفجرت في كولوسي تأتى من هذه الرسالة فقط.

 

كولوسي كانت مدينة في مقاطعة فرجيريا ترتبط عن قرب مع مدينة لاودكية وهيرابوليس. على بعد 110 ميل من أفسس، يقع وادي نهر ليكيوس ضمن منطقة بركانية. وعلى شاطئ هذا النهر تقع مدينة لاودكية، وإلى الشمال منها بنحو ستة أميال، تقع مدينة هيرابوليس. هناك تقع كولوسي على بعد 11 ميل من هيرابوليس، وهذه الأماكن تقع في تركيا حالياً، وكانت تُسمى بآسيا الصغرى. في هذه الثلاث مدن، تأسست ثلاثة كنائس مسيحية.

 

لكن ليس بولس هو الذي أسس هذه الكنائس، فهو يعرفنا في الرسالة أنه لم يذهب لهذه الكنيسة قائلاً: “فَإِنِّي ارِيدُ انْ تَعْلَمُوا ايُّ جِهَادٍ لِي لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَجَمِيعِ الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا وَجْهِي فِي الْجَسَدِ” (2: 1)، إنما كان ابفراس، أحد العاملين مع بولس، هو الذي أسس الكنيسة في كولوسي، لاودكية، وهيرابوليس: “يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ ابَفْرَاسُ، الَّذِي هُوَ مِنْكُمْ، عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ، مُجَاهِدٌ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ بِالصَّلَوَاتِ، لِكَيْ تَثْبُتُوا كَامِلِينَ وَمُمْتَلِئِينَ فِي كُلِّ مَشِيئَةِ اللهِ. فَإِنِّي اشْهَدُ فِيهِ انَّ لَهُ غَيْرَةً كَثِيرَةً لأَجْلِكُمْ، وَلأَجْلِ الَّذِينَ فِي لاَوُدِكِيَّةَ، وَالَّذِينَ فِي هِيَرَابُولِيسَ.” (4: 12 – 13).

 

ويبدو من وصف بولس لابفراس “الذي هو منكم”، أنه كان أحد سكان كولوسي. ومن شكل اهتمام بولس بالكنيسة والأعضاء في كولوسي، ورغم أن بولس لم يكن هو المؤسس لهذه الكنيسة، إلا أن هذا الاهتمام الرعوي قد يشير إلى إرسالية تبشيرية قد أرسلها بولس لتعمل في هذه المقاطعة. هذا يتضح أكثر حينما نقرأ كلمات بولس في وصف عمل ابفراس: “كَمَا تَعَلَّمْتُمْ ايْضاً مِنْ ابَفْرَاسَ الْعَبْدِ الْحَبِيبِ مَعَنَا، الَّذِي هُوَ خَادِمٌ امِينٌ لِلْمَسِيحِ لأَجْلِكُمُ” (1: 7)، والذي نرى معناه أكثر وضوحاً في النص اليوناني، حيث يجعل من ابفراس خادم ممثل عن بولس faithful minister of Christ on our behalf.

 

ونحن نعرف من الأخبار التي سجلها لوقا في سفر أعمال الرسل، ان كل سكان آسيا الصغرى قد سمعوا بالكرازة الرسولية: “سَمِعَ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ” (أع 19: 10). وبالتالي من المرجح جداً أن يكون بولس قد أرسل هذه الإرسالية التبشيرية حينما كان في أفسس، في أواخر خمسينات القرن الأول. ونقطة أخيرة تؤيد هذه النظرية، أن ابفراس الذي كان مسئولاً عن تبشير هذه الكنيسة كان مسجوناً مع بولس (كولوسي 4: 12).

 

الخط العام في الرسالة يوضح لنا أن هناك اختلاف في أسلوب بولس في التعامل مع الهرطقة التي نمت في الكنيسة الناشئة. بولس في بداية الرسالة يعكس لطف وهدوء مع أعضاء الكنيسة، بعكس الرسالة إلى غلاطية التي نجده فيها في أقسى كلمات وأسلوب يمكن أن يخرج منه. هذا الشكل نلاحظه بالأكثر في مدح بولس لأعضاء الكنيسة في الجزء الأول من الإصحاح الأول (خاصةً 1: 1 – 9).

 

هذا يوضح لنا أن هذه الكنيسة الحديثة العمر كانت بريئة، وحاول “المعلمين الكذبة” خداعهم. بعكس الغلاطيين، فإن هؤلاء لم يكونوا متمرسين مقتدرين ولم يختاروا بإرادتهم الانحراف عن الكرازة المسيحية المستقيمة. إنما قد تم خداعهم من معلمين أغراب عن الكنيسة. بولس يصف هذا الوضع قائلاً: “أقول هَذَا لِئَلاَّ يَخْدَعَكُمْ احَدٌ بِكَلاَمٍ مَلِقٍ” (2: 4)، وجاء اللفظ في الترجمة العربية المشتركة أكثر وضوحاً: “أقول هذا لئلا يخدعكم أحد بالكلام المعسول”.

 

من هنا نستطيع أن نبدأ في ترتيب بعض النصوص الواردة في الرسالة، والتي منها نستطيع أن نعرف ما الهرطقة التي كان بولس يواجهها في هذه الرسالة. وأكثر هذه النصوص أهمية يقع في قلب الرسالة (2: 8 – 23). لكن قبل أن نبدأ يجب أن نفهم السياق الديني الذي عاشت فيه مقاطعة فيرجيريا بأكملها، لأن هذا سيساعدنا على تحديد المشكلة.

هذه المقاطعة بكل مدنها عاشت في جو يعبر عن خليط من كافة الأديان والمعتقدات، مثل: الديانات الأصلية للمقاطعة، ديانات شرقية (مثل عبادة ميثرا وايزيس)، آلهة المجتمع اليوناني – الروماني، بجانب اليهودية بشعارها “الله الواحد” [21]. وجود الخلط بين المعتقدات في هذه المنطقة كان طقساً طبيعياً، فأصبح يمكننا أن نرى عبادات تمزج عدة عقائد معاً. وهذا سيساعدنا كثيراً في فِهم طبيعة المشكلة التي كان يواجهها بولس، فهي بعكس مشكلة الناموس مع الغلاطيين، تعكس تعقيداً في خلط عدة أشكال من العقائد والعبادات!

 

المعلمين الكذبة

يفتتح بولس خطابه عن طبيعة ما يواجهه الكولوسيين قائلاً: “اُنْظُرُوا انْ لاَ يَكُونَ احَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِلٍ، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ ارْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ” (2: 8). وهنا الخطوة الأولى في فهم المشكلة، وتحتوي على أكثر من عنصر:

 

1- الفلسفة والغرور الباطل: فالفلسفة وحدها لا تمثل مشكلة لدى بولس، إنما بكونها مبنية على غرور باطل بحسب تقليد الناس، وليس بحسب المسيح. ومغزى بولس من كلمة “تقليد” هو الإشارة إلى قِدم هذه التعاليم مهما كانت. لكن حتى مع كونها قديمة جداً، فهذا لا يعنى أنها من الله، لكنها من الناس. وبالتالي يتضح لنا أن العنصر الأول في مشكلة كولوسي هو أنها مبنية على فلسفة أرضية تتخيل أنها تستطيع أن تصل بالإنسان إلى الواقع الإلهي، ولأنها مبنية على أساس عقلي أرضى، فغرورها باطل وغير حقيقي.

2- أركان العالم στοιχεῖα τοῦ κόσμου: ومفهوم هذا المصطلح اليوناني مُعقد وصعب. هناك أربع خيارات لترجمة المصطلح: العناصر الرئيسية الكونية (الأرض، الهواء، النار، الماء. إلخ)، التعاليم أو المبادئ الرئيسية للعالم، الكائنات السمائية المُكونة من العناصر الأساسية، الأرواح العناصرية للعالم (الشياطين، الملائكة، الأرواح. إلخ) [22].

ونظراً لأن كلمة στοιχεῖα كان لها أكثر من معنى، فإن الخيار الرابع هو الأكثر دقة، نظراً لأنه كان مفهوم الكلمة في العالم الهيليني الذي نشأت فيه كنيسة كولوسي وهو أيضاً ما يتماشى مع سياق النص (قا ع 10)، كما يتماشى مع ما جاء في غل 4: 3 [23]. إذن العنصر الثاني في مشكلة كولوسي هو أن الفلسفة مبنية على “قوى الكون الأولية” (أو الأرواح، الترجمة العربية المشتركة).

 

من هنا نفهم أن هذه الكنيسة دخل عليها تعليم غريب يقول إن الانتقال إلى العالم الإلهي سيكون عن طريق فلسفة حياتية مبنية على أرواح الكون، وليس عن طريق المسيح. لاحقاً في سرد بولس نلاحظ أيضاً عدة عوامل تساعد في فِهم الجانب العقيدي لمشكلة كولوسي:

 

1- الرئاسة والسلطة: نلاحظ أن بولس يكتب بصيغة عدائية نحو الرئاسة والسلطة، فنقرأه يقول عن المسيح: “رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ” (ع 10)، وأيضاً: “جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ اشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ” (ع 15). هذه النصوص توضح أن الكولوسيين كانوا يجعلون من بعض الرئاسات والسلطات (شكل ما من أشكال التعبير عن الألوهية في العالم القديم) في محل الألوهية.

2- عبادة الملائكة: هنا يصبح بولس أكثر صراحةً، إذ يخاطب الكولوسيين قائلاً: “لاَ يُخَسِّرْكُمْ احَدٌ الْجِعَالَةَ، رَاغِباً فِي التَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ الْمَلاَئِكَةِ” (ع 18). إذن، هؤلاء الكولوسيين أصبحوا يعبدون قوات كونية وسلطات ورئاسات روحية وملائكة. وهذه هي القاعدة التي يبنون عليها فلسفتهم.

 

هذه العقيدة كان لها ممارسات في العبادة، يوضحها بولس: “فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ احَدٌ فِي أكْلٍ أو شُرْبٍ، أو مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أو هِلاَلٍ أو سَبْتٍ” (2: 16). من هنا نفهم أن التعليم الغريب الوارد إلى كولوسي، جعل بعض الممارسات ضرورية، وهي تتعلق بأنواع المأكل والمشرب والأعياد وبدايات الشهور وأيام السبت. هذه العادات سبقها بولس بذكر الختان قائلاً: “وَبِهِ ايْضاً خُتِنْتُمْ خِتَاناً غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ” (ع 11). ذكر الختان لا معنى له هنا، لأن كنيسة كولوسي كلها كانت من الأمم، فما هو خطر الختان بالضبط ليوضحه بولس دوره في اللاهوت المسيحي؟

 

هذا يعنى بشكل أو بآخر أن كنيسة كولوسي لجأت للختان مرة أخرى، عن طريق عنصر غريب عنها دخل إليها، لأن كنيسة كولوسي كانت كلها أممية. هذا يشير إلى دور يهودي، أو مسيحي من خلفية يهودية، بدأ في الدخول إلى مجتمع كولوسي.

ثم نرى مرة أخرى عودة لمقاومة بعض الفرائض في كلمات بولس: “إِذاً انْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ عَنْ ارْكَانِ الْعَالَمِ، فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ، تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ: لاَ تَمَسَّ، وَلاَ تَذُقْ، وَلاَ تَجُسَّ؟ الَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي الاِسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ النَّاسِ” (ع 20 – 22). من الواضح إذن أن هذا التعليم قد وضع ممارسات تضع فرائض ذات مغزى يهودي، ليتطور إلى بُعد نسكي في العبادة.

 

هذا هو كل ما نستطيع أن نعرفه عن هرطقة كولوسي، ويمكننا جمع كافة البيانات التي توصلنا لها، لنضع الشكل العام للهرطقة: وضعت هذه التعاليم الأساس بناءً على الدرجات الروحية السماوية، وبفكر فلسفي، ظنت أن الوصول إلى الواقع الإلهي يكون عن طريق عبادة هذه الدرجات الروحية في بدايات الشهور والسبوت، وبوضع نظام نسكي قاسى قاهر للجسد، فتطور نظام عقيدي يهدف إلى الوصول للكمال، فجعل من المسيح أقل درجة من هذه الكائنات الإلهية التي تصوروها.

 

حتى الآن لا يوجد أي خلاف، ولكن يبدأ الخلاف في محاولة تحديد هذه الهرطقة. هل هي شكل من اليهودية الإسينية كما اقترح لايتفوت قبل أكثر من قرن؟ أم هل شكل ما بدائي من الغنوسية؟ أم هو خليط بين أشكال التزمت اليهودي المادي بأديان وثنية؟ طرح العلماء في القرن العشرين الكثير من النظريات التي تسعى إلى تعيين هذه الهرطقة بالتحديد. لكن في كل الأحوال، ما نستطيع أن نثق فيه يحدده العالم رايموند براون قائلاً: “هؤلاء المخالفين قاموا بدمج الاعتقاد في المسيح مع أفكار يهودية ووثنية لتشكل نظام هرمي من الكائنات السماوية حيث أصبح المسيح فيه أقل من القوات الملائكية التي كانت تستحق العبادة” [24].

 

هذه هي مشكلة كولوسي: وضع المسيح في مكانة أقل من مكانته الحقيقية. وكيف واجه بولس هذه العقيدة؟ كان هذا شعاره ورمز كرازته: الكمال الذي تبحثون عنه خارجاً للدخول إلى العالم الإلهي، تجدونه في المسيح يسوع الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت!

 

انعكاسات أولى

ربما تكون قد بدأت الآن في فِهم لماذا درسنا مشكلة كولوسي، فهذه الكنيسة لم تعد تعبد المسيح، إنما وضعته في مرتبة أقل من الكائنات الملائكية والسماوية والتي كانت تُقدم لها العبادة في هذه الكنيسة. وهناك عدة انعكاسات أولية يجب أن تنتبه لها:

 

  • كيف سيواجه بولس هذه الهرطقة التي تضع المسيح ضمن المخلوقات، بأن يقول لهم أن المسيح مخلوق؟!
  • ما هو مركز المسيح الكوني فيما يسميه العلماء “الكريستولوجية الكونية” Cosmic Christology بحسب فكر بولس في هذه الرسالة؟
  • كيف في المسيح يستطيع الفرد الانتقال للواقع الإلهي؟
  • كيف يصل الإنسان للكمال في اللاهوت المسيح عن طريق المسيح كما شرحه بولس؟
  • لماذا يهاجم بولس العقيدة والممارسة في الفكر الزائف في كولوسي؟

 

حتى الآن، كانت كل قراءاتنا في رسالة كولوسي هي قراءة سياقية استنتاجية بحسب المنهج الأدبي، وذلك لتحديد طبيعة الهرطقة التي كانت منتشرة في كنيسة كولوسي. وقد فعلنا هذا عن طريق رد بولس على هذه الهرطقة، لكننا لم ننتبه لمنهج بولس في الرد. الآن سنقرأ رد بولس بشكل تفصيلي، بحيث يكون هدفنا هو الرد نفسه، حتى نستطيع بعد ذلك الانتقال إلى قانون الإيمان (1: 15 – 20)، ومنه إلى نص “بكر كل خليقة”.

 

الشهادة للمسيح

يتضح لنا من سياق الرسالة أن ابفراس، الخادم المُفرز لخدمة كولوسي، لم يستطع مواجهة هذه الهرطقة وحده، فلجأ إلى بولس لطلب المشورة في الرد وكيفية مواجهة هذه التعاليم الغريبة. لم يتردد بولس، فكتب إليهم رسالة يوضح لهم فيها التعليم الصحيح في المسيح والخلاص والإهتمامات الدنيوية. كان المحور الرئيسي الذي تدور حوله كله الرسالة هو مجد المسيح. لم يلجأ بولس إلى نقد مهاجم للأفكار التي تبنتها هذه الفلسفة، بل لجأ إلى بيان من هو المسيح ومجده وعظمته. كان شعوره بأن مجرد هذا البيان كافي جداً ليهدم كل تشويش أدخلته هذه العقائد والممارسات التي لم يعلمهم بها ابفراس مبشرهم بالكرازة الرسولية كممثل عن بولس نفسه.

 

ينقسم رد بولس إلى ثلاث خطابات:

  1. التعريف بالعقيدة السليمة والمستقيمة في المسيح يسوع كما كرز بها في كل العالم.
  2. الاختبار الروحي الذي عرفوا فيه المسيح يوم ميلادهم فيه وتحررهم من عبادة السلطات والرئاسات.
  3. كيفية تحول هذا الاختبار إلى حياة عملية في الواقع الأرضي في تنظيم الممارسات بين الأفراد.

 

إن القسم الأول، وهو التعريف بالمسيح، يأتي كبداية صارمة جداً لوضع المسيح في مكانه الحقيقي. سنؤجل دراسة هذا القسم قليلاً، لنحاول أن نرى بقية المعطيات في بقية الرسالة. لقد كان الهدف الأول لأهل كولوسي هو محاولة الوصول للكمال، أو الملء πλήρωμα (بليروما، وهو مصطلح من مصطلحات الغنوسية ليصف حالة العبور إلى الواقع الإلهي)، فينتقلون من الواقع البشرى للواقع الإلهي. في النهاية، كان للمسيح جسداً مثلهم، بينما كانت الملائكة أرواح، فتستحق العبادة أكثر من ذلك.

في ضوء ذلك، يقوم بولس بتصحيح الفكر، وهو أن المسيح هو الذي يستطيع أن يعبر بالإنسان للكمال. وهو يقول لهم: “انتبهوا لئلا يسلب أحد عقولكم بالكلام الفلسفي والغرور الباطل القائم على تقاليد البشر وقوى الكون الأولية، لا على المسيح. ففي المسيح يحل ملء الألوهية كله حلولاً جسدياً” (2: 8 – 9، بحسب الترجمة العربية المشتركة). بكلمات أخرى، بولس يقول إن هذه الفلسفة، الحكمة التي عن طريقها تريدون الوصول إلى الكمال، ليست قائمة على المسيح.

لأن الألوهية بأكملها، بكمالها، هي في المسيح، وليست في تقاليد بشرية وأرواح ملائكية. بولس يواجه الإنقاص من شأن المسيح بوضع المسيح في مكانه الحقيقي والطبيعي. فالمسيح في حقيقته تجسيد كامل للألوهية الكاملة. فكيف يمكن أن نضع المسيح أقل من الملائكة، فنعبد الملائكة بدلاً منه؟ إن الفعل “يحل” κατοικεῖ هو في زمن المضارع المستمر، فهو لا يشير فقط إلى حياة الكلمة في الجسد على الأرض، إنما إلى استمرار الكينونة اللاهوتية للمسيح [25]. هذا التعليم يصرح بشكل مباشر أن الكمال – الملء، البليروما، هو المسيح نفسه، الذي فيه كل كمال الألوهية، والذي فيه يعبر الإنسان إلى الواقع الإلهي، إلى الله نفسه.

والكلمة التي يستخدمها بولس ليشير إلى اللاهوت هنا هي τῆς θεότητος. هذه الكلمة تختلف عن ἡ θειότης، فالأخيرة تتكلم عن الكفاءات الإلهية، إنما الأولى تتكلم عن الطبيعة الإلهية نفسها، الجوهر الإلهي نفسه، اللاهوت نفسه. أحد العلماء قال: “نفهم من ذلك أن طبيعة الله، الغير مقسمة وبكل كمالها، حلت في المسيح في مكانته السامية، ليصبح هو صورة الله الجوهرية والصحيحة، التي لا يستطيع أن يكونها بالطبيعة لو كان ليس له الجوهر الإلهي” [26].

إن التعبير الصحيح لهذا النص، هو كما وضعته الترجمة الدولية الحديثة: “لأن في المسيح كل ملء الألوهية يعيش في شكل جسدي”، أو الترجمة الأمريكية القياسية الجديدة: “لأن فيه كل ملء الألوهية يحل في شكل جسدي”، أو ترجمة كتاب الأخبار السارة: “المحتوى التام للطبيعة الإلهية يعيش في المسيح في إنسانيته” [27].

هذا اللاهوت قوى جداً، يضع المسيح في مكانه الطبيعي جداً: الابن الذي له نفس جوهر الله الآب، تجسد الآن ليرى الجميع الله في جسده الخاص. في نفس الوقت، كان إصرار بولس على أن اتحاد اللاهوت بالجسد يعنى بكل المقاييس أن هذا الجسد ليس ضاراً. ليست المادة في طبيعتها شيء سيء، وبهذا ينقد أفكارهم عن الفصل بين الروح والمادة.

النقطة التي يريد بولس أن يقولها هنا، هي كما يعبر عنها العالم جيمس دن: “بين كل هذه الأمور، هناك هدف مشترك للعبور إلى جوهر الواقع تم افتراضه في النص؛ فأن تكون مسيحياً يعنى أن تدرك المسيح كالهدف والوسيلة إلى ذلك العبور” [28]. وهذا ما يتضح من قول بولس بعد ذلك مباشرةً: “وفيه تبلغون الكمال، هو رأس كل رئاسة روحانية وسلطة” (ع 10). فالطريق الوحيد للكمال، الذي تقول المسيحية بكافة أطرافها أنه أصبح الآن مُتاحاً للإنسان، هو يسوع المسيح، الذي فيه كل ملء الألوهية، ومن فيضه نحن نغتنى. هذا ما يقوله بولس، أننا في المسيح نبلغ الكمال، وليس الكائنات السماوية أو الملائكة.

 

لأن المسيح نفسه هو رأس كل هذه الكيانات، وليس أقل منها. ريتشارد ميليك أوضح الفارق بين المسيح والكائنات الروحية في خلاص الإنسان قائلاً: “لم يكن هناك سبب لهم ليعتمدوا لأي كائنات أخرى روحية. فلأن المؤمنين الكولوسيين كانوا كاملين في يسوع، وهو أعظم من كل هذه الكائنات، فإن المؤمنين ليس لهم علاقة بالقوات الروحية. وقد عاد بولس لذلك في العدد الخامس عشر.

ولكن كان كافياً له أن يستبق ما سيناقشه لاحقاً هنا ببيان أن المسيح هو الله، وهو بذلك يتفوق على كل الكائنات المخلوقة. وأولئك الذين يرتبطون به بالإيمان يشتركون معه في موقعه السامي. لقد حصلوا على خلاص تام وكامل” [29]. كما نصلى في التسبحة: أخذت الذي لنا، وأعطيتنا الذي لك!

 

لم يقتصر بولس على بيان إطلاق ألوهية المسيح، إنما في كلمات حاسمة، بين زيف معتقدهم: “خلع أصحاب الرئاسة والسلطة، وجعلهم عبرة، وقادهم أسرى في موكبه الظافر” (ع 15). نعود بذلك مرة أخرى لإكمال نقد بولس للرئاسات والسلطات السماوية، مؤكداً ومعلناً أن المسيح له القدرة والتفوق عليها. هو رأس كل رئاسة روحانية وسلطة. لكن ليس ذلك فقط، بل قد نحى هذه الكائنات جانباً لتعبده هي أيضاً. لقد جعلهم عبرة، وظفر هو عليهم.

 

في الحقيقة، هذا النص، بل والمقطع بأكمله، لا يتكلم عن المسيح، بل عن الله! الفاعل من العدد الثالث عشر هو الله، وليس المسيح، وهو مستمر دون تغيير حتى العدد الخامس عشر. هذا التبادل في نسب العمل بين الله والمسيح، وهو ما أسماه الآباء لاحقاً “تبادل الخواص” بين الآب والابن، هو أحد الوسائل التي استخدمها بولس لتأكيد مكانة المسيح الحقيقية فوق كل رئاسة وسلطة (قارن بين ع 10 و15).

النقطة الثانية هي “موكبه الظافر”، فالضمير يعود على المسيح لا على الله، وترجمة فانديك تضع النص بشكل أوضح “ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ”. لقد كانت هذه النصوص هي الأساس للاهوت الناضج الذي بناه أثناسيوس وكل قادة الكنيسة الأرثوذكسية في عمل الفداء الذي قام به الله على الصليب. لقد فدى الله الآب البشرية في المسيح يسوع.

 

بهذا يصل بولس إلى قمة نقده للعبادات والممارسات المنحرفة، ويلخص العالم لوس موقف بولس قائلاً: “وهكذا، يعود قطار الأفكار المتسلسلة للسؤال الحاسم الذي وضعه بولس للمجتمع: هل بجوار المسيح أم خارجه هناك أي إمكانية للشركة في الكمال الإلهي. الفلاسفة الكولوسيين قالوا اعبدوا عناصر الكون، وارضخوا للقوات والرئاسات. لكن الرسالة إلى كولوسي تواجه هذه المتطلبات بالتأكيد على مبدأ المسيح وحده. ففيه يحل الكمال التام للألوهية جسدياً، ومنه قد امتلئتم أنتم أيضاً، وفيه كان ختانكم بختان ليس مصنوع بيد، وفيه قد قمتم ثانيةً كلكم معه بالإيمان بقوة الله الذي أقامه من الموت.

 

 لقد أصبح الآن القرار واضحاً، لأن في المعمودية أولئك الذين اعتمدوا قد دخلوا في دائرة ابن الله المحبوب. ولذلك لا تعود القوات والرئاسات محل اهتمامهم، إنما ما يهم هو المسيح فقط، وليس مخلوق آخر ولا أي شيء آخر خارجاً عن المسيح أو حتى بجواره” [30].

 

هكذا يصل بولس إلى الشهادة لوضع المسيح ومكانه الحقيقي. ليس بوسيلة أخرى، ولا عن طريق آخر، يستطيعون الوصول للكمال. لأن الكمال التام للألوهية هو في المسيح فقط، ومنه وله نحن قد أخذنا. كان هذا على الصليب حينما أستطاع الله أن يعطينا فرصة جديدة للشركة مرة أخرى معه. وفي هذه الشركة التي لنا من خلال يسوع المسيح، نستطيع أن نأخذ من الملء ونصل للكمال التام.

لا نحتاج إلى آخر، ولا ملائكة ولا رئاسات ولا سلطات ولا أرواح ولا قوات، لكن فقط في المسيح الذي هو الله الكامل نفسه، نستطيع أن نصل للكمال. هذا هو منهج بولس في الرد على الهرطقة الكولوسية، موضحاً أدوار كل من الله والمسيح والإنسان.

 

 

انعكاسات ثانية

في ضوء هذا المنهج، سننتقل الآن لدراسة قانون الإيمان (1: 15 – 20). لكن هناك انعكاسات أخرى ضرورية يجب أن تنتبه لها قبل البداية:

  • إذا كان بولس يضغط بقوة على لاهوت المسيح كالطريق الوحيد للكمال، فما الذي يعنيه أن يذكر عقيدته في مقدمة الرسالة؟
  • لو أن بولس يستخدم عقيدة لاهوت المسيح ليقاوم كل عبادة أخرى غير حقيقية، فكيف نتوقع أن تكون عقيدته في المسيح في قانون الإيمان؟
  • مادام بولس يشهد أن المسيح هو الله في المعالجة الجدالية، فهل من الممكن أن يقول بأن المسيح مخلوق في قانون الإيمان نفسه؟!

 

قانون الإيمان

احتل المقطع (1: 15 – 20) دراسات طويلة وكثيرة في البحث العلمي حول مصادر ما قبل العهد الجديد الموجودة في العهد الجديد. ما يهمنا الآن في دراسة قانون الإيمان هذا، هو أن نلاحظ بكل ما نستطيع أن بولس كان يكتبه وهو يضع عينه على الهرطقة التي تنزل من مقام المسيح، وتضع الرئاسات والسلطات فوقه. سنلاحظ أن بولس قام بتحرير القانون، وسنلاحظ أن أماكن التحرير هي نفسها الأماكن الأكثر بداهة في علاقتها مع الهرطقة الكولوسية وطريقة معالجة بولس لها.

 

هذه هي ترجمتي للمقطع عن اليونانية [31]:

“هو صورة الله الغير منظور،

بكر كل خليقة،

لأن فيه كل الأشياء قد خُلقِت،

في السماوات وعلى الأرض،

المرئية والغير مرئية،

سواء كانوا عروش أو سيادات،

أو رئاسات أو سلطات،

به وله قد خُلِقت كل الأشياء،

هو كائن بنفسه قبل كل الأشياء،

وكل الأشياء تقوم فيه،

وهو رأس الجسد، الكنيسة،

هو المصدر، البكر من الأموات،

حتى يكون هو الأول في كل الأشياء،

لأن فيه كل ملء (الله) شاء أن يحل،

وبه يصالح كل الأشياء له،

ويصنع سلاماً بدم صليبه (به)،

سواء كانت الأشياء على الأرض أو أشياء في السماوات”.

 

اتفق العلماء على أن هذا المقطع يمثل قانوناً للإيمان، كان يترنم به المسيحيين في فجر العصر المسيحي. وقد اتفق العلماء على أن هناك بعض العبارات الموجودة في القانون كتبها بولس بنفسه، واضعاً الهرطقة التي يجيبها أمام عينه. هذه العبارات هي:

 

” المرئية والغير مرئية،

سواء كانوا عروش أو سيادات،

أو رئاسات أو سلطات” (1: 16).

 

أول على الأقل، السطرين الأخيرين. كذلك كلمة “الكنيسة” (1: 18) وعبارة “بدم صليبه” (1: 20). السبب في أن هذه العبارات جاءت من بولس وليست من أصل القانون، هو أن هذه العبارات تكسر التوازن الموجود بين العبارات “له، به، فيه” في النص اليوناني. وبإزالة هذه النصوص، يصبح وزن القصيدة أخف جداً، وأماكن التركيز على هذه الكلمات “له، به، فيه”، تصبح أكثر سهولة وسلاسة [32].

 

إذن الكلمات الأولى التي أضافها بولس للقصيدة هي: العروش، السيادات، الرئاسات، والسلطات. بعد أن درسنا مشكلة كنيسة كولوسي، وعرفنا كيف رد بولس عليهم، نفهم الآن جيداً لماذا أضاف بولس هذه الكلمات. لقد وضع بولس ما يراه هؤلاء الفلاسفة الكولوسيين كقوات إلهية، تحت المسيح نفسه. الإضافة الثانية، كلمة “كنيسة”، والتي جاءت لتعرف ما هو الجسد المقصود بالضبط، الذي يرأسه المسيح. ورأينا كيف أن بولس وصف المسيح بأنه “رأس كل رئاسة روحانية وسلطة” (2: 10).

كما أنه عاد ووصف المسيح أيضاً بأنه رأس الجسد أيضاً، فقال يصف من يريد الانفصال عن الكنيسة: “غير متمسك بالرأس، وهو الذي منه يتقوى الجسد كله ويتماسك بالأوصال والمفاصل لينمو كما يريد الله” (2: 19، المشتركة). لذلك لا نتعجب إذن من تحديد بولس لماهية الجسد، الكنيسة، ليؤكد على وضع المسيح الفائق والمتقدم فوق كل أعضاء الكنيسة. ليس بعبادة ملائكة، وإنما بعبادة المسيح وحده. وهذا ما نراه في الإضافة الثالثة “بدم صليبه”، حيث رأينا أن بولس يصر أن الطريق الوحيد للكمال، هو عن طريق الملء الكامل للألوهية فقط، المسيح، وقد أتاح المسيح هذه الفرصة للكمال بموته على الصليب.

 

فى دراستنا لقانون الإيمان، سنترك عبارة “بكر كل خليقة”، لنفهم سياق القانون أولاً، حتى نفهم هذه العبارة التي هي هدف هذه الدراسة.

 

“هو صورة الله الغير منظور” (15)

إن الكلمة اليونانية المُستخدمة في النص خلف “صورة”، هي εἰκὼν والتي تعنى نفس الطبيعة، وليست ὁμοίωμα والتي تعنى مشابهة أو مماثلة. لينسكى يشرح معنى هذه الكلمة قائلاً: “صورة، دائماً تعنى أصل، ولهذا فهي أبعد بكثير من ὁμοίωμα “مشابهة” والتي تعنى فقط المشابهة وليس الأصل والاشتقاق. والأصل الذي تعنيه “صورة” مُعبر عنه بالفعل بالاسم المتقدم الخاص بـ ὅς، وهو “ابن محبته (الآب)”. إنها أصل البنوة الأزلية في العلاقة مع الآب. ونفس الفكر يقع في المرادف لها “البكر”.

فالابن الأزلي مولود من الآب هو “صورة” الآب، فهو “بهاء مجده، ورسم جوهره” (عب 1: 3). إنما الإنسان قد خُلِق على صورة الله، ولم يُولد على صورة الله. الإنسان كان لديه الصورة، كانت بداخله، لكنه لم يكن هو نفسه الصورة. والاختلاف بينهما شاسع” [33]. فكون المسيح هو صورة الله، فهو الأصل نفسه متجسداً، فيصبح الله الذي لا يراه أحد، يمكن رؤيته الآن. كما أعلن يوحنا: “اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ” (يو 1: 18). هذا لا يعنى أننا رأينا طبيعة الله نفسها، إنما رأيناها متجسدة في يسوع.

 

“لأن فيه كل الأشياء قد خُلقِت، في السماوات وعلى الأرض، المرئية والغير مرئية” (16).

فهذا الذي هو صورة الله، الانعكاس والتمثيل الكامل لجوهر اللاهوت الذي صار جسداً، هو الذي خلق كل شيء. خلق كل ما في السماء، وخلق كل ما على الأرض. خلق كل ما تستطيع أن تراه عين الإنسان، وكل ما لا تستطيع أن تراه. هذا الأسلوب هو تأكيد قوى على أن هذا هو خالق كل شيء. كل ما يمكن للإنسان أن يعرفه (الأرضي – المرئي) خلقه ابن محبة الآب، وكل ما لا يمكن للإنسان أن يعرفه (السماوي – الغير مرئي)، خلقه أيضاً الابن. وهذه كانت فرصة رائعة لبولس حتى يقدم عقيدته وعقيدة المجتمع المسيحي في طبيعة الابن. ليس من قوات أعلى منه، سواء كانت هذه القوات في السماء أو على الأرض، وسواء كنا نراها أو لا نراها. ليس من أحد فوق الابن نفسه.

 

“سواء كانوا عروش أو سيادات، أو رئاسات أو سلطات” (ع 16).

الآن أصبح بولس أكثر صراحةً. كما رأينا، ولأن هذه العبارة تكسر التوازن الشعري بين الثلاثة أساسات في القصيدة “به، له، فيه”، فيبدو أن بولس أضاف هذه العبارة حتى يضع بشكل مباشر المعبودات التي انحرف لها الكولوسيين تحت سيادة الابن. نقرأ في عهد لأوي: “في السماء عروش وسيادات” (3: 8)، وفي أخنوخ الأول: “كل ملائكة القوة، وكل ملائكة الرئاسات” (61: 10)، وفي أخنوخ الثاني: “ورأيت هناك (أي في السماء السابعة) سيادات وتنظيمات والشاروبيم والعروش” (20: 1) [34]. وهذه الكائنات التي عبدها هؤلاء الكولوسيين، ليست إلا مخلوقات لا تستحق العبادة. الواحد الوحيد الذي يستحق كل عبادة، هو الخالق؛ الابن.

 

“به وله قد خُلِقت كل الأشياء، هو كائن بنفسه قبل كل الأشياء، وكل الأشياء تقوم فيه” (16 – 17).

هذا هو التأكيد الثاني على أن الابن، ابن محبة الآب، هو الذي به قد خُلِق كل شيء موجود وكائن. ولأجله خُلِقت كل الأشياء. أنا وانت قد خُلقِنا به وله. براين وصل إلى جوهر هذه العبارة قائلاً: “التأكيد الأول، “هو كائن قبل كل الأشياء” αὐτός ἐστιν πρὸ πάντων يعلن أوليته الزمنية عن الكون. ولذلك لا يستطيع أي شخص بشكل صحيح ما قاله آريوس: “لقد كان هناك وقت لم يكن فيه موجود” ῆ̓ν ποτε ὅτε οὐκ ῆ̓ν. وفي نفس الوقت، تتضمن العبارة سيادته فوق الكون، وتعود مرة أخرى إلى الوصف الأول “بكر كل خليقة”.

فهو كالكائن قبل وجوده (قا يوحنا 8: 58)، هو سيد هذا العالم. وقد فسر شويزر الكلمة النافذة αὐτός في توازى مع استخدام يهوه للضمير “أنا” بالصياغة التقديسية ليشير لنفسه في العهد القديم” [35]. ويعود بولس ليؤكد على أنه “هو كائن بنفسه قبل كل الأشياء”، أو هو بنفسه قبل كل شيء، لأن الكلمة التي تحمل النفاذ في العبارة اليونانية، وهي αὐτός، تريد التأكيد على السيادة المُطلقة والكونية للمسيح [36]. العبارة الخطيرة جداً هي قول بولس “كل الأشياء تقوم فيه”.

إن دور المسيح ليس فقط هو الخلق، إنما هو أكثر من ذلك حتى تسير الخليقة كما رُسِم لها. هذه العبارة صعب جداً فِهمها خارج اليونانية، فبولس يريد أن يقول إن كل الأشياء تكتسب قيمتها ووظيفتها وطبيعتها وتؤدى دورها وتنتظم في دورها، فقط في المسيح [37]. فليس المسيح مجرد الخالق فقط، إنما هو ضابط الخليقة بأكملها، وفيه تكتسب معنى وجودها!

 

“وهو رأس الجسد، الكنيسة، هو المصدر، البكر من الأموات، حتى يكون هو الأول في كل الأشياء” (18).

هذه هي بداية المقطع الثاني من التكوين الشعري للقانون، في توازى مع “بكر كل خليقة” (ع 15). فالمسيح هنا هو رأس الجسد، رأس البشرية، أي سيد البشرية (حيث تفيد كلمة κεφαλὴ السلطة) [38]. لكن بولس، لهدف يتعلق بمواجهة الهرطقة الكولوسية، يعود ويرادف بين الجسد والكنيسة كما رأينا بالأعلى.

فهو رب الكنيسة الذي به تعيش الكنيسة، ولذلك فهو مصدرها الحقيقي. المسيح بصفته البكر من الأموات، وفي صياغة أخرى لبولس “بكر الراقدين”، فهو بذلك المؤسس الحقيقي للجسد (لهذا سُمِى “المصدر”!) [39]، أي الكنيسة. وكما كان سيد الخليقة الأولى بأكملها (البشرية)، هو الآن أيضاً سيد الخليقة الجديدة بأكملها (الكنيسة). وكما كان هو الأول والسائد فوق الخليقة الأولى، هو الآن أيضاً الأول والسائد فوق الخليقة الجديدة. بهذا فإن المسيح هو المتقدم في كل شيء، سواء في السماء أو على الأرض [40].

 

” لأن فيه كل ملء (الله) شاء أن يحل” (19).

كلمة “الله” ليست من النص الأصلي، ولكن واضح أن الذي شاء هو الله (قارن مع الفاعل في عدد 20). بولس كان أكثر وضوحاً في 2: 9، حينما أعلن أن كل ملء اللاهوت حل في الجسد. وهذه العقيدة أحد أدوات بولس الرئيسية في مواجهة الهرطقة الكولوسية، فلا وصول للملء إلا في المسيح. فهذا هو الوحيد الذي له كل اللاهوت، ومنه نستطيع نحن أن نغتنى. لاحظ أن هذا هو السبب في أن المسيح هو الأول في كل الأشياء كما ذُكِر في العدد السابق.

هو الأول في كل الأشياء لأنه هو ملء اللاهوت نفسه. هو ليس مخلوقاً لأنه اللاهوت نفسه. في نفس الوقت، هو أيضاً رأس الخليقة الجديدة، الجسد، أي الكنيسة، لأنه هو أيضاً اللاهوت نفسه. لذلك لا يحتاج الكولوسيين إلى عبادة بقية الكائنات السماوية ولا الخوف منها. في كلمات براين: “إنه الوسيط بين الله والعالم الإنساني. المسيحيين الكولوسيين ليسوا بحاجة إذن للخوف من هذه القوات السماوية فيعيشون تحت سيطرتها فيما بعد، سواء كانوا فيض إلهي أو وكلاء أو أي شيء. الآن، الله بكل جوهره الإلهي وقوته الإلهية قد حل في المسيح” [41].

 

“وبه يصالح كل الأشياء له، ويصنع سلاماً بدم صليبه (به)، سواء كانت الأشياء على الأرض أو أشياء في السماوات” (ع 20).

في هذا الجوهر الإنساني المتحد بالجوهر الإلهي، صار هناك صلح بين الإنسان والله. وبذلك بولس يشرح الطريق الصحيح للوصول لله نفسه. ليس عن طريق مأكل أو مشرب، ليس عن طريق أي شكل من التقنين في الحياة المسيحية (تُسمى لاهوتياً Legalism)، وليس عن طريق تحريم وتحليل، وليس عن طريق فرائض. إن الطريق الوحيد لله هو المسيح فقط. لا يستطيع الإنسان أن يتصالح مع الله، لأنه لن يستطيع أن يبطل الخطية في حياته.

 

لقد فصلته عن الله، وجعلته تعيساً بائساً في عالمه الخاص. لا يستطيع الإنسان أن يصالح الله، بل الله هو الذي صالح الإنسان. ليس بقدرة الإنسان أن يصنع سلاماً مع الله، بل الله هو الذي صنع سلاماً مع الإنسان بدم صليب المسيح. الآن تعانقت السماء والأرض، فكل ما فيهم الآن أصبح في نعمة الله التي قدمها للإنسان في المسيح. هكذا نصل مع بولس إلى ذروة القانون، وإلى جوهر المسيحية. هذه هي الرسالة التي حملها بولس للكولوسيين: لكم سلام مع الله في المسيح. لقد تجسد ابن الله ليصنع هذا السلام، وبه فُتِح الباب لكل من يريد، لكل من يختار، ولكل من يقرر.

 

انعكاسات ثالثة

لقد رأينا أن هذا المقطع يمثل أحد قوانين الإيمان في الكنيسة الأولى. لا يزيد عمر هذا القانون عن 15 – 20 سنة بعد صعود المسيح إلى السماء. قارن بين العقيدة المذكورة في هذا القانون والعقيدة المذكورة في قانون نيقية، الذي كُتِب بعد الأول بثلاثة قرون. نفس العقيدة، نفس الإيمان، نفس الخلاص، نفس الحياة، وبالأكثر: نفس المسيح!

 

تأمل في هذه الأسئلة:

  • كيف استخدم بولس لاهوت المسيح كعنصر رئيسي في الخلاص؟
  • ما هو وجه التشابه بين المسيح كرأس الخليقة الأولى والمسيح كرأس الخليقة الثاني في ضوء السبب المشترك بينهما؟
  • هل يمكن بعد أن كان بولس في منتهى وضوحه بهذا الشكل، أن يقول إن المسيح مخلوق؟!

 

تأمل الأسئلة جيداً بينما ننتقل لمناقشة مفهوم “بكر كل خليقة”.

 

بكر كل خليقة

عبارة “بكر كل خليقة” في اليونانية هي πρωτότοκος πάσης κτίσεως (بروتوتوكوس “بكر”، باسيس “كل”، كتيسيوس “خليقة”). كيف تُترجم هذه العبارة؟ كيف يجب أن نفهم هذه العبارة؟ ما الذي قصده بولس من هذه العبارة؟ هل كان يقصد بولس أن يسوع مخلوق، رغم كل هذه الإعلانات القوية عن يسوع بوصفه بأنه الخالق وجوهر اللاهوت نفسه؟ سندرس من علماء اللغة اليونانية مفهوم هذه العبارة الآن.

 

كلمة πρωτότοκος نادرة الاستخدام خارج الكتاب المقدس وتعنى حرفياً “المولود أولاً”. أقدم ذكر لها يرجع للقرن الخامس ق. م.، في نص يهودي لامرأة ماتت وهي تلد ابنها الأول: ὠδεῖνι δὲ Μοῖρα πρωτοτόκου με τέκνου πρὸς τέλος ἦγε βίου “في آلام ولادة الطفل الأول القدر جاء بي إلى نهاية حياتي”. وفي الترجمة السبعينية، ترد الكلمة 130 مرة، غالبيتهم بمعنى المولود الأول، كالطفل الأول. حوالي 74 مرة في أسفار التوراة و29 مرة في أخبار ايام الأول، وغالبية هذه الاستخدامات كانت في سلاسل الأنساب.

 

غير أن هناك تطور حدث في معنى ومفهوم الكلمة في العهد القديم. كلم الرب موسى قائلاً: “فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إسرائيل ابْنِي الْبِكْرُ – Υἱὸς πρωτότοκός μου Ισραηλ ” (خر 4: 22). حسناً، لا يوجد سوى شعب واحد لله في العهد القديم، ولا يوجد أي إشارة في أي العهد القديم على أن الله كان له شعوب أخرى كأبناء مثل إسرائيل. كما يقول القاموس اللاهوتي للعهد الجديد حول هذه الحالة: “البكر هنا لا يُنظر له إذن كأنه في علاقة مع أخوة آخرين، إنما يُنظر له فقط على أنه محل محبة خاصة عند أبيه” [42].

 

وكلم الرب داود قائلاً: “أَنَا أَيْضاً أَجْعَلُهُ بِكْراً πρωτότοκον أَعْلَى مِنْ مُلُوكِ الأَرْضِ” (مز 89: 27). وفي العدد السابق نلاحظ قول داود على لسان الرب: “هُوَ يَدْعُونِي: أَبِي أَنْتَ. إِلَهِي وَصَخْرَةُ خَلاَصِي”. الفكرة هي أنه لا يوجد من ملوك الأرض من كان يكلم الآب ويعرفه ويدعوه بهذا الشكل. الملك المسياني، فهذا مزمور مسياني (!)، ليس له إخوة من ملوك الأرض عند الله. هو وحيده ابنا لله، فهو ممثل لإسرائيل.

 

هذا الأمر يشرحه القاموس قائلاً: “الجزء الواضح في النص هو أن الـ πρωτότοκος (البكر) هو الوحيد الذي يستطيع أن يتكلم هكذا؛ فملوك الأرض ليس لديهم الله كأبيهم بهذا المعنى، وليس في علاقة الملك معهم أنه يُدعى بكر، إنما كمُختار ومحبوب الله الذي لذلك يرفعه فوق كل ملوك الأرض. إن الملك في هذا النص ليس واحداً من بين متساويين primus inter pares؛ إن بينه وبين ملوك الأرض موقف مضاد (قا مز 2: 7، 10)” [43].

 

ليس إسرائيل واحداً بين أبناء كثيرين لله، لأن ليس لله سوى شعب واحد. وليس الملك واحداً من بين ملوك كثيرين لله، لأنه ليس سوى ملك واحد. إسرائيل وملكه، كلاهما ليس بكراً بمعنى أنه الأعلى أو الأهم أو الأول بين كثيرين من نفس المنزلة. إن مفهوم “البكر” تحور في هذه النصوص حتى أن القاموس يقول: “بل إن حتى فكرة الميلاد أو الإنجاب الرمزي لم تعد عنصراً واضحاً في πρωτότοκος في هذه المقاطع.

هذه الفكرة غير موجودة أبداً في هذه المقاطع، وفي مز 88: 28 تم تنحيتها بوجود θήσομαι (اجعله)، والتي تشير إلى التبني (قا مز 2: 7). وحتى فكرة الأولية الزمنية فوق أبناء آخرين بعيدة جداً. إن توجه الكلمة لم يعد الآن وجود أبناء آخرين. بل إنها تعبر عن حقيقة أن البشر، الأفراد، أو الملك، قد أصبح عزيزاً بشكل خاص عند الله” [44].

 

هذه الكلمات ليست نابعة من فراغ، ففي عزرا الرابع نقرأ قوله عن إسرائيل: “أبني البكر، ابن واحد فقط، مُختار ومحبوب” (6: 58) [45]. ليس إبن متقدم بين أبناء آخرين، بل هو إبن واحد فقط. الكلمة لم تعد تُستخدم حتى للتعبير عن الميلاد أو الأولية بين آخرين، بل التفرد في المكانة دون وجود آخرين مشاركين. مثال رئيسي آخر هو: “يُوئِيلُ الرَّأْسُ وَشَافَاطُ ثَانِيهِ وَيَعْنَايُ وَشَافَاطُ فِي بَاشَانَ” (1 أخ 5: 12). فكلمة “الرأس”، في العبرية ראשׁ تعنى “رئيس”، قد تم ترجمتها إلى πρωτότοκος في السبعينية.

 

أما في العهد الجديد، فقد استخدمت الكلمة ثماني مرات (لو 2: 7؛ رو 8: 29؛ كولوسي 1: 15، 18؛ عب 1: 6؛ 11: 28؛ 12: 23؛ رؤ 1: 5). وردت الكلمة مُستخدمة في ست مرات عن المسيح، وفقط في لو 2: 7 اُستخدمت الكلمة عن الميلاد. سنقوم الآن بدراسة الكلمة لغوياً في كولوسي 1: 15، النص محل الدراسة.

 

هناك بعض الإشارات الهامة التي نجدها في المعجم اليوناني الإنجليزي للعهد الجديد [46]:

  • “إستخدام πρωτότοκος “البكر” لا يتضمن في اليونانية أنه كان هناك أبناء آخرين وُلِدوا للمرأة، رغم أن في عدد من اللغات لا يمكن أن يستخدم أي فرد أبداً “البكر” إلا لو أن هناك أبناء آخرين” [47].
  • “المعنى الرمزى لـ πρωτότοκος في اللقب المسياني πρωτότοκος πάσης κτίσεως “بكر كل خليقة” (كولوسي 1: 1)، يمكن تفسيره بأنه “الموجود قبل كل خليقة”، أو “موجود فوق كل خليقة” [48].
  • “بكر πρωτότοκος تعنى الموجود قبل شيء آخر – الموجود أولاً، الموجود قبلاً. وπρωτότοκος πάσης κτίσεως تعنى “الموجود قبل كل خليقة” أو “الموجود قبل أن يُخلق أي شيء” (كولوسي 1: 15). ومن الممكن أن تُفهم πρωτότοκος في كولوسي 1: 15 كمتفوق في المكانة” [49].

 

كما لو أننا نظرنا في المفردات المقابلة لـ πρωτότοκος في القاموس، سنجدها: البكر، الموجود قبلاً، الأعلى [50].

 

يقول النص: “هو صورة الله الغير منظور، بكر كل خليقة، لأن فيه كل الأشياء قد خُلقِت”. أي أن المسيح هو بكر الخليقة، لأنه هو خالق كل الأشياء. هذا يعنى أن السبب في كونه بكر الخليقة، هو أن به قد خُلِقت كل الأشياء. يقول القاموس: “لو أن التعبير يشير إلى وساطة المسيح في الخلق، فلا يمكن أن يقول في نفس الوقت أنه قد خُلِق كأول خليقة” [51]. في نفس الوقت، فإن هناك مشكلة في الخلط بين مفهوم “الخلق” ومفهوم “الولادة”، لأن هذين مفهومين مختلفين.

 

نقطة أخرى هي أن لو أن النص يريد أن يشمل المسيح ضمن الخليقة، فكان يجب أن يضع نفاذاً على τοκος، وهو الأمر الغير موجود لا في هذا النص ولا في أي نص آخر إلا في نص لوقا الذي يتكلم عن ميلاد جسدي! والقاموس يسمى هذه النقطة بـ “الاعتراض الحاسم” على أي محاولة لإشمال المسيح ضمن الخليقة في هذا النص [52].

وحتى في هذه الحالة، سيظل لدينا مشكلة بلا حل نهائياً، وهي الخلاف بين مفهوم الولادة ومفهوم الخلق. هذا الخلاف وصل إلى أن إثنين من أكبر علماء الترجمة في العالم قالا: “استخدام العنصر الثاني “توكوس” (يُولد) يستثنى المسيح من عملية الخلق؛ فهو لم يُخلق أولاً، لكنه وُلِد أولاً” [53].

 

وفي القاموس التفسيري للعهد الجديد نقرأ: “المُضاف πάσης κτίσεως يعتمد على πρωτότοκος ويجعل النص واضحاً بأن البكر يقف في علاقة مع الخليقة كوسيطها. بذلك فإن المعنى ليس مجرد الأولية الزمنية للمسيح السابق الوجود، إنما بالعكس السيادة هي جوهر المعنى. وهذا الموقف الفريد يبدو أنه نفس الموقف في ع 17، مشيراً إلى نفاذ على προ”. ثم يكمل قائلاً: “على أي حال، فإن المسيح، كوسيط الخليقة، ليس هو نفسه جزء من الخليقة، إنما يقف في علاقة فريدة مع الله “الغير مرئي”. ولذلك ففي النص (1: 15) لا يجب على الفرد أن يغفل التأكيد على المقطع الثاني من πρωτότοκος” [54].

 

كيف يجب أن نفهم النص إذن؟

هذه هي القضية:

لقد طرح العلماء، كافة العلماء، معنيين للنص لا ثالث لهما: الأسبقية للخليقة أو السيادة على الخليقة. لا يوجد عالم واحد، سواء كان في اللغة اليونانية أو في غير اللغة اليونانية، في أي فرع دراسي أو معرفي للعهد الجديد، وفي أي مجال، ومن أي خلفية كانت، قال إن هناك خيار ثالث أو أن النص يعنى اشتمال الخليقة على يسوع.

 

خياران فقط، والبعض يمزجهما معاً. فإما أن النص يقول: “المولود قبل كل خليقة”، أو “المولود السائد فوق كل خليقة”. بعض العلماء يعتقدون أن النص يقصد بالأكثر سيادة المسيح فوق الخليقة، لكنه أيضاً يشير بشكل ثانوي إلى أسبقية ولادته على الخليقة. لا يوجد عالم في اللغة اليونانية قال إن هناك احتمال ثالث!

 

إن الخلاف بين العلماء هو حول كيفية فِهم المقطع الأول من الكلمة، فهل قصد بولس بـ πρωτό أن يقول الذي وُلِد “قبل” كل خليقة؟ أم أن بولس قصد استخدام الكلمة بمعناها كما في العهد القديم والمزمور المسياني خاصةً وبقية الأدب اليهودي؟ فالمقطع πρωτό من معانيه أيضاً “قبل”، أي أن المسيح مولود قبل كل خليقة، وفي المقابل، الكلمة بأكملها πρωτότοκος لها استخدام هرمي، أي سيادة المسيح فوق كل خليقة.

هنا يجب أن ننتبه إلى ما أشار إليه القاموس حول أن مفهوم “البكر” يعنى أنه متفرد بين آخرين. براتشر ونيدا حذرا من ذلك قائلين: “البكر في هذا السياق لا يتضمن أنه كان هناك آخرين قد وُلِد بعد ذلك؛ إن هذا مصطلح يؤكد على موقف يسوع كوارث لأبيه السماوي” [55].

 

وقد شرح لوس كيف أن المعنيين موجودين في النص: “إن وصف المسيح السابق الوجود بـ “المولود أولاً قبل كل خليقة” πρωτότοκος πάσης κτίσεως لا يُقصد به أن يعنى أنه خُلِق أولاً ولذلك بدأت المخلوقات. على العكس، أنه يشير إلى تفرده الذي يتميز به عن كل المخلوقات (قا عب 1: 6). والنقطة هنا ليست التميز الزمنى، بل السيادة التي له كوسيط الخليقة الذي كان موجوداً قبل كل خليقة. فهو كالمولود أولاً يقف أمام الخليقة كالرب” [56]. هذا يعنى أن بولس قد قصد من جملته πρωτότοκος πάσης κτίσεως أن المسيح مولود قبل كل خليقة، ولذلك فهو سيد هذه الخليقة. المعنيين من نفس الجملة.

 

إذن، الذي نفهمه من النص اليوناني هو أن المسيح “البكر” بمعنى أنه سيد الخليقة المولود أولاً قبل كل خليقة. وهذه هي الأدلة:

  • السياق التفسيري يجعل المسيح هو وسيط الله في الخلق، فلا يمكن أن يكون مخلوق.
  • مصطلح “البكر” πρωτότοκος تحور معناه ليدل على المكانة الفريدة لدى الله.
  • المصطلح في تحوره لا يفيد أبداً وجود البكر بين آخرين مساويين له من نفس الجنس.
  • المصطلح يفيد “ولادة” المسيح، ولا يصف المسيح أنه “المخلوق أولاً”.
  • في كافة الاستخدامات في العهد الجديد لا يوجد نفاذ على مقطع τοκος إلا في ميلاد المسيح بالجسد.
  • وجود التأكيد على المقطع الثاني τοκος يستثنى المسيح من الخليقة.
  • إجماع العلماء على أن النص له معنيان فقط، الأسبقية الزمنية في الولادة أو السيادة الربوبية بالولادة، وعدم وجود أي علماء أو متخصصين يقولون إن معنى النص اليوناني اشتمال الخليقة على المسيح [57].

 

هكذا، رأينا أنه لا يوجد دليل واحد يقول بأن النص يفيد خلق المسيح في النص. المشكلة ليست فقط في أنه لا يوجد دليل، بل إن النص نفسه يقول عن يسوع أن الله الآب خلق به كل شيء. فإذا كان قد خُلِق به كل شيء، فكيف يكون هو مخلوق؟

 

آخر نقطة سأناقشها حول نص كولوسي، هو إعراب “كل خليقة” πάσης κτίσεως. هناك من يقول إنه يدرس اليونانية ويقول إن كلمة πάσης موقعها مُضاف إليه. حسناً، صحيح، ولكن ناقص، لأن في أي شكل من أشكال المُضاف إليه وقعت الكلمة؟ قد لا يدركون أصلاً أن هناك أشكال من المُضاف إليه! على أي حال، هناك عدة أنواع من المُضاف إليه في اليونانية، والمقصود بحسب تكوين المدعى هو المُضاف إليه المجزئ Partitive Genitive، أي أنه جزء من كل، أي أن المسيح هو جزء من الكل (الخليقة). لكن هل هو كذلك فعلاً؟

 

بدايةً، لا يوجد شيء اسمه أن تضع قواعد اللغة ثم تفهم النص. بل فِهم النص يأتي أولاً، ومنه يتم استقاء قواعد اللغة. فإذا جاء إلىّ شخص يقول نفهم القاعدة أولاً ثم نفهم النص، فهذا لا يعرف شيء عن اللغات، ولا يعرف حتى كيف يستقى العلماء قواعد اللغات [58]. بعد فِهم النصوص، نبدأ في تكوين القواعد التي اتبعها المؤلفين، وليس العكس. الآن وقد فهمنا النص محل النقاش، وفهمنا معاني مصطلحاته، كيف يمكن أن يكون مُضاف مجزئ؟

المشكلة لا تقف عند هذا الحد، بل أحد أنواع قوائم الحالات في اليونانية تُسمى “دلالات الألفاظ المعجمية” Lexical Semantic، أي أن تحديد الحالة يتم عن طريق تحديد مصطلحاتها ومفهومها. الكثير جداً من الحالات الفرعية داخل الحالات الرئيسية هي من هذه النوعية. أي أنك تحدد حالة الإعراب بناء على دلالة المصطلح في النص. طالما لا يوجد علامات واضحة تجعلك تميز مفهوم الحالة، فنوعية المُضاف يتم تحديدها من خلال المصطلحات المُستخدمة.

مثلاً، حينما يقول زكا للرب: τὰ ἡμίση τῶν ὑπαρχόντων μου “نصف ممتلكاتي” Half of my possessions، فنحن لدينا هنا العلامة التي تحدد أن هذا جزء من كل τῶν – of. بهذا نعرف أن هذه حالة مُضاف مجزىء. لكن لو أن العلامة غير موجودة، فأنت ستحدد حالة الإعراب بناء على فهم النص. هذا أمر لا يختص باليونانية وحدها، بل بأى لغة [59].

 

العبارة التي لدينا πρωτότοκος πάσης κτίσεως لا يوجد فيها أي علامة توضح حالتها. فكيف سنعرف حالتها؟ عن طريق فِهم مصطلحاتها. الآن وقد عرفنا وفهمنا معنى النص ومعنى مصطلحاته، ما هي الحالة الإعرابية التي تنطبق على النص؟

اتفق العلماء على أنها مُضاف تتابع Subordination Genitive، والذي بدوره يتفرع عن المضاف المفعول Objective Genitive. يُقصد بهذه الحالة كل ما هو تحت أو أقل من الاسم الرئيسي، وقد حدد العلماء الحالة عن طريق دلالات مصطلحات النص، والتي تم شرحها بالأعلى. فيسوع هو البكر بمعنى أنه سيد كل خليقة، ولأن “كل خليقة” أقل من يسوع، فنوع حالة الإضافة هو مُضاف التتابع [60].

 

السؤال الآن لمن يعتقد أن الحالة هي مُضاف مجزئ، أي أن الاسم الرئيسي (الابن) جزء من كل (الخليقة): على أي أساس قمت بتحديد الحالة بأنها مُضاف مجزئ، إذا كان لا يوجد أي من علامات الإضافة نهائياً في النص؟

 

هذا سؤال هام جداً، لأن تحديد الحالة في النص لن يكون إلا عن طريق المصطلحات. لا حل ثالث لها أبداً: إما الأدوات أو المصطلحات! مع ملاحظة أن وجود العلامات في النص هو نفسه أحد وسائل فِهم النص، لكنها تكون وسيلة أكثر وضوحاً فتسهل تمييز الحالات الإعرابية [61]. لكن أن يأتي أحدهم ويقول هذه إعرابها هكذا، وبالتالي نفهم النص على أنه هكذا، دون وجود أدوات أو علامات في النص مباشرةً، فهذا هو ما نستطيع أن نسميه بكل دقة التخريف اللغوي.

 

تحليل بسيط

النص اليوناني ὅς ἐστιν εἰκὼν τοῦ Θεοῦ τοῦ ἀοράτου, πρωτότοκος πάσης κτίσεως، يمكن ترجمته بكل بساطة ودون أي تعقيد هكذا: “هو صورة الله غير المنظور، المولود قبل كل خليقة”. لأن πρωτότοκος يمكن تقسيمها إلى قسميها، πρωτό وτοκος. أنا لا أعرف ما هو الاعتراض بالضبط على هذه الترجمة؟ لا يوجد أي شيء فيها غير صحيح، بل وقواميس وعلماء مرموقين استخدموها [62].

 

مع شهود يهوه

الحقيقة إن معاملة شهود يهوه لهذا النص طريفة جداً. لعل أظرف شيء هو ما قاموا بوضعه في ترجمتهم:

“هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة. لأن عن طريقه كل الأشياء (الأخرى) قد خُلِقت مما في السماء وعلى الأرض، الأشياء المرئية والأشياء غير المرئية، سواء كانت عروش، سيادات، تنظيمات، أو سلطات. كل الأشياء (الأخرى) قد خُلِقت به وله. أيضاً هو قبل كل الأشياء (الأخرى) وعن طريقه كل الأشياء (الأخرى) قد جاءت للوجود” (16 – 17؛ ترجمة العالم الجديد).

 

كلمة (الأخرى) في هذا المقطع، ليست من النص الأصلي. فهناك مشكلة يجب حلها، وهي أن يسوع قِيل عنه أنه الخالق. فكيف نجعله مخلوق؟ عن طريق البكر. لكن مازالت هناك مشكلة، فكيف يكون مخلوق وفي نفس الوقت هو خالق كل شيء؟ فكانت الفكرة هي أن يسوع قد خلق بقية الأشياء “الأخرى” [63]!

 

هذا تحايل صريح على النص لمحاولة الهروب من نص صريح.

 

مع أثناسيوس

قال آريوس عن المسيح: “إنه مخلوق ولكن ليس واحداً من المخلوقات. إنه مصنوع ولكن ليس واحداً من المصنوعات. إنه مولود ولكن ليس واحداً من المولودين” [64]. قضى أثناسيوس حياته بأكملها يحارب هذا الابتداع في العقيدة، حتى إنه تم نفيه عن كرسيه خمس مرات. وقد كان نص بولس “بكر كل خليقة” أحد النصوص التي استخدمها آريوس والأريوسيين في إثبات عقيدتهم. لذلك من الطبيعي أن نجد من أثناسيوس رد فعل تجاه هذا الفكر ليشرح ويفسر النص بطريقة أفضل وأكثر استقامة.

وأنا لا أقول إن طريقة أثناسيوس في الشرح أفضل من آريوس لأن أثناسيوس قديس وأريوس مهرطق، بل لأن طريقة أثناسيوس تراعى العقيدة الكتابية بأكملها، بينما آريوس يجعلها متناقضة. أثناسيوس يوفق، بينما آريوس يناقض.

 

كتب أثناسيوس يقول: “وإن سُمى أيضاً “بكر الخليقة”، لكنه لم يلقب بكراً كمساوٍ للمخلوقات، أو أولهم زمنياً (لأنه كيف يكون هذا وهو نفسه الوحيد الجنس بحق؟). لأنه بسبب تنازل الكلمة إلى المخلوقات فإنه قد صار أخًا لكثيرين. وهو يُعتبر “وحيد الجنس” قطعاً إذ أنه وحيس وليس له إخوة آخرين والبكر يُسمى بكر بسبب وجود إخوة آخرين” [65]. ثم يعود أثناسيوس ويكون أكثر وضوحاً ليقول: “أما لفظ “البكر” فيشير إلى التنازل إلى الخليقة، لأنه بسببها سُمى بكراً” [66]. وهنا يبدأ منهج أثناسيوس في تفسير النص في الوضوح أكثر.

 

كانت هناك مشكلة في صفتي المسيح “الوحيد الجنس” μονογενὴς و”البكر” πρωτότοκος، عند الآريوسيين في فِهم هذه المصطلحات [67]. وقد فهم الأريوسيين صفة “البكر” على أنها تشير إلى علاقة المسيح بالآب، فقالوا إن الابن بكر بين كثيرين من جهة الآب. أي أن المسيح محسوب من ضمن الخليقة ولكنه بكرها، أي أولها. وكانت رؤية أثناسيوس تتلخص في أن المسيح هو “الوحيد الجنس” من جهة الآب، أي أنه ابن الله الوحيد الذي من نفس جنس الآب، ولذلك فهو مساوى له في الجوهر.

أما صفة “البكر”، فقد فهمها أثناسيوس على أن المسيح بتنازله وهو ابن الله الوحيد الجنس، بخلقه للخليقة، فقد قِيل عنه “بكر كل خليقة” لأنه هو الذي حملها في نفسه يوم أن خلقها، أي أنها تصورت على هيئته وخُلِقت على مثاله، كما قال الله في العهد القديم: “وَقَالَ اللهُ: نَعْمَلُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا….فَخَلَقَ اللهُ الانْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ” (تك 1: 27). فمن هو هذا الذي خلق آدم على صورة الله “عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ” (لاحظ الضمير)، سوى الابن نفسه؟

 

هكذا فإن رد أثناسيوس يتلخص في أن المسيح هو بكر الخليقة لأنها خُلِقت على صورته، فهي مثاله هو. فقال أثناسيوس: “لأنه واضح للجميع أنه دعى “بكر الخليقة” ليس بسبب نفسه كما لو كان مخلوقًا، ولا بسبب أن له علاقة ما من جهة الجوهر مع كل الخليقة، بل لأن الكلمة ـ منذ البدء ـ عندما خَلَقَ المخلوقات، تنازل إلى مستواها حتى يتيسر لها أن تأتى إلى الوجود” [68].

وقد أورد أثناسيوس كيف فهم الأريوسيين النص قائلاً: “ولكن حيث إن الكافرين لم يفهموا هذا صاروا يجولون قائلين: “إن كان هو بكر كل خليقة فمن الواضح أنه هو نفسه أيضًا واحد من الخليقة”. يا لهم من حمقى! فإن كان هو بكر كل الخليقة جمعاء فهو إذن مغاير لكل الخليقة، لأنه لم يقل إنه كان بكر بقية الخلائق لكي لا يظن أنه مثل واحد من الخلائق، بل قد كتب “بكر كل خليقة” كي يتضح أنه مختلف عن الخليقة” [69].

 

لاحظ أن هذا هو نفس ما فعله شهود يهوه، حيث أضافوا للنص كلمة “أخرى” بعد كل ذكر لكلمة “الخليقة”، ليحاولوا ضمه للخليقة بأي شكل!

 

مع الأنبا بيشوي

هناك هجوم عنيف تعرض له سيدنا نيافة الأنبا بيشوي حينما قال إن العبارة بترجمتها “بكر كل خليقة” ترجمة غير صحيحة. وقد قرأت الرسالة التي أرسلها الأنبا بيشوي للمعترضين على المجموعة البريدية والتي نُشِرت فيما بعد [70]. وجميع المراجع التي أشار لها سيدنا لدىّ، وقد رجعت لها وأكثر منها، ويمكنني أن أقول إن كل كلامه حقيقي. يتلخص رد نيافته في قوله: “إن ترجمة كلمة πρωτότοκος التي ترجمت في الترجمة العربية البيروتية “بكر” في عبارة “بكر كل خليقة =πρωτότοκος πάσης κτίσεως” هي ترجمة غير دقيقة.

لأن كلمة πρωτότοκος كلمة مركبة من كلمتين هما: الفعل τίκτω بمعنى “يلد” وπρωτό. وأما πρωτό فهي صيغة مبالغة التفضيل من pro التي تعنى “قبل-سابق-متفوق” من حيث الزمان والمكان والمنزلة والترتيب والأهمية. وبالتالي يصير معنى العبارة المعنية: existing before all creation – superior to all creation – preeminent over all creation بمعنى “كائن قبل كل الخليقة” أو “متفوق على (أعلى/ أسمى من) كل الخليقة” أو “متميز بتفوق على كل الخليقة”. وهذا المعنى هو المعنى الذي أجمعت عليه الكنيسة الجامعة والكتب المقدسة وأقوال الآباء”.

 

وأنا أريد أن أعرف: ما هو الخطأ الذي ذكره نيافته في هذا الكلام؟! هذا كلام صحيح ودقيق، ولا يوجد فيه معلومة واحدة خاطئة. أما هؤلاء الذين يتبجحوا في كل مكان على الشبكة قائلين إن نيافته يعترف بأن المسيح مخلوق، فهذا لأن كلمة “بكر” تعنى في العربية الأول. فنعم أي نظرة سطحية على النص “بكر كل خليقة” تعنى “أول كل خليقة”، لأن كلمة بكر في العربية ليس لها معنى آخر سوى أول.

لكن كلمة بكر في اليونانية لا تعنى “أول”، بل حتى في استخدامها الطبيعي تعنى “المولود الأول”، وليس “أول”. لم يخطأ الرجل في شيء، ولم يقل معلومة واحدة غير حقيقية، ومن حقه أن يخاف على شعبه البسيط الذي لن يقرأ باليونانية ولن يرجع إلى عشرات القواميس والمعاجم والمعالجات العلمية. من حقه أن يوعى شعبه جيداً بأن هذه الكلمة في اليونانية لا تعنى “أول”، كما هو الانطباع عن كلمة “بكر” في اللغة العربية!

 

مع بارت إيرمان

لمن يجد إيرمان بطله في دراسات العهد الجديد، اهديه هذه الكلمات:

“في رده لهذه الآراء (أي مشكلة كولوسي)، يُصر كاتب الرسالة إلى كولوسي أن المسيح نفسه هو أكل تعبير عن الألوهية، ففي كلماته المسيح هو تماماً: “صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة” (1: 15). فلا يوجد سبب للمؤمنين المسيحيين أن يعبدوا الملائكة في الوقت الذي يستطيعون فيه ذاك الذي: “سُر أن يحل فيه كل ملء الله (اللاهوت)” (1: 19). فبالفعل، كل الكائنات الأخرى غير المرئية قد قِيل عنها أنها قد خُلِقت به وجُعِلت خانعة للمسيح نفسه: “لأن فيه قد خُلِقت كل الأشياء في السماء وعلى الأرض، الأشياء المرئية وغير المرئية، سواء عروش أو سيادات أو رؤساء أو قوات – كل الأشياء قد خُلِقت به وله” (1: 16)” [71].

 

أصل ورئيس خليقة الله

رأينا في نص كولوسي، كيف أن المسيح هو سيد خليقة الله. بعدما كتب بولس هذه الرسالة، طلب من الإخوة في كولوسي أن يرسلوا هذه الرسالة إلى كنيسة لاودكية حتى يتعلموا هما أيضاً (4: 16). عرفنا في البداية أنه كانت هناك ثلاثة كنائس قريبة جداً من بعض: كولوسي، لاودكية وهيرابوليس.

لذا من المحتمل أن تكون هذه الهرطقة قد انتشرت أيضاً في كنيسة لاودكية، أو على الأقل، طلب بولس ذلك حتى يقي كنيسة لاودكية ويدرعها حال وصول الهرطقة إليها. نحن الآن سنتكلم عن النص الثاني في هذه الدراسة، وهو يقول: “وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ كَنِيسَةِ اللَّاوُدِكِيِّينَ: «هَذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشَّاهِدُ الأَمِينُ الصَّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ” (رؤ 3: 14). والمعترض يرى أن في قوله “بداءة خليقة الله – ἡ ἀρχὴ τῆς κτίσεως τοῦ Θεοῦ” دليل على أن يسوع مخلوق.

 

هؤلاء الذين أرسل لهم الرب يسوع هذه الرسالة، هم أعضاء كنيسة لاودكية، الذين قرأوا الرسالة التي أرسلها بولس إلى كولوسي. هؤلاء الذين كانت عقيدتهم واضحة في لاهوت المسيح، سيعود بعد ذلك يخبرهم أنه مخلوق؟ وكما رأينا في مقدمات هذه الدراسة، سفر الرؤيا ملئ بالنصوص التي تشهد بألوهية المسيح. أنا لا أعرف حقيقةً كيف يمكن لفرد أن يوفق بين أن يكون يسوع هو الله وهو المخلوق – بحد زعمهم – في نفس الوقت؟! هذا الكلام كان ممكن تخيله في عصر آريوس، منذ ألف وستمائة عام. لكن كيف يمكن تخيله اليوم في عصر النقد الكتابي؟

 

يقول العلماء براتشر وهاتون: “يمكن أن يُفهم هذا في الإنجليزية على أن المسيح هو أول كائن خلقه الله؛ غير أن ليس هذا هو ما يعنيه النص. كما ترجمته نسخة اليوم الإنجليزية “أصل كل ما خلقه الله” (ولاحظ الكتاب الإنجليزي المُنقح “مصدر خليقة الله”)، وهو المعنى بأن المسيح هو الذي عن طريقه خلق الله كل الأشياء، ويمكن ترجمة هذا النص في لغات كثيرة بهذا الشكل (أنظر يوحنا 1: 3؛ كولوسي 1: 16؛ عب 1: 2). ونفس الكلمة اليونانية التي تقف خلف “بداءة” اُستخدمت في كولوسي 1: 18 بمعنى “مصدر”.

وكما يوضح هامش نسخة اليوم الإنجليزية، فإن الكلمة يمكن أن تعنى أيضاً “رئيس” (كما في الترجمة الدولية الحديثة)، ولكن المعنى الآخر مُفضل من قِبل غالبية التفاسير والترجمات. غالبية الترجمات تستخدم “أصل”؛ وقلة تستخدم “مصدر”. وعبارة “خليقة الله” تعنى ما خلقه الله؛ وفي هذا السياق تتضمن كل شيء خلقه الله. نموذج بديل للترجمة هو: الذي يُدعى الآمين يعطى هذه الرسالة (يقول كل هذه الأشياء)، هو يعلن الحقيقة عن الله بأمانة، وهو الذي به خلق الله كل الأشياء” [72].

 

نفس الفكر الذي وجدناه في كولوسي، نجده أيضاً في الرؤيا. ذلك لأن كلمة ἀρχὴ لها خمسة معاني، هي بحسب قاموس ثاير: البداية أو أصل – الأول في سلسلة – الأصل أو المسبب – أقصى الشيء – المكان الأول أو الحاكم، وقد أعطى قاموس ثاير للكلمة في النص محل الدراسة السبب الثالث: “هذا الذي به يبدأ أي شيء في الوجود، المُسبب الفاعل”، ثم يصف الكلمة عن المسيح في النص: “عن المسيح كاللوجوس الإلهي” [73].

والقاموس اللاهوتي للعهد الجديد يقول: “وهكذا، ففى الرؤيا، ذاك الذي يجلس على العرض، أو المسيح، هو نفسه ذاك الذي هو قبل الزمن وبعد الزمن، بحيث لا تنطبق عليه قوائم الزمن (فيلبي معنى ἀρχή)” [74].

والقاموس التفسيري للعهد الجديد يقول وهو يربط بين نص كولوسي ونص الرؤيا: “السياق النصي الذي كونته الترنيمة الكريستولوجية في كولوسي 1: 15 – 20 يبين بوضوح أن ὅς ἐστιν (ἡ) ἀρχή (ع 18) لا تقصد أن تشمل المسيح في الكون والخليقة، إنما لكي تصفه بأنه الرئيس القائم خارج كل وقت، كأصل الكون والخليقة. ونفس الأمر حقيقي في وصف يسوع لنفسه كـ ἡ ἀρχὴ καὶ τὸ τέλος في رؤ 22: 13 مع العبارة المتوازية τὸ Ἅλφα καὶ τὸ Ὦ, ὁ πρῶτος καὶ ὁ ἔσχατος (قا 2: 8).

وهذه الأوصاف القصيرة تنطبق أيضاً على الله (1: 8 في قراءة أخرى، 17؛ 21: 6) ولا تعنى وجود زمني أو عالمي، إنما الموجود قبل كل زمن وفي الأزلية. وبالمثل أيضاً وصف الحكمة كـ ἡ ἀρχὴ τῆς κτίσεως τοῦ θεοῦ المأخوذة من أم 8: 22 ومُطبقة على المسيح، لا تُفهم كما في الأمثال، وبالتحديد لا تُفهم كأنها تشير إلى أول الأشياء المخلوقة، وإنما إلى الأصل السابق للزمن للأشياء المخلوقة” [75].

 

لماذا تقول هذه القواميس ذلك؟ لأن بكل بساطة ووضوح: الكلمة لا تعنى مجرد بداية، وإنما لها أكثر من معنى. معاني هذه الكلمة تتضمن الأصل، الرئيس، الحاكم، الذي له السلطة…إلخ [76]. تحديد معنى الكلمة يتم من خلال اختيار أفضل معنى يتماشى مع سياق النص، ومع الصورة المُقدمة عن يسوع في السفر. وبالتالي، المسيح هو أصل الخليقة، أي السبب الذي جعلها تأتى للوجود. بكلمات أخرى، المسيح هو الذي به قد خُلِقت الخليقة.

في نفس الوقت، يمكن أيضاً أن تُفهم الكلمة على أنها “حاكم” أو “رئيس” Ruler. كتب بومان وكوموسيسزويسكى: “في غالبية، إن لم يكن كل، نصوص العهد الجديد الأخرى التي تُشِير إلى الأفراد، أُستُخدِمت ἀρχὴ لتعنى حاكم Ruler في كلاً من المفرد (1 كولوسي 15: 24؛ أف 1: 21؛ كولوسي 2: 10، ومن الممكن كولوسي 1: 18)، وفي الجمع (لو 12: 11؛ رو 8: 38؛ أف 3: 10؛ 6: 12؛ كولوسي 1: 16؛ 2: 15؛ تى 3: 1)” [77].

 

دعني أعطيك نماذج حتى تفهم هذه النقطة:

  1. “فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هَذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضاً” (اف 1: 21). كلمة “رياسة” هنا هي في النص اليوناني ἀρχῆς.
  2. “وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ، الَّذِي هُوَ رَأْسُ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ” (كولوسي 2: 10). كلمة “رياسة” هنا أيضاً في النص اليوناني هي ἀρχῆς.
  3. “وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أو بِمَا تَحْتَجُّونَ أو بِمَا تَقُولُونَ” (لو 12: 11). وهنا أيضاً الكلمة اليونانية لـ “الرؤساء” هي ἀρχὰς.

 

ليس ذلك فقط، بل إن السبعينية استخدمت كلمة (ἀρχή) آرشى 75 مرة واستخدمت كلمة (ἄρχων) آرشون 90 مرة، لتترجم الكلمة العبرية (ראשׁ) روش، والتي تعنى حاكم [78]. منذ القرن الثاني الميلادي، وقد فهم المسيحيون الأوائل هذا النص بأنه يتكلم عن المسيح بصفته “أصل” كنيسة الله على الأرض، كما نرى في نقاشات يوستينوس الشهيد الكثيرة لهذا النص. وحينما نجد يوحنا يصف يسوع: “رَئِيسِ ἄρχων مُلُوكِ الأَرْضِ” (رؤ 1: 5).

 

إذن، فحينما يقول يوحنا ἡ ἀρχὴ τῆς κτίσεως τοῦ Θεοῦ، فهو يقول “أصل (أو رئيس) خليقة الله”. لا يقول يوحنا أن يسوع هو الأول في خليقة الله، ويوحنا أشار كثيراً لألوهية يسوع في سفر الرؤيا. كيف يمكن أن يتخيل أحدهم أن يوحنا سيضع الضد ونقيضه؟

 

المسيح عضو في الكنيسة؟!

شبكة الإنترنت تحتوي على الكثير من العجائب فعلاً، وكلما تعمقت في دراسة “المنهج” وليس “النتيجة”، كلما تبين لي أن الجهل هو وراء تخلف البحث العلمي في الشرق. أنا لست حزيناً لأنه لم يعد هناك بحث علمي في الشرق، لأني أعرف جيداً أنه لم يكن هناك أصلاً. أحد “النكات” الظريفة التي قرأتها بخصوص الموضوع الذي ناقشته هنا، هي: المسيح عضو في الكنيسة! وليس ذلك فقط، بل المدعى يقول إنه لا أحد ينكر أن المسيح عضو في الكنيسة!

 

حسناً، أنا لا ألوم الإنسان البسيط الذي يأتي ليسأل وأجيبه بكل محبة، ولكن الجاهل المتعجرف ليس له عندي أي عذر. هذا هو الأحمق، والأحمق هو الذي يعرف أنه على خطأ ويُصِر على رفض سماع الآخر.

 

أنا أريد أن أعرف بالفعل: في أي كتاب لاهوت توجد عبارة “المسيح عضو في الكنيسة” أو أي جملة تؤدى هذا المعنى؟ من هو هذا اللاهوتي الذي قال إن المسيح عضو في الكنيسة؟ ليس أن هذا التخريف ليس له وجود إطلاقاً في الكتاب المقدس والآباء، بل ليس له وجود في كتب اللاهوت أبداً. تعليم المسيحية عبر تاريخها واضح: الكنيسة هي جسد المسيح، والمسيح هو رأسها. من أين أتت جملة أن المسيح عضو في الكنيسة؟ بالفعل أريد أن أعرف كيف يمكن التوصل إلى هذه النتيجة؟

ليس إلا أن شخص قرأ أن الكنيسة هي جسد المسيح، فاعتبر الرأس، بكونها عضو في جسد الإنسان، إذن فالمسيح بصفته الرأس فهو عضو في الكنيسة. لا أعرف طريقة أخرى للتوصل إلى هذه النتيجة إلا بهذا الشكل. وهذا ينم عن منتهى الجهل الذي وصل إليه المهاجم، فلا يوجد منهج ولا أساس ولا مرجعية، إنما فقط إطلاق الادعاءات الفارغة من كل قيمة ومحتوى يستحق القراءة.

 

الكنيسة هي جسد المسيح، أي جماعة المؤمنين بالمسيح، والمسيح هو رأس هذه الكنيسة، أي أنه أصل ومؤسس ورئيس كنيسة الله. ليس أن المسيح عضو في جسده كما يقترح هذا التخريف!

 

من هو المعتوه؟

دائماً انظر للمنهج، للوسيلة، للطريقة، لأن هذا سيعرفك الخطأ في الاستدلال والنتيجة. أحد الخصائص الرئيسية في تعامل أي مهاجم للعهد الجديد هو أنه يأخذ قطعة من الدليل ويترك الأخرى. هذا يسميه العلماء “انتخابية” في الدليل Selectivity. لأن هذا يأخذ ما يريده ويترك ما لا يريده. يبدأ من حيث يريد أن ينتهي. النتيجة التي نخرج بها من هذا المنهج التشويهي هي أننا نجد المؤلف أصبح معتوهاً.

يمكنك أن تجد من يسمى نفسه باحثاً ومحاضراً بل ومعلماً يقول نعم المسيح لا يعرف يوم الساعة، ولا شأن لنا ببقية الأقوال التي تقول إن هذه هي ساعة المسيح، فهذه مشكلة كتاب النصارى وليست مشكلتنا. أي مهاجم للكتاب يتعامل بهذا الشكل لا يستطيع أن يتعامل مع الدليل بأكمله، فيأخذ قطعة منه يثبت بها ما يريد، ثم يقول لنا أنه يكتفى بهذا القدر من الدليل، ولا يريد مزيداً.

هذا هو ما ينطبق بالفعل على معاملة بولس ويوحنا. بولس يقول إن المسيح هو الذي خلق كل ما هو مخلوق، ومع هذا تجد من يعامل بولس على أنه مجرد كاتب معتوه ليقول إن بولس يعتقد أن المسيح مخلوق. ما يستفزني هو أن يدعى من يتبنى هذا المنهج أنه متخصص، وهو أبعد ما يكون عن التخصص. لو ذهب أي فرد لأي عالم متخصص في اليونانية أو العهد الجديد، وقال له بولس يقول إن يسوع أول مخلوقات الله، فلن يعتبر أنه سمع أي شيء أصلاً.

 

في الحقيقة، أنا لا أعرف بالضبط: من هو المعتوه؟

 

الخاتمة

في عام 2007، كتب اللاهوتيان بومان وكوموزيسويسكى أول كتاب متكامل عن لاهوت المسيح في التاريخ. وفي كتابهما، قاما بمعالجة النصين محل الدراسة، وكانت نتيجة بحثهما: “بالفحص الحريص، يبدو إذن أن هذه النصوص المُقتطعة من سياقها لإثبات أن المسيح هو كائن مخلوق، نجدها لا تعلم بهذه العقيدة. هذه النصوص لا يمكنها أن تلغى التعليم الصريح والواضح للعهد الجديد بأن كل الخليقة، بل وبالفعل كل شيء مخلوق، يدين بوجوده إلى يسوع المسيح. هذه الحقيقة تبعده تماماً عن كل خليقة وتبين أنه ليس مخلوقاً” [79].

 

رأينا كيف أن الادعاء بخلق يسوع في العهد الجديد ليس له أي أثر ولا دليل. ورأينا كيف أن مصطلحي “البكر” و”البداءة”، هما تعليم مسيحي أصيل برئاسة المسيح لخليقة الله؛ بل برئاسة المسيح لكنيسة الله على الأرض. يسوع هو الكائن، والذي كان، والذي يأتي. ليس مخلوقاً، ولا هو مصنوعاً بيد. ليس هو الخالق المخلوق، وليس هو الإله المخلوق. يسوع المسيح، الشخص التاريخي الذي عاش في إسرائيل في القرن الأول، هو الذي خلق كل ما هو موجود. كل ما هو مرئي وغير مرئي، كل ما هو في السماء وعلى الأرض. كل شيء موجود يدين بوجوده إلى يسوع المسيح.

 

ابن الله هو الكائن قبل كل شيء، وهو خالق كل شيء. هو بكر كل الخلائق، وهو بداءة خليقة الله. هو رئيس هذه الخليقة، وهو الذي له السيادة فوق كل ما فيها. له وحده ينبغي السجود والعبادة والإكرام.

 

آمين يا ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، نؤمن ونعترف بلاهوتك الأزلي والأبدي، وننحني أمام رئاستك للكنيسة ولسيادتك على كل خليقة. نعترف أنك أنت هو خالق العالمين، الذي لم يكن هناك وقت لم تكن فيه موجوداً. حي وقائم وسط الملائكة في نور لا يُدنى منه كضابط للخليقة كلها. أعنا وارحمنا وساعدنا على خلاص نفوسنا!

 

فادى اليكساندر

1 – 3 – 2010

 

[1] مع تريفون، 62. الأب جورج نصور، القديس يوستينوس: الدفاع عن المسيحيين – الحوار مع تريفون، إصدار جامعة الروح القدس، الكسليك 2007، ص 232.

[2] كان اعتماد آريوس وشيعته يرتكز بشكل رئيسي على أن الله لا يُولد، وقد فهم أن الولادة تعنى أن من يُولد له بداية. وقد أكد آريوس على صحة مفهومه أن الابن بكونه بالطبيعة ابناً، فهو أيضاً مخلوق. وقد اعتمد في ذلك على نصين بشكل رئيسي: الأول هو نص بولس محل الدراسة، والثاني هو أمثال 8: 22. وقد قال آريوس صراحةً: “إذا كان هو البكر من كل الخليقة، فواضح أنه مخلوق أيضاً” (PG 26: 280). سنتعرض إلى رد أثناسيوس بنعمة الرب في نهاية هذه الدراسة.

[3] وقد كان له ترتيب منطقي في ذلك، إذ أن يسوع إلهاً بالمشاركة في النعمة أو التبني، كما نقل عنه أثناسيوس.

[4] إطلاق لقب “الرب” على المسيح هو دليل على ألوهيته؛ حتى في العربية إذا ذُكِر مُطلقاً دون وجود ما يقيده. هذه الفكرة لها أصول تتعلق بالمصدر الآرامي – الهيليني لمفهوم الرب في ثقافة ومجتمع كل من يسوع وبولس خاصةً. مرجعين رئيسيين يجب على كل باحث مراجعتهما في تلك النقطة:

Joseph A. Fitzmyer, New Testament Kyrios and Maranatha and Their Aramaic Background, In: To Advance The Gospel: New Testament Studies, 2nd Edition, Eerdmans: USA 1998, P. 218-235; N. T. Wright, What Saint Paul Really Said: Was Pail of Tarsus The Real Founder of Christianity?, Eerdmans: USA 1997, P. 63-76.

وبشكل خاص، ارجو من كل باحث مراجعة كتابات لارى هرتادو عن مفهوم “الرب” عند بولس، إذ أن هرتادو بطبيعة بحثه شامل ومتكامل في أصول ومنابع الكريستولوجية الأولى. قدم هرتادوا مناقشتين نموذجيتين لمفهوم “الرب” عند بولس، فى:

Larry W. Hurtado, Lord Jesus Christ: Devotion to Jesus in Earliest Christianity, Eerdmans: USA 2005, P. 108 – 118; One God, One Lord: Early Christian Devotion and Ancient Jewish Monotheism, 2nd Edition, T&T Clark: England 1998.

[5] لنظرة شاملة عن لاهوت يوحنا في الإنجيل، راجع دراستينا “الكائن واجب الوجوب” و”سلطان إبن الله”.

[6] عمل ريتشارد بوخام، العالم البريطاني في جامعة القديس اندراوس بإنجلترا، حول سفر الرؤيا وعقيدته، هو البداية الصحيحة لكل باحث في كريستولوجية الرؤيا. أنظر عمله الرئيسي حول سفر الرؤيا:

Richard Baukham, The Theology of The Book of Revelation, Cambridge University Press 1993.

[7] Bart D. Ehrman, The New Testament: A Historical Introduction To The Early Christian Writings, 4th Edition, Oxford University Press 2008, P. 182.

[8] فيما يخص عقيدة لاهوت المسيح في الأناجيل الإزائية، راجع مقالة “من هو يسوع؟” لبروس ميتزجر، المُترجمة على الإيمان العلمي.

[9] إن شاء الرب، سيكون هناك دراسة شاملة حول هذا الموضوع وكافة مقاطعه ضمن سلسلة اللاهوتيات.

[10] ماعدا الأعمال المُترجمة، مثل تفسير كريج كينر والتفسير الحديث وغيرهم.

[11] Gary R. Habermas: The Historical Jesus: Ancient Evidence for The Life of Christ, College Press: USA 1996, P. 148

[12] Ibid, P. 158.

[13] James D. G. Dunn, The Epistles To The Colossians and To Philemon: A Commentary on The Greek Text, Eerdmans: USA 1996, P. 83-84

[14] المعالجات العلمية لهذا المقطع كثيرة جداً حتى إنني لا أستطيع أن أضع البعض وأهمل الآخر. في الحقيقة، هناك علماء أفردوا في دراساتهم جزء خاص لأجل إحصاء الدراسات التي تمت على المقطع. لنظرة شاملة موجزة، انظر:

T. Wright, The Climax of The Covenant: Christ and Law in Pauline Theology, T&T Clark: England 2004, P. 99-119

[15] احد هذه القوانين يرجع إلى مجرد ثلاث سنوات بعد صعود يسوع من الأرض، وهو 1 كولوسي 15: 1 – 4!

[16] لعلك تلاحظ أن هذه المقدمات ترتكز بأغلبها على نص بولس. ذلك لأن نص الرؤيا هو مجرد مشكلة لغوية بسيطة.

[17] A. Hockel, Christus Der Erstgeborene, Dusseldorf: Patmos 1965, P. 21

[18] Larry R. Helyer, “The Firstborn Over All Creation (Col 1: 15)”, JETS 31: 1 (1988), P. 60

[19] ليس هذه الرسالة فقط، إنما خمس رسائل أخرى، هي الرسائل الرعوية بجانب تسالونيكي الثانية وافسس. أكثرهم تحدياً للاتجاه المحافظ هو رسالة أفسس، وأقلهم هو رسالة كولوسي.

[20] هذا لا يعنى عدم وجود صعوبات، إنما يعنى أن هذه الصعوبات من الممكن التعامل معها.

[21] Raymond E. Brown, An Introduction To The New Testament, Doubleday: USA 1997, P. 605

[22] Ben Witherington III, The Letters To Philemon, The Colossians and The Ephesians: A Socio-Rhetorical Commentary on The Captivity Epistles, Eerdmans: USA 2007, P. 155

[23] Brown, Introduction, P. 606.

[24] Ibid, P. 608. See also: D. A. Carson & Douglas J. Moo, An Introduction To The New Testament, Zondervan: USA 2005, P. 523-524; D. Guthrie, New Testament Introduction, 4th Revised Edition, IVP: USA 1990, P. 566-571; Walter A. Elwell & Robert W. Yarbrough, Encountering The New Testament: A Historical and Theological Survey, 2nd Edition, Baker Academic: USA 2005, P. 318.

بالإضافة إلى مقدمات أي تفسير إنجليزي نقدى، فإن هناك الكثير من الكتابات العربية التي تعرضت لهذا الموضوع، انظر: دون فليمنج، التفسير المعاصر للكتاب المقدس، إصدار الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة 2005، ص 769؛ وليام ماكدونالد، تفسير الكتاب المقدس للمؤمن: العهد الجديد، الجزء الثالث، إصدار كنيسة الإخوة 2005، ص 1073 – 1074؛ كريج س. كينر، الخلفية الحضارية للكتاب المقدس: العهد الجديد، الجزء الثاني، إصدار دار الثقافة 2004، ص 249؛

موريس تاوضروس، المدخل إلى العهد الجديد، دار يوحنا الحبيب 2002، ص 368 – 369؛ ن. ت. رايت، التفسير الحديث للكتاب المقدس: العهد الجديد (رسالتا كولوسي وفيلمون)، إصدار دار الثقافة 1999، ص 18 – 24؛ وليام باركلى، تفسير العهد الجديد: الرسائل إلى فيلبى وكولوسي وتسالونيكى، إصدار دار الثقافة، ص 119 – 124؛ وانظر بشكل خاص المعاملة الشاملة العلمية في: فهيم عزيز، المدخل إلى العهد الجديد، إصدار دار الثقافة 1980، ص 473 – 476.

[25] Witherington, Socio-Rhetorical, P. 156

[26] Peter T. O’Brien, Colossians & Philemon, WBC 44, Word Books: USA 1982, P. 111

[27]John R. Kohlenberger, The Precise Parallel New Testament, Oxford University Press 1995, P. 1097.

[28] Dunn, Epistles, P. 152.

[29] Richard R. Melick, Jr., The New American Commentary, Vol 32: Philippians, Colossians & Philemon, Broadman Press: USA 1991, P. 256

[30] E. Lohse, A Commentary on The Epistles To The Colossians and To Philemon (Hermeneia), Translated By William R. Poehlmann & Robert J. Karris, Edited By Helmut Koester, Fortress Press: USA 1971, P. 112

[31] كما في الرسم الكتابي لأي نص شعري، عن النص اليوناني النقدي: NA27, P. 524، باستخدام عدة قواميس.

[32] Dunn, Epistles, P. 85

[33] R. C. H. Lenski, The Interpretation of St. Paul’s Epistles To The Colossians, To The Thessalonians, To Timothy, To Titus & To Philemon, Augsburg: USA 1961, P. 50

[34] Witherington, Socio-Rhetorical, P. 134

[35] O’Brien, Colossians & Philemon, P. 47

[36] Bonnie Thurston, Reading Colossians, Ephesians & 2 Thessalonians: A Literary & Theological Commentary, Smyth&Helwys: USA 2007, P. 23

[37] بمجرد أن قرات وفهمت هذا النص في اليونانية، رأيت في خيالي قصيدة ابن تيمية “أعباد الصليب…”. فهو ينعى كون بلا حاكم وبلا منظم يضبطه. إن هذه الفكرة هي بالضبط مفهوم بولس في هذه العبارة، أن المسيح هو ضابط الخليقة.

لذا لا نرى أثناسيوس يتحرج في أن يقول على الابن أنه ضابط الكل، فهو الواحد مع الآب في الجوهر والطبيعة! ويزرنجتون حاول شرح هذا التعبير قائلاً: “الواحد الذي فيه تتماسك الأشياء وترسى. فدوره المستمر الآن هو أن يحمل الأشياء لتكون في طبيعة وجودها”. مرة أخرى، من الصعب جداً شرح هذا المفهوم في العربية، أو ربما لمحدودية قاعدتي اللغوية في العربية. انظر:

Witherington, Socio-Rhetorical, P. 134.

[38] إن مفهوم الرأس في كافة الحضارات القديمة يعنى دائماً السيادة والسلطة. أحد البرديات الفرعونية التي درستها منذ سنتين لشخص يمجد ايزيس قال عنها أنها الخليقة السماوية التي هي رأسه!

[39] بمعنى Source أو Originator. تابع بالأسفل دراسة نص الرؤيا لمعنى الكلمة اليونانية ἀρχή.

[40] لاحظ التوازى حتى في الأفكار بين المقطع الأول والمقطع الثاني من التكوين الشعري للقانون!

[41] O’Brien, Colossians, Philemon, P. 53

[42] G. Kittel & G. Friedrich, Theological Dictionary of The New Testament, Vol. 6, Translated & Edited By Geoffrey W. Bromiley, Eerdmans: USA 1964, P. 873

[43] Ibid, P. 874

[44] Ibid.

[45] نفسر الأمر نجده في عدد آخر من كتابات يهودية أخرى، وعلى رأسها كتاب اليوبيلات نفسه. وفي الكتابات الرابينية، يُستخدم اللفظ حتى للإشارة إلى التوراة نفسها!

[46] وهو أهم وأكبر قاموس لغوى لمعاني المفردات اليونانية تقريباً.

[47] Johannes P. Low & Eugene A. Nida, Greek-English Lexicon of The New Testament Based on Semantic Domains, Vol. 1, 2ndEdition, United Bible Societies: New York 1989, P. 116

[48] Ibid.

[49] Ibid, P. 157

[50] Ibid, Vol. 2, P. 214

[51] G. Kittel & G. Friedrich, Theological Dictionary, Vol. 6, P. 878.

[52] Ibid.

[53] Robert G. Bratcher & Eugene A. Nida, A Translator’s Handbook On Paul’s Letter To The Colossians, United Bible Societies: London, New York, Stuttgart 1977, P. 23

[54] H. Balz & G. Schneider, Exegetical Dictionary of The New Testament, Vol. 3, T&T Clark: Eerdmans: USA 1990, P. 190

[55] Ibid, P. 22-23

[56] Lohse, Colossians & Philemon, P. 48-49

[57] هذا الدليل الأخير ليس مقصود به الاستناد إلى السلطة، فهو آخر دليل مذكور في القائمة! إنما تعلمت جيداً ألا أخالف مجموعة من العلماء إلا لو أن هناك أدلة قوية. فلو أنه لا يوجد عالم يؤيد رأى معين، فهذا يعنى أنه لا يوجد دليل على هذا الرأي!

[58] أشكر الرب الذي أنعم علىّ بدراسة أربع لغات غير اللغة الأم، وأحدهم درستها حتى جذور فقهها، وأخرى أدرس جذورها الآن.

[59] حتى من تعلم العربية، وحتى لو كان في مدارس حكومية، يعرف أنه يبنى الإعراب بناء على الفِهم، وليس بناء الفِهم على الإعراب.

[60] لمناقشة تفصيلية عن المُضاف المجزئ والمُضاف المتتابع وأعراب النص محل النقاش، انظر:

Daniel B. Wallace, Greek Grammar Beyond Basics: An Exegetical Syntax of The New Testament, Zondervant: USA 1996, P. 84-86, 103-104; idem, The Basics of New Testament Syntax: An Intermediate Greek Grammar, Zondervan: USA 2000, P. 48, 55.

[61] وحتى مع وجود هذه العلامات الواضحة، يظل هناك حالات شاذة كثيرة جداً!

[62] ذكرت منهم لوس في هذه الدراسة، والمعجم اليوناني – الإنجليزي للعهد الجديد، وأنظر أيضاً:

Fritz Rienecker & Cleon Rogers, A Linguistic Key to the Greek New Testament, Zondervan: USA 1980, P. 567.

وهذه مجرد أمثلة ولو أردت الإزادة فلن أتوقف!

[63] حتى لو لم يكن لديك نسخة مطبوعة من ترجمة العالم الجديد، فالحصول عليها صعب جداً، يمكنك أن ترى هذه الملاحظة في الترجمة كما هي معروضة في الموقع الرسمي لجمعية برج المراقبة:

http: //www.watchtower.org/bible/col/chapter_001.htm

[64] القديس أثناسيوس الرسولي، المقالة الثانية ضد الأريوسيين (16: 19)، ترجمة أ. صموئيل كامل عبد السيد ود. نصحى عبد الشهيد، مراجعة د. جوزيف موريس فلتس، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، الطبعة الثالثة 2004، ص 43. جميع الاقتباسات عن أثناسيوس مأخوذة من هذه الترجمة.

[65] السابق، 21: 62، ص 117.

[66] السابق.

[67] لدراسة أكثر تفصيلاً حول هذا الموضوع، أنظر: الأب متى المسكين، القديس أثناسيوس الرسولى، إصدار دير القديس أنبا مقار، الطبعة الثانية 2002، ص 428 – 432.

[68] أثناسيوس، المقالة الثانية ضد الأريوسيين، 64، ص 120.

[69] السابق، 63، ص 118 – 119.

[70] http: //st-takla.org/Coptic-History/CopticHistory_02-History-of-the-Coptic-Church-Councils-n-Christian-Heresies/Al-Magame3-Al-Maskooneya/Encyclopedia-Coptica_Councils_06-Magma3-Nikeya-03-Afar-Arius-Wal-Rad-3aleiha.html

[71] Ehrman, The New Testament, P. 386.

[72] Robert G. Bratcher & Howard A. Hatton, A Translator’s Handbook on The Revelation of John, United Bible Societies: New York 1993, P. 78-79

[73] Joseph H. Thayer, Thayer’s Greek-English Lexicon of The New Testament, Hendrickson: USA 2007, P. 77

[74] G. Kittel & G. Friedrich, Theological Dictionary, Vol. 1, P. 483

[75] H. Balz & G. Schneider, Exegetical Dictionary, Vol. 1, P. 162

[76] انظر: فيرلين فيربروج، القاموس الموسوعي للعهد الجديد، إصدار دار الكلمة 2006، ص 87 – 89، حيث ستجد الكلمة تحتمل الكثير جداً من المعاني.

[77] Robert M. Bowman & J. Ed Komoszewski, Putting Jesus In His Place: The Case for The Deity of Christ, Kregel: USA 2007, P. 108.

[78] G. K Beale, The Book of Revelation: A Commentary on The Greek Text, Eerdmans: USA 1999, P. 298

[79] Bowman & Komoszewski, Putting Jesus, P. 109

رئيس كنيسة الله – بكر كل خليقة – نقد الإدعاء بخلق الابن فى العهد الجديد (كو 1 : 15 – رؤ 3 : 14) – فادى اليكساندر

تقييم المستخدمون: 4.85 ( 2 أصوات)