الرد على أبي عمر الباحث

الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض

الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي - ردًا على اعتراض
الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض
 
شيخ مسلم جاهل يفضح نفسه – هل كل من يقول أن المسيح خالق هو مبتدع؟ رداً على من يُسمي نفسه باحثًا!
ردًا على أبي عمر الباحث
 

يدَّعي من يُلقب نفسه باحثاً، أن كل من يقول أن المسيح خَلقَ، فهو مبتدع وجاهل ولا يعرف في دينه شيئاً ووقع في هرطقة خطيرة وبدعة شنيعة كما قال البابا أثناسيوس الرسولي في كتابه “تجسد الكلمة”.

وللرد نقول:

رغم سذاجة الطرح الذي أعتبره فاصلاً للمزاح، أراد به أن يرسم الابتسامة على وجوه متابعينه، ولكن جدية ملامح هذا “الباحث” جعلتني أتمنى لو كان بالفعل يمزح. لا أعرف من أين أبدأ في الرد، فركاكة هذا “الباحث” كفيلة أن تجعلك تدير له ظهرك ضاحكاً، شاكراً الله على نعمة العقل.

هذا “الباحث” أقتبس من كتاب “تجسد الكلمة” للقديس أثناسيوس الرسولي وضرب بكل قواعد الاقتباس عرض الحائط:

  1. فاقتطع عبارة من سياق كامل.
  2. أهمل رسالة باقي الكتاب الذي أقتبس منه.
  3. أهمل باقي كتب وشروحات القديس أثناسيوس الرسولي والتي بلا شك كان سيجد فيها الإجابة بكل وضوح.

فالقديس أثناسيوس يقول في نفس ذات الكتاب الذي أقتبس منه:

والآن إذ نشرح هذا الأمر، فإنه يليق بنا أن نبدأ أولاً بالحديث عن خلقة الكون كله، وعن الله خالقه، وهكذا يستطيع المرء أن يُدرك أن تجديد الخليقة تم بواسطة الكلمة الذي هو خالق الخليقة في البدء. وهكذا يتضح أنه ليس هناك تناقض في أن يتمم الآب خلاص العالم بالكلمة الذي به خُلق العالم.[1]

فهنا يوضح القديس أثناسيوس أن الفداء و تجديد الخليقة كانا لابد أن يتمَّا بواسطة المسيح (الكلمة) لأنه هو من خلقها من البدء.
إذاً المسيح هو الكلمة الخالق. والأدهى أن العبارة التي اقتطعها هذا “الباحث” في صـ 6، ثم نجد هذا القول للقديس أثناسيوس في الصفحة التي تليها مباشرةً صـ7:

لكن الله خلق كل شيء بالكلمة من العدم وبدون مادة موجودة سابقاً… وهذا يشير إليه بولس قائلاً: بالإيمان ندرك أن العالمين أُنشئت بكلمة الله.[2]

ومن الصفحة التي تليهما نجد هذا القول أيضاً:

ولذلك خلق كل الأشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا.[3]

 

فلا أعلم ماهي حجة هذا “الباحث”؟!

 

ولمزيد من التوضيح، نقرأ هذا القول للقديس أثناسيوس في كتاب آخر له:

لأنه (بولس) وهو يتحدث عن الخليقة، فإنه يستمر أيضاً في الكتابة عن قوة الخالق في خليقته، تلك القوة التي هي “كلمة الله”، والذي من خلاله (بواسطته) قد خلق كل شيء. فلو أن الخليقة في طاقتها بذاتها وحدها أن تعرف الله بدون الابن، فالتفتوا لئلا تسقطوا في الغواية. فتظنوا، أنه بدون الابن أيضاً قد خلقت الخليقة. ولكن إن كانت الخليقة قد خلقت عن طريق الابن، وأنه “فيه تثبت (تقوم) كل الأشياء في الوجود”[4]. فأن الذى يتأمل الخليقة بطريقة مستقيمة، فلابد أن يرى أيضاً بالضرورة الكلمة الذى خلقها.[5]

إذاً فالقديس أثناسيوس بنفسه يقول إن من يظن أن الخليقة خُلقت بدون الابن (المسيح)، يكون قد سقط في الغواية، أي أن قول هذا “الباحث” هو الغواية في حد ذاتها! ثم يختم القديس أثناسيوس قوله بأن الكلمة هو خالق الخليقة. إذن، يتضح الآن بما لا يدع مجال للشك أن قول القديس أثناسيوس يسحق تماماً ما يدّعيه هذا “الباحث”.

 

ولنأتي الآن إلى السياق الذي أقتطعه ليوهم به متابعيه المساكين بأن المسيح ليس هو الخالق، بل والأدهى أن من يقول عكس ذلك يصبح مبتدع ومهرطق!!

 

يقول القديس أثناسيوس:

وهناك هراطقة أيضاً يتوهمون لأنفسهم خالقاً آخر لكل الأشياء غير أبى ربنا يسوع المسيح، وهم بهذا يبرهنون على منتهى العمي. لأن الرب كان يقول لليهود ” أما قرأتم أن الذي خلق في البدء خلقهما رجل وأنثى وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً “…وبعد ذلك يقول مشيراً إلى الخالق ” فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان “، فكيف يدّعي هؤلاء بأن الخليقة غريبة عن الآب؟ أو عندما يقول يوحنا في اختصار شديد إن ” كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيئاً مما كان ” فكيف يمكن أن يكون خالقاً آخر سوى الله أبى المسيح؟[6]

 

بدايةً، فإن كلمة “هراطقة” التي ذكرها القديس أثناسيوس يقصد بها الغنوصيون وماركيون على وجه الخصوص، حيث أنه كان يُعّلم بأن إله الخير قد خلق الأشياء غير المنظورة والسماء الثالثة بينما إله العهد القديم فقد خلق الأشياء المنظورة، وبالتالي فإن القديس أثناسيوس يرد عليهم بأن الله قد خلق كل شيء بالمسيح، كلمته. فهو لم يتكلم أبدًا أن الآب هو الخالق فقط والأبن (الكلمة) لم يخلق، هو يتكلم عن استحالة وجود شريك لله الواحد (الثالوث) في الخلق. ولم يقصد مطلقًا أن ينفي عن أقنوم الابن عمل الخلق.

 

فالقديس أثناسيوس في نفس السياق يقتبس قول القديس يوحنا الرسول “كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان”. أي أن الكلمة (المسيح) هو خالق كل شيء و بدون المسيح لم يكن لشيء أن يُخلق، فهو اللوجوس (عقل الله الناطق و نطقه العاقل).

 

فهل رأيتم مدى سَخف أطروحات هذا الذي يسمي نفسه باحثاً في الكتاب المقدس، الذي يتحدى هذا وذاك لمناظرات، ويدّعي أن المسيحيين يفرون من أمامه خوفاً من مواجهته؟! والعجيب أنه بنفسه قال إن القديس أثناسيوس هو من صاغ قانون الإيمان النيقاوي!!

إذاً لنرى ما قاله القديس أثناسيوس في قانون الإيمان الذي يحفظه كل طفل مسيحي عن ظهر قلب!
يقول عن المسيح:

مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر، الذي به كان كل شيء.

 

إذاً من قانون الإيمان نجد أيضاً دليل واضح أن المسيح هو الخالق.

 

ويعلق على هذه العبارة القديس كيرلس الكبير قائلاً:

ولكنهم بعد أن أكدوا أن الآب هو خالق كل الأشياء ما يُرى وما لا يُرى، فإنهم قالوا إن كل الأشياء قد خُلقت بالابن، لا بسبب أنهم نسبوا للابن نصيباً أقل من المجد، حاشا. لأنه كيف يمكن أن يُرى ما هو أقل أو أكثر في وحدة الجوهر؟ ولكنهم يقولون إن الله بطبيعته لا يخلق أو يدعو أي شيء إلى الوجود بأي طريقة أخرى سوى بالابن في الروح، بقوته الذاتية وحكمته…. و يوحنا الحكيم جداً بتأكيده بالقول ” في البدء كان الكلمة….إلخ.[7]

 

والآن سيسألني هذا “الباحث” منتفشاً: أليس هذا تناقض، حينما تقول في موضع أن الآب هو الخالق، ثم في موضع آخر أن المسيح (الأبن) هو الخالق؟؟!

 

أجيبك بكل اتضاع: الآب خلق بالأبن (اللوجوس) أي عقله الناطق ونطقه العاقل.

 

دعني أعطيك مثالاً بسيطاً للتوضيح: إذا قلتُ: ” أنا حللت هذه المسألة”، ثم قلتُ: “عقلي حلّ هذه المسألة”، فهل هناك أي تناقض؟! بالطبع لا؛ لأن عقلي هو أنا. فأنا حللت المسألة بعقلي. إذن، حل المسألة يمكن أن يُنسب لي ولعقلي معًا، فأنا شخص واحد. وبالمثل، فالآب خلق الخليقة بالأبن. لأن الأبن هو اللوجوس عقل الله الناطق وكلمته، وهذه هي الطريقة التي يخلق بها الله منذ البدء. ففي بدايات كتابنا المقدس وبالتحديد في سفر التكوين، نجد الاتي: (وقال الله: ليكن نور… وقال الله: ليكن جلد… وقال الله: لتجتمع المياه تحت السماء…). (تك ١: ١ – ٩)

 

لاحظ معي هذا التعبير: “وقال الله”. أي أن هناك نطق عاقل وعقل ناطق الذي هو اللوجوس λογος باليونانية، الذي هو كلمة الله، المسيح. وأيضاً نجد نفس المفهوم عند اليهود. فمصطلح ” اللوجوس ” باليونانية λογος، يقابل في العبرية “دابار” “דבר” والتي ترجمت إلى الآرامية فيما يعرف بالترجومات إلى كلمة “ميمرا” “מימרא”. وكلمة “ميمرا” بإضافتها لاسم الله الأعظم “يهوه” كانت تستخدم في الثقافة اليهودية للتعبير عن الله الخالق، فهي تستخدم للإشارة لعملية الخلق[8]. وتم استخدامها في مواضع كثيرة في الترجوم بدلاً من الرب “يهوه” فهي تساوي يهوه نفسه.[9] لأن عقل الله هو الله لا فرق على الإطلاق. ونجد نفس المفهوم أيضاً بتوسع عند الفيلسوف اليهودي “فيلو”.

 

يقول Fragmentary Targum على التوراة:

في الليلة الأولى عندما ظهر كلمة الرب “Memra yhwh ” للعالم لكي يخلقه، كان العالم خالياً وخرباً وانتشرت الظلمة فوق كل اللاتكون، وكان كلمة الرب مشرقاً منيراً ودعاها الليلة الأولى[10].

 

يقول ترجوم يوناثان:

فخلق كلمة الرب “Memra yhwh ” الإنسان على صورته على صورة يهوه، يهوه خلقه[11]

 

ويقول ترجوم أورشاليم:

وكلمة الرب “Memra yhwh ” قال لموسى: ” أنا هو، الذي قال للعالم: كن! فكان، وهو من سيقول له في المستقبل: كن! فسيكون “، وقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: أنا هو أرسلني.[12]

 

وهناك العشرات من الشواهد الأخرى التي تثبت أن كلمة الله “ميمرا يهوه” أو “اللوجوس” هو الخالق، ليس فقط في المسيحية بل وفي الثقافة اليهودية أيضاً.

 

وأيضاً هذا دليل على أن الميمرا هي كلمة مشخصة كائنة (أقنوم) وليست مجرد كلمة “كن”، والدليل هو ظهورات الكلمة “الميمرا” في العهد القديم. فنجد فيما سبق ظهور “الميمرا” لموسى في العليقة على هيئة ملاك يهوه، وهو الذي قال “أهيه الذي أهيه”. فهو أقنوم مشخصن وليس مجرد كلمة ملفوظة، فهو نطق الله العاقل وعقله الناطق.

 

إذن، لا فرق بين اللوجوس والميمرا، وهذا دليل على وجود نفس المصطلح والمفهوم في الثقافة اليهودية من القرن الخامس قبل الميلاد وقت بداية استخدام مصطلح “ميمرا” الأرامي. فعن أي بحث تتحدث يا من تسمي نفسك “باحثاً”؟! هل فضحت جهل قساوسة الكنيسة أم أظهرت جهلك أنت؟!

 

ولكن هناك ملحوظة أخيرة دعني أهمس بها في أذنيك: أطروحتك الساذجة كانت ستُهدم فقط إذا قرأت عنوان كتاب البابا أثناسيوس جيداً. فعنوان الكتاب هو ” تجسد الكلمة “. فهل فهمت ما معنى “الكلمة” أم أنك أسرعت متلهفاً لاهثاً لقلب صفحات الكتاب بحثاً عن أي ثغرة دون حتى أن تفهم عنوان هذا الكتاب الذي تقلب في صفحاته؟

 

ومن له أذنان للسمع، فليسمع.

إلى هنا أعاننا الرب.

 

[1] القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، مؤسسة القديس أنطونيوس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية بالقاهرة، نصوص آبائية-٦٢، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، صـ 2، 3.

[2] المرجع السابق، صـ7.

[3] المرجع السابق، صـ8.

[4] كو 1: 17.

[5] القديس أثناسيوس الرسولي، الشهادة لألوهية المسيح، مركز دراسات الآباء، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، صـ28، 29.

[6] القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، مؤسسة القديس أنطونيوس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الأبائية بالقاهرة، نصوص آبائية-٦٢، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد، صـ 6.

[7] القديس كيرلس الإسكندري، شرح قانون الإيمان، رسالة ٥٥ الجزء الرابع من رسائل القديس كيرلس، مؤسسة القديس أنطونيوس، مركز دراسات الآباء، ترجمة د. موريس توضروس، د. نصحي عبد الشهيد، ص 34.

[8] Jewish Encyclopedia, V: 8, P: 464.

[9] Ibid, p: 465.

[10] Fragmentary Targum (Ex. 12: 42)

[11] Targum Johnathan, (Gen. 1: 27).

[12] Jerusalem Targum, (Ex. 3: 14).

صلب المسيح – إزاي بعد 600 سنة المسلمين يقولوا “شبه لهم”؟ – الجزء الأول

هل الله يتغير؟ وهل يعبد المسيحيون الجسد؟ – المذيع المسلم يذيعها مدوية: أنا لا أعرف شيء

عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث

ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث – الجزء الثاني – عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان

رائحة المسيحيين الكريهة – هل للمسيحيين رائحة كريهة؟ الرد على احمد سبيع

الإبن الكلمة الخالق في كتابات أثناسيوس الرسولي – ردًا على اعتراض

تقييم المستخدمون: 4.7 ( 2 أصوات)