الرد على أحمد سبيع

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟! علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟!

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟!

علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويكشفون جهله!

سلسلة: القرآن يتحدى الكتاب المقدس، ويخسر أحمد سبيع التحدي!

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟!
هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟!

نص الشبهة:

 

يقول أحمد سبيع:

” في الكتاب المقدس، نجد أم يوسف اسمها “راحيل”. في سفر التكوين ٤٦: ١٩ «اِبْنَا رَاحِيلَ امْرَأَةِ يَعْقُوبَ: يُوسُفُ وَبَنْيَامِينُ.» ونجد أيضاً الكتاب المقدس يقول إن يوسف رأى رؤيا، وإن يعقوب عليه السلام فسرها على أن يعقوب وزوجته راحيل وإخوته هيسجدوا له. الكلام ده في التكوين ٣٧: ١٠ «وَقَصَّهُ عَلَى أَبِيهِ وَعَلَى إِخْوَتِهِ، فَانْتَهَرَهُ أَبُوهُ وَقَالَ لَهُ: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟» “

ثم يُعلِّق على هذا فيقول:

” كل ده مافيهوش مشكلة. لكن المشكلة إن الكتاب في موضع آخر أخطأ وقال إن راحيل ماتت قبل ما يروحوا ليوسف مصر! في التكوين ٣٥: ١٩ «فَمَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ فِي طَرِيقِ أَفْرَاتَةَ، الَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ.» “

وأخيراً، يتساءَل:

” فكيف نَصْ يقول هيسجدوا له ونص بيقول إنها ماتت… فلو كان الكتاب المقدس غير مُحرَّف، كيف وقع في هذا الخطأ؟! “

الرد المسيحي:

 

بدايةً، الكتاب المقدس لم يذكر نهائياً أن يعقوب فسَّر حلم يوسف على أن زوجته “راحيل” ستسجد معهم!

بل ونتحدى سبيع أن يأتي بنص واحد من كتابنا المقدس يذكر أن راحيل سجدت ليوسف كما فعل أخوته معه.

كل ما قاله يعقوب حين سمع حلم يوسف هو: «مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟ هَلْ نَأْتِي أَنَا وَأُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ لِنَسْجُدَ لَكَ إِلَى الأَرْضِ؟»

فيعقوب قال بالحرف: “أمك”. ولم يختَص راحيل؛ زوجته المحبوبة، بالذكر أبداً، فهو يعرف جيداً أنها كانت ميَّتة بالفعل في هذه اللحظة.

لكن الأستاذ سبيع حاول أن يوهم السامعين بأن يعقوب كان يقصد راحيل لأنها أم يوسف وبنيامين كما ذُكر في سفر التكوين ٤٦: ١٩.

وبالفعل، راحيل هي أم يوسف الحقيقية، لكن أبونا يعقوب لم يقصدها إنما قصد “بلهة” جارية راحيل، الأم البديلة ليوسف، والتي اهتمت به وبأخيه بنيامين بعد موت أمهما راحيل. أو ربما قصد “ليئة” زوجته والتي كانت في مقام الأم ليوسف.

فلا يوجد مانع على الإطلاق من اعتبار أي من زوجات يعقوب الأخريات، أماً ليوسف، خصوصاً بعد وفاة أمه الحقيقية!

حتى عند علماء الإسلام أنفسهم، لا توجد أي مشكلة في تسمية الخالة (ليئة) بالأم، ليس فقط لأن الخالة أم كما أن العم أب، بل لأنها، بحسب مفسري القرآن، هي مَنْ ربَّت يوسف بعد موت راحيل، وبالتالي يجوز تسميتها بالأم! (وسنأتي للأدلة بالتفصيل لاحقاً).

يقول الرابي ابن عزرا:

” أمك – تشير إلى بلهة جارية أمه التي ربته “.[1]

يقول وليم مارش:

“فيكون المعنى الشمس والقمر والنجوم يعقوب ومن بقي من أزواجه وأولاده أي إن كل آله صغاراً وكباراً يسجدون لابنه يوسف فالعبارة عامة كالعبارة في (ص ٣٥: ٢٦) يراد صورة خاصة من معناها لا كل ما يراد بها حرفياً على أن الجاريتين كانتا أصغر من الاختين فيحتمل أنهما كانتا معهم في مصر والمرجّح أن يعقوب أراد بأمه بلهة لأنها قامت مقام أمه راحيل بعد موتها.” [2]

يقول القمص أنطونيوس فكري:

” هل نأتي أنا وأمك: غالباً يقصد بلهة جارية راحيل فهي التي إهتمت به بعد موت أمه، لكن المعني أن الأسرة كلها تسجد له. ” [3]

يقول وليم ماكدونالد:

” الشمس والقمر يمثلان يعقوب وليئة (فراحيل كانت قد ماتت). ” [4]

يقول Victor Hamilton:

“على الأرجح، مع وفاة راحيل، أصبحت هي ليئة زوجة أبي بنيامين ويوسف. ” [5]

تقول نسخة The Apologetics Study Bible:

” أمك – تشير إلى ليئة، زوجة يعقوب الرئيسية المتبقية. ” [6]

يقول Derek Kidner:

” بالنسبة للتعبير “وأمك”، المعنى الوحيد المعقول هو إن “ليئة” هي المقصودة. انظر في ٣٧: ٣٥ (بناته)، قارن مع لو ٢: ٤٨ (أبوك). وليس واقعياً أن نفكر بأن راحيل مازالت حية. ” [7]

ومع ذلك، حتى إذا إفترضنا أن يعقوب كان يقصد راحيل على وجه التحديد، ليس بالضرورة اعتبار رد يعقوب دليلاً يناقض موت راحيل!

فالنص العبري لكلام يعقوب يقول:

“מָ֛ה הַחֲלֹ֥ום הַזֶּ֖ה אֲשֶׁ֣ר חָלָ֑מְתָּ הֲבֹ֣וא נָבֹ֗וא אֲנִי֙ וְאִמְּךָ֣ וְאַחֶ֔יךָ לְהִשְׁתַּחֲוֹ֥ת לְךָ֖ אָֽרְצָה”

وهنا نجد أن الفعل “يأتي” נָבֹ֗וא، قد سُبقَ بالمَصْدَر المُطْلَق ” הֲבֹ֣וא “، والذي يُضيف تشديداً وتوكيداً. كما لو كان يعقوب يقول: ” أنت لا تعتقد حقاً أننا سوف نأتي… لنسجد… أليس كذلك؟!” [8]

فالعبارة بأكملها إستنكارية، تتمحور حول فكرة مجيء يعقوب وراحيل والأخوة للسجود ليوسف؛ فكيف يأتي الأبوان للسجود على الأرض لإبنيهما؟!!، وليس في حقيقة وجود الأشخاص من عدمه!!  فبغض النظر عن وجود راحيل أو عدم وجودها، فجواب يعقوب كان استنكاريا لما كان يتضمنه حلم يوسف، فكيف سيأتي يعقوب ليسجد ليوسف؟ ولماذا يسجد له إخوته؟ وهذا واضح من سياق الكلام نفسه لمن يفهم بشكل دقيق.

ودعني أعطيك مثالاً بسيطاً للتوضيح..

عندما نرى صديقاً يتفلسف كثيراً بالنظريات العلمية، أحياناً نقول له (وبالعامية البسيطة): دا المفروض أينشتاين ييجي يتعلم منك!!

فهل هذا معناه أننا نعتقد مثلاً بأن أينشتاين مازال حياً حتى الآن؟! وأننا بالفعل نريده أن يأتي ويتعلم منه؟ أم أننا نعرف أنه مات ولكن لعِظَم ما يقوله هذا المتفلسف نضرب له المثل بأن هذا العالم الكبير عليه أن يتعلم منك! لكن من سيفهم هذا؟ من يفهم!

بالطبع لا!؛ فالعبارة في مُجْملها ليست مُتمَحْورة حول وجود أينشتاين من موته، بل حول فكرة إمكانية تعلُّم “العالِم” أينشتاين من هذا “الصديق”!

فالعبارة لا تعدو أكثر من كونها استعظامية تهكمية على حلم يوسف الغريب ليعقوب. ونفس الأمر يمكن تطبيقه على قول أبينا يعقوب.

 أو ربما وكما يقول البعض، كان ذلك ليلمِّح بحكمته إلى أن حلم يوسف لن يكتمل بسبب موت أمه راحيل، وبالتالي التظاهر بأن الحلم ككل ليس له قيمة، لتفادي غرور وتكبر يوسف الذي كان مازال شاباً صغير السن، بالنسبة لأبيه.

خصوصاً أن الوحي الإلهي يذكر أن يعقوب انتهر يوسف عندما قصَّ عليه الحلم وقال له: “مَا هذَا الْحُلْمُ الَّذِي حَلُمْتَ؟” (تك ٣٧: ١٠)، وفي نفس الوقت، يسجل لنا الوحي أن يعقوب حفظَ الأمر (٣٧: ١١).

فإذا كان يعقوب يعرف أن الأمر له دلالاته التي تستوجب منه أن يحفظ تلك الأمور في نفسه، لماذا إذن انتهر ابنه يوسف فور سماعه للحلم؟!

لا يوجد أي معنى منطقي غير أنه كان يخشى أن يكبر هذا الشاب متكبراً ومتفاخراً على أخوته. ومن ناحية أخرى للتوفيق بينه وبين عقول أخوته والتي كان يعرف أنها مُستاءة من أحلامه.[9] فالوحي يذكر حسد وغضب أخوته في مواضع كثيرة، حيث يقول:

” فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «أَلَعَلَّكَ تَمْلِكُ عَلَيْنَا مُلْكًا أَمْ تَتَسَلَّطُ عَلَيْنَا تَسَلُّطًا؟» وَازْدَادُوا أَيْضًا بُغْضًا لَهُ مِنْ أَجْلِ أَحْلاَمِهِ وَمِنْ أَجْلِ كَلاَمِهِ… فَحَسَدَهُ إِخْوَتُهُ، وَأَمَّا أَبُوهُ فَحَفِظَ الأَمْرَ.”

(تك ٣٧: ٨، ١١)

فيقول چون جيل:

” لم يقصد به راحيل، أم يوسف الحقيقية، والتي كانت ميتة، ما إذا كان تم ملاحظة ذلك لإظهار العبثية الواضحة له، بحيث قد يبدو الكل [كل الحلم] سخيفاً؛ بل ليئة، التي كانت الآن زوجة يعقوب الحقيقية الوحيدة، أو بلهة جارية راحيل، التي كانت منذ موتها، أُمَّاً ليوسف. ” [10]

ويقول آدم كلارك:

” ربما كان يعقوب يُلمِّح بحسب هذا التفسير إلى إستحالة تحقيق مثل هذا الحلم، لأن أحد الأشخاص الرئيسيين في الحلم كان ميتاً بالفعل. ولكن أي زوجة أو سُرِّية ليعقوب كانت كافية تماماً لتحقيق هذا الجزء من الحلم، إذ هي في منزلة الأم ليوسف. ” [11]

وفي الآخير، تفسير يعقوب الحَرْفي للحلم، ليس بالضرورة يُعبِّر بدقة عن مغزاه الحقيقي!! فالكتاب المقدس لم يذكر مطلاقاً أن راحيل سجدت ليوسف مثلما ذكر سجود إخوته له[12]، حتى يأتي أحمد سبيع أو غيره يدَّعون وجود تناقض في الكتاب المقدس! فغاية ما فعله الكتاب المقدس هو أنه نقل كلام يعقوب ليوسف وليس كلام الكتاب المقدس ذاته. وهذا بالطبع لا يعني أن الله قد أعطى ليوسف حلماً خاطئاً مثلاً. فدلالة الحلم هو أن يوسف سيصبح له اليد العليا والسلطان والسيادة، وهذا ما تحقق فعلاً عندما أصبح يوسف هو الرجل الثاني في مصر، فجاءته الناس من كل بقاع العالم ليشتروا لهم ولعائلاتهم طعامًا لقوت يومهم ولماشيتهم.

فوفقاً لعقيدة الفُرس والمصريين، أنه إذا حلمَ أحد بأنه يَحكم النجوم، فإنه يحكم جميع الناس.[13] وبالفعل يوسف أصبح حاكم مصر، وبالطبع سجد له إناس كثيرون، وليس أبوه وأمه وأخوته فقط (كما فسرها أبونا يعقوب حرفياً)!! فالشمس والقمر والأحد عشر كوكباً، لا تعني إلا أن الأسرة المتبقية بأكملها يجب أن يكون لها اعتماد على يوسف، بأن تكون تحت حكمه وسلطته.[14]

علماء الإسلام يُجيبون أحمد سبيع ويصححون له أخطاءه:

 

وبعد أن نقضنا هذه الشبهة التي لا أصل لها، من كتابنا المقدس، نأتي الآن لبقية كلام سبيع عن القرآن فيما يتعلق بهذه الحادثة.

يقول سبيع:

” القرآن لم يقع في هذا التناقض. ولم يذكر أن أم يوسف ماتت كما قال الكتاب المقدس. الله عز وجل يقول: {ورَفعَ أبويْه على العرش وخروا له سُجَداً….} [يوسف ١٠٠] لاحظوا كيف أن القرآن تجاهل خطأ الكتاب المقدس ببساطة ولم يقع في هذه المشكلة. “

فسبيع يخبرنا أن القرآن قال بوجود أم يوسف حية وأقر بسجودها له، ويعتبر من مُنطلَق هذا أن القرآن قد صحح خطأ الكتاب المقدس!

ألا يعلم سبيع أن علماء الإسلام أنفسهم اختلفوا في ذلك بسبب غموض القرآن فيما يتعلق براحيل أم يوسف؟!

فعلى سبيل المثال يقول الإمام فخر الدين الرازي:

“في المراد بقوله أبويه قولان: الأول: المراد أبوه وأمه، وعلى هذا فقيل إن أمه كانت باقية حية إلى ذلك الوقت، وقيل إنها كانت قد ماتت، إلا أن الله تعالى أحياها وأنشرها من قبرها حتى سجدت له تحقيقاً لرؤية يوسف عليه السلام. والقول الثاني: أن المراد أبوه وخالته، لأن أمه ماتت في النفاس بأخيه بنيامين، وقيل: بنيامين بالعبرانية ابن الوجع، ولما ماتت أمه تزوج أبوه بخالته فسماها الله تعالى بأحد الأبوين، لأن الرابة تدعى، إما لقيامها مقام الأم أو لأن الخالة أم كما أن العم أب ومنه قوله تعالى: {وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} [البقرة: ١٣٣].”[15]

ويقول القرطبي:

” ويعني بأبويه أباه وخالته، وكانت أمه قد ماتت في ولادة أخيه بنيامين، وقيل: أحيا الله له أمه تحقيقاً للرؤيا حتى سجدت له، قاله الحسن؛ وقد تقدم في “البقرة” أن الله تعالى أحيا لنبيه -عليه السلام- أباه وأمه فآمنا به. “[16]

بل أكثر من هذا، وهو إن جمهور (أكثرية) المفسرين أجمع على موت راحيل بعدما ولدت بنيامين، وبالتالي يكون المقصود من قول القرآن: {ورفع أبويه} هو: أبوه يعقوب وخالته “ليئة”.

فيقول البغوي:

” فذلك قوله تعالى: {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه} أي ضم إليه {أبويه} قال أكثر المفسرين: هو أبوه وخالته ليّا [يقصد ليئة]، وكانت أمه راحيل قد ماتت في نفاس بنيامين…. ” [17]

ويقول ابن الجوزي:

” في قوله تعالى: {آوى إليه أبويه} قولان: أحدهما: أبوه وخالته؛ لأن أمه كانت قد ماتت؛ قاله ابن عباس والجمهور. والثاني: أبوه وأمه؛ قاله الحسن وابن إسحاق. “[18]

فما يعتبره أحمد سبيع دليلاً على عدم تناقض القرآن، ينفيه غالبيه علماء الإسلام؛ حيث يعتبرون عدم ذكْر القرآن لراحيل أم يوسف طوال سياق الأحداث دليلاً على موتها!

فمثلاً تقول فتوى لموقع إسلام ويب، بعنوان: ” سبب عدم ذكْر أم يوسف في قصته.”:

” فقد ذكر أهل التفسير والأخبار أن أم يوسف عليه السلام تسمى راحيل قد توفيت عنه وهو صغير في نفاس شقيقه بنيامين، ولذلك لم يرد لها ذكر فيما قصه الله علينا من شأنه، وأما قوله تعالى في آخر القصة: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا {يوسف:100}، فالمراد بذلك أبوه وخالته كذا قال غير واحد من المفسرين.. وقصص القرآن الكريم إنما تركز على الدروس والعظات والعبر التي يمكن أن تستفاد من القصة. “[19]

فهل كان سبيع يجهل هذا الكلام، أم كان يعرف ويدلس على متابعيه ليوهمهم بأن القرآن تحاشى هذا التناقض الكبير (الذي لا أصل له في الواقع) والذي وقع فيه الكتاب المقدس؟!

فهل نعتبر إجماع أغلب علماء التفسير على موت راحيل هو إثبات منهم لهذا التناقض الصارخ في القرآن، والذي حاول سبيع الإدّعاء بمثله في الكتاب المقدس؟؟!

لكن على النقيض، نجد بعض المفسرين يْنفون تماماً موت راحيل.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، يقول ابن جرير الطبري:

” وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله ابن إسحاق ; لأن ذلك هو الأغلب في استعمال الناس والمتعارف بينهم في ” أبوين “، إلا أن يصح ما يقال من أن أم يوسف كانت قد ماتت قبل ذلك بحجة يجب التسليم لها، فيسلم حينئذ لها.[20]

ويُعلِّق ابن كثير على هذا القول الآخير فيقول:

” وهذا الذي نصره هو المنصور الذي يدل عليه السياق. “[21]

لكن الجدير بالملاحظة هنا، هو أنه رغم إختلاف الطبري مع الرأي الذي أوردناه سابقاً، إلا إنه يُصرّح بأنه إذا وجد حجة على موت راحيل، سيُسلِّم لها!

أي إنه يرى بكل وضوح أن هذا التفسير [المتمثل في القول: أبوه وخالته] سيكون كافٍ جداً لحل هذه الإشكالية إذا ثبت موت راحيل في القرآن.

فبحسب الطبري وجمهور المفسرين، لا يوجد أي داعي للقول بوجود تناقض في هذه الحالة!

فهل يجرؤ سبيع أو أي مسلم على الإدّعاء بوجود هذا التناقض في كتابنا المقدس بعد كل ما عرضناه؟؟!

رسول الإسلام يُقر بصحة قصة يوسف التوراتية:

 

يُكمل سبيع بقوله:

” فلو كان القرآن بيقتبس من الكتاب المقدس، فلماذا لم يقع في نفس الخطأ؟! “

بدايةً، من المفترض هنا أن سبيع يخاطب بعض الأشخاص المحددين (أو ربما كل المسيحيين، حسب إعتقاده) والذين من المفترض أيضاً أنهم يعتبرون قصص القرآن بأكملها مُقتبَسة من الكتاب المقدس!

ولكن في الحقيقة، الإختلافات بين الكتاب المقدس والقرآن كافية جداً لتثبت عكس هذا!!

فليس كل المسيحيين يعتبرون القرآن بأكمله مُقتَبس من الكتاب المقدس، بل هناك قصص كثيرة نعتبرها منقولة عن أساطير اليهود والشعر الجاهلي…إلخ. وعلى العموم هذا ليس موضوعنا الآن لنثبته.

لكن العجيب أن قصة يوسف بالتحديد، والتي نحن في صدد الحديث عنها، نجد أن رسول الإسلام محمد يعتقد أن ما ذكره القرآن عنها، هو مطابق تماماً لما جاء في التوراة!

حيث يقول القرآن:

{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف ١٠٣]

 وينقل لنا الإمام محمد طنطاوي في تفسيره لهذه الآية عن الآلوسي، فيقول:

” قال الآلوسى ما ملخصه: “سألت قريش واليهود رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن قصة يوسف، فنزلت مشروحة شرحاً وافياً، فأمل النبى – صلى الله عليه وسلم – أن يكون ذلك سبباً فى إسلامهم، فلما لم يفعلوا حزن – صلى الله عليه وسلم – فعزاه الله – تعالى – بذلك». “[22]

ويذكر كلاً من ابن عادل الدمشقي، وإسماعيل البروسوي، وأبي السعود العمادي، والبغوي (وغيرهم الكثير):

” رُوي أن اليهود وقريشاً لما سألوا عن قصة يوسف وعدوا أن يُسْلموا فلما أخبرهم بها على موافقة التوراة فلم يسلموا حزن النبي..”[23]

بمعنى أن، اليهود وقريش وعدوا محمد أنه إذا أخبرهم بقصة يوسف (بشكل صحيح) سيُسْلموا، لأنها (بحسب اليهود وقريش) ستكون دليلاً على علمه وبالتالي على نبوته.

وبالفعل تجاوب معهم محمد، و”نزلت” قصة يوسف وأخبرهم أياها. ولكن علماء الإسلام ينقلون لنا أنه أخبرهم قصة يوسف موافقة للقصة التوراتية!

أي أن ما “نزل” من القرآن (من قصة يوسف)، هو من المفترض “نزل” موافق لما جاء في التوراة.

فإن لم تكن هذه محاولة واضحة لاقتباس ما كان يعتقد محمد أنه ذُكرَ في الكتاب المقدس، فماذا نُسمِّيها إذن؟؟!

وأليس هذا في حد ذاته إقرار أيضاً من رسول الإسلام بصحة ما جاء في التوراة مما له علاقة بقصة يوسف (بحسب تلك الروايات)؟!

فكيف إذن يكون هناك أخطاء في قصة يوسف الواردة في الكتاب المقدس، ويكون القرآن قد تحاشاها؟!!

أَفَلاَ تَعْقلون؟!

«إِلَى هُنَا أَعَانَنَا الرَّبُّ»

[1] Ibn Ezra. IBN EZRA’s Commentary on the Pentateuch: Genesis (Bereshit), Translated and Annotated By: H. Norman Strickman & Arthur M. Silver, (Menorah Publishing Company, INC. New York, N.Y. 10024), Gen. 37:10, p. 348..

[2] وليم مارش، السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر التكوين، إصدار مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت ١٩٧٣، صـ ١٦٤.

[3] القمص أنطونيوس فكري، تفسير سفر التكوين، (نسخة إلكترونية)، تك ٣٧: ١٠.

[4] وليم ماكدونالد، تفسير الكتاب المقدس للمؤمن: العهد القديم، سفر التكوين، (نسخة إلكترونية)، تك ٣٧: ١-١٧.

[5] Victor, P. Hamilton. The New International Commentary of The Old Testament: The Book of Genesis, Chapters 18-50. (William B. Eerdmans Publishing Company: Grand Rapids, Michigan), Electronic Ed., (Gen. 37:10).

[6] Holman Bible Publishers (2007), The Apologetics Study Bible, (note on Gen. 37:5-11).

[7] Derek Kidner, “Genesis” In Tyndale Old Testament Commentaries, Vol. 1, (The Tyndale Press: 1967), Gen. 37:10.

[8]  Biblical Studies Press. (2006) The NET Bible , Second Edition Notes, (Gen. 37:10).

[9] Gill, John. “Commentary on Genesis 37:10”,The New John Gill Exposition of the Entire Bible, (Electronic Ed.).

[10] Ibid.

[11] آدم كلارك، شرح سفر التكوين: بحث علمي وروحي في معاني كلمات الوحي الإلهي في اللغة العبرية ومرادفاتها، ترجمة وبحث: د. لورانس لمعي رزق الله، الطبعة الأولى، صـ ٤٢٠.

[12] Crossway Bibles. (2008) The ESV Study Bible Notes, (note on Gen. 37:9-11).

[13] Gill, John. “Commentary on Genesis 37:10”,The New John Gill Exposition of the Entire Bible, (Electronic Ed.).

[14] Henry, Mattew, The Complete Commentary On The Whole Bible, Gen. 37:10-11, (Electronic ed.)

[15] التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب للإمام فخر الدين الرازي؛ سورة يوسف ١٠٠.

[16] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي؛ سورة يوسف ٩٩.

[17] تفسير القرآن (معالم التنزيل) للبغوي الشافعي؛ سورة يوسف ١٠٠.

[18] زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي، سورة يوسف ١٠٠.

[19] فتوى رقم: ١٠٠١٠٤.

https://library.islamweb.net/ar/fatwa/100104/

[20] جامع البيان في تأويل القرآن لابن جرير الطبري؛ سورة يوسف ٩٩.

[21] تفسير القرآن لابن كثير؛ سورة يوسف ٩٩.

[22] التفسير الوسيط للقرآن الكريم لمحمد سيد طنطاوي، سورة يوسف ١٠٣.

[23] اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الدمشقي؛ روح البيان لإسماعيل البروسوي؛ تفسير أبي السعود العمادي؛ تفسير القرآن للبغوي الشافعي، سورة يوسف ١٠٣.

هل أخطأ الكتاب المقدس في ذِكر موت راحيل أم يوسف؟!