الرد على سامي عامري

تاريخ التخمينات الحدسيّة في إصدارات نسخة نسله-ألاند – ردًا على ادِّعاء سامي عامري

تاريخ التخمينات الحدسيّة في إصدارات نسخة نسله-ألاند – ردًا على ادِّعاء سامي عامري

تاريخ التخمينات الحدسيّة في إصدارات نسخة نسله-ألاند - ردًا على ادِّعاء سامي عامري
تاريخ التخمينات الحدسيّة في إصدارات نسخة نسله-ألاند – ردًا على ادِّعاء سامي عامري

تاريخ التخمينات الحدسيّة في إصدارات نسخة نسله-ألاند – ردًا على ادِّعاء سامي عامري

 

لطالما إعتقد علماء النقد النصي أن العدد الهائل للشواهد النصية المتاحة للعهد الجديد (أكثر من خمسة آلاف مخطوطة يونانية، بالإضافة إلى آلاف الترجمات القديمة، وأيضًا اقتباسات الآباء) تُمكِّننا من الجزم بالاحتفاظ بالنص الأصلي في كل حالة في مكانٍ ما في هذه الشواهد.

 

اشتهرت هذه المنهجية بقول كورت وباربرا ألاند (Kurt & Barbara Aland) الواضح، ”هذا يؤكد الاستنتاج القائل بأن أي قراءة وُجِدَت في التقليد النصيّ، من القراءة الأصلية فصاعدًا، تم الاحتفاظ بها في التقليد وتحتاج فقط إلى تحديدها.“ [1]

 

هذه الرؤية للتقليد النصي استمرت قائمة حتى الآن بين كثير من العلماء. الأمر الذي جعلهم يتخلَّون عن فكرة ”التخمين الحدسيّ“، والذي يعتمد على احتمالية ضياع القراءة الأصلية من كل الشواهد المتاحة. ومن هذا المُنطلق يُستلزَم تفعيل الحِدس لتصحيح أو استرجاع النص.

 

هذه المنهجية المُتّبَعة يَصفْها لنا إلدون إيب (Eldon Epp) (بغض النظر عن موقفه الشخصي منها):

النقطة هي أننا لدينا الكثير من المخطوطات للعهد الجديد وأن هذه المخطوطات تحوي العديد من القراءات المختلفة بحيث يكون من المؤكد أن القراءة الأصلية في كل حالة موجودة في مكان ما في مستودعنا الهائل للمادة. من الناحية النظرية، من المفترض أن ذلك يجعل مهمة استعادة النص الأصلي بسيطة نسبيًا. بالمناسبة، هذا العدد الهائل من المخطوطات هو السبب في أن التخمينات–التي تلعب دورًا كبيرًا جدًا في النقد النصي للأدب الكلاسيكي، وكذلك العهد القديم–نادرة وغير موجودة تقريبًا في الدراسات النصيّة للعهد الجديد. [2]

 

يمكن أن نرى آثارًا لهذه المنهجية في كثير من نُسَخ العهد الجديد، أهمها إصدارات نسله-ألاند والتي سجَّلت انخفاضًا في استخدام التخمين الحدسي بمرور الوقت.

في الإصدار الثالث عشر (N13)، والذي نُشر عام ١٩٢٧م، سجَّل إروين نسله (Erwin Nestle) مُحرِّر النسخة، ثمانية عشر تخمينًا في الأداة النصيّة (apparatus)،  [3] وميَّزها بشكل مُعيَّني (♦) للدلالة على أنه ”يجب اعتبارها أصلية.“ [4]

على النقيض، نجد أن مُحرِّري الإصدار الثامن والعشرين (NA28) في عام ٢٠١٢م، تَبنّوا تخمينين فقط في نصِّهم المنشور، في هذين الموضعين (أع ١٢:١٦، ٢بط ١٠:٣)، يعتقد المُحرّرون أن القراءة الأصلية ضاعت وبالتالي يستلزم إعمال التخمين الحدسي لاستعادة القراءة الصحيحة.

 

بالتأكيد هذه النُدرة في تبنّي التخمينات في إصدارات نسله-ألاند لا تعني أن محرريها ضد فكرة التخمينات الحدسية في حد ذاتها (هذا واضح من قبولهم لها في مواضع محدودة)، فمن الممكن أن تكون القراءة الأصلية لم تَنجُ في أيٍ من المخطوطات حتى في ظل العدد الهائل الشواهد المتاحة. لكن هذا الانخفاض في عدد مرات استخدام التخمين بين الإصدارين ليس بلا سبب! ففي حين أن العدد في الإصدار الثالث عشر كافي لإثبات موثوقية النص (١٨ موضع فقط!)، الأمر تغير مع اكتشاف شواهد نصية جديدة، مما أدى إلى ازدياد هذه الموثوقية، ليَقِل العدد إلى موضعين فقط.

 

في الواقع هذا ما جادل به دانيال والاس (Daniel B. WALLACE)، بأن في موضع واحد فقط في الإصدار السابع والعشرين (NA27) إحتاج مُحررو نسخة نسله-ألاند تخمين القراءة الأصلية. وحتى في هذا الموضع الواحد لم تتفق اللجنة بأكملها على قبول التخمين بل تمسك البعض بقراءة أخرى موجودة في إحدى المخطوطات، وكان الفارق بين القراءتين حرف واحد فقط، الأمر الذي يُثبِت عدم الحاجة للتخمين الحدسي في نص العهد الجديد. [5]

 

هذه الموثوقية البيّنة في نص العهد الجديد لم تُعْجِب البعض فحاولوا قلب الصورة تمامًا. سامي عامري، على سبيل المثال، كتَب في محاولة منه للرد على أدلّة دانيال والاس:

تجاهلت المراجعة ٢٨ لنصّ (نستل – ألاند) هي أيضًا – كما المراجعة ٢٧ – التخمين الحدسيّ، ومع ذلك فقد أقرّ مُعِدُّوها أنهم قد بنوا رأيهم على ترك التخمين الحدسيّ لا على الثقة في احتفاظ مخطوطاتنا بالنص الأصلي، وإنما على أساس أن هذه النسخة لم تَسْعَ أصلًا إلى الوصول إلى النصّ الأصليّ، وإنما الوصول إلى النص القديم الممكن من خلال الأدلّة المادية المتاحة، وهو ما ينفي عن أصحاب هذه النسخة النقدية الثقة المزعومة في الشواهد المتاحة لإقامة النص الأصليّ. [6]

 

كان هذا ادِّعاء عامري فيما يتعلق بالتخمينات الحدسية.

 

بدايةً، يدَّعي عامري أن الإصدار ٢٧ لنسله-ألاند (الذي اعتمد التخمين في موضع واحد فقط) تجاهل هو أيضًا–كما الإصدار ٢٨ (الذي اعتمد التخمين في موضعين)– الاعتماد على الحِدس لمجرد الرغبة في تركه ليس أكثر. (لا أعرف أين هو ترك التخمين، في حين أن عامري يعلم جيدًا حُجة والاس بوجود موضعًا للتخمين في الإصدار ٢٧!)

 

في كل كلامه، لم يعتمد عامري سوى على مرجع واحد يسجله لنا، وهو دليل المُستخْدِم لإصدار نسله -آلاند الثامن والعشرين من تأليف ديفيد تروبِش (David Trobisch).

 

لنقرأ إذن ما يقوله تروبش:

قرر مُحررو نسله-ألاند ٢٨ الامتناع عن تدوين التخمينات في الهامش (الأداة النصيّة – apparatus). الإشارات [إلي التخمينات] في الإصدارات السابقة كانت مُعضلة لأنها كانت في كثير من الأحيان مختصرة للغاية بحيث كان من الصعب تحديد المصدر. كان يُعتبَر هذا غير مُرضٍ، خاصًة لأن الاختيار بدا بالكاد تمثيليًا [للموقف] وعَكَسَ فقط الأدب القديم. بدلًا من ذلك، تم حذْف تدوين التخمينات تمامًا، وتم تسليم مهمة تجميع سجلّ جديد الآن إلى مجموعة من الباحثين في جامعة أمستردام. [7]

 

المشكلة في ادّعاء عامري تكمن هنا في عدم إنتباهه جيدًا لما قاله تروبش، بالإضافة إلى جهله بآليات تدوين التخمينات الحدسية في الإصدارات النقدية المختلفة.

 

ففيما يتعلق بإصدارات نسله-ألاند ٢٧ و٢٨، هناك فرْق واضح بين تدوين التخمينات في الأداة النصيّة وبين تَبنّي هذا التخمينات في مَتْن النص نفسه. هذه الحقيقة تُعتبر بمثابة السطر الأول في دراسة التخمينات الحدسية. في الواقع، هذا ما افتتح چان كرانز (Jan Krans) مقالته الهامة عن تاريخ التخمينات بترسيخه في بداية الأمر وقبل حتى الشروع في سَرْد تاريخه:

يلعب التخمين الحدسي دورًا مهمًا في تاريخ النقد النصي للعهد الجديد، كيفما كان طفيفًا أو مُتنازَعًا عليه. يسرد الإصدار النقدي الأكثر استخدامًا، نسله-ألاند ٢٧، العديد من التخمينات في أداته النصية (apparatus)، في حين أن نصه (text) يعتمد بوضوح على التخمين في موضع واحد، أع ١٢:١٦. نسخة  ECM2[للرسائل الكاثوليكية]، بالرغم أنها امتنعت عن تدوين التخمينات في أداتها النصية، إلا إنها تعتمد [في نصها] بشكل مثير للجدل على تخمين حدسي في ٢بط ١٠:٣. [8]

 

هنا يوضح كرانز الفارق بين التخمينات في الهامش والنص نفسه. ففي حين أن الإصدار ١٣ سجَّل ٢٠٠ تخمينًا في الأداة النصيّة من قِبَل ٩٠ عالِمًا، يعتمد نصه فقط على ١٨ تخمينًا. وفي الوقت الذي يسرد فيه الإصدار السابع والعشرين ١٢٩ تخمينًا (على الأكثر) في أداته النصيّة، تَبنّى مُحرّريه التخمين في موضع واحد فقط. [9]

أما في الإصدار ٢٨، الأمر كان مختلفًا. فبخلاف الإصدارات السابقة، امتنع المُحرّرون عن تدوين التخمينات في الأداة النصيّة (وليس في النص)، والذي يعتمد نصه على التخمين في موضعين فقط (أكثر من الإصدار ٢٧ بموضع، ولكنه يظل أقل بشكل ملحوظ من الإصدار ١٣).

 

هذا الفارق الهام يوضحه لنا أكثر بروس ميتزجر (Bruce M. Metzger) وبارت إيرمان (Bart D. Ehrman) في كتابهما الشهير:

في الواقع، من بين جميع التخمينات المنسوبة إلى العديد من العلماء المُتضمَنَة في الأداة النصيّة (apparatus) لإصدار العهد الجديد اليوناني لنسله-ألاند، تنعكس حِفْنَةٌ قليلة فقط في النص (text) أو في قراءة هامشية لمجموعة واسعة من الترجمات والمراجعات الإنجليزية، الفرنسية، والألمانية للعهد الجديد. [10]

 

هذا الفارق الكبير لا يُمكن تجاهله بهذه السذاجة.

فكيف إذن يدَّعي عامري أن محرري كلتا النسختين (نسله-ألاند ٢٧ و٢٨) تجاهلوا التخمينات الحدسية، في حين أن الإصدار ٢٨ كان استثناًء كما رأينا؟! وعلى أي أساس يدّعي أنهم تركوا التخمين لمجرد رغبتهم في تركه، لا على أساس ثقتهم في الشواهد المتاحة، في حين أنهم امتنعوا عن تدوين التخمينات في الأداة النصيّة فقط، وحجة والاس تعتمد على التخمينات في النص نفسه؟!

هذا خَلْط غير مُبرّر من سامي عامري (مثله كمثل مَن يخلط بين القراءات المدوَّنة في الأداة النصيّة والقراءات المُتبناه كأصلية في النص نفسه). فهو يحاول الرد على علماء النقد النصي المتخصّصين في مسألة، هو في الواقع يجهل السطر الأول فيها، وهي تاريخ التخمينات الحدسيّة في الإصدارات النقدية.

 

أيضًا لا نجد في كلام تروبش السبب الذي ادّعاه عامري في محاولة تبريره لغياب التخمينات الحدسيّة. ففي الواقع، السبب لم يكن لأن ”هذه النسخة لم تَسْعَ أصلًا إلى الوصول إلى النصّ الأصليّ، وإنما الوصول إلى النص القديم الممكن من خلال الأدلّة المادية المتاحة“، بل، كما ذكَر تروبِش، لسببين: الأول، لأن الإشارات إلى التخمينات في الأداة النصيّة كانت مُختصَرَة للغاية بسبب محدودية المساحة، وبالتالي تخلق نوعًا من الصعوبة في تحديد مصدرها. الثاني، لأنه أصبح هناك قاعدة بيانات كاملة خاصة بكل التخمينات الحدسيّة التي اقترحها العلماء، وهي قاعدة “أمستردام للتخمين الحدسي للعهد الجديد” (Amsterdam Database of Conjectural Emendation)، وهي متاحة على موقعها على شبكة الإنترنت، فلم تَعُد هناك حاجة لوضع هذه المعلومات في الأداة النصيّة. السبب الثاني يمكن قراءته بوضوح أكثر في مقدمة الإصدار الثامن والعشرين نفسه. [11]

 

فأين إذن السبب الذي ألَّفَه عامري ليوهم قُراءه بعكس الحقيقة؟!

ببساطة، لا وجود له. لأن حتى هذا السبب ”الوهمي،“ بالرغم من فساد منشأه، لا تكاد تخلو كل كلمة فيه من مشاكل جسيمة. فقوْل عامري، ”ومع ذلك فقد أقرّ مُعِدُّوها أنهم قد بنوا رأيهم على ترك التخمين الحدسيّ لا على الثقة في احتفاظ مخطوطاتنا بالنص الأصلي، وإنما على أساس أن هذه النسخة لم تَسْعَ أصلًا إلى الوصول إلى النصّ الأصليّ، وإنما الوصول إلى النص القديم الممكن من خلال الأدلّة المادية المتاحة، وهو ما ينفي عن أصحاب هذه النسخة النقدية الثقة المزعومة في الشواهد المتاحة لإقامة النص الأصليّ“، يَفترض أن غياب غاية الوصول إلى النص ’الأصلي‘ واستبدالها بالوصول إلى النص ’الأوَّلي‘ تتطلّب الاستغناء عن التخمين الحدسي، بل وتتطلب فقْد الثقة في ”الشواهد المتاحة لإقامة النص الأصلي.“

وهذا غير صحيح على الإطلاق. فالنص ’الأوّلي‘ نفسه يمكن أن يكون نتاج التخمين الحدسي في بعض المواضع. (على سبيل المثال، أع ١٢:١٦ و ٢بط ١٠:٣، كما هو في النص الأولي للإصدار نسله-ألاند ٢٨.)

 

وهنا، في حالة التخمينات، يُحذر بيتر جوري (Peter J. Gurry) من سذاجة محاولة التفريق بين النص ’الأولى‘ والنص ’الأصلي‘ :

في الحالات التي يكون فيها النص الأوَّلي في حد ذاته تخمينًا، فإن التمييز بين النص الأوَّلي ونص المؤلف يكون بلا معنى. …من الصعب تَخيُّل كيف يمكن للمرء أن يجادل بشكل مُقْنِع بأن النص الأوّلي المُستَنِد على التخمين ليس هو نص المؤلف. [12]

هذه الرؤية تعتمد، في المقام الأول، على العلاقة بين النص الأصلي والنص الأوّلي، والتي هي غير واضحة بما يكفي في نسخة نسله-ألاند ٢٨، ولكن نجد لها إجابة واضحة وصريحة في الإصدار الثاني لنسخة ECM للرسائل الكاثوليكية. تكمن أهمية ما تبناه فريق عمل هذه النسخة، كما يُصرِّح سامي عامري، في أن ”عملهم هو الذي تبنته نسخة (NA28)، في تنقيحها للنسخة السابقة، وأنهم بذلك يُعبِّرون عن موقف أهم مؤسّسة علميَّة عالميًا اليوم، أي (INTF) المشرفة على المراجعة الثامنة والعشرين.“ [13]

بمعنى، نص الإصدار الثاني لنسخة ECM للرسائل الكاثوليكية متطابق مع النص الموازي في نسخة نسله-ألاند ٢٨.

 

مصطلح ”النص الأوَّلي“ (Ausgangstext)، الذي يُقصَد به ”النص الذي يقف عند بداية الشواهد المتاحة، والذي ينحدر منه التقليد النصي بأكمله،“ تم استخدامه في سياق النقد النصي للعهد الجديد لأول مرة من قِبَل جِرد مِنك (Gerd Mink) مُخترع نظام الترابط النَسَبي بين الشواهد النصيّة (Coherence-Based Geneological Method)، في محاضرة له عام ١٩٩١م، والتي كانت أساس ظهور المصطلح لأول مرة في مقالة له عام ١٩٩٣م. [14]

 

سامي عامري يدَّعي أن نسخة نسله-ألاند ٢٨ ”لم تَسْعَ أصلًا إلى الوصول إلى النصّ الأصليّ، وإنما الوصول إلى النص القديم الممكن من خلال الأدلّة المادية المتاحة“، الأمر الذي ”ينفي عن أصحاب هذه النسخة النقدية الثقة المزعومة في الشواهد المتاحة لإقامة النص الأصليّ.“ وهو أيضًا ادّعاء غير صحيح ومفهوم قاصر لمصطلح ”النص الأوّلي.“

 

جِرد مِنك، وهو أحد مُحرّري نسخة  ، ECM يُقدِّم تعريفه الكامل الصحيح للنص الأوّلي كالأتي:

النص الأوّلي ليس مجرد تركيب (Reconstruction) على أساس الأشكال المختلفة المتاحة (the surviving variants)، والذي يُفسِّر بشكل أفضل ظهور الاختلافات وبالتالي يُمثِّل النموذج الأصلي (archetype) للتقليد. لكن بدلًا من ذلك، هناك العديد من الفرضيات الممكنة حول بدايات التقليد. فرضية العمل الأبسط يجب أن تكون هي [افتراض] عدم وجود تغييرات بين النص الأصلي والنص الأوّلي (باستثناء انزلاقات النَسْخ الحتمية). في هذه الحالة، لا يتم تحديد تركيب النص الأوَّلي فقط من خلال التقاليد اللاحقة (أيُ شكْل نصيّ يمكن أن يكون مُستمَدًا منه؟)، ولكن أيضًا من خلال نوايا المؤلف (author’s intentions) عندما تَظهَر في مُجْمَل ما نعرفه عنه (هل من المُرجَّح أن يَصدُر اختلاف ما من قلم المؤلف أم من الناسخ)… [15]

 

بمعنى أبسط، مِنك هنا ينفي ما يقوله عامري بخصوص قصور النص الأوَّلي على ”الأدلة المادية المتاحة“، والذي سيجعله، في هذه الحالة، مساوي للنموذج (archetype) لكن جرد منك يوضح بأن هناك فرضيات عديدة مختلفة حول ماهية النص الأوّلي. أبسط هذه الفرضيات، تكمن في عدم وجود تغييرات مُعتبرة بين النص الأوَّلي والنص الأصلي. من هذا المُنطلق (منطلق تساوي النص الأوَّلي بالنص الأصلي) يُمكن تفعيل الاحتمالات الجوهرية (intrinsic probabilities) التي تعتمد على دراسة أسلوب الكاتب كمعيار هام يتم على أساسه تحديد أصالة القراءات النصيّة. ومن هذا المُنطلَق يمكن أيضًا تفعيل التخمين الحدسي.

 

نفس هذا التعريف والفرضيات ذُكِرَت من قِبَل المُحرّرين في مُقدمة الإصدار الثاني لنسخة ECM للرسائل الكاثوليكية ، مُضيفين لها أن ”الهدف من تركيبنا [أي النص الأوّلي لنسختهم] هو فرضية حول نصوص المؤلفين.“ [16]

 

فبالرغم من سَعْيهم للوصول إلى النص ’الأوّلي‘ وليس النص ’الأصلي‘، لا يُفرِّق مُحرّريها بين النصّين، بل يَعتبرون الهدف الأول مساوي للثاني.

 

فأين إذن ما ادَّعاه عامري بنفي المُحرّرون للثقة في استعادة النص الأصلي لمجرد تغيير الهدف إلى النص الأولي؟

 

فبحسب جرد منك ومُحرري نسخة ECM2، لا يوجد فارق مُعتبر بين النص الأصلي والنص الأوّلي في ظِل عدم وجود أدلة على ”تغييرات هامة“ وقعت بين نص المؤلف ونموذج التقليد (archetype).

 

أما بخصوص التخمين الحدسي، فيُصرِّح مُحررو نسخة ECM2 إنه يُسْمَح بالتخمين، عندما يُفترَض أن النص الأوَّلي هو نص المؤلف.[17]

 

 أصبح واضحًا الآن خطأ ادعاء سامي عامري، الذي وهو يمثل بضعة أسطر فقط، يحوي مشاكل وأخطاء كثيرة، تتخطى حتى حجمه، وهو أمر لا يختلف كثيرًا عن باقي محاولاته البائسة للرد على الدارسين المتخصصين. لم يَمس رد عامري أي طَرَفٍ من حُجْة والاس. ويَظل الدليلُ قائمًا.

«إِلَى هُنَا أَعَانَنَا الرَّبُّ»

 

 

[1] Kurt Aland and Barbara Aland, The Text of the New Testament: An Introduction to the Critical Editions and to the Theory and Practice of Modern Textual Criticism, trans. Erroll F. Rhodes, 2nd ed. (Grand Rapids: Eerdmans, 1989), 296.

[2] Eldon Epp, “Decision Points in New Testament Textual Criticism,” in Studies in the Theory and Method of New Testament Textual Criticism, ed. Eldon Jay Epp and Gordon D. Fee (Grand Rapids: Eerdmans, 1993), 31.

[3] Peter Gurry, “List of Conjectures Accepted in Nestle Editions,” Evangelical Textual Criticism, (blog), January 29, 2018, http://evangelicaltextualcriticism.blogspot.com/2018/01/list-of-conjectures-accepted-in-nestle.html?m=1

[4] Eberhard Nestle and Erwin Nestle, eds., Novum Testamentum Graece cum apparatu critico, 13th ed. (Württemberg: Württembergische Biblenstalt, 1927), 12*.

[5] Daniel B. Wallace, “Is What We Have Now What They Wrote Then?,” in Reinventing Jesus: What The DaVinci Code and Other Novel Speculations Don’t Tell You, ed. J. Ed Komoszewski, M. James Sawyer and Daniel B. Wallace (Grand Rapids: Kregel, 2006), 285 n.5.

[6]  سامي عامري، استعادة النص الأصلي للإنجيل: في ضوء قواعد النقد الأدنى: إشكاليات التاريخ والمنهج، الطبعة الأولى (مركز الفكر الغربي: الرياض، ٢٠١٧)، ٢٣٩.

[7] David Trobisch, A User’s Guide to the Nestle-Aland 28 Greek New Testament, Text-Critical Studies 9 (Atlanta: SBL, 2013), 43.

[8] Jan Krans, “Conjectural Emendation and the Text of the New Testament,” in The Text of the New Testament in Contemporary Research: Essays on the Status Quaestionis, ed. Bart D. Ehrman and Michael W. Holmes, NTTSD 42 (Leiden: Brill, 2013), 613.

[9] Krans, “Conjectural Emendation,” 620, 613 n.1.

[10] Bruce M. Metzger and Bart D. Ehrman, The Text of the New Testament: Its Transmission, Corruption, and Restoration, 4th ed. (New York: Oxford University Press, 2005), 230.

[11] Barbara Aland et al., eds., Novum Testamentum Graece, 28th ed. (Stuttgart: Deutsche Bibelgesellschaft, 2012), 49*.

[12] Peter J. Gurry, A Critical Examination of the Coherence-Based Genealogical Method in the New Testament Textual Criticism, NTTSD 55 (Leiden: Brill, 2017), 98.

[13]  عامري، استعادة النص الأصلي للإنجيل، ٣١٢.

[14] Gerd Mink, “Eine umfassende Genealogie der neutestamentlichen Überlieferung,” NTS 39, no. 4 (1993): 481–499.

[15] Gerd Mink, “Problems of a Highly Contaminated Tradition: The New Testament: Stemmata of Variants as a Source of a Genealogy for Witnesses,” in Studies in Stemmatology II, ed. Pieter van Reenen, August den Hollander, and Margot van Mulken (Philadelphia: John Benjamins, 2004), 25–26.

[16] Barbara Aland et al., eds., Novumm Testamentum Graecum: Editio Critica Maior IV: Catholic Letters: Part 1: Text, 2nd ed. (Stuttgart: Deutsche Bibelgesellschaft, 2013), 30*.

[17] Ibid.