عام

الإيمان بالثالوث هل هو ضروري للخلاص، الخلاص ليس هو خلاصاً من العقوبة وحدها.

الإيمان بالثالوث هل هو ضروري للخلاص
الخلاص ليس هو خلاصاً من العقوبة وحدها
رسالة الأب صفرونيوس للقس يوسابيوس مترجمة من المخطوطة القبطية
__________
صفرونيوس عبد يسوع المسيح المُخلِّص، ابن الآب الذي جاء لكي يُخلِّص ويطلب الكل. سلام ومحبة في الرب يسوع المسيح.
أسالك أيها الأب الوقور الحكيم القس المحبوب يوسابيوس أن تذكرني في صلاتك، وأن لا تنسى أن الشركة التي بيننا هي شركة أبدية.
وصلتني رسالتكم، ومعها طلب الإخوة أن أُجيب على سؤال محبتكم: هل الإيمان بالثالوث ضروري للخلاص ؟
والجواب في كلمة واحدة: “نعم“. ولكن، ولأن الرسول بطرس خادم أسرار الإنجيل قد طلب أن يكون لنا جواب حسن عن سبب الرجاء الذي فينا، ولأن الموحَّدين (الذين لا يؤمنون بالثالوث ويعتبرون الله واحد عددياًُ) يحاولون جاهدين استمالة قلوب الضعفاء والصغار الذين لم ينالوا بركة وقوة التعليم وبركة المعرفة، نشرح الإيمان الرسولي المُسلَّم لنا من الرب يسوع، ومن القديسين.

أولاً: الخلاص ليس هو خلاص من العقوبة وحدها، بل هو نوال التبني وميراث الملكوت، وعطية الروح القدس.
وهكذا نسأل أنفسنا: هل الله واحدٌ فقط ؟ أم أن الله واحد في ثالوث ؟ لأننا إذا حاولنا أن نحصر التعليم عن الله في إله واحد فقط (إله واحد عددي جامد جمود الشيء)، فقدنا عطية الروح القدس؛ لأن الواحد (الجامد العددي المحصور في رقم 1) إذا أعطى ذاته لم يعُد هو العاطي، بل العطية.

وإذا تصوَّر أيٌ منا أن العاطي هو العطية واختصر التمايُز بين العاطي والعطية، ضاع منه إعلان المحبة.ولأن العاطي والعطية – كائنين – كلاهما ذات المحبة وذات الجوهر، صارت المحبة أقوى؛ لأن محبة أثنين ليست كمحبة واحد (هنا يتم الشرح لا على أساس أن الله شخصين أثنين، لأن الله لا واحد ولا 2 ولا 3 ولا أي رقم يعبر عن وحدانية الله ولا عن طبيعته كثالوث، الأب صفرونيوس يحاول فقط تقريب المعنى ويشرح المفهوم ولا يقصد أن يحد الله في رقم أو عدد).
والأهم من هذا هو أن الواهب والعاطي يُعطي آخر، فالآب يُعطي الروح القدس كما أعطانا الابن أيضاً؛ لأننا نأتي إلى الله كعبيد خطاة ونُهَب عطية الروح القدس لكي نحيا كأبناء. ولو كانت البنوة غير كائنة في الجوهر الإلهي لتعذر علينا أن نقول إنها عطية أبدية، ولكن لأن الله الآب هو آب الابن الوحيد ربنا يسوع المسيح، صارت عطية التبني عطية أبدية؛ لأن أساسها ثابت في الله، أي في جوهره.
ولأن الابن ” لبس الجسد “، صار الجسد هو الأداة التي بها يوهب التبني الأبدي للإنسان. ولذلك كان من الضروري أن نُميز بين الأبوة في الآب والبنوة في الابن، وهو متعذر علينا إن استخدمنا كلمة [ الله واحد ] واكتفينا بها؛ لأنها لا تشرح أي شيء خاص بالخلاص، بل هي جيدة جداً عندما نتكلم عن الله كخالق، ولكنها بلا قوة إذا تكلمنا عن الله كمخلص وفادٍ.

ثانياً: إن التوحيد تعليم عن الله كخالق، وهو ما نقبله، ولكنه ليس تعليماً عن الله كمخلص وفادِ، ولذلك يجب علينا أن نسأل: هل يُمكن أن نُعلِّم بالله الواحد كخالق، ونقول إنه هو نفسه المُخلِّص؟
والجواب هو كيف نتصور موضوع الخلاص، إذا كان الخلاص من واحد (جامد) ؟
لأن من يُعطي من كيانه ليس كمن يعطِ شيئاً خارجاً أو بعيداً أو مختلفاً عن كيانه؛ لأن ما هو غير الله لا ينتمي إلى كيان أو جوهر الله، بل هو من الطبيعة المخلوقة التي خُلقت من العدم. ولكن، ولأن الخلاص هو حياة الله نفسه وقد انسكبت في الإنسان لكي يُثبَّت الإنسان إلى الأبد في شركة أبدية، فقد جاء انسكاب حياة الله فينا ولنا بنوة وعطية من الآب؛ لأن البنوة في الآب والعطية في الآب، ومن الآب جاء الابن إلينا وتجسد، ومن الآب وُهِبنا الروح القدس.

لذلك علينا أن نسأل أنفسنا: 
كيف نتصور الخلاص ؟
هل هو علاقة خارجية مع الله، أم هو شركة في الله نفسه ؟ أي شركة تحوَّل كياننا المخلوق من العدم إلى شركة تبني. ولذلك، لولا وجود بنوة في جوهر الله، ولولا وجود ابن الله الأزلي لتعذَّر علينا أن نتكلم عن تبني الإنسان، لأن الآب يُعطي ما يملُك ويجود بما لديه، وهو لا يشركنا في شيء خارج كيانه ولا يجود بعطية مخلوقة؛ لأن ما هو مخلوق يفتقر إلى البقاء. فإذا كانت نعمة الله الغنية أبدية، صار التبني هو شركتنا في الآب، أي أننا ننال البنوة من الآب في ابنه يسوع المسيح.

ثالثاً: وماذا عن عطية الروح القدس الذي قال عنه المُخلِّص: [ أطلب من الآب أن يُعطي لكم مُعزياً آخر روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، أمَّا أنتم فهو ماكث معكم ويدوم فيكم إلى الأبد ] (يوحنا 14: 17)
نحن ننال الروح القدس لأنه روح الآب، وهو عطية سُكنى الله فينا، فقد حل ملء اللاهوت جسدياً عندما تجسد ابن الله، ونقل حلول اللاهوت فينا على هذا النحو:
  • [1] منحنا أن ننال ذات الطبيعة الجديدة التي كوَّنها الروح القدس نفسه في أحشاء والدة الإله القديسة مريم، ولذلك نحن نولد [ ليس من مشيئة رجل، ولا من دمٍ ولحم، بل من الله ] (يوحنا 1: 13). وعندما نولد على مثال وشبه ميلاد الرب يسوع، فإننا نأخذ من الابن ذات الطبيعة الإنسانية الجديدة التي توهب بالروح القدس، فنصير شركاء المسيح وشركاء شكله (*) .
  • [2] ولأن الرب يسوع أكمل عمله وأسس الخلاص وثبَّت الشركة، لذلك أخذنا نحن الروح القدس بعد صعوده المجيد، أي نفس الروح الذي كوَّن إنسانيته وجعل إنسانيتنا على مثال إنسانيته لكي نشترك في الابن المتجسد وننال شركة في بنوته تفتح لنا أحضان الآب حيث روح الآب نفسه. ولذلك الروح القدس شريك خدمة الخلاص المساوي للابن له المجد والمساوي للآب.
ونحن هنا لا نشرح سبب وجوده في الجوهر الإلهي؛ لأن هذا فوق طاقة أي إنسان، كما أنه فوق كل طاقة وقدرة أي إنسان أن ينكر وجوده الإلهي؛ لأنه روح الأنبياء حسب كلمات الإيمان (قانون الإيمان) [ الرب المُحيي الناطق في الأنبياء ]، ولذلك نحن نوهَب روح النبوة نفسه لكي نتعلم أسرار الله، وندرس الكتب المقدسة، ونقتني المواهب السماوية التي تؤهلنا للحياة في هذا الدهر، وفي الدهر الآتي لاسيما موهبة معرفة أسرار الله.

هنا يجب أن نسأل: هل التعليم بالخالق الواحد (العددي الجامد) يشرح الخلاص على هذا النحو المُعلن في بشارة الحياة، أي الإنجيل ؟
والجواب واضح لكم، وهو أنه من المتعذَّر على مَن يُريد الشركة في الحياة الإلهية أن يؤمن بإله واحد (جامد) فقط، لأن توحيد الخالق يكشف فقط عن الإيمان بخلق العالم، أمَّا التوحيد المُثلث، فهو رسالة الخلاص والحياة الأبدية.

هنا، ومن أجل أن يكون التعليم كاملاً، أُحذركم من خداع الموحدين (الذين يحبسون الخالق تحت رقم واحد جامد) لأن هؤلاء يُحاولون اقتحام حياة الله تحت ستار حياة نُسكية تُشبه الحياة التي أخذناها من الآباء الحُسنى بالإيمان، وهو زُهد يؤهَّل الإنسان لعبادة الإله كخالق، ولكنه لا يؤهَّل الإنسان لحياة البنوة.

وعندما قال الرسول يوحنا: [ نحن أولاد الله ]، ولذلك لا يعرفنا العالم، أي لا يفهم علاقتنا الخاصة بالله كمُخلِّص وكآب؛ لأن العالم يستطيع أن يعرف خالقه، وفي نفس الوقت يجهل أن الخالق هو المُخلِّص، ولذلك يُكمل الرسول [ نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون، ولكننا نعلم أن متى أُظهر سنكون مثله لأننا سنُعاينه كما هو ] (يوحنا الأولى 3: 1 – 2)

نحن ندخل الحياة النسكية (كرهبان) مُتشبهين بالذين كان الثالوث نور الحياة الأبدية فيهم: أنطونيوس الكبير، ومقاريوس المصري، والسكندري، وبولس المتوحد، وباخوميوس أب الشركة، والذين سبقونا في الإيمان من الآباء الذين عشنا معهم، وعنهم أخذنا الإيمان والحياة النسكية.

لذلك أيها الإخوة الأحباء أحذروا كل ضلال يستتر تحت ستار النُسك والزُهد؛ لأننا لا نرث ملكوت الله بالأعمال الصالحة، ولا ننال التبني بمعرفة، بل 
بعطية من الآب تغرس فينا المعرفة، ولا ننال سُكنى اللاهوت فينا عنوةً، بل بالخلاص الذي مُنح لنا في يسوع المسيح بالروح القدس.

خاتمة: أيها الأب الوقور (القس المحبوب يوسابيوس)، ثبت الإخوة، وانذر الذين يظنون أنهم يعرفون الأمور السماوية بإعلانات تُخالف ما هو مُسَلَّمٌ لنا في الأسفار المُقدسة، مُتذكرين كلمات الرسول بولس [ إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم به، فلتكن هذه البشارة ملعونة ] (راجع غلاطية 1: 8)

وسلام الله الكامل يملك على قلوبكم، ويحفظنا معكم في الإيمان المستقيم. صلوا لنا لكي نُكمل جهادنا، ونرث ملكوت الله الذي وعدنا به الرب يسوع المسيح الذي له المجد الدائم إلى الأبد آمين

_____انتهت الرسالة_____
رسالة الأب صفرونيوس إلى القس يوسابيوس

من كتاب الثالوث القدوس توحيد وشركة وحياة – الطبعة الأولى 2010 من فقرة 1 إلى 7

________________________

(*) راجع قسمة القيامة للابن [ فليُضيء علينا نور معرفتك الحقيقية لنُضيء بشكلك المُحيي ]، وراجع صلاة الخضوع للآب قبل التناول في القداس الكيرلسي [ إذ نصير شركاء في الجسد وشركاء في خلافة مسيحك ].