أبحاث

السنة الطقسية – الراهب القس أثناسيوس المقاري

السنة الطقسية - الراهب القس أثناسيوس المقاري

السنة الطقسية – الراهب القس أثناسيوس المقاري

السنة الطقسية - الراهب القس أثناسيوس المقاري
السنة الطقسية – الراهب القس أثناسيوس المقاري

تحميل كتب أخرى للراهب القس أثناسيوس المقاري PDF

  • السنة الطقسية حركة إعلان

في الرسالة إلى العبرانيين نجد “الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه”.[1] الله دائما لم يتركنا عنه إلى الانقضاء بل تعهدنا وعلمنا وشرح لنا بالأنبياء وطرق هذا عددها ولكن في أخر الأيام أخبرنا عنه الابن الوحيد الكائن في حضنه الأبوي كل حين جاء إلينا مولوداً من امرأة تحت الناموس ليخلص الذين تحت الناموس[2].

 

هذا الحدث هو ما يكرز به الرسل ويعلن لنا في قراءات الكنيسة لان ” السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال الآن قد أظهر لقديسيه “[3] وظهر هذا السر بـ ” الكرازة بيسوع المسيح حسب إعلان السر الذي كان مكتوماً الأزمنة الأزلية ولكن ظهر الآن وأعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية حسب أمر الله الأزلي لإطاعة الإيمان”[4]“.

 

  • السنة الطقسية الذاكرة الحية لعمل الخلاص

لما أعلن السر للكنيسة وجب عليها أن تحفظه نهاراً وليلاً بدون انقطاع، تقوله باستمرار، من عام إلى عام، ومن يوم إلى يوم، ليس كحدث تم في الماضي وعرفته كمعلومة تاريخية، ولكن كالحدث الأهم والذي بدونه تظل مدوسة، هو كما تسميه الكنيسة “[5]غني رحمتك الذي لا يستقصى”، هذا السر تحفظه الكنيسة لتبشر به وتضطهد من اجل إعلانه، وتكون غاية الكنيسة أن ” أنعم علينا كل حين أن نسلك في أثارهم ( أي الرسل) ونكون متشبهين بجهادهم ونشترك معهم في الأعراق التي قبلوها على التقوى “[6] كل حين تنظر الكنيسة عمل عريسها، فهو حاضر في وسطها كل حين وكل الأيام وإلي انقضاء الدهر حسب وعده[7].

 

  • السنة الطقسية تقديس للزمن

احتفال دائم بسر خلاص الله، حضور دائم للمسيح، لهذا؛ يتحول الزمن من حركة كواكب ونجوم في الفلك، إلى حركة إعلان مجد الرب، اكتشاف سر المسيح، قراءة لعمل الله مع الإنسان، سعي الإنسان لاكتشاف الله في زمن مجيد بدل من أزمنه الجهل[8].

ومن عام إلى عام يزداد إعلان الله لنا وضوحا. وكما ذكر الله قديماً عن الأعياد إنها مواسمه هكذا تكلم الرب في العهد الجديد عن ساعته “أما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى”[9]، والكلام عن ساعة يسوع ليس تعبير عن لحظة الصليب ولكنه تعبير عن زمن يسوع الكائن كعهد جديد مؤسس في سر المحبة النابع منه وغير المنتهي إلا فيه. ولما كان الفصح هو تعبير عن العهد بين الله وخاصته؛ جاءت ساعة يسوع قبل تذكاره لتحمله جديدا في منطلق خلاصي لا يمكن أن يفهم إلا في سر حب الله للعالم.

 

  • السنة الطقسية بناء مستمر للكنيسة في سر المسيح

الكنيسة تقرأ كل يوم سر المسيح، تحفظه وتكرز به، تقدس زمانها. هذه الحركة هي حركة دائرية تصنعها الكنيسة من عام إلى عام، ولكن هذه الحركة لا تدور في حلقة مفرغة تنتهي إلى نقطة البداية، ولكنها تنطلق من نقطة النهاية إلى بدء جديد في انطلاق تصاعدي لاكتشاف أعمق لسر الخلاص الأبدي.

 

سر الخلاص المعبر عنه بموت وقيامة الرب هو محور الكنيسة وسلمها الذي يصعد عليه أبنائها في زمن ملكوت الله الكائن في داخل الكنيسة كمسكن الله مع الناس.[10] الذي في يسوع المسيح نفسه من خلال سر تجسده كل البناء مركبا معاً ينمو هيكلا مقدسا في الرب أنتم أيضا مبنيون معاً مسكناً لله في الروح، والكنسية ليس مجرد بناء من حجارة صماء ولكنها بناء من حجارة حية مؤسسة على الرب نفسه كحجر زاوية البناء. وقبول حجارة الكنيسة الحية أي أعضائها سر موت وقيامة الرب هو التعبير الوحيد عن ديناميكية بنائها.

 

  • السنة الطقسية حركة إسخاتولوجية

يقول سليمان الجامعة “صنع الكل حسناً في وقته، وأيضاً جعل الأبدية في قلبهم التي بدونها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية “[11]. جاء ابن الله إلى العالم لكي تكون لنا الحياة الأبدية،[12] وكلام الحياة الأبدية [13] الذي لا نسمعه إلا من ابن الله المتجسد والذي أودعه في الكنيسة، والذي أعطانا ملكوته داخلنا حتى نستطيع أن نفهم عمله. يتجلى هذا السر بوضوح حينما تقرأ الكنيسة القبطية سفر الرؤيا في ليله سبت الفرح، فهي تفهم موت المسيح على أساس الأبدية لهذا تعلن أن حزنها يتحول إلى فرح، بدون الأبدية لن نفهم عمل الله.

 

فالقراءات الكنسية ليست مجرد قراءات متوافقة مع أحداث تاريخية تتذكرها الكنيسة، ولكنها قراءات متوافقة مع أحداث تعيشها الكنيسة كحاضر إسخاتولوجي.

 

 

التعابير الكنسية والمسيحية في الكنيسة القبطية للسنة الطقسية

 

  • الأيقونات

تشغل الأيقونة في الكنيسة مكان مميز سواء على المستوى اللاهوتي أو على المستوي التعليمي، ويعد الفن القبطي هو أساس الفن المسيحي إذ أن الفن الفرعوني هو أقدم الفنون التعبيرية الدينية، وهذا لا يعني أبداً أن الفن القبطي هو نسخة مسيحية للعبادة الوثنية، فنحن نتكلم عن مفردات بمعنى الخطوط والألوان والأشكال كأدوات للفن، ولكن الأيقونة القبطية المسيحية تظل متفردة من جهة الموضوع.

 

الفرق الشديد بين الأيقونة بشكل عام والصورة الفوتوغرافية؛ هو أن الأيقونة تعبر عن موضوع الإيمان وسره معبرة عنه في أبعاد ديناميكية تتخطى المكان والزمان والتاريخ، أما الفن الفوتوغرافي هو تعبير إستاتيكي عن لحظة تاريخية منعزلة عن سر تفردها.

 

الأيقونة هي إعلان عن سر ابن الله الذي كان مكتوم قبل الدهور في ذاكرة حية يراها كل الناس في كل زمان، ومعبرة عن حضور الله في المادة من خلال تقديسها بزيت الميرون. هذا الحضور هو حضور شخصي تعبر عنه الأيقونة بالأدوات والرسم والفن وتكريم الأيقونة هو تكريم لصورة الله المنطبعة والظاهرة في الإنسان والمادة.

 

  • الدورات الكنسية

الدورة الكنسية أو الزياح – كما يسمي في الطقوس الشرقية الأخرى – تعبير كنسي عن الكرازة وعالمية الرسالة. ويمكننا أن نري نوعين من الدورات الكنسية الأولي هي دورة البخور والثانية هي الدورة الاحتفالية، وسنحاول أن نتحسس ملامح النوعين في ضوء حركة الإعلان التي تقدمها السنة الطقسية.

 

دورة البخور الطقسية:

ما نقصده بدورة البخور الطقسية هي دورة بخور باكر وعشية ودورة بخور البولس والابراكسيس ومن خلال الصلوات المصاحبة لدورة البخور الطقسية يمكننا أن نفهم المغزى العبادي من مفهوم الدورات الطقسية، والصلوات نوعان جهرية يتلوها الشعب وسرية يتلوها الكاهن أثناء الدورة. والصلوات الجهرية هي:

  • أرباع الناقوس وهي تذكارات لطلب صلوات القديسين تبدأ بدعوة السجود للآب والابن والروح القدس.
  • الذكصولجيات؛ وهي تمجيدات القديسين الذين أكملوا السعي.
  • الهيتينيات؛ وهي طلبات توسلية وتشفعية تعبيراً عن الشركة بين الكنيسة سواء على المستوي المنظور أو على المستوي غير المنظور وتلك الطلبات مختومة بفعل السجود للثالوث القدوس.
  • مرد الابراكسيس؛ هو تذكار لحدث العيد وتذكار القديسين مختومة بتمجيد الثالوث القدوس.

 

الصلوات السرية التي يقولها الكاهن أثناء دورة البخور، وهي كلها طلبات لاستمطار مراحم الله على الشعب في حياته العامة والروحية.

 

 الدورة الاحتفالية

الدورات الاحتفالية في الكنيسة كدورة عيد القيامة ودورة عيدي الصليب والشعانين ودورة الاحتفال بالقديسين هي تحوي تعابير كرازية ببشري الخلاص والانتصار وهي حركة طقسية قديمة جداً نقرأ في يوميات إيجيريا الأسبانية في حديثها عن زمن الفصح:” عند الصباح، دائماً كما في يوم الأحد يجري التطواف وما اعتيد عمله يوم الأحد، في الكنيسة الكبرى المعروفة بالمرتيروم التي في الجلجة…”[14].

           

هذه الدورات الاحتفالية؛ تشترك فيها الكنيسة كلها من كهنة وشمامسة وشعب – وإن كان لظروف الأماكن والأعداد لا تسمح بهذا – تعبيراً كرازياً عن إعلان سر انتصار ابن الله المتجسد، إعلان سر الخليقة الجديدة في المسيح يسوع، إعلان زمن الكنيسة كملكوت الله الحاضر، إعلان استحضار ما لابد أن يكون في حاضر اسخاتولوجي تحياه الكنيسة كحقيقة إيمانية.

 

من هنا؛ يمكننا أن نقول: الدورات الكنسية سواء الطقسية أو الاحتفالية هي إعلان سر المسيح لكل العالم في شركة بين السماء والأرض.

 

  • الألحان الكنسية

في حكمة بن سيراخ “وكان المغنون يسبحون بأصواتهم ويسمعون في البيت المعظم ألحانهم اللذيذة”.[15] ويقول أيضاً “جعل للأعياد رونقاً وللمواسم زينة إلى الانقضاء لكي يسبح أسمه القدوس ويرنم في قدسه منذ الصباح”.[16] وفي أرميا ” رنموا للرب سبحوا الرب لأنه أنقذ نفس المسكين من يد الأشرار”.[17] وفي أخبار الأيام “غنوا له، ترنموا له تحادثوا بكل عجائبه”.[18] نفهم من هذه الآيات مفهوم التسبيح للرب وبأيّ طريقة ولأيّ سبب، فالألحان الكنسية وطريقة التسبيح تحمل تعليم الكنيسة عن الخلاص، فكلمات الكتاب المقدس ومضمون قراءاتها نجده مشروحاً كفعل عبادة من خلال الألحان والتسابيح.

 

والتسبيح هو عطية الله للبشر كما تقول أنافورا القديس أغريغوريوس ” أنت الذي أعطيت الذين على الأرض تسبيح السيرافيم”. هذه العطية معطاة للبشر لأنهم منحوا أن يكونوا هيكلاً لله، أي أن التسبيح هو فيض نتاج حضور الرب الذي ملأ هيكله. والكنيسة تعلن حضور الرب من خلال الكلمات والإناث، تعبر فوق المنطوق إلى مستوي المحسوس لتتلامس مع الجنود الملائكية في تسبيح تصير معه الأرض سماء.

         

هكذا في نهاية الأمر نجد أن الكنيسة تقدم كل ما لديها من إمكانيات للتعبير عن سر الله للعالم، حيث يكون الاحتفال الليتورجي هو محاولة اكتشاف سر حضور الله على مستوى الإعلان الإفخارستي.

 

[1] عبرانيين 1: 1-2

[2] غلاطية 4: 4-5

[3] كولوسي 1: 26

[4] رومية 16: 25-26

[5] أنظر أوشيه سر الكاثوليكون في الكنيسة القبطية

[6] نفس المرجع السابق

[7] متى 28: 20

[8] أعمال 17: 30

[9] يو 13: 1

[10] رؤ 21: 3

[11] جامعة 3: 11

[12] يوحنا 3:16

[13] يوحنا 6: 68

[14] ايجيريا يوميات رحلة، منشورات مجلس كنائس الشرق الأوسط،1994، ص96.

[15] سيراخ 50: 20

[16] سيراخ 47: 12

[17] أرميا 20: 13

[18] 1 أخبار 16: 9

 

السنة الطقسية – الراهب القس أثناسيوس المقاري

انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان

مختصر تاريخ ظهور النور المقدس

مدرسة الاسكندرية اللاهوتية – د. ميشيل بديع عبد الملك (1)

القديسة مريم العذراء – دراسة في الكتاب المقدس

تقييم المستخدمون: 5 ( 3 أصوات)