سؤال وجواب

تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدس

تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدس

تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدس

تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدس
تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدس

 

24- كيف تخيل أصحاب مدرسة النقد الأعلى تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدَّس؟ وما هو الرد على مزاعمهم هذه؟

ثانيًا: الأدلة الموضوعية التي اعتمدت عليها نظرية المصادر

أورد أصحاب مدرسة النقد الأعلى دليلين موضوعيين اعتمدوا عليها في القول بنظرية المصادر، وهما التكررات، والمتناقضات، وفيما يلي نورد كل دليل من هذه الأدلة مع التعليق:

 (أ) التكرارات:

س 24: كيف تخيل أصحاب مدرسة النقد الأعلى تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدَّس؟ وما هو الرد على مزاعمهم هذه؟

ج: يقول أصحاب النقد “تحتوي التوراة أحيانًا كثيرة على روايات متعددة لحادث واحد، كما يتضح من الجدول الآتي:

 

الموضوع

المراجع

1-الخلقة

1- (تك 1: 1- 2: 4 أ)

2- (تك 2: 4 ب- 259

2-الطوفان

1- (تك 6: 5- 8، 7: 1- 5، 10، 12، 17 ب، 22، 23، 8: 6- 10، 12، 20- 22)

2- (تك 6: 9- 21، 7: 6- 7، 13، 16، 17، 18- 21، 24، 8: 1- 5، 7، 13، 14- 19)

3-ضم زوجات الآباء إلى حريم الملوك

1-سارة زوجة إبراهيم في مصر (تك 12: 10- 19)

2-سارة زوجة إبراهيم في جرار (تك 20)

3-رفقة زوجة إسحق في جرار (تك 26: 6- 11)

4-طرد هاجر

1- (تك 16: 4- 16)

2- (تك 21: 9- 21)

5-عهد الرب مع إبراهيم

1- (تك 15)

2- (تك 17)

6-العهد مع أبيمالك ملك جرار

1-مع إبراهيم (تك 21: 22- 34)

2-مع إسحق (تك 26: 26- 33)

7-تكريس بيت إيل

1- (تك 28: 18- 22)

2- (تك 35: 14- 25)

8-قصة يوسف

1- (تك 37: 3، 4، 12- 13 أن 14 ب، 18 ب، 21، 22، 23، 25، 26، 27، 28 ب، 34)

2- (تك 37: 5- 11، 13 ب، 14، 18، 19، 20، 22 ب، 24، 28، 30، 35، 36)

9-تأسيس الفصح

1- (خر 12: 1- 28، 43- 51)

2- (خر 13: 3- 12)

10-عبور البحر الأحمر

1- (خر 13: 17- 18)

2- (خر 14)

11-السلوى

1- (خر 16)

2- (عد 11)

12-مياه الصخرة

1- (خر 17)

2- (عد 20)

13-الوصايا العشر

1- (خر 20: 1- 17)

2- (تث 5: 1- 21 ب)

ويرى العلماء أن هذه الظواهر وأمثالها لا يمكن شرحها إلّا بوجود مصادر متعددة في التوراة. فقد كانت الأحداث الواحدة مروية في مصادر مختلفة، ثم دمج مؤلفوا التوراة بينها، وهذا ما يفسر وجود اختلاف في بعض التفاصيل بين أحداث الرواية الواحدة المتكررة، وهذا ما نراه بوضوح مثلًا في خبر ضم زوجات الآباء إلى الملوك. فمرة يأتي هذا الخبر عن سارة زوجة إبراهيم في مصر (تك 12) ومرة ثانية في جرار (تك 20) ومرة ثالثة عن رفقة زوجة إسحق في جرار (تك 26)”(1).

تعليق:

1-الخلقة: ذكر قصة الخلقة مرتين لا يعتبر تكرار، لأنه في الإصحاح الأول تكلم عن خلقة العالم كله في ستة أيام، موضحًا الخلقة التي تمت في كل يوم من الأيام الستة أما في الإصحاح الثاني فذكر راحة الله في اليوم السابع، ومباركته للإنسان، وبدأ يتكلم عن الجنة موضع آدم، ووصية الله له بعدم الأكل من شجرة معرفة الخير والشر، وتسمية آدم للطيور والحيوانات، وخلقة حواء من ضلع آدم، وكل هذا لم يُذكر في الإصحاح الأول، أما خلقة الإنسان والنبات والحيوان فقد جاءت في سياق الحديث مع وضع آدم في الجنة، وبذلك يعتبر الإصحاح الثاني امتداد لقصة خلق الإنسان الأول.

 

2-الطوفان: مثله مثل بقية القصص التي تم تقسيمها إلى قصتين، مع ملاحظة أن النقاد لم يتفقوا على طريقة واحدة لتقسيم القصة، فبعض الأجزاء التي قال البعض أنها نابعة من المصدر اليهوي مثلًا نسبها الآخر للمصدر الكهنوتي والعكس، كما إن تقسيم القصة إلى قصتين يفقد كل قصة منهما بعض العناصر الهامة في القصة، ويسلبها الترابط، وكمثال عملي لهذا نأخذ المثال الذي أورده “ريتشارد إليوت فريدمان” أستاذ اللغة العبرية والأدب المقارن بجامعة كاليفورنيا، والخاص بقصة الطوفان بين المصدر اليهوي والمصدر الكهنوتي:

المصدر اليهوي

المصدر الكهنوتي

الإصحاح السادس:

5 ورأى الرب أن الشر قد كثر في الأرض وإن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. 6 فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض. وتأسف في قلبه 7 فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء. لأني حزنت إني عملتهم 8 وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب.

الإصحاح السابع:

1 وقال الرب لنوح أدخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك. لأني إياك رأيت بارًا لديَّ في هذا الجيل. 2 من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرًا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرًا وأنثى. 3 ومن طيور السماء أيضًا سبعة سبعة ذكرًا وأنثى. لاستبقاء نسل على وجه الأرض. 4 لأني بعد سبعة أيام أُمطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته. 5 ففعل نوح حسب كل ما أمره به الرب. 10 وحدث بعد السبعة أيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض. 12 وكان المطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة. 16 وأغلق الرب عليه. 17 وكان الطوفان أربعين يومًا على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك. فارتفع عن الأرض. 18 وتعاظمت المياه وتكاثرت جدًا على الأرض. فكان الفلك يسير على وجه المياه. 19 وتعاظمت المياه كثيرًا جدًا على الأرض. فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء. 20 خمس عشر ذراعًا في الارتفاع تعاظمت المياه. فتغطت الجبال. 22 كل ما في أنفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات. 23 فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض. الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء فانمحت من الأرض وتبقَّى نوح والذين معه في الفلك فقط.

الإصحاح الثامن:

3 ورجعت المياه عن الأرض رجوعًا متواليًا- 6 وحدث من بعد أربعين يومًا أن نوحًا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها. 8 ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلَّت المياه عن وجه الأرض. 9 فلم تجد الحمامة مقرًا لرجليها. فرجعت إلى الفلك. لأن مياهًا كانت على وجه الأرض. فمد يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك. 10 فلبث أيضًا سبعة أيام أُخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك. 11 فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها. فعلم نوح أن المياه قد قلت على الأرض. 12 فلبث أيضًا سبعة أيام أُخر وأرسل الحمامة فلم ترجع إليه أيضًا. 13 — فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشف. 20 وبنى نوح مذبحًا للرب. وأخذ من البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح. 21 فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان لأن تصُّور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أيضًا أُميت كل حيّ كما فعلت. 22 مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل لا تزال.

الإصحاح السادس:

9 هذه مواليد نوح. كان نوح رجلًا بارًا في أجياله. وسار نوح مع الله. 10 وولد نوح ثلاثة بنين سامًا وحامًا ويافث. 11 وفسدت الأرض أمام الله وامتلأت الأرض ظلمًا. 12 ورأى الله فإذا هي فسدت. إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض. 13 فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأت ظلمًا منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. 14 اصنع لنفسك فلكًا من خشب جفر. تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. 15 وهكذا تصنعه. ثلاث مئة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعًا عرضه وثلاثين ذراعًا ارتفاعه. 16 وتصنع كوَّا للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتصنع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله. 17 فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. 18 ولكن أُقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. 19 ومن كل حيّ من كل ذي جسد اثنين من كل تُدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرًا وأنثى. 20 من الطيور كأجناسها ومن البهائم كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كلٍ تُدخل إليك لاستبقائها. 21 وأنت فخذ لنفسك من طعام يُؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها طعامًا. 22 ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل.

الإصحاح السابع:

6 ولما كان نوح ابن ست مائة سنة صار طوفان الماء على الأرض. 8 ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض. 9 دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك ذكرًا وأنثى كما أمر الله نوحًا. 11 في سنة ست مئة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء. 13 في ذلك اليوم عينه دخل نوح وسام وحام ويافث بنو نوح وامرأة نوح وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك. 14 هم وكل الوحوش كأجناسها وكل البهائم كأجناسها وكل الدبابات التي تدب على الأرض كأجناسها وكل الطيور كأجناسها كل عصفور كل ذي جناح. 15 ودخلت إلى نوح إلى الفلك اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة. 16 والداخلات دخلت ذكرًا وأنثى من كل ذي جسد كما أمره الله- 21 فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض. من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس. 24 وتعاظمت المياه على الأرض مائة وخمسين يومًا.

الإصحاح الثامن:

1 ثم ذكر الله نوحًا وكل الوحوش وكل البهائم التي معه في الفلك. وأجاز الله ريحًا على الأرض فهدأت المياه. 2 وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء فامتنع المطر من السماء. 3 – وبعد مائة وخمسة يومًا نقصت المياه. 4 واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط. 5 وكانت المياه تنقص نقصًا متواليًا إلى الشهر العاشر وفي العاشر من أول شهر ظهرت رؤوس الجبال. 7 وأرسل الغراب. فخرج مترددًا حتى انشقت المياه عن الأرض. 13 وكان في السنة والست مئة في الشهر الأول في أول الشهر أن المياه نشفت من الأرض. 14 وفي الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفت الأرض. 15 وكلم الله نوحًا قائلًا. 16 أخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. 17 وكل الحيوانات التي معك من كل ذي جسد الطيور والبهائم وكل الدبابات التي تدب على الأرض أخرجها معك. ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض. 18 فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه. 19 وكل الحيوانات وكل الدبابات وكل الطيور كل ما يدب على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك.

تعليق:

1- لم يذكر فريدمان من هو صاحب هذا التقسيم، إنما أورده بعد حديثه عن ثلاثة من أصحاب النقد الأعلى وهم فيتر، وجان استروك، وايخهورن، فمن منهم صاحب هذا الفعل؟! وهل لو قام كل النقاد بتقسيم هذه القصة.. تُرى هل سيتفقون أم إن أقوالهم ستتضارب، وهذا ما حدث في الواقع العملي إذ بينما نسب البعض منهم أجزاءًا معينة إلى مصدر معين خالفه الآخرون في هذا.

2-الذي قسم القصة إلى قصتين بهذا الشكل لم يشرح لنا المعايير والمقاييس التي اتبعها لتحديد مصدر كل جزء من القصة؟! فإذا كان المعيار الذي اتخذه لتفصيص القصة هو التكرار، فإنه بتقسيم القصة إلى قصتين لم يخلص من هذا التكرار، فمثلًا من التكرار الوارد في المصدر اليهوي قول الرب إنه سيمحو عن وجه الأرض كل الكائنات الحية فقد تكرر في نفس المصدر ثلاث مرات (تك 6: 7) ، (تك 7: 4) ، (تك 7: 23) وعمر نوح وقت الطوفان تكرر مرتين في المصدر الكهنوتي (تك 7: 6) ، (تك 7: 11) وتعاظم المياه وتكاثرها جدًا تكرر في المصدر اليهوي (تك 7: 18)، (تك 7: 19) ، (تك 7: 20) إذًا التكرار له قصد معين من الكاتب المُرشَد بالروح القدس وهو التوضيح والتأكيد وترسيخ معلومة معينة، وقد يذكر المعلومة مرة مجملة ومرة أخرى بالتفصيل، كما نرى في قصة الخليقة بين الإصحاح الأول والإصحاح الثاني من سفر التكوين، أما إذا كان معيار التقسيم الذي تم على أساسه تفصيص القصة إلى قصتين هو استخدام اسم “يهوه ” أحيانًا واستخدام اسم “إيلوهيم” في مواضع أخرى فإن الوحي قصد منذ البداية أن يقدم الله من خلال اسمين وكل اسم له دلالته، فاسم يهوه يشير للوجود المطلق ووحدانية الجوهر، واسم إيلوهيم يشير للقدرة الكلية وتثليث الأقانيم كما سنرى بعد ذلك بالتفصيل.

3- هنا عبارات وُضعت بالمصدر اليهوي فقط وهي تدخل في سياق القصة وضرورية لها، مثل إبلاغ الله لنوح بوقت الطوفان قبل حدوثه بسبعة أيام حتى يستعد ويخزن الطعام الكافي (تك 7: 4) والمدة التي استمرت فيها الأمطار وهي أربعين يومًا وأربعين ليلة (تك 7: 12) واكتشاف جفاف الأرض عن طريق إرسال نوح للحمامة عدة مرات (تك 8: 8- 12) وتقديم نوح ذبائح للرب من الحيوانات الطاهرة والطيور الطاهرة، ووعد الله بأنه لن يجلب طوفانًا آخر على الأرض (تك 8: 20- 22).. إلخ وأيضًا هناك عبارات وُضعت بالمصدر الكهنوتي فقط وهي تدخل في سياق القصة وضرورية لاستكمال الصورة، مثل أمر الله لنوح بعمل الفلك (تك 6: 14) وأوصاف الفلك وأبعاده وفتحات التهوية ووضع الباب (تك 6: 14- 16) والداخلين إلى الفلك (تك 6: 18) وأمر الله لنوح لأخذ طعام للطيور والحيوانات والدواب (تك 6: 21) وتفصيل أحداث الطوفان منذ حدوثه وحتى أن نشفت الأرض (تك 7: 6، 8: 4، 5، 13، 14).. إلخ.

فوضع بعض التفصيلات حسب المصدر اليهوي فقط، وبعض التفصيلات الأخرى حسب المصدر الكهنوتي فقط، هو دليل قاطع على إن القصة واحدة، وما فعله هؤلاء النقاد من تفصيص للقصة الواحدة ما هو إلّا نوعًا من العبث الصبياني الشيطاني بكلمة الله المقدسة، ولكن كلمة إلهنا ثابتة، والسماء والأرض تزولان ولا يزول حرف واحد من كلمة الله.

4-نتيجة تقسيم القصة إلى قصتين أدى إلى خلل في تركيب القصة وتسلسل الأحداث، فمثلًا وضعوا في المصدر اليهوي هبوط المطر على الأرض أربعين يومًا وأربعين ليلة (تك 7: 12) وعقب هذا مباشرة وضعوا إغلاق الرب لباب الفلك (تك 7: 16) مع إن إغلاق الباب حدث قبل المطر وليس بعده، وإن قال أحد إن نفس المشكلة ستظل قائمة في حالة ورودها كقصة واحدة، نقول هذا ليس صحيح لأنه بعد أن ذكر هبوط الأمطار عاد وذكر بعض التفصيلات فذكر من جديد دخول نوح وأسرته والوحوش والدبابات والطيور إلى الفلك (تك 7: 13- 16) ولذلك يأتي إغلاق باب الطوفان في (تك 7: 16) في ترتيبه المنطقي.

وأيضًا القصة التي وضعوها بحسب المصدر الكهنوتي فقدت التركيب والتسلسل فمثلًا ذكر في (تك 7: 16) الدخول إلى الفلك، وأعقبه مباشرة بتكوين 7: 21 عن موت الكائنات الخارج الفلك، وبذلك أغفل سقوط الأمطار، وجاءت متأخرة في (تك 7: 24) فعندما اقتطع الأحداث الخاصة بنزول المطر مدة أربعين يومًا، وتكاثر المياه وارتفاع الفلك وتعاظم المياه فوق رؤوس الجبال (تك 7: 17- 20) أخل بالتركيب الفني للقصة، بينما لو ذكروا القصة كقصة واحدة يظهر جليًا ترابطها وتسلسل الأحداث منطقيًا واختفاء أي ثغرات في القصة، ومثال ثالث للخلل في التركيب وهو إنه وضع إرسال الغراب في المصدر الكهنوتي (تك 8: 7) ولم يعد الغراب، فمن أين عرف نوح أن المياه جفت لو لم يُرسل الحمامة عدة مرات؟! وهذا ما إقتطفه من القصة التي نسبها للمصدر الكهنوتي.

5- ما اعتمدوا عليه من حجج للفصل بين القصتين له التفسير فمثلًا اعتقادهم بأن بعض الآيات ورد بها اسم يهوه والأخرى ورد فيها اسم إيلوهيم فقد أجبنا عليه فيما قبل، واعتقادهم بأن المطر استمر حسب المصدر اليهوي أربعين يومًا وأربعين ليلة، وبحسب المصدر الكهنوتي استغرق نحو عام له تفسيره، فان المطر ظل ينهمر مدة أربعين يومًا وأربعين ليلة، وقد بدأ انهمار المطر في 17/2/600 من حياة نوح (تك 7: 6) وانقطع المطر بعد أربعين يومًا، وفي 17/7/600 استقر الفلك على جبال أراراط (تك 8: 4) وظهرت رؤوس الجبال في 10/10/600 (تك 8: 5) ونشفت المياه عن الأرض في 1/1/600 (تك 8: 13) وجفت الأرض في 27/2/601 من حياة نوح (تك 8: 14) وبذلك تكتمل الصورة تمامًا وتتضح، وحجة ثالثة وهي اعتقادهم أن المصدر اليهوي ذكر سبعة أزواج من الحيوانات الطاهرة وطيور السماء ذكرًا وأنثى، بينما المصدر الكهنوتي ذكر زوج واحد، فهذا له تفسيره وهو إن الله ذكر الموضوع كجملة واحدة (تك 6: 19) ثم ذكر الأمر بتفصيل أكبر مفرقًا بين الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة فقال “من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرًا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرًا وأنثي. ومن طيور السماء أيضًا سبعة سبعة ذكرًا وأنثي” (تك 7: 2، 3) كما حدث عن قصة خلقة العالم إذ ذكر في الإصحاح الأول من سفر التكوين القصة مجملة، ثم وضع التفصيلات الخاصة بآدم وحواء في الإصحاح الثاني، وهذا ما دعاهم للقول بأن قصة الخليقة أيضًا مأخوذة من مصدرين، وحجة رابعة: وهي اعتقادهم أن المصدر اليهوي ذكر إرسال نوح للحمامة بينما ذكر المصدر الكهنوتي إرسال نوح للغراب والحقيقة أن نوح أرسل أولًا الغراب فلم يعد لأنه انشغل بالجثث الطافية على وجه المياه فأرسل نوح الحمامة عدة مرات حتى اكتشف الحقيقة الكاملة، وهكذا تكتمل القصة، وأرجوك يا صديقي أن تعيد قراءة القصتين بتمعن بعد هذه الملاحظات، وستكتشف كثيرًا من الخلل بحسب عقلك الراجح وليس بحسب ضعفي وعجزي.

6-ضم زوجات الآباء إلى حريم الملوك: ثلاثة حوادث اعتبرها النقاد حادثة واحدة مع اختلاف المصادر للقصة، ومن الواضح إن حادثة حجز فرعون لسارة ليتزوج بها (تك 12: 11- 15) غير حادثة أبيمالك ملك جرار لها (تك 20) غير حادثة قول إسحق عن رفقة إنها أخته، واكتشاف أبيمالك ملك الفلسطينيين لهذه الحقيقة وعتاب إسحق “فأوصى أبيمالك جميع الشعب قائلًا الذي يمس هذا الرجل أو امرأته موتًا يموت” (تك 26: 11) وهناك فروقًا واضحة بين القصص الثلاث، فالقصة الأولى والثانية تخصان سارة ولكن الشخص الذي رغب في الزواج منها مختلف، ففي القصة الأولى فرعون، وقد ضربه الرب هو وبيته ضربات عظيمة فاكتشف الحقيقة، وفي القصة الثانية أبيمالك ملك جرار وظهر له الرب في حلم وأعلمه بالحقيقة وأنذره. أما القصة الثالثة فقد حدثت مع رفقة، فهم ثلاث قصص وليست قصة تكررت ثلاث مرات بحسبما تصوَّر هؤلاء النقاد الذين فقدوا بصيرتهم الروحية.

7-طرد هاجر: تكرر طرد هاجر مرتين في المرة الأولى عندما كانت حامل بإسماعيل وتعالت على سيدتها ساراي “فأذلتها ساراي. فهربت من وجهها” (تك 16: 6) وأعادها ملاك الرب “فقال لها ملاك الرب ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها” (تك 16: 9) وفي المرة الثانية عندما كان إسماعيل يمزح مع إسحق “فقالت (سارة) لإبراهيم أطرد هذه الجارية وابنها.. فقبح الكلام جدًا في عيني إبراهيم لسبب ابنه. فقال الله لإبراهيم لا يقبح في عينيك.. كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها. لأنه بإسحق يُدعى لك نسل. وابن الجارية أيضًا سأجعله أمة لأنه نسلك” (تك 21: 10- 13) فمن الواضح أنهما حدثين وليس حدثًا واحدًا.

8-عهد الله مع إبراهيم: وتكرر هذا العهد مرتين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ففي المرة الأولى كان كلام الرب إلى أبرام في الرؤيا، وشكوى أبرام له من العقم، ووعد الله له بأن نسله سيكون كنجوم السماء. ثم تقديم أبرام ذبيحة للرب عجلة وعنزة وكبشًا ويمامة وحمامة، وقطع الرب ميثاقًا مع أبرام (تك 15) أما في العهد الثاني فقد حدث بينما كان عمر أبرام تسع وتسعين سنة، وغيّر الرب اسم أبرام إلى إبراهيم، وغيّر اسم ساراي إلى سارة، وأعطى الرب علامة العهد لإبراهيم “يُختن منكم كل ذكر فتختنون في لحم غرلتكم. فيكون علامة بيني وبينكم” (تك 17: 10، 11) وتمنى إبراهيم أن الله يبارك إسماعيل فقال له الرب “بل سارة امرأتك تلد لك ابنًا وتدعو اسمه إسحق. وأُقيم عهدي معه عهدًا أبديًا لنسله من بعده” (تك 17: 19).. فأين التكرار في القصة؟!

9-العهد مع أبيمالك ملك جرار: لا يوجد تكرار لأن العهد الأول (تك 21: 22- 34) كان بين أبيمالك وإبراهيم، وأعاد أبيمالك البئر التي اغتصبها عبيده إلى صاحبها إبراهيم، وقدم له إبراهيم سبع نعاج كعلامة لهذا العهد، فدعيت البئر بئر سبع، والعهد الثاني (تك 26: 26- 33) أُقيم بين أبيمالك وإسحق بن إبراهيم، وكان عبيد أبيمالك قد طمروا بئر سبع، فعاد عبيد إسحق وحفروها، واستردها إسحق بعهد سلام مع أبيمالك.. فأين التكرار؟!

10-تكريس بيت إيل: حدث مرتين في المرة الأولى عند هروب يعقوب من وجه عيسو، وفي نومه في الصحراء رأى في حلمه سلمًا منصوبًا من الأرض للسماء (تك 28: 12) “وبكر يعقوب في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه عمودًا وصب زيتًا على رأسه” (تك 28: 18) ونذر يعقوب لله أن حفظه وأعاده بسلام إلى أرضه يكون الله إلهه ويُخرج له العشور” (تك 28: 20- 21).

أما المرة الثانية فقد حدثت بعد عشرين عامًا، في عودة يعقوب من عند خاله لابان ومعه زوجاته وأولاده ومواشيه وغنمه، فظهر له الرب في ذات المكان الذي رأى فيه حلمه في المرة الأولى، فباركه وأعطاه اسمًا جديدًا ووعده بأن ملوكًا سيخرجون من صلبه، وإن الرب سيعطيه الأرض ولنسله من بعده “فنصب يعقوب عمودًا في المكان الذي فيه تكلم معه عمودًا من حجر. وسكب عليه سكيبًا وصب عليه زيتًا. ودعا يعقوب اسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل” (تك 35: 14، 15) فواضح أن المرة الأولى غير الثانية، فلا يوجد تكرار في القصة.

11-قصة يوسف: الذي يطالع القصة بتمعن يعرف تمامًا أنها قصة واحدة لا تكرار فيها، ففي الجزء الأول الذي فصلوه جاءت قصة حب يعقوب لابنه يوسف وصُنع قميص ملون له، وحسد إخوته، وذهاب يوسف لافتقاد سلامة إخوته، واحتيالهم له ليميتوه، ومحاولة رأوبين لإنقاذه وبيعه للإسماعيليين، وحزن يعقوب عليه، وفي الجزء الثاني من نفس الإصحاح جاءت أحلام يوسف، وحسد إخوته له، وتدبيرهم لقتله، وبيعه للإسماعيليين، وحزن أبيه عليه، فهي قصة واحدة متكاملة مترابطة قسَّمها أصحاب مدرسة النقد الأعلى لحاجة في نفس يعقوب.

12-تأسيس الفصح: في الموضع الأول (خر 12: 1-28، 43-51) يذكر عمل بني إسرائيل للفصح ليلة خروجهم من أرض مصر، وفي الموضع الثاني (خر 13: 3- 12) تأتي وصية موسى لشعبه لعمل الفصح متى دخلوا أرض كنعان. إذًا في موضع يذكر عمل الفصح كحدث تاريخي، وفي موضع آخر يذكر الفصح كعمل يجب أن يستمر من جيل إلى جيل، فأين التكرار؟!

13-عبور البحر الأحمر: في الموضع الأول (خر 13: 17، 18) لم يرشد الله شعبه إلى أرض الموعد مباشرة لئلا يعودوا إلى مصر، فأدار الشعب في طريق برية بحر سوف، وفي الموضع الثاني (خر 14) أمر الله شعبه أن ينزلوا مقابل البحر حتى يصعد فرعون عليهم، وفعلًا سعى فرعون خلفهم فغرقوا في اليم ونجى شعب الله، فواضح أنه لا تكرار في القصة.

14-السلوى: ذكر موسى النبي في (خر 16) قصة نزول السلوى في برية سين في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني من خروجهم من أرض مصر، وفي (عد 11) يذكر موسى نزول السلوى بعد اشتهاء اللفيف اللحم وتذمر بني إسرائيل، فأرسل الله لهم السلوى لمدة شهر كامل “وإذ كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع حمى غضب الرب على الشعب وضرب الرب الشعب ضربة عظيمة جدًا. فدُعي اسم ذلك الوضع قبروت هتاوة لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا” (عد 11: 13) فواضح أن السلوى نزلت مرتين، مرة في برية سين وأخرى في قبروت هتاوة، وفي زمانين مختلفين.

15-مياه الصخرة: ضرب موسى الصخرة مرتين، في المرة الأولى (خر 17) ضرب موسى الصخرة في رفيديم حسب كلام الرب “فتضرب بها الصخرة فيخرج منها ماء فيشرب الشعب. ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل” (خر 17: 6) أما في المرة الثانية (عد 20) فكانت في قادش وكان كلام الرب لموسى وهرون “كلّما الصخرة أمام أعينهم أن تعطى ماءها. فتخرج لهم ماء من الصخرة” (عد 20: 8) ولكن موسى تعدى الوصية وبدلًا من أن يكلِّم الصخرة حسب قول الرب ضربها “ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين فخرج ماء غزير فشربت الجماعة ومواشيها” (عد 20: 11) فغضب الرب على موسى وهرون وحرمهما من دخول أرض الموعد “فقال الرب لموسى وهرون من أجل إنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل لذلك لا تُدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها” (عد 11: 12) لأن الصخرة كانت تشير للسيد المسيح الذي صُلب مرة واحدة.. فأين التكرار؟!!

16-الوصايا العشر: وردت في المرة الأولى (خر 20: 1-17) حيث نطق بها الرب على جبل سيناء، أما في المرة الثانية (تث 5: 1-21) فقد ذكرها موسى النبي ليُذكِّر بها الجيل الجديد من شعب الله قبل دخولهم إلى أرض كنعان، وبين المرة الأولى والثانية نحو أربعين عامًا، فأين التكرار؟!

_____

(1) رسالة صديق الكاهن- سبتمبر 1971 م ص 35- 37.

 

تكرار بعض الآيات وبعض الأحداث في الكتاب المقدس

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !